الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شهود يستذكرون لحظات الاقتلاع من قراهم المُدمّرة قبل 66 عامًا

نشر بتاريخ: 12/05/2014 ( آخر تحديث: 12/05/2014 الساعة: 15:12 )
طوباس- معا - خصصت وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، بداية العام الثالث من برنامج" ذاكرة لا تصدأ" لتوثيق حكايات الاقتلاع من بعض قرى فلسطين وبلداتها لمناسبة السنوية السادسة والستين للنكبة.

ورسم محمد صالح العرجا، (أبو عاطف) معالم قريته الفالوجة ( قضاء غزة)، التي ولد فيها في 2 تشرين أول 1934:" كان عدد سكانها خمسة آلاف، وفيها بلدية، ومدارس ثانوية وابتدائية للبنات، ومركز صحي، ومحكمة، ومسلخ للحوم. وكانت متطورة، وتعيش على الزراعة والتجارة."

يسترد: " في إحدى أيام شهر نيسان، كانت الجو ربيعياً، وكنا نلعب في المزارع، عندما أوقفتنا سيارة عسكرية للجيش المصري، فسألني الضابط( يا جدع وين المستعمرة)، فأشارت له إلى مكانها، وصعد إلى خزان المياه في البلدة، لينظر بالدربيل( المنظار)، ثم ينزل بعد أيام قليلة بدأ الجيش يدخل البلدة، وطلب من الناس أن يحفتوا( يحفروا بلهجتنا) خندقاً حولها، وظلوا يقومون بهذا العمل لشهر، حتى انهوه."

حظي العرجا بفرصة للاحتكاك بالجنود المصريين، وكان يبيت بينهم في منزل أسرته، وتعرف على الأسلحة، وشاهد مدفع(أبو الستة رطل)، وراح يجر صناديق الرصاص معهم، وتعرف إلى الضابط القبطي "وحيد"، وشحاتة من المنصورة، وسعيد القادم من السويس."

يضيف:" عشنا تحت الحصار والقصف ستة أشهر، وكانت البلد كلها ساحة معركة، وصد الجيش المصري العصابات الصهيونية مرات كثيرة، وشاهدت بعيني الشهداء والجرحى والطائرات، وكان يظن الجنود المصريون أن الطائرات الإسرائيلية التي تقصفهم هي مصرية. وطلعنا من البلد أنا وأمي وعمتي وأخواني، وظل أبي فيها مع الجيش المصري، وروحنا على الدوايمة، وفقدنا عمتي في الطريق، قبل أن نعثر عليها. وعدت إلى الفالوجة لمساعدة قريبتي العجوز فاطمة البعم، التي قالوا لها أن زوجها استشهد، فما أن دخلنا البلد، إلا وإصابتها قذيفة، وشاهدت كيف قسمت جسدها إلى نصفين، واحترق شعر رأسها، وجاء زوجها الذي تبحث عنه ليدفنها بنفسه!"

استمر ترحال العرجا، ليتنقل بين الدوايمة، ويصل دورا ثم مدينة الخليل، فأريحا، ثم سوريا، فالأردن، وانتهاء بأريحا، حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية واعتقل لفترة، ثم ليستقر به الحال في مخيم الفارعة، بانتظار العودة التي نفذها بعد النكسة عدة مرات، فكان يفتش خلالها عن بيته، والمسجد حيث تلقى دروسه، وضريح وليها العراقي."

الريحانية وأم الزينات: عشق وألم

تستعيد السبعينية بهية صالح قريتها الريحانية القريبة من حيفا، والتي كانت تشتهر بصبرها وزيتونها وخروبها وحقولها. تقول: كانت البلد كلها عيون مثل بير الناطف، والهرامس، والشقاق، وعين البويضة، والصفصافة، وكانت عائلتنا كبيرة، ونشتغل ونزرع ونقلع، ونطحن مونة البيت 12 كيل قمح.

من الأراضي التي لا تنساها: البطيحة، والصفصافة، والنتاشة، والحج حسن، والجرماشة، وذراع نجم، ووادي الملح، والصوانة.

فر أبناء عائلتها وأهالي قريتها إلى بير الناطف، واحتموا ببيت المختار أسعد المصطفى، وسقطت عليهم القنابل، فأصيبت جميلة الخليل، وصفية الخليل، وشقيقها يوسف، الذي جرته مسافة قصيرة بعد عجزها عن رفعه، وحمل الشبان والرجال الجرحى على ظهورهم، وفروا.

تتابع: تبرع رجل اسمه القطاوي بكشف طريق البلد، وعاد ليخبرنا بأن الطريق أمان، وركضنا على أم الشوف، وكانت أغراضنا كلها، نحن ودار الفحماوي، وبيت محمود المصلح، على جمل واحد.

حين وصلت الحاجة صبح، وفق روايتها، ومن معها إلى بئر أم الشوف، سمعوا خالد الذيب قرب بئر القرية وهو يصرخ، ويقول لليهود من العذاب والقهر: "تعالوا اذبحونا، إحنا هون"، وتركوا البلد.

تروي بحزن: في عانين لم نجد بيتا، وبحثنا عن كهف قديم، نظفناه، وعشنا فيه مع دار خالتي سليمان السعيد، وانتقلنا إلى مخيم جنزور ( قرب قباطية)، وعشنا فيه حتى عام 1950، حتى نزل الثلج فوق الخيام، وخربها، ونقلنا الجيش الأردني إلى جنين، وصارت الوكالة توزع علينا الفحم والزبيب والخبز، وانتقلنا إلى جامع جنين 3 أيام، ورجعنا إلى جنرور. وبعد فترة مشينا من الصبح إلى العصر حتى وصلنا الفارعة، ولم نجد شيئاً نأكله غير اللوز الأخضر.

وبحسب رواية آمنة وراد يوسف صبح (كانت في التاسعة من عمرها لحظة النكبة)، فإن أهالي قريتها الريحانية المجاورة لحيفا، قرروا الانتقال لقرية أم الزينات المجاورة، بعد أن سمعوا إشاعات وأخبار عن دير ياسين، وكيف تقتل العصابات اليهودية النساء والرجال والحوامل. ولكن حينما علموا بهجوم اليهود على حوّاسة، صارت الناس تهرب.

واستناداً للرواية، فقد رحل أهالي القرية في الساعة الرابعة فجراً، بعد سماع أصوات إطلاق النار. ووصلت عائلتها إلى منزل خالها، الذي كان يعمل في رعي الأغنام بأراضي أم الزينات، في الخلاء، فنصب لهم بيت شعر. ولم يكن معهم شيئاً، فقد تركوا أغراضهم، وبقراتهم التسع، وحتى ملابسهم في المنزل، الذي لا زالت تحفظ جيران (الحوش) كرجا اليوسف، ومسعود السعيد، ومصطفى السعيد، ورجا السعيد.

تقول: كانت الدنيا، صباح يوم الهجرة، خطيطة(ضباب)، ولم نكن نشاهد لمسافات طويلة، ووصلنا بعد مدة قصيرة إلى إجزم المجاورة، وصارت الناس تسرق حالها، وترجع لإحضار الملابس والأغطية. وقعدنا فيها مدة شهر تقريباً، ولا أنسى كيف طلعنا منها، فقد كنا نستعد لتناول طعام الأفطار في رمضان، حين هاجمت الطائرات اليهودية القرية، ولم نأكل أفطارنا، وهجت الناس، وكنت أشاهد القيزانات( القذائف كما كانوا يطلقون عليها)، وهي تسقط في الحارة الغربية. وبعد ثلاثة أيام من الإقامة في دالية الكرمل، تحت الشجر، ودون أغطية وأي شيء، أغارت الطائرات علينا، وكان الكبار يقولون لنا ( نمن بين السمسم)، أما الرجال فيحتموا وراء الرجوم(أكوام الحجارة)، ثم أقمنا في المدارس ليلة، ولم يرحب بنا الدروز، وطلعنا منها الدالية غياب الشمس، ومشينا حتى منطقة( بيرة قطينة) في مرج ابن عامر، وشاهدنا الدبابات( من نوع لاند) خلال الليل من بين حقول الذرة، ثم كشفتنا أضويتها، وحطت الناس ايديها على قلبها، خوفاً من العصابات.

تزيد: ظلينا نمشي في الليل، ووصلنا إلى قريتي عارة وعرعرة، قرب أم الفحم، وكان الأولاد حافيين ويمشون على الأشواك، وحين شاهدنا الجيش العراقي على الحدود، أخذ يطلق علينا النار، ظناً منه أننا يهود، قبل أن يصرخ عليهم الرجال( احنا عرب..احنا عرب). ووصلنا إلى عانين( شمال جنين)، وقعدنا فيها سنتين، وأمطرت الدنيا علينا، وتبهدلنا، وعشنا في المغر، والخشاش( بيوت من الحجارة، قليلة الارتفاع). ولا أنسى كيف أن سقف الخشة في المطر، كاد يقع علينا، لولا أن أحضر والدي عمود خشب.

تنهي: بدأ الصليب الأحمر يصل إلينا، وصار يوزّع علينا الطحين والمعلبات، وعشنا أيام سوداء، ثم انتقلنا إلى حياة المخيم الصعبة، ولا ننسى ثلجة عام 1950 في الفارعة، وكيف انتقلنا إلى معسكر الجيش الأ{دني، بعد خراب الخيام من شدة الثلج.

قنير: حنين جارف

تنقل يُسر توفيق محمد صلاح (الشوبكي)، 86 عاماً، قصة هجوم العصابات الصهيوينة على قنير المجاورة لحيفا: كانت الدنيا وجه الصبح، عندما هجم اليهود على البلد، وطلع الناس منها دفعة وحدة، بعدما سمعوا أصوات إطلاق النار، وطلعت أنا وابوي وأمي وأخوتي: رشدي ورشيد ومحمد، وأخواتي: لطيفة ورشيدة. ركبت أنا وخواتي على الحمار، وأخوتي على الفرس، ووصلنا كفر قرع، وقعدنا في بيت زوج خالتي(شحادة) 20 يوماً، وكانت الناس تقول لبعض: بعد أسبوع بيرجع كل واحد على أرضه وداره!

تضيف: بعدها، انتقلنا إلى عرعرة لشهر، ثم وصلنا طوباس، ولم نُخرج من بيتنا أي شيء، وظل كل شيء على حاله فيها. وكنا ساكنين غرب عين الماء، وعنا 3 غرف وحمام ومطبخ، وحولنا أشجار العنب والتفاح والزيتون، وكان أبوي جمّالاً، وأخذني عدة مرات على حيفا، وشاهدت "الهادرار"، والبحر، والفينري. ولا أنسى، حتى اليوم، مشاهد الناس التي فرّت من قنير، وكانت مثل المسحبة التي أنفرطت حباتها، والقلة، والذلة، والخوف، والكحل الأسود.

صبارين: بوح حزين

ويرسم عبد القادر حمد محمد عبد الهادي، الذي أبصر النور عام 1932، مشهد اليوم الأخير لصبارين القريبة لحيفا، حينما طوقت العصابات الصهيونية البلدة من جهة جبل الُلبيدة، وراحت تهاجمها مع أم الزينات والكفرين والسنديانة.

مما سمعه وشاهده: حكاية يوسف أبو صيام، الذي كان يركب على عربة يجر حمار، ثم أخذه اليهود ووضعوه تحت شجرة خروب وقتلوة. وقصة طفل اسم( فؤاد الفارس)، حينما وصلت له العصابات الصهيوينة، وسألوه عن صاحب المنزل المجاور لبيتهم، فلم يعرف، وكان وقتها يأكل الخبز والجبن، فقالت لهم أمه، هذا طفل لا يعرف الجيران، أتركوه يأكل، فقتلوه قبل أن يكمل ما في يده. ومشهد رجل اسمه ارحيم، لما علموا أنه فلسطيني أطلقوا عليه النار من مسافة قريبة.

يتابع: كانت أمي تهرب وخلفها رجل من بلدنا اسمه جميل عبد المالك (أبو جمال)، واليهود خلفها يطلقون النار، وحين جاءت إلينا، شاهدنا عدة رصاصات( وكأنها لخرطوش) ثقبت حطتها البيضاء، وأجزاء من ثوبها. ولا أنسى كيف وزعت في بلدنا 500 بارودة على الشبان وصلت من سوريا، حين وضعت على البنادق الأرقام، وكتبت على أوراق أخرى أرقام مماثلة، وكان على الشاب أن يختار أحدى اليدين، ليُعطى الباردة المحددة. لكن المفارقة أن السلاح لكم يكن فعالأ، غير ثلاث بنادق فقط!

يضيف: حفر أخي محمد قرب البت خندقاً، وأراد أن يدافع عن الحي، لكن أخبار قصف الاحتلال للقرى المجاورة بالطائرات، جعل والدي يخاف عليه، ولم يسمح له بالبقاء وحيداً. وبعدها احتجزت العصابات نساء القرية اللواتي لم يخرجن، ووضعهن تحت شجرة خروب، وقتل بعضهن.

مما لا ينساه عبد الهادي، كيف أن منزلهم بقي على حاله، ولم يأخذوا أي شيء منه، فقد كانوا يربون سبع بقرات و35 رأساً من الأغنام، واعتادوا على صنع الزبدة والسمن والجبن واللبنة والعسل أيضا والبيض. كما لا تغادر ذاكرته حين خرح للعمل في أرضه بخلة عبيد، وطوقتهم كتيبة يهودية، فهرب أخي محمد للاحتماء خلف رجم حجارة، ولم يكن يحمل سلاحاً، ففروا جميعاً، وأنبطحوا أرضاً.

ينهي بقصيدة طويلة، كتبها حين كان يحيي بعض الحفلات الشعبية بالمخيم قبل سنوات، تفوح حنيناً لقريته، ومنها: "لأكتب كتابي لصبارين وأوديه، هي اللي سلبت عقلي وشدني هواها، من ماء أنهار صبارين يقطرن قوافي، ومن مفجّر عيونها رشوا مياها..."

مصمص: ذاكرة من وجع

ويستجمع عبد الرحمن محمد عبد الرحيم خطيب، المولود عام 1941، حكاية قرية مصمص التي رحل عنها قسراً، فيقول: انتقلنا إلى إجزم المجاورة، وحين بدأ قصفها بالطائرات، رحلنا مع موعد أذان المغرب، وأذكر أننا كنا في شهر رمضان، وبدأنا نمشي في عز الليل، ولا أنسى كيف شاهدنا سيدة كان طفلها يرضع على صدرها، وهما يغرقان في دمهما. ومشينا خطوات اخرى، ورأينا عجوزاً مقتولاً هو ودابته، التي كانت تحمل لحفاً وفراشاً.

كان خط سير نكبة خطيب من إجزم، نحو قنير، ثم عارة وعرعرة، وصلاً إلى رمانة، بجوار جنين، فمنطقة جنزور قرب مثلث الشهداء، حتى الفارعة، تخللته مشاهد قهر وألم ومعاناة لم تنته رغم مضي 65 عاماَ.

شحمة: جرح مفتوح

وترسم آمنة يوسف شاهين أبو هنية( 85 عاماً) مقاطع من الرحيل المر عن قرية شحمة جنوب فلسطين، والتي كانت تجاور: المغار، وقطرة، وبشييت، والمسمية، ويبنة. فتقول: كان أبي يزرع الكرسنة والعدس والسمسم والخضروات، ولا أنسى ألعاب العرائس والسيارات، التي أشتراها لي والدي.

تقول: كان زوجي يعمل مزارعاً، وعنده بئر ماء، وحين قررنا الرحيل بعد هجوم اليهود، عاد لإطفاء الماتور، وقال: هي يوم أو يوم ونعود. ثم واصلنا، وكانت الناس حافية، وطلعت في ملابسها، وكان صوت البارود خلفنا، وسمعنا عن نساء حملن المخدات بدل أولادهن من شدة الخوف. وأخفت أمي الكواشين والذهب والمصاري في العقود( مبانٍ عالية الارتفاع وسميكة الجدران). وركبت أنا وأختي صبحية على الحمار، وركب أخوتي وأبي على الخيل. وشاهدنا إمرأة مقتولة على جانب الطريق. ورأينا عجوزاً رفضت مغادرة منزلها، بعد أن حرقها اليهود داخل بيتها.

فرت العائلة وأهالي شحمة نحو خربة (مغلس)، ثم إلى بيت جبرين، فعجور، ثم وصلنا بني نعيم ( بمحافظة الخليل)، وسكنا فترة في المغر، وأثلجت الدنيا علينا وكسرت الزيتون من قوته، وكان جارنا شاكر عوض محاصراً في المغارة، وصار يطلق بالفرد النار ليفتح الطريق بالثلج.

الكفرين: وجع الذاكرة

ولا يكف أحمد عبد الله دغمان (المولود عام 1937)، عن نسيان مسقط رأسه الكفرين القريب من حيفا، والتي تعني بالتسمية القديمة (نجمة الصبح) كما يقول.

يشرع، وهو يتسلح بخريطة لبلدته، التي أعدها له رجا مصطفى صالح: الكفرين هي كل حياتي، ولا أستطيع أن أنساها ولو للحظة، وحتى اليوم أردد أسماء أراضيها الشعبية، كالحواكير، والمرشقة، وتلة الزعترة، وأم القرامي، وطريق العرب الذي كان يربط بلدنا بمرج ابن عامر ويافا، والبيادر، وبئر خميس، ووادي البزاري، وعين البلد، ووادي العرائس، ووادي الحنانة. كانت القرية تشتهر بالزراعة، وبخاصة الحبوب والحنطة والذرة البيضاء والملوخية، ولكنها تميزت بالفجل الذي كان يتضخم كثيراً ويتجاوز وزنه 2 كيلو غرام، ويذهب إلى أسواق حيفا.

يوالي: قبل أن نجبر على ترك الكفرين، منعنا والدي من أخذ أي أغراض، وقال لنا( سنعود بعدي يومين على الأكثر)، ورحل معظم الناس إلى أم الفحم، وانتقلنا منها نحن إلى سيلة الحارثية ورمانة، وبعضنا إلى جنزور ( قرب مثلث الشهداء)، ثم إلى مخيم نور شمس فالفارعة عام 1957.

مما لا ينساه دغمان من صور: الشاب محمد العسوس، الطويل والجهم، والمشهور بـ(السفياني)، الذي راهن جنود الجيش العراقي، الذي كانوا يدافعون عن القرية، قبل الانسحاب، أن يحضر لهم المجندة الصهيوينة التي كانت تطلق النار من فوق جبل بيت راس، فما أن كاد أن يصل لها، إلا وظنه جندي عراقي من العصابات الصهيوينة، فأطلق عليه النار، ليتدحرج من فوق الجبل، إلى قاع الوادي مثل الكرة، وأكلت البلد تراب حزناً عليه.

بعلين: فصول مُرّة

فيما أعادت السبعينية زينيب حسن جوابرة، رسم ملامح قرية بعلين المُدمرة خلال نكبة عام 1948. بتفاصيل دقيقة لبيوتها وبساتينها وشوارعها وعاداتها وتقاليدها ولحظات الاقتلاع منها.

وقالت جوابرة، التي ولدت عام 1942، إن بيت جدها المختار جبر حسن جوابرة، كان عدة غرف متجاورة من الطين ومسقوفة من قصب وادي البرشين القريب وتل الصافي، تتوسطه ساحة كبيرة، وسكنته أربع عائلات، وقبل وقت قصير من النكبة رممته العائلة، التي كانت تعيش معاً، وتجتمع على مائدة واحدة، في منزل تعلوه عدة أقواس. فيما كان الرجال يتسامرون في الديوان، وليس ببعيد منه خصص المختار مربطاً لخيول ضيوفه.

تبدل حال القرية في صيف عام 1948، حين شرع الأهالي بالخروج منها نحو كرومهم أول الأمر، لكنهم سرعان ما خرجوا منها. واختارت عائلة جوابرة الذهاب نحو (دير الغربان) حيث عمتهم، وما أن وصلوها إلا وجدوها تستعد للرحيل، فخرجت الأم كما الأهالي، نحو الخليل.

كانت زينب( الرواية) تمسك بثوب أمها من جهة، وشقيقها عوني الذي يكبرها بسنتين من جهة أخرى، وتحمل أخيها على رقبتها، وأخيها الأصغر الرضيع محمد( 40 يومًا) في حضنها، فيما رفض عمها أحمد الخروج. وأخذت العائلة تسير وسط الظلام، دون أن تدري أين تذهب، إلى أن فقدت عوني.

تقول الحاجة زينب: سألتني أمي عن أخي، فقلت لها إنه يمسك بثوبها، فلم تجده، وصارت تصرخ وتقول ضاع عوني، وكنا في وادٍ، وسمعنا جوابًا من بعيد، يقول إن عوني مع أم يوسف. وفي الصباح لحقنا أبي، بعد أن انتهت ذخيرته، ورجع للبحث عن أخي، ولم نجده إلا بعد 3 أيام. ووصلنا لبيت جبرين، ثم أخرجونا منها، وواصلنا المشي إلى ترقوميا وأذنا، ثم إلى الخليل، وأقمنا في حلحول شهراً، ولم نجد ماءً، وانتقلنا لعقبة جبر، ولم نجد خياماً، وجلسنا في العراء، وفاعت العقارب علينا، وتوفي الطفل مصطفى إسماعيل بلدغة منها. وصار الناس يشتكون من العقارب، وحين جاء المسؤولون، رأيتهم وهم يُنزلون خيوطا في شقوق الأرض، لتخرج بعقربين، وطلعنا من العوجا إلى الفارعة، ووصلناها بعد أكثر من سنة ونصف من رحلينا.

تاريخ شفوي

بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، إن "ذاكرة لا تصدأ" استطاع خلال سنتين، وبشكل دوري كل شهر، توثيق أكثر من 45 رواية شفوية لشهود عيان عاصروا النكبة، وأعادوا بناء ملامح قراهم ومعالهما الدقيقة ونقلوها لأحفادهم، بقالب إنساني مؤثر يحفل بالدلالات.

فيما أكد نافز جوابرة، من اللجنة الشعبية، أن البرنامج تحدث عن المدارس، ومواسم الزراعة، والعلاقة بالأرض، وحكايات المهن، ومواسم الشتاء، وطقوس رمضان والأعياد، وعادات الزواج، والكثير من تفاصيل الحياة التي كانت سائدة قبل 66 سنة.