الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل بدأ الطلاق السياسي بين اليمين الإسرائيلي ويهود أمريكا؟

نشر بتاريخ: 24/05/2014 ( آخر تحديث: 26/05/2014 الساعة: 16:15 )
بيت لحم- معا - تشهد الساحة السياسية اليهودية داخل الولايات المتحدة حالة استقطاب سياسي يهدد استقرار التحالف الذي استقر بين اليمين الإسرائيلي ويهود أمريكا بعد انتخاب "مناحيم بيغن" المفاجئ لرئاسة الوزراء في أيار من العام 1977 الأمر الذي أصاب في حينه أركان الجالية اليهودية الأمريكية بالصدمة، وفقا لما أفاده اليوم السبت مراسل صحيفة "هأرتس" في نيويورك الصحفي"حاني شيلو".

وشكل "بيغن" المعدل والتهابي" صاحب الجينات الأوروبية الشرقية الى جانب مؤيديه الشرق أوسطيين تحديا وخصما لمؤسسي "الدولة" مثل "بن غوريون، "غولد مائير"، وظهر كنقيض مطلق "لأبطال الأمة " مثل "موشية ديان" و"يغئال الون" وعلى الوجه الخصوص "بول نيومان" فهو بالنسبة لهم كرجل الأسطورة الكنعاني في سفر الخروج فخلافا لدائرة المؤيدين الضيقة التي يتمتع بها "بيغن" داخل منظمة "ايتسيل" رأت غالبية مكونات المؤسسة اليهودية العالمية بانتخابه مأساة جديدة.

لكن تدخل الحاخام: الكسندر شيندلر" رئيس الحركة الإصلاحية ومن كان في ذلك الوقت رئيسة للجنة رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة قلب الصورة رأسا على عقب وفي وقت قياسي خاصة وان الحاخام المذكور ليبرالي صريح وواضح فيما يتعلق بقضية السلام والدين والدولة .

وصل الحاخام على وجه السرعة الى إسرائيل لتهدئة الثورة التي انفجرت في أوساط يهود أمريكا واجتمع فور وصوله مع "بيغن" وقد دخل الاجتماع والقلق سيد الموقف وخرج منه مبهورا ليقول بعد الاجتماع "انه أول زعيم إسرائيلي أقابله يهتم بهويته اليهودية أكثر من الإسرائيلية رابين تعامل مع يهود أمريكا كغرباء لكن "بيغن" يهتم بهم جدا".

وشكل اجتماع "الحاخام- بيغن" بداية لقصة غرام طويلة بين اليمين الإسرائيلي ويهود أمريكا استمرت رغم النكسات والتذبذب الذي شهدته العلاقة طيلة هذه السنوات ولافتقاد "اسحاق شامير" كاريزمية "بيغن" احضر إلى جانبه "نتنياهو" الذي يتحدث الأمريكية "لغة وسياسة" وشهد عهده سيطرة نشطاء اليمين على مفاصل منظمة "الايباك" ولجنة رؤساء المنظمات اليهودية وقدموا المساعدة لليكود أثناء حكمه، لكن حين حان دور حزب العمل لتولي السلطة فشل شيمعون بيرس الذي يتحدث"الأوروبية" وليس "الأمريكية" في تجنيد دعم يهود أمريكا في وقت كان دعم هؤلاء مهم جدا بالنسبة له، فقد ساعدوا شامير على تخريب اتفاق لندن المبرم مع الملك حسين ورفض مبادرة وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز وبعد فترة لم يخف يهود أمريكا تحفظاتهم على اتفاقية أوسلو والمصالحة مع ياسر عرفات.

حين نتحدث عن رؤساء المنظمات اليهودية في أمريكا فإننا نتحدث عن جيل من الناجين من المحرقة النازية أو أولاد هؤلاء الناجين وأمريكيين يخضعون لتأثير ضميرهم القائل بأن آباءهم لم يفعلوا ما فيه الكفاية أثناء المحرقة النازية، وتربوا وعاشوا تحت تأثير أحداث بارزة مثل إقامة الدولة وحرب الأيام الستة والنضال من اجل يهود الاتحاد السوفييتي، لكن مفعول وسريان هذه القصص والإحداث اخذ بالنفاد ووصل تقريبا إلى النهاية واطل الإسلام "المتطرف" برأسه وظهرت العمليات "الانتحارية" وعلى رأسها تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وهنا تجندت المؤسسة اليهودية الرسمية لمحاربة "محور الشر" وأزاحت إلى الهامش قضايا مثل ظلم الاحتلال وتحول إسرائيل التدريجي نحو اليمين.

وكما يقول المثل جيل يذهب ليأتي جيل آخر وهناك من يفقد اهتمامه بإسرائيل وهناك من يواصل طريقه كما هي وجزء بقي على صهيونيته، فيما يشق جزء آخر طريقه باتجاه مختلف وهنا يدور الحديث عن تراكم خطوات ضمن عملية وتحت تأثير أربعة تطورات أساسية هي: الاستقطاب السياسي الآخذ بالازدياد والاتساع داخل الولايات المتحدة، ودفع اليمين اليهودي نحو مزيد من اليمينية واليسار اليهودي خارج الحلبة، ومواقف اليهود الشبان الليبرالية وميلهم نحو التعددية وإصرارهم على مراقبة سلوك وطريق إسرائيل، وأخيرا مشاعر الرفض التي يكنها يهود كثر اتجاه الأفكار المتطرفة التي يتبناها الحزب الجمهوري وما تعنيه من دعم وتأييد لليمين الإسرائيلي والشعور بأن إسرائيل وممثليها مثل منظمة "الايباك" تخوضان حربا لا هوادة فيها ضد إدارة الرئيس اوباما الذي صوت الكثير من اليهود لصالحه ويسعون لتوريط إسرائيل في حرب ضد إيران.

الان يسمع الجميع أصوات الجليد المتكسر ويشعرون بالأجواء الجديدة الملتهبة ويجري اليهود الاصلاحيون والمحافظون لأول مرة نقاشا وجدالا لم يحدث مثله سابقا حول سيطرة الارثوذكسية على إسرائيل وهناك منظمات يهودية مثل "جي ستريت" تنتقد الدعم التلقائي الذي تحظى به إسرائيل ضد الفلسطينيين، وباتت الأراضي الأمريكية بطولها وعرضها وجامعاتها وكنسها ومراكزها الجماهيرية ساحة للصراع الحزبي والمواجهات التي تقسم المعسكر اليهودي وتزعز القواسم المشتركة بين اليمين واليسار اليهودي.

تابع، ودرس تقرير شامل ومعمق صدر هذا الأسبوع عن معهد سياسات الشعب اليهودي مواقف يهود العالم من قضية إسرائيل بصفتها دولة "يهودية ديمقراطية"، وأكد أن الحلم الإسرائيلي ليهود العالم يشبه في كثير من الأحداث حلم الإسرائيليين انفسهم ورغم ان غالبية معدي التقرير المكتوب بطريقة جيدة جدا ومصاغ بشكل ممتاز مدعومين من مولين ورجال أعمال يتبعون المؤسسة اليهودية فإن المتمعن يلاحظ احتواء التقرير على وجهتي نظر أو على سفينتين تبحران في اتجاهين مختلفين تتعمق طالما أصرت إسرائيل على تحديد هويتها اليهودية، وشدد على يهوديتها مقابل تراجع التزاماتها الديمقراطية فإن لحظة الفراق بين السفينتين تقترب.

وتشعر حكومة إسرائيل وفقا لتقرير مراسل صحيفة "هأرتس" بالأرض تموج من تحت أقدامها، ولكن بدلا من ان تنظر لنفسها بالمرآة يصر قادتها على ربط وتعليق التهم والذنب بالاستيعاب والفهم ومواضيع الاختلاط والتعليم اليهودي الخاطئ وهكذا ولدت المبادرة المشتركة "لدولة إسرائيل والشعب اليهودي" المبادرة التي تستقبل هنا في أمريكا بالكثير من الشك خاصة وان ما يقلق نقباء المنظمات اليهودية ليس الابتعاد عن اليهودية بل التنصل من صورة إسرائيل القومية التي تمارس الاحتلال".

"إذا أرادوا أن ينفقوا مئات الملايين من الدولارات من اجل إقناع يهود أمريكا بخلاف الحقيقة يفضل أن يبقوا في بيوتهم ويوفروا أموالهم" قال احد قادة يهود أمريكا لمراسل الصحيفة.

وهكذا باتت الدائرة قاب قوسين أو ادني من الإغلاق بعد 37 عاما من اكتشاف يهود أمريكا ويمين إسرائيل بعضهم بعضا، حيث بات عدد كبير من قادة يهود أمريكا "يفيقون من سحر خمر وثمالة التحالف مع اليمين الإسرائيلي وساهم صحفيون أساسيون في صحيفة هأرتس بتأجيج حالة النقاش والجدل داخل أوساط يهود أمريكا منهم الصحفي "بيتر بايتنر" صاحب كتاب "أزمة الصهيونية" الذي أشعل وأوقد شعلة اليسار اليهودي الأمريكي والصحفي "اوري شابيط" صاحب كتاب "ارضي الموعودة" الذي نفخ الحياة من جديد في اتجاه الوسط داخل أوساط مؤيدي حزب "مباي" السابق. هناك الكثير من يهود امريكا يرفضون تماما الرواية التاريخية الفلسطينية لكنهم لا زالوا يرون بالاحتلال مأساة".

وأخيرا قال مراسل "هأرتس" في نيويورك بنهاية مقالته "ما ينقص الصورة وكالعادة شريك في اليسار السياسي فمثلا شكل قرار أبعاد منظمة "جي ستريت" من لجنة رؤساء المنظمات اليهودية هزة أرضية على طرفي المعادلة السياسية اليهودية الأمريكية لكنه لم يحظ سوى بردود باهته داخل إسرائيل.

حتى نتمكن من إيجاد مسارات جديدة ليهود أمريكا يجب علينا أن نغير من أفكارنا وان نجند الكثير من المؤيدين ونبذل المزيد من الجهود وإذا أمكن علينا العثور على شخصية كاريزمية تعلم كيف تتصل وتتحدث مع الأمريكان بلغتهم، صحيح أن نتنياهو يهتم بذلك ويواصل الحديث باللفظ الصحيح لكن وكما يحدث في العلاقات طويلة الأجل توقف الكثير من اليهود عن سماعه.