الأربعاء: 25/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

ابنة الأغوار دنيا تحلم بحياة فتيات الروايات

نشر بتاريخ: 26/05/2014 ( آخر تحديث: 26/05/2014 الساعة: 12:01 )
رام الله – معا - شقت من طريق الوجع أملاً وإتخذت من قنديل الكـاز نوراً، بعد أن علقت جدول امتحانات الثانوية العامة على قماشة خيمتها ، آملة أن تنهي هذه المرحلـة وتلتحق بإحدى الجامعات لإكمال مسيرتها التعليمـية والإلتحاق بتخصص اللغات والترجمـة.

دنـيا الـقاضـي من عين الحلوة بمنطقة المالح والأغوار الشمـالية، تكابد مرارة العيش، وتشهد أحداث البؤس برغم عمرها الذي لم يتجاوز الثامنة عشـرَ ربيعاً.

وقالت دنيا: أنا طفـلة أحلم بأن أعيش كالفتيات اللواتي أقرأ عنهن في الروايات، أحـلم أن أعيش في بيئة تطبق ما تعلمنا إياه المناهج المدرسية وتعطي أطفالها وأبناءها حقوقهم في اللعب والتعلم والحيـاة كباقي أطفال العالم، أحلم أن أعيش في بيت بجدران وأسقف وبيوت صحـية وآمـنة بعيدة عن أصوات المخربين والمحتلـين .. وأناشدكم اليوم بإنارة لي في خيـمتي دون أن أحتاج لشم رائحـة الكاز لأقضي عليها عطلتي الدراسية لأستعد جيداً لتقديم إمتحانات الثانوية العامـة.

نشأت دنيا القاضي في عائلة ممتدة مكونة من تسعةِ أفراد، تعيش في ثلاثِ خيام ملاصقة لبعضها البعض أرضيتها تراب وسقفها من الزينكو، يحدهم من الجهات الأربعة معسكرات تدريبية ومستوطنات يهوديـة، أمها من عائلـة مناضـلة حيث لها من الأخوة ثلاثة شهداء وأسيرين عند الإحتلال، ورغم ذلك تقف بكل جبروتها على قدميـها لتناضل من أجل أبنائها وعيشهم.

أما والدها فيعمل في تربية الحيوانات ويعاني من وضع مالي صعب وقد زادت حدة أزمته المالـية هذا العام سوءً بسبب حالة الجفاف وقلة الأمطـار، ويقول والد دنـيا "لو كنا نعيش في منطقة خارج المالح فلن يكفينا ما نجنيـهِ من الثروة الحيوانية شيئاً".

لجمال عيني دنيا بريق لم يشفع لها من أن ترى التخريب والقمع والقسوة التي تمارسها قوات الإحتلال وبشكل يومي، حيث تعاني عائلة دنيـا من مضايقات إحتلالية فخيامهم تهدم، ويمنعون من بناء حجر واحد كسائر المواطـنين الذي يعيشون في منطقة الأغوار والمالح والمضارب.

وبحكم طبيعة المنطقة، وتباعد القرى عن بعضها البعض، تجد دنيا صعوبة في الوصول إلى مدرستها الواقعة في تياسـير والتي تبعد عن خيمتهم حوالي عشـرة كيلومترات.

أما ما هو أشد مرارة، فهو محدودية وقت دنيا لمراجعة دروسها، فهي تضطر جاهدة لإستغلال ضوء شمس النهـار حتى تنهيَ واجباتها وتحضـيرها اليومي، وما أن تغيب الشمس حتى تخلد للنوم تاركـة ما تبقى لضوء فجر جديد متلها كمثل باقي أبناء المنطقة، فحتى اللحظـة ما زالت في منطقة المالح أكثر من 450 عائلة تستخدم قناديل الكـاز.

ويقول رئيس مجلي قروي الأغوار الشمالية عارف دراغمـة "أن هذا العام سيتقدم لإمتحان الثانوية العامـة ستةً طلاب من المنطقة بدون أن يتوفر لهم أي مصدر إنارةة إلا قناديل الكـاز".

تمتاز منطقة المالح والمضارب أنها منطقة صحراوية، فدرجة الحرارة فيها مرتفعة جداً، وفي القرن الحادي والعشرين ما زالت البنية التحتية للمساكن فيها رديئة جداً، وينقصها كثـير من مقومات الحياة من مياه وطاقة شمسية وحوالي 450 عائلة تعيش بلا إنـارة مستخدمين قناديل الكاز لقضـاء حوائجهم بعد غياب ضوء الشمس وفي محاولات سعي جادة لتوفـير مصدر إنارة للعائلات.

وأكد دراغمة أن السكان توجهوا إلى المؤسسات الحكومية والأهليـة والإنسانيـة بأكثر من 40 رسالة من أجل توفـير وحدات من الطاقة الشمسـية، لكنه لم يتلق أية ردود حتى الآن على الرسائل المرسلة.

ويقول دراغمـة أنه إستطاع من خلال التعاون مع مؤسسة ألمانية وجامعة النجاح الوطـنية توفيـر 30 وحدة شمسـية وضعت في منطقة المشحون والحديدية ويرزا، ولكن هذا العدد لا يذكـر أمام 400 عائلة وأكثـر تنقصـها الإنارة.

أمـا ردُ سلطـة الطاقة، فقد أكد المهندس باسل ياسين بأنه تلقى العديد من الرسائل من رئيس مجلس الأغوار الشمالية والمالح، ولكـن سلطة الطـاقة والسلطـة الفلسطـينية بشكل عام لا يوجد لديـها سيطرة كامـلة على هذه المناطق والتي تصنف كمناطق "ج"، لذلك فإن لها النصيب الأقل حظـاً من المشاريع، خصوصاً مشاريع البناء والكهرباء، فالحل في هذا الوضع هو اللجوء إلى الطاقة الشمـسية التي تقوم على مبدأ التخزيـن في النهار حتى يتم إستغلالها في إضـاءة أجهزة بسيطة كثلاجة، وضوء فلورسنت وتلفـاز.

وقال ياسين إن الطاقة الشمسية تحتاج ميزانـية معيـنة، وأنه سيتم التوجه إلى الدول المانحة كمقترحات لمشاريع في مناطق الأغوار وكافة التجمعات البدوية المبعثرة التي لا تصلها الكهرباء، مؤكداً أن سلطـة الطاقة الآن تسعى بكل جهودها من أجل توفـير وجدات الطاقة الشمـسية لهذه التجمعات.

أمـا دراغمـة فقد أكد في رسالته أن هم هذه المنطقة هو هم الكل الفلسطـيني، ومن الضروري أن يكون للأغوار نصيب من المشاريع الحكومـية لأن المواطن في الأغوار ينقصـه مقومات الحياة التي تجعلهُ يصمـد ويتشبث بأرضه.

بينما تنتظر دنيا وأحلامها أن تتقدم لها مؤسسة بوحدة طاقة شمسية قد توصل النور إلى حلمها الذي ما زال في العتمة ويمنحها نافذة تخرجها من الحلم إلى الحقيقة.