الأربعاء: 08/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

طفولة مسلوبة بين أغصان الفقر

نشر بتاريخ: 24/05/2014 ( آخر تحديث: 24/05/2014 الساعة: 14:52 )
الخليل - خاص معا - يعشرات الأطفال يعيشون في منطقة المفقرة، الواقعة على بعد 30 كيلومتر شرق مدينة يطا في الجنوب من محافظة الخليل، والتي يعيش فيها ما يقارب 120 فرد مكونة من عشر عائلات جميعهم من الحمامدة، فيها حياة تكاد أن تكون تحت خط الفقر، إنها سلسلة درامية لكن من نوع التراجيديا تكللت بمشاهد متناقضة بين ألم ويأس ... وفرح وأمنيات بسيطة لأطفال ليسوا بأطفال.

بمشهده الاول يعزف هؤلاء الأطفال أمنياتهم على أوتار موسيقية حزينة، فهم كبقية البشر عندهم احلام "نفسي بلعبة ...وفطبول" غردت سمر بهذه الكلمات، فهي لا تعرف ما هي الالعاب ولم تحصل عليها يوما بأعوامها العشرة التي تعيشها للحظتنا هذه.

أنهكهم الفقر وسرق منهم كل شيء لترى عيون اثقلتها هموم الحياة، فلا شيء يشبه هذه المغر أو الكهوف التي يقطنون فيها منذ زمن بعيد، بدون كهرباء ولا أي شي سوا سقف يكتسيه السواد والعفن، ورائحة رطوبة قاتلة، وأغراض متكدسة فوق بعضها لصغر المكان، فنهارهم ليل اذا ما خرجوا لضوء النهار ... وليلهم حالك اذا ما اشعلو مصابيح الغاز، وصحة لا مكان لها في عالمهم، وما ان مرضوا فعلاجهم الاعشاب ونادرا ما يتوجهون للأطباء لبعد المسافة عن المدينة، ولعدم وجود مبلغ مالي يغطي كشفية الطبيب ومصاريف الدواء.

وبمشهد جديد من حياة مُخَطّبَة بالفقر والبؤس والحرمان، تقول منى ابنة الثلاثة عشر ربيعا ... وطالبة في الصف السابع: "ما بدي غير كهربا لأدرس بالليل لأنو مش دايما بدرس بالنهار"، لتسرد لي جانب من يومها مضيفة:" الصبح بطلع ع المدرسة ولما اروح ع البيت بنساعد امي بشغل الارض وتربية المواشي وما بظل وقت" .
|281517|
فأنظر الى كل ما هو حولي لتتوارى عيناي عن أشياء كثيرة، وأغط البصر عن أكثرها مركزة انتباهي على حال احمد ابن العامين والنصف وهو يسير ليجلس على الارض وتظهر عليه علامات الحزن وترتسم الدموع على وجنتيه، فها هم يمشون حفاة عراة رغم حر الصيف والأرض الممتلئة بالحجارة والأشواك ولا تجد عليهم سوا بضع ملابس ممزقة ومتسخة لا يملكون غيرها، لا يوجد ما يقي ارجلهم ولا اجسامهم، فالله وحده الحامي.

تطور المسلسل بمشاهده ... فمن يلملم بقايا طفولة ممزقة، ومن يعيدها لهم بعد أن حرموا من لذة الاستمتاع بها في وقتها، لتقول لي هبة ابنة الخمسة عشر ربيعا والتي تركت مدرستها : "كبرت وأنا نفسي العب مثل الاطفال ... واعيش ببيت نظيف "، تمعنت في حديثها وفي طريقة كلامها مضيفة لي: "اليوم بدي يكون عندي انترنت لاني سمعت عنو واخذناه بالمنهاج"، فعلى الرغم من اننا نعيش في القرن الواحد والعشرين الا ان هناك من لا يعيش بعصر التكنولوجيا ولم يتعرف عليه سوا من كتب المدرسة.

علاوة عن عيشهم طفولة مجروحة ومن انهم اطفالا بالاسم فقط، الا ان في ابتسامتهم سحر من نوع خاص تمنح كل من يراها طاقة لا نهاية لها، لتتحدث سمر: "احنا لازم نضحك ونلعب ونعيش"، وتكمل هبة حديث اختها :"هيك نصيبنا ... ورح نعيش كل يوم بأمل وفرحة ... لأنو ربنا ما بنسى حد".

عقدة المسلسل لا حل لها، "فبين حانا ومانا ضاعت لحانا" هو حال المناطق المصنفة (C)، هنا تسلب جميع الحقوق بالعيش في حياة كريمة، ليتخلى الجميع عن مسؤولياته اتجاههم، فمجتمع صادر احلامهم بتهميشهم، ودولة متمثلة ببلديتها امتنعت عن الاعتراف بهم وجعلت من مشاكلهم وقضاياهم آخر ما يمكن أن يفكروا به؛ لأنهم ليسوا ضمن سلم اولوياتها ولا ضمن الاراضي التي تحكمها السلطة ...

لا شيء من دون ثمن وحفاظهم على ارضهم كلفهم خسارات متعددة لكن !
الى متى سيعيش اهالي المنطقة مغتربين في وطنهم ؟

وهل ستبقى امنيات اطفالهم تتوارى خلف سياسات مجهولة ومجتمع لا يراهم ؟

اعدت هذا التقرير : اسيل ابو فرده ضمن مشروع الاعلام الريفي الذي تنفذه شبكه معا