كيف تتحدث الصحف العبرية عن الاسير رقم 7508043 - مروان البرغوثي
نشر بتاريخ: 29/06/2007 ( آخر تحديث: 29/06/2007 الساعة: 22:14 )
بيت لحم - معا- في معتقل هداريم يقبع الاسير رقم 7508043 وينتظر ان يشرع الفرج ابوابه يقرأ يوميا الصحف العبرية الثلاث اضافة الى كتب التاريخ والسياسية ويستقبل زواره من اعضاء الكنيست والساسة المختلفين .
لايوجد قرار حاسم لا يمر عبر زنزانته رغم ان جزء من الاسرائيليين يرون فيه مهندس الارهاب فيما يعتقد اخرون بانه الامل الاخير ، انه مروان البرغوثي الذي سيحاول مراسلو " نهاية الاسبوع " حل لغزه المحير .
بهذه المقدمة المختصرة افتتح الكاتب الاسرائيلي عوفر شيلح مقال مطول نشره في ملحق " سوف شفوع " التابع لصحيفة معاريف .
واضاف : قبل أن يوافق سلام فياض تولي رئاسة حكومة الطوارىء الفلسطينية، التي اعلنها أبو مازن بعد سيطرة حماس على غزة وحل حكومة الوحدة، طلب الحصول على موافقة أخيرة حاسمة اذ لم يكن فياض، وزير المالية الفلسطيني, السابق بحاجة الى شرعية العالم أو اسرائيل فان الادارة في واشنطن تحبه حبا خاصا، وهو من الفلسطينيين القلائل الذين ما تزال لهم علاقة بجهات اسرائيلية رفيعة لكن الشخص الذي يجب أن يوقع في رأيه نهائيا على وثائق توليه عمله يقبع في سجن هداريم في منطقة الشارون.
حصل فياض على الموافقة بعد ذلك في اليوم نفسه، بمكالمة هاتفية من المحامي خضر شقيرات، الذي التقى زبونه الأشهر السجين مروان البرغوثي.
لقد برهن البرغوثي بعد خمس سنين من اعتقاله مرة اخرى على أنه لا يوجد قرار سياسي في السلطة لا يمر عليه, "حكومة الوحدة" نفسها، ومسودات مختلفة لاقتراحات صفقة اطلاق سراح جلعاد شليط، وكل اجراء داخلي ذي شأن في فتح تقريبا، كل ذلك خرج من زنزانة البرغوثي أو صادق عليه في السنين الأخيرة.
منذ نقل في كانون الثاني 2005 من الزنزانة في سجن بئر السبع الى هداريم، وسُمح بزيارة المحامين إياه، وأفراد العائلة والساسة، أصبح البرغوثي في نظر الفلسطينيين سلطة اخلاقية ايضا، ذاك الذي يمثل أكثر من كل شخصية سياسية اخرى النضال وثمنه، وكذلك الشخصية السياسية الأكثر شعبية في المناطق ولكونه كذلك ، أصبح الجميع - من أبو مازن الى قادة محليين في السلطة الفلسطينية المنقسمة - يبحثون في ظلمة زنزانته عن السلطة والشرعية.
لو نافس البرغوثي في الانتخابات اسماعيل هنية لصوت 59 في المائة من الفلسطينيين له، وصوت 35 في المائة فقط لقائد حماس، كما جاء في استطلاع للرأي قام به معهد البحوث الفلسطيني للبروفيسور خليل الشقاقي في رام الله قبل اسبوعين. حتى في قطاع غزة، حصن حماس ومكان اقامة هنية، كان البرغوثي سيفوز بنسبة 55 في المائة مقابل 41 في المائة.
حتى لو تناولنا نتائج الشقاقي بشك، كما اعتادت جهات أمنية اسرائيلية أن تفعل أكثر من مرة، فان أحدا لا يشك في النهاية في كون مروان البرغوثي الزعيم الممكن الوحيد القادر على توحيد الجمهور الفلسطيني الممزق تحت عَلَم فتح، وربما يقوده الى قرارات حاسمة تاريخية تواجهه، هذه "ربما" كبيرة، ولا يستطيع حتى أكثر المؤيدين لاطلاق سراح البرغوثي حماسة أن يُقسِموا أنه قادر أو حتى يريد ذلك. لكن من الواضح للجميع أنه اذا وجد شيء ما فانه الشخص المناسب .
صعوده واعتقاله بديل أصيل عن عرفات
وُلد مروان البرغوثي في قرية كوبر قرب رام الله في سنة 1958، وانضم الى فتح في سن الخامسة عشرة بعد ذلك بثلاث سنين اعتقلته اسرائيل لأول مرة بتهمة الانتماء لفتح حيث امضى اربع سنوات ونصف في السجن، حيث تعلم العبرية.
بعد اطلاق سراحه أصبح قائد الطلاب في جامعة بيرزيت، وقاد مظاهرات كثيرة خلال الانتفاضة الاولى وابعد عام 1987 الى الاردن، التي عاد منها بعد اتفاقات اوسلو، كان أحد القادة البارزين لـ "الجيل الشاب" في فتح، وانتُخب أمين سر المنظمة في الضفة - وهو منصب خسره لصالح حسين الشيخ في سنة 2000، قبل زمن قصير من اندلاع الانتفاضة الثانية.
كزعيم شاب في فتح، يتكلم العبرية وقوي الحضور، أصبح البرغوثي ايضا محبوبا عند بعض اطراف اليسار والاعلام في اسرائيل لقد بدا بديلا جذابا وأصيلا عن عرفات الفاسد الذي يصعب تفسيره الذي لم يستطع قط أن يجذب قلوب الاسرائيليين .
المواقف التي عبر عنها البرغوثي كانت معتدلة نسبيا، لكن شخصيته كانت أكثر تأثيرا منها فهو فلسطيني نستطيع الحديث اليه مباشرة وأن نعقد اتفاقا معه .
عارض البرغوثي في بداية الانتفاضة العمليات داخل اسرائيل، وطمح الى الحفاظ على الصبغة الشعبية للانتفاضة لكن ضغط السارع الفلسطيني لمقابلة تضحية حماس ورد اسرائيل العنيف غيّر موقفه بالتدريج، وأصبح مشاركا أكثر فأكثر في حرب الارهاب.
وشكل اغتيال رائد الكرمي في كانون الثاني 2002 بالنسبة اليه وبالنسبة للتنظيم عامة، الخط الفاصل حيث انتابت البرغوثي مشاعر الذنب - فقد حظر على الكرمي تنفيذ عمليات بمكالمة هاتفية، وشعر بأنه غرس في قلب قائد كتائب الأقصى في طولكرم ثقة مبالغا فيها جعلته يسلك سلوكا غير حذِر، الاغتيال الذي قطع شهرا من انخفاض مستوى الأحداث العنيفة في الضفة، أفضى الى دخول رجال فتح لاول مرة دائرة المنتحرين.
في الخامس عشر من نيسان 2002 حصل "الشباك" على معلومة فحواها أن مروان البرغوثي يختبيء في بيت صديقه زياد أبو عين في رام الله ، كان البرغوثي، الذي نجا قبل ذلك بنحو نصف سنة من محاولة اغتيال، كان أكبر مطلوب في المناطق في اثناء عملية "السور الواقي"، حاصر جنود وحدة خاصة منطقة اختباء البرغوثي، واستُدعيت وحدة "دفدفان" الى المكان لتنفيذ الاعتقال.
علم رئيس الاركان شاؤول موفاز جيدا أنه يوجد في القيادة العسكرية والسياسية اختلاف في الرأي حول الحكمة من اعتقال البرغوثي، فقد عبّر رئيس "أمان" عاموس مالكا ورئيس لواء البحث يوسي كوبرفاسر أكثر من مرة عن شكوك تتصل بصحة فعل ذلك. وعرف موفاز ايضا أن وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر ليس راضيا عن الفعل حيث قال أكثر من مرة إن البرغوثي سيكون آخر الأمر زعيما فلسطينيا مهما، بل خاف أن يُقتل في اثناء العملية وأن يصبح أسطورة فلسطينية. لم يخبر موفاز، الذي كان مقتنعا بأن البرغوثي سيستسلم بن اليعيزر عندما جاءت المعلومة عن مكان وجود قائد التنظيم وانتظر حتى اصبح جنود "دفدفان" في ذروة الحصار . عندما اقترب الجنود منه خرج البرغوثي من مخبئه وسلّم نفسه الى قائد فرقة يهودا والسامرة، العميد اسحق غرشون.
زيارات دائمة من حاييم أورون
بعد الاعتقال وُجد الكثيرون ممن اعتقدوا أن الحديث عن حماقة ووصف مالكا العملية في أحاديث مغلقة "حماقة خالصة". منذ ذلك الحين، وفي فرص مختلفة، اقترحت غير قليل من الجهات الرسمية منها رئيس الموساد ومجلس الأمن القومي في الماضي، افرايم هليفي، اطلاق سراح البرغوثي ورفض رئيسا الحكومة شارون واولمرت جميع هذه الاقتراحات.
من وجهة النظر القضائية، ومن وجهة نظر أكثر الاسرائيليين، لا يوجد هنا سؤال: فالبرغوثي، الذي كفر بسلطة المحكمة، لكنه لم يدفع عن نفسه الحقائق، حُكم عليه بالمسؤولية عن قتل خمسة اسرائيليين وبمحاولة قتل، وأُدين بالسجن خمسة مؤبدات واربعين سنة وإن حقيقة عدم ادانته بالمسؤولية عن عشرات العمليات الاخرى، التي ظهرت في لائحة الاتهام، لم تُغير شيئا من صورته كرئيس للاركان في الانتفاضة الثانية، والشخص الذي أخرج كتائب التنظيم لتكافح اسرائيل كفاحا مسلحا، كانت ذروته الهجوم الارهابي الكبير في بداية 2002 يجب على شخص كهذا،كما يرى أكثر الاسرائيليين، أن يقضي عقوبته بلا عفو أو تسريح مبكر، "بعد أن يقضي خمس عقوبات بالسجن المؤبد واربعين سنة اخرى أكون مستعدا لبحث ذلك"، قال الوزير آفي ديختر.
لكن عندما يتعلق السؤال بالفائدة ومن اعتقال البرغوثي تختلف المعسكرات في الرأي: فمقابل ديختر، رئيس "الشباك" السابق والوزير من قبل كديما، يقوم نائب رئيس "الشباك" السابق والوزير من قبل كديما جدعون عزرا، الذي يعتقد أنه يجب اطلاق سراح البرغوثي لمصلحة اسرائيل ويأسف بعض الساسة و بعض المسؤولين الكبار في جهاز الأمن الذين يقولون ذلك بصوت منخفض وفي الغرف المغلقة، لاعتقال البرغوثي ومحاكمته، ويعتقدون أن من الأجدى لاسرائيل أن يعود الى الساحة الفلسطينية شخصا حُرا وأن يقود إحياء فتح مقابل حماس.
قبل اعتقال البرغوثي أراد اريئيل شارون أن يراه في أيدٍ اسرائيلية. أكثر من مرة، في مباحثات أُثير فيها اسم قائد التنظيم، كان شارون يسأل بصبر نافد "أين هو؟"، لكن يوجد أساس لزعم أن شارون في أواخر ولايته رأى البرغوثي الذي يمكث في السجن عبئا لا كنزا.
إن اقتراح اطلاق سراح البرغوثي مقابل تسريح جونثان بولارد من السجن الامريكي، الذي أُثير في دوائر سياسية في اسرائيل، وعلى حسب تقرير بن كاسبيت في صحيفة "معاريف" تم الفحص عنه بين رجال شارون والادارة الامريكية (ورُفض بشدة في واشنطن)، يشهد بأن شارون أراد البرغوثي في الخارج لكنه أدرك أن الجمهور الاسرائيلي يجب أن يحصل مقابل ذلك على تعويض من نوع خاص، اذا سُرح البرغوثي في صفقة يكون في مركزها الجندي المختطف جلعاد شليط، فان أكثر الجمهور سيرى ذلك خضوعا مُخزيا لحماس. كان يمكن أن يرى في بولارد، الذي لا سبيل اخرى الى تقصير مدة سجنه، اضافه خاصة، تُسوغ التخلي عن العدل. ومن جهة شارون، الذي لم يكشف قط عن شعور خاص نحو بولارد، كان الربح الحقيقي في الصفقة يكمن في اطلاق سراح البرغوثي .
كان للبرغوثي خلال سنوات سجنه الاولى ولفترة قصيرة نسبيا شريكا خاصا هو ابنه قسام الذي اعتقل في 2003، وادين بحيازة السلاح وتمت تبرئته آخر الأمر في آذار من هذا العام من تهمة المشاركة في عمليات اطلاق نار، بعد أن نجح محاميه أفيغدور فيلدمان في اظهار تناقضات في اقوال من حقق معهم "الشباك" وشهدوا عليه لقد أصاب اعتقال قسام ، البرغوثي بالاكتئاب، ورأى ذلك استمرارا لمطاردته الشخصية.
يحظى البرغوثي خلال السنين الأخيرة بزيارات ثابتة من زوجته فدوى، وهي زيارات مُنعت عنه في فترة سجنه الاولى. ومنذ سنتين ونصف له زائر آخر، كانت هويته سرا لوقت طويل هو عضو الكنيست حاييم أورون من ميرتس، الذي استغل زياراته للبرغوثي لتبادل الآراء ولنقل الرسائل من رئيسي الحكومة شارون واولمرت.
التقت تسيبي لفني ايضا البرغوثي مرة واحدة، وإن يكن رجالها قد زعموا رسميا أن اللقاء كان عرضيا وأنه حدث في اثناء زيارة لفني لسجن هداريم كوزيرة للعدل.
يرفض أورون، وهو أحد الساسة المستقيمين والموضوعيين في اسرائيل، الحديث عن اتصالاته بالبرغوثي حتى بعد الكشف عنها. من الواضح أن هذه الصلة تستغلها المؤسسة الاسرائيلية لاتصالات غير رسمية بالزعيم الفلسطيني السجين.
ومن الواضح ايضا أن البرغوثي مُطلع على آخر أخبار الاجراءات الدبلوماسية ومُشارك في الأحداث الفلسطينية الداخلية. فهو يُبلغ سريعا بكل ما يحدث مع واشنطن، يقول فلسطيني مطلع على سير الأمور"لا يوجد حديث لأبو مازن أو فياض الى رايس لا يعلم ما حدث فيه".
لقد تم الاتفاق على اتفاق مكة، الذي أفضى الى اقامة حكومة الوحدة الفاشلة بين فتح وحماس، في المحور المعوج بين زنزانة البرغوثي في الشارون ومكتب خالد مشعل في دمشق.
"رسالة السجناء"، التي صاغها في السجن مع عضو المجلس التشريعي عن حماس عبد الخالق النتشة، كانت الأساس والرخصة للاتصالات بين حماس وفتح بعد فوز حماس في الانتخابات. إن ضغط البرغوثي هو الذي جعل أبو مازن يُقيم لجنة تحقيق تفحص كيف سقطت غزة في يد حماس، وقد تُستعمل بالفعل أداة لعزل أو إبعاد أناس مثل دحلان.
هل البرغوثي مشروع رئيس؟
في مقالة تأسيسية نشرها الشقاقي في شباط 2002 في مجلة "فورين أفيرز" وصف الانتفاضة انها حدث فلسطيني داخلي.
وكتب أن الانتفاضة نشبت لا بسبب اخفاق مؤتمر كامب ديفيد فقط وتحطم المسيرة السياسية، لم يكن ياسر عرفات هو من فجرها كما زعم الاسرائيليون بل كان هدفها ، لقد ضاق الجيل الشاب من القيادة الفلسطينية - التي كان البرغوثي قائدها الأشهر والأكثر شعبية - ذرعا لا بالاحتلال الاسرائيلي فقط بل بفساد نظام عرفات ايضا، وبأن ثمار الحكم الذاتي سقطت في يد الرئيس ورفاقه القدماء فقط. إن الشيوخ الذين جاءوا من تونس ولم يُعانوا الانتفاضة الاولى، رفضوا أن يُدخلوا الى دائرة القرارات الحاسمة اولئك الذين مثلوا الميدان حقا ومكثوا في السجن الاسرائيلي، وثار هؤلاء. اذا كان يوجد أمل في قيادة فلسطينية في المستقبل، لخص الشقاقي، فانه كامن في التأليف بين الجيل القديم، الذي سيعطي الشرعية والاعتراف الدولي، والجيل الشاب، الذي يمثل قوة سياسية حقة.
لقد عزز موت عرفات جانبا واحدا حسب الشقاقي هو أبو مازن، وأبو العلاء وسلام فياض شخصيات غير شعبية على نحو ظاهر و تنقصها القوة القيادية الحقة وانها مهمة في الأساس بسبب غطاء الاعتراف والشرعية الذي تمنحه للفلسطينيين بازاء اسرائيل والعالم ، لكن البديل عن الجيل القديم لم يكن جيل الشاب بل حماس.
إن سنين من الانتفاضة حلّت فتح تماما التي بلغت الانتخابات للمجلس التشريعي ممزقة وبلا قيادة. فالبرغوثي في السجن، وحسين الشيخ وآخرون دُفعوا الى الحواشي. وفقد جبريل الرجوب ومحمد دحلان، اللذان علّقت اسرائيل عليهما آمالا في هذه المرحلة أو تلك القوة والتأثير كل واحد لاسبابه الخاصة. من بين الجيل الشاب، البرغوثي هو الوحيد الذي يملك أملا ما في أن يوحد فتح في مواجهة حماس.
في 2005 ألغى البرغوثي ترشحه للرئاسة، على رغم أنه كانت له احتمالات جيدة أن يفوز في الانتخابات، التي فاز فيها آخر الأمر أبو مازن. "لو كان الفلسطينيون انتخبوني لكي أرأسهم، فان جهات في اسرائيل كانت ستعمل آنذاك بجد لتسويد شخصيتي بزعم أن الفلسطينيين انتخبوا ارهابيا مرة اخرى"، قال البرغوثي في مقابلة نادرة من وراء القضبان (وكان آنذاك ما يزال في سجن بئر السبع) للصحفي الفرنسي بيير باربانسي. "هذا ما فعلوه لياسر عرفات في حياته وهذا ما يفعلونه بي ايضا".
لكن جهات فلسطينية تقول إن البرغوثي سيشارك بالتأكيد في الانتخابات القادمة، حتى لو كان ما يزال في السجن الاسرائيلي (وبالواقع، احتمال فوزه وهو سجين أكبر). يتصل ميله هذا، كما يقولون، بمصيره الشخصي بالطبع، فالبرغوثي الذي رأى محاكمته محاكمة تظاهرية وصمم على ان يضع نفسه في صف واحد مع محاربي الحرية الذين سجنتهم نظم حكم شمولية، مُحتاج الى شرعية الانتخاب الشعبي لكي يزيد الضغط من اجل اطلاق سراحه. ستُدفع اسرائيل آنذاك الى موقف شديد الاشكالية من العالم، الذي يشتاق الى قائد فلسطيني ليس من حماس، وسيصعب عليه أن يفهم لماذا تواصل اسرائيل احتجازه في السجن.
سمع البرغوثي مرة بعد اخرى عن احتمالات اطلاق سراح قريب، فقد أقسمت حماس ألا تطلق شليط من غير أن يخرج كبير السجناء حُرا، لكنه متنبه يقظ وعالِم بأنه اذا عُرضت على حماس صفقة مناسبة فان هذا القَسَم لا يساوي الكثير. ولست أخاله يريد ايضا أن يحظى بالحرية بفضل المنظمة المعادية، التي يتوقع له أن يناضلها نضالا شديدا منذ اللحظة التي يرأس فيها قوات فتح.
الشباك يعارض :البرغوثي أعظم فائدة وهو في السجن
"الشباك" هو المنظمة الاسرائيلية الرئيسة التي تبحث مع نفسها قضية البرغوثي. فلرئيسها يوفال ديسكن توجه الى المشكلة أكثر عقلانية من توجه ديختر. الاستنتاج العملي الذي يُعبر عنه ديسكن في المباحثات الداخلية يشابه استنتاج سلفه، لكن التعليل مختلف، فالبرغوثي، في رأي ديسكن، يأتي لاسرائيل بفائدة غير ضئيلة وهو في السجن، لكنه قد يضر منذ اللحظة التي يخرج فيها الى الخارج.
وهكذا فان اعمال البرغوثي من السجن، وفي ضمنها الدفع السياسي والجلالة التي يمنحها لأفراد كفياض، يمكن تفسيرها بالتأكيد كمواقف تنبع من رغبته في التحرر و يرى "الشباك" في البرغوثي السجين ذخرا مضاعفا، فهو غائب عن الميدان كقوة تنظيم، وهو شيء يُسهم في الانقسام الكبير للمقاومة الفلسطينية ويُسهل على محبطي الارهاب عملهم الدؤوب في قص الأعشاب، و مقابلة ذلك، لما كان يعلم أن احتمال أن توافق اسرائيل على تحريره يمر بعرض مواقف معتدلة، فانه يساعد مواقف كهذه - ويهب لها من جلالة السجين الفلسطيني الأول منزلة.
يوجد لموقف ديسكن هذا تأثير كبير وبخاصة في القادة الاسرائيليين، الذين يميلون في قضايا كهذه الى النظر الى جهاز الأمن والتعلق بمواقفه، في بداية الانتفاضة طلب افرايم سنيه الذي كان آنذاك نائب وزير الدفاع، من رئيس الحكومة ووزير الدفاع اهود براك إذنا بأن يلقى البرغوثي، في تلك المرحلة كان قائد التنظيم ما يزال يؤيد العمليات في المناطق فقط، وعارض العمليات داخل اسرائيل. أرسل براك سنيه الى ديختر الذي كان آنذاك رئيس "الشباك" وقال "إفعل ما يقول"، وألغي اللقاء بين سنيه والبرغوثي، واذا كان براك قد سلك ذلك السلوك، فكيف يكون حال اولمرت مع رئيس جهاز ذي سلطة واتزان مثل ديسكن؟.
يوجد منطق كبير في تحليل "الشباك" و في المقابل ، يجب أن نتذكر المواقف التي عبّر عنها البرغوثي قبل الانتفاضة، عندما اعترف بالفعل بأن حق العودة لا يمكن تحقيقه وتخلى بالواقع عن تحقيقه العملي وقال في السنين الأخيرة ايضا من السجن إن "الجميع يعلمون ماذا ستكون النهاية و يقصد أن حل النزاع سيكون بمخطط كلينتون - طابا، وأن الفلسطينيين سيضطرون الى التخلي عن جزء من أحلامهم.
الافراج ، امتحان لنوايا قادة اسرائيل
هل سيتغير البرغوثي حقا اذا أصبح حُرا؟ لا يمكن أن نعلم بالطبع، السؤال هو ما هي خيارات اسرائيل؟ لا يوجد أحد في الجهاز تقريبا يؤمن بجدوى مساعدة ابو مازن كأستجابه لضغط امريكي ولكي لا تُرى اسرائيل رافضة تقول على لسان مصدر استخباري رفيع "حتى لو أعطيناه ملايين وحررنا له مئات السجناء، لن يجدي هذا شيئا".
وهم " الجهاز " ينظرون الى القرار الذي اعلنه اولمرت في مؤتمر شرم الشيخ هذا الاسبوع، وفحواه أنه سيُطلق سراح 250 سجينا فلسطينيا من اعضاء فتح، في الغرف المغلقة كهبة قليلة جدا ومتأخرة جدا تهب الاشخاص غير الصحيحين للقائد الخطأ .
أبو مازن بلا تأييد في الميدان، وبلا قوة شخصية وسياسية، ودون التصميم المطلوب من اجل الخروج لنضال حماس والانتصار عليها، في صناديق الاقتراع أو في الشوارع.
لقد نبع فوز حماس في الانتخابات للمجلس التشريعي من عدة عوامل اهمها الفساد والانقسام داخل فتح وفقدان الأمل في ضوء الطريق السياسي المسدود، والصورة الطاهرة والمقاتلة للمنظمة الاسلامية، التي يراها الفلسطينيون كمن تحملت في الأساس مناضلة اسرائيل وأفضت الى انسحابها من غزة، بل طريقة الانتخابات الاشكالية.
قالوا آنذاك في جهاز الأمن إن فتح خسرت الانتخابات بقدر لا يقل عن فوز حماس بها، الآن، عندما ستضطر حماس الى تحمل المسؤولية وتعاني خيبة الأمل من اخفاقات الحكم، وتبدأ فتح في مقابلة ذلك عملية اعادة البناء والصياغة من جديد، قد يدور الاطار دورة عكسية.
مر أكثر من سنة، وفتح لم تُعد بناء ذاتها. لم ينشأ أي زعيم جديد، والمرشحون السابقون دُفعوا جانبا. لم ينشأ أي محور جديد لشيوخ تونس وشبان الانتفاضة.
البرغوثي هو الوحيد الذي يملك جلالة ومنزلة. إن حلفا ثلاثيا بينه وبين أبو مازن وفياض، اللذين يتمتعان بالشرعية في واشنطن وفي القدس، يبدو الآن الاحتمال الوحيد لقيادة تستطيع مواجهة حماس.
هل تريد اسرائيل تطورا كهذا؟ إجابة ذلك واضحة في ظاهر الأمر. من اولمرت وما دون، جميع القادة عندنا يتحدثون عن أملهم الكبير في قيادة فلسطينية سيكون في الامكان الحديث اليها. لكن اسرائيل في نشاطها الميداني، حتى في ايام براك وشارون في الانتفاضة الثانية واليوم ايضا، تسلك سلوكا مختلفا.
نفضت السلطة والرأي العام أيديهما تقريبا من القضية الفلسطينية ومن التفريق بين المعتدلين والمتطرفين، ومن يمكن الحديث اليه ومن يجب اطلاق النار عليه. حتى لقد وُجهت الى أحبة المؤسسة الاسرائيلية في الماضي كالرجوب ودحلان هجمات على قيادتيهما، وهو شيء نقل رسالة واضحة تقول إن اسرائيل كفّت عن التفريق بين الفلسطينيين "الأخيار" و"الأشرار".
إن مسألة البرغوثي بهذا المعنى امتحان لوعي قادة اسرائيل. لا يمكن أن نُجادل من يزعم أن البرغوثي أُثم في المحكمة وعليه أن يقضي عقوبته. سيكون من الواجب عليه أن يزعم أن هذا الثمن يساوي معنى بقاء البرغوثي في السجن: أي فقدان الأمل في المدى المنظور، في قيادة لفتح تستطيع مواجهة حماس وقيادة الشعب الفلسطيني في طريق اخرى.
تقول تلك الجهات الأمنية المستخفة بأبو مازن في الوقت نفسه، إن الضمان الوحيد لمنع تكرار السيناريو الغزي في الضفة وسيطرة حماس على الكيان الفلسطيني كله هو بقاء الجيش الاسرائيلي في كل مكان يوجد فيه، واستمرار الاحتلال بكل ما يحمل من معانٍ تتصل باسرائيل وبالجيش الاسرائيلي. من يقول انه يجب إبقاء البرغوثي في السجن، بسبب العدل أو لتقدير عملي، يجب أن يعلم أنه يوقع بذلك على استمرار هذا الاحتلال الى أن يصبح الفلسطينيون فنلنديين كما قال دوف فايسغلاس، أو الى أن يقوم برغوثي آخر. ومن الصحيح اليوم أن لا أحد يراه حتى في الأفق