السبت: 21/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

كل ثلاثاء- يوميات وزارة الأوقاف ج3

نشر بتاريخ: 18/03/2014 ( آخر تحديث: 18/03/2014 الساعة: 11:10 )
بثينة حمدان

ملخص الجزء السابق: تحدثنا عن خطب الجمعة لوزير الأوقاف وكيف تكون في حضرة الرئيس خطاباً سياسياً يؤمن بخطوات القيادة إلى حد النبوءة، وتصريحات الوزارة من البراعة الاعلامية إلى الملل والحاجة إلى التجديد!

أثر الخطبة... ما بين الدين والسياسة!

قادنا الحديث عن العلاقة ما بين الدين والنظام السياسي للتساؤل: هل استطاع الدين استقطاب الناس لاسيما بعد انقلاب حماس وتطور العلاقة ما بين مؤسسة الرئاسة –الفتحاوية- والمؤسسة الدينية المتمثلة بالأوقاف؟ في الحقيقة إن مئات خطب الجمعة على مدار سنوات ما بعد الانقلاب لنحو ألفي مسجد في الضفة الغربية، وعبر نحو 800 خطيب وإمام لم يستطيعوا زيادة الثقة بالقيادة أو بحركة فتح التي نافست نفسها في الانتخابات المحلية وتشتت وتفتت وفازت بالتزكية أو بالتحالف مع غياب منافس رئيسي هو حماس. هذا ويمكن الحديث عن ثبات "شعبية" فتح المتراجعة، وبقاء الرئيس الشخصية الأولى، رغم كل النقد والاحباط الموجود في الشارع الفلسطيني للقيادة رئاسة وحكومة وحزباً حاكماً تحديداً، لذا ستكون المعركة الانتخابية القادمة بمشاركة حماس واستمرار سيطرة الدين على الشارع الفلسطيني ب$ل والعربي شرسة ومفاجئة!

ولم تستطع خطب الوزير المنتمي لحماس سابقاً أن يقدم وجبة دسمة للشعب الفلسطيني في تعرية وكشف خطاب الاخوان المسلمين المتمثل في حماس، وبالتالي لم يكن محاججاً بامتياز كما أملت السلطة بل عزز الخطاب ثقافة الانقسام، فاكتفى بشتم وتكذيب حماس وتحميلها المسؤولية كاملة عن عدم نجاح المصالحة. وفي الوقت الذي تدعو فيه الوزارة للنأي بالمساجد عن السياسة والانتماء الحزبي إلا أنها لم تمنع الخطاب الموالي لفصيل مثل حماس لاسيما مع وجود نسبة كبيرة من الأئمة الموالين لحماس، ومع ذلك فكان مسموحاً فقط للوزير أن يغرق في السياسة في خطبه الدينية بل وتوجيه الخطباء للسياسة المرغوبة لديه كالدفاع عن الرئيس ضد تصريحات القرضاوي ونتنياهو ودعم مساعي القيادة في استحقاق أيلول وللرد على المسيرات الشعبية ضد الغلاء وأن الصبر مفتاح الفرج، ويذكر أن الوزارة تناولت ما قل من مناسبات وقضايا وطنية.

روح وفلسفة الدين في الخطبة

لا شك أن السياسة في خطب الجمعة بهذا الشكل أضرت بتحقيق رسالة الدعوى فلم تزد من ايمان المسلمين ولم تستطع استقطاب الأقل إيماناً أو غير المؤمنين، ولم تستطع تلمس الهم الوطني والاجتماعي.

يقول الدعاة إن الدين لا يتعلق بآداء العبادات والفروض والقيام بما أحله الشرع والابتعاد عما نأى عنه، فكم من ملتزم بالفروض سيء خلقياً، وكم من مثابر على فرض الصلاة تائه وشارد بين أزقة ومتاعب الحياة، بعيداً كل البعد عن الاحساس بروعة الخلق وعظمة الخالق. الإيمان يعني أن تشعر أثناء الصلاة أنك بين يدي الخالق، وأنك حين تقسط استخدام المياه توفر الأمل للأجيال القادمة، وأنك حين تساعد الفقير لا تقذفه حفنة الشواكل على عجالة من نافذة السيارة. والعبادة كما يوضحها فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي شعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادة التعاملية.

أن تخاطب الروح والقلب والعقل، أن تنقل المصليين السامعين إلى أبعد وأنقى مكان، الخطيب هو موظف أوقاف محدد بدوام لكنه حامل لرسالة الله ونبيه أشرف المرسلين! الحديث الديني يجب أن يكون سمحاً وبصوت نقي وعذب بلا صراخ ولا شتائم أو تكفير ولا توصيف يحقر الشاذين ومرتكبي المعاصي فيزيدهم شراً بدلاً من أن يستميلهم.

يحضرني هنا حالتنا التي لخصهاه الكاتب حسن صافي المسالمة مدير دائرة الدراسات القرآنية في الوزارة: "الاحساس بالمرارة يشتد .. حيث ضعف تأثير الدين في قلوبهم وأفعالهم، رغم ما نراه من أعداد غفيرة تؤم المساجد.. فإذا بذلك كله مظاهر لا حقيقة لها في داخل القلوب والنفوس، إلا من رحم ربك" وتناول اضطهاد المرأة أماً وزوجة وأختاً بدلاً من أن تكون للأم وللمرأة "عزيزة كريمة، في بيتها، وفي عملها، وفي وظيفتها، وفي كل حياتها، شامخة الأنف، أبية النفس، سلطانة أهلها".

إن النهوض بالأئمة والخطباء مطلب تعرفه الوزارة ولا يكفي ما تنظمه من اجتماع شهري لكل مديرية مع خطباء منطقتها، وما فائدته إذا لم يحرك الخطباء لتناول قضايا قريبة منهم وإذا لم يلتقي الخطباء بالشباب من كافة المشارب والتعرف على مصادر قلقهم وأسباب بعدهم أو قربهم من الدين.
في كل قرية ومدينة تطفو على السطح قضايا رأي عام وشائعات لابد أن يكون للدين رأي عادل فيها لاسيما مع ازدياد الجريمة. أليس المطلوب أن يقف الخطيب قريباً من هموم الناس حوله مخففاً عنهم معلناً رأي الدين المؤيد والمعارض. يريد الناس أن يصلوا إلى القناعة وليس التدين بحكم العادة، فالقناعة ترسخ الدين وتمدنا بالقوة لنستمر بها رغم مغريات الحياة والأفكار الفلسفية التي تذهب بالانسان للبحث بالماورائيات والغيبيات. لابد من أن تستحدث الوزارة نظاماً للشكاوي بحيث يقوم المصليين بتقييم الخطبة، وأن يكون متاحاً لها الاستماع ولوعشوائياً للخطب ومراقبتها عن بعد.
مواصفات الخطيب: الشرف

من أبرزها أن يكون مثالاً للشرف، وإن ارتكاب أحد الأئمة عام 2011 جريمة القتل بداعي ما يسمى الشرف لا ينتقص أو يسيء للوزارة، وهذا ما كتب عنه الكاتب برهان السعدي مدير عام الوزارة: "جريمة القتل مهما كانت مثيرة للاشمئزاز والتقزز لا تسقط عن مقترفها مواطنته، ولا تسيء لمواطني بلده أو قريته، رغم حجم الألم.. فإن هذا الجرم المقزز لا يسيء لمكانه الوظيفي أو وزارته، وهل حال المسلمين اليوم أو اقتراف معصية لمسلم يسيء لعظمة الاسلام".

نعم لا يسيء القتل للوزارة أو لأهل القرية، لكنه يسيء للمجتمع كله، لأن هذه الجرائم تحدث دون اعتراف بالخطأ ولا محاولات اصلاحه. إن الطبيب حين يرتكب جريمة نقولها باستغراب: طبيب ويقتل! أي أن وقع الوظيفة كان أسوأ من فعل القتل لما تشير إليه من علم وثقافة وتفهم لآلام الناس فكيف إذا كان خطيباً! الخطيب يجب أن يكون نموذجاً للأخلاق والدين الحسن، كان على الوزارة أن تعلن موقف الشرع الذي ينبذ هذه الجريمة، كان لابد أن تعلي صوتها ضد هذه الجرائم بدلاً من الصمت. ومع ذلك فلا غرابة في هذا الصمت: في مجتمع تغلب فيه الذكورة على الدين!

ومن جهة أخرى تنظم الوزارة ورشات تثقيفية للأئمة حول الايدز والمخدرات فهل هاتين الآفتين هما أبرز أولويات التوعية؟ إضافة لبعض الورشات عن الصحة الانجابية والعنف ضد الأطفال والفساد؛ جيد لكنه قليل، فحين نعلم مثلاً أن المنزل هو أكثر الأماكن عرضة لحدوث الأفعال الإجرامية بنسبة 49%، وأن 51% من أطفالنا تعرضوا للعنف داخل الأسرة وأن الآباء والأمهات هم المعتدي الأول على الأطفال... هل تأخذ الوزارة بهذه الاحصائيات؟

لقد انتقد الكتاب خطب الجمعة ومنهم احمد عوض الذي قال إنها تنتهي دوماً "بالدعوة إلى الوالي والترحم على الغوالي، وكأنا في أيام الباب العالي" مشيراً إلى عدم قيام المساجد بدورها وأن الخطباء يفتقدون للكفاءة وأن الوزارة تتابع المساجد بزيارة كل عامين!

والأكثر من ذلك فإن الوزارة تعترف بوجود أئمة لا يحملون شهادات في التجويد حتى طالب مدير أوقاف سلفيت الأئمة بالمسارعة للحصول على الشهادة. فكيف نعين إماماً بلا شهادة؟ كيف لوزارة تُعَلِّم التجويد أن تعين إماماً بلا شهادة؟ عدا عن اعتراف الوزير قائلاً: "هناك ضعف عند الخطباء في اللغة والتلاوة والأدلة الشرعية".

في الجزء القادم: مديريات الوزارة غياب أم تغييب إعلامي؟ تفوق الإناث على الذكور في مسابقات التجويد وتحفيظ القرآن المحلية وغياب عن المسابقات الدولية؟ هل هناك تفرقة عنصرية ضد المسيحيين؟

*تتناول المقالات والتي تنشر كل ثلاثاء في خمسة أجزاء، مسيرة عمل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية للفترة ما بين 19/5/2009 وحتى منتصف 2013، بتحليل 770 خبر ومقال و77 خبر عن خطب وزير الأوقاف، و50 خطبة عممتها الوزارة على مديرياتها منذ مطلع 2012 وحتى شباط 2013، وهيكلية واستراتيجية الوزارة وموقعها الإلكتروني، والمعلومات التي طلبتها من الوزارة كما فعلت مع وزارات المرأة والثقافة والإعلام.
لمتابعة اليوميات انضموا إلى صفحة الفيسبوك https://www.facebook.com/wzaratna?ref=hl
للتواصل أيضاً [email protected]
الجزء الاول http://www.maannews.net/ARB/ViewDetails.aspx?ID=678389
الجزء الثاني http://www.maannews.net/Arb/ViewDetails.aspx?ID=680405