الجمعة: 27/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

هولندا لم تثأر وإسبانيا لم تغادر!

نشر بتاريخ: 15/06/2014 ( آخر تحديث: 15/06/2014 الساعة: 17:34 )
بقلم: مجد البهو
لم تكن خسارة العملاق الإسباني حامل اللقب مفاجأة بالنسبة لي على الأقل وربما للكثيرين من متابعي المونديال، لكن الخسارة بالخمسة أمام من تحصَّلت على اللقب أمامه هي المفاجأة. المنتخب الهولندي بقيادة المخضرم فان خال استحق الفوز عن جدارة واستحقاق.
على الرغم من أن المنتخب الهولندي استحق هذا التفوق، إلا أن هذا ليس سبب سقوط البطل الإسباني بهذه الطريقة التاريخية، ليسجل ثاني أقسى هزيمة في تاريخه بعد هزيمته من عمالقة العالم في كرة القدم أبناء السامبا بستة أهداف مقابل هدف.

من رأى الشوط الأول من اللقاء، اعتقد أن الماتادور الاسباني سينهال على الطاحونة الهولندية باللكمات حتى تنهار، وقال لي صديق: "المسألة مسألة وقت"، خاصة بعد الانفراد الذي أهدره ديفد سيلفا برعونة أمام المرمى والذي في رأيي كان نقطة التحول في المباراة، ولو جاء هذا الهدف لانتهى اللقاء بفوز الإسبان.

لكن الجميع تفاجأ بما فيهم أنا بأن الثور أخطأ الطريق في الشوط الثاني ودخل بين عجلات الطواحين الهولندية، ليسفر ذلك عن نهاية دراماتيكية غير منتظرة لبطل العالم عام 2010.

ديل بوسكي لعب بالأسماء، وفان خال فاز بالروح!
كلنا يعلم، أن ما من منتخب في العالم يمتلك نصف الأسماء التي يمتلكها المنتخب الإسباني، نخبة من أفضل النجوم في العالم، من تشافي إلى انيستا وألونسو في الوسط ومن راموس وبيكي إلى جوردي ألبا في الدفاع، وغيرهم من الأسماء التي تهز أية أرضية ميدان، حتى إن دكة البدلاء تشكل فريقاً قادراً ربما على الفوز بكأس العالم. كثرة النجوم أربكت حسابات ديل بوسكي في اختيار التشكيل المناسب للمونديال، فظهرت الخلطة الاسبانية غير متجانسة ومتآلفة على عكس عام 2010.

على الجانب الآخر، فإن فان خال لا يمتلك ذلك الكم الهائل من النجوم والخيارات التكتيكية التي يمتلها ديل بوسكي، ولعل أبرز النجوم لديه أرين روبن وروبن فان بيرسي إلى جانب شنايدر، لكن اللاعبيين الهولنديين لعبوا بالروح الانتصارية بعد هدف التعادل الخرافي الذي تكفل به روبن هود فان بيرسي بعد تمريرة ضُرب بها دفاع الإسبان وظهر بوضعية المهزوز.

الإسبان بعشرة لاعبين، وديل بوسكي يجامل!
هل شاهد أحد منكم تشافي إرنانديز؟ أنا أعتذر للتاريخ قبل تشافي عند الحديث عن هذا الاسم الأسطوري في خط الوسط، ففي عام 2010 كان هذا هو الاسم الأفضل في خط الوسط، ليس في المنتخب الاسباني فقط، بل في العالم أجمع، وربما أفضل من لعب في خط الوسط على مر التاريخ. لكن الأساطير لا تدوم، ولكل حكاية نهاية، وكما انتهى العصر الذهبي للكتلان البلاوجرانا، انتهى العصر الذهبي للعديد من النجوم في اسبانيا كتشافي، لكن المدرب ديل بوسكي أصرَّ على مجاملة اللاعب وربما مجاملة نادي برشلونة وأشركه أساسياً، لتكون النتيجة خط وسط هزيل خاصة بعد خروج تشابي ألونسو.

هجوم الإسبان: رمح بلا رأس!
عندما تملك أفضل صانع ألعاب على الإطلاق، فلا بد لك من مهاجم صريح فذ، ينهي الفرص أمام المرمى بأقل مجهود وأكثر فاعلية كما كان عليه ديفد فيا عام 2010. أندريس انيستا، اللاعب الوحيد تقريباً الذي يُشهد له في المنتخب الإسباني، تحرك وراوغ ومرَّر، وكانت النتيجة في كل مرة، إضاعة الفرص وإهداء الكرات للدفاه الهولندي.
إشراك دييجو كوستا كان خطأ منذ البداية، فاللاعب على كل الموهبة والتألق التي يتمتع بهما، إلا أنه قليل خبرة في مثل هذه المنافسات، وليس هذا السبب الذي يدعو إلى عدم إشراكه فقط، بل الضغط الذي يتعرض له اللاعب وهو الذي اختار أن يلعب للمنتخب الإسباني على حساب منتخب بلاده الأم البرازيل، ضغط الأرض والجمهور بالإضافة إلى قلة الخبرة، منعت المهاجم من أن يظهر بنفس المستوى الذي ظهر عليه طوال الموسم الماضي مع ناديه أتلتيكو مدريد. فلم يستغل اللاعب ولا فرصة واحدة كما لم يصنع فرصة، وحتى ضربة الجزاء التي تحصل عليها فهي بعيدة كل البعد عن ضربة الجزاء وكان بالإمكان أن تنتهي المباراة بخماسية نظيفة لولا لطف القدر قليلاً!

وحتى عندما قرر ديل بوسكي إشراك فرناندو توريس، كان بمثابة العبء على هجوم الإسبان أكثر مما ساعد الفريق، فالفرصة التي أهدرها أمام مرمى الهولنديين أسهل من أن تمسك الكرة بيدك وتدخلها في المرمى، وأقلنا خبرة في كرة القدم يعلم أن استدعاء ديفيد فيا للتشكيلة، كان من باب المجاملة للاعب كبير ساهم بشكل أساسي بالفوز بكأس العالم الماضي. إذن، إلى حين تحرُّر دييجو كوستا من الضغط المفروض عليه واستعادة بريقه، إسبانيا تلعب بلا مهاجم!
تبديلات نتيجتها كارثية!

جامل المدرب تشافي إرنانديز بإشراكه أساسياً في المباراة، أما أن يجامله ويبقي عليه في الملعب بعد الآداء الكارثي والغياب طوال المباراة فهذا هو المستغرب! ما الهدف التكتيكي من خروج تشافي ألونسو محور الارتكاز إلى جانب سيرجيو بوسكيتس ودخول بيدرو رودريجيز ذو النزعة الهجومية البحتة؟! بخروج ألونسو، انفك عقد خط الوسط الاسباني وتحرَّر لاعبو الوسط الهولنديين ما سمح لهم بتناقل الكرات بأريحية وبناء الهجمات بسهولة كبيرة، كان الأحرى بالمدرب أن يخرج تشافي إرنانديز الحاضر الغائب ويشرك أحد لاعبي الوسط الهجوميين، كخوان ماتا أو سيسك فابريجاس. عدا عن هذا التبديل، كانت تبديلات الإسبان كلاسيكية لا تغير من وجه المباراة.

الاسبان بسبعة مدافعين!
ما معنى إشراك ثلاثة لاعبين ارتكاز في مباراة واحدة بالإضافة إلى أربعة مدافعين؟! تشابي ألونسو وتشابي إرنانديز وسيرجيو بوسكتس، كل منهم يؤدي الدور ذاته وهو محور الارتكاز الدفاعي، كما أن النزعة الهجومية لدى هؤلاء اللاعبين قليلة مقارنة بالنزعة الدفاعية. تعودنا على المنتخب الإسباني أن يهاجم والخصم يدافع، هذه المرة المنتخب الإسباني يلعب بسبعة مدافعين (ثلاثة لاعبي ارتكاز + أربعة مدافعين صريحين)، هل من المنطق أن تلعب بهذه الطريقة أمام فريق أفضل ما فيه هجومه الذي يتكون من الصاروخ روبن، وروبن هود فان بيرسي؟! وهم من اللاعبين الذين يجيدون اللعب على الكرات الطويلة في ظهر المدافعين كما رأينا في الهدفين الأول والثاني.

كان على المدرب ديل بوسكي أن يلعب بلاعبَي ارتكاز فقط، وهما تشابي ألونسو وسيرجيو بوسكتس، وأن يزج أمامهم بلاعب خط وسط هجومي كفابريجاس أو خوان ماتا، ليعطي الزيادة العددية للإسبان في مناطق الهولنديين، كما أنه كان سيساند لاعبي الارتكاز في افتكاك الكرة حال ضياعها، هذا بالإضافة إلى لعبه دور المهاجم الخفي ليغطي على ضعف رأس الحربة الإسباني.

خطأ القديس ليس كارثة!
جاء الهدف الرابع للهولنديين عن طريق روبن فان بيرسي بعد خطأ بدائي ارتكبه حارس المرمي "القديس" إيكر كاسياس، كلنا يتفق على أن كاسياس لم يعد ذلك الحارس الأفضل في العالم، مستواه متذبذب في الفترة الأخيرة، خاصة بعد المشاكل والمناوبة على حراسة المرمى في ريال مدريد، ولكن في نفس الوقت، الهدف جاء وكانت اللعبة قد انتهت تقريباً، فقد انهار الفريق بعد ثلاثية الهولنديين ولم يكن الهدف ليحسم المباراة، وفي المقابل فإن كاسياس منع هدفين محققين، الأول انفراد صريح لشنايدر، والثاني على مرتين بعد تسديدة قوية من فان بيرسي ارتدت إلى روبن الذي وجهها بإتقان إلى المرمى لكن كاسياس أنقذها بروح القديس القديم. فلو جاء هدف سيلفا لاختلفت مجريات اللقاء ولو خرج الإسبان بفوز لكان القديس ساهم به!
إذا كان كاسياس ساهم في إحراز كأس العالم عام 2010 بالتصدي لانفرادين صريحين لأرين روبن الصاروخ ومنعه من التسجيل وهز شباك الإسبان، فإنه لم يساهم هذه المرة بخروج الإسبان من كأس العالم!

هولندا لم تثأر بعد!
اعتقد الجميع أن المنتخب الهولندي ثأر من المنتخب الإسباني بعد الهزيمة بهدف نظيف في نهائي كأس العالم 2010، لكن وعلى الرغم من الفوز بخماسية مستحقة، فإنه لا مجال للمقارنة بين النهائي الأخير وبين مباراة أولى في دور المجموعات من البطولة، فانتصار الإسبان منحهم لقب المنتخب الأفضل في العالم، أما انتصار الهولنديين فلم يمنحهم إلا جرعة من الثقة ليكملوا بها المشوار الذي مازال طويلاً، وربما ها الانتصار العريض لا يعني شيئاً إذا خرجت هولندا مبكراً من المنافسة، وربما ستخرج على يد الإسبان أنفسهم في دور من الأدوار المقبلة! فلا هولندا تخطت الإسبان وأقصتهم ولا إسبانيا غادرت بعد! كما أن على الهولنديين أن يثأروا من التاريخ والحظ الذي حرمهم من لقب المونديال بعد ثلاثة نهائيات خاضوها.

اسبانيا لم تنته بعد!
لا يمكن الحكم على الفريق الإسباني من المباراة الأولى، حتى ولو ظهر الفريق مهزوزاً، وحتى إن أخطأ المدرب أخطاء كارثية أدت إلى هزيمة تاريخية، لكن المنتخب الإسباني يبقى كبيراً ويملك من النجوم ما يمكنه من تصحيح المسار في المراحل المقبلة، كما أن المدرب ديل بوسكي ورغم كل أخطاء المبارة الأولى، إلا أنه يبقى ذلك المدرب المخضرم الكبير القادر على اتخاذ القرارات الصحيحة في اللحظات المناسبة ليعبر بالمنتخب الإسباني إلى بر الأمان، ولن تكون مفاجئة إذا حافظ الإسبان على اللقب متيمناً بالمنتخب البرازيلي.

لا تبنوا أسطورة قبل الأوان
على الرغم من أن فوز الهولنديين مستحقاً وعن جدارة، إلا أنه يجب التروي أيضاً في الحكم على المنتخب الهولندي بأنه لا يقهر وأنه أسطوري، ألم يأت الهدف الرابع بخطأ بدائي من كاسياس؟ ألم يأت الهدف الثالث من خطأ ارتكب ضد كاسياس؟ كان بإمكان النتيجة أن تنتهي بثلاثة بدل خمسة، ونفس المنتخب الهولندي الذي هزم الإسبان بنتيجة ثقيلة، يمكن أن يتعرض لخسارة بنتيجة ثقيلة أيضاً، فالبطولة مازالت في بدايتها ولا تتعجلوا الحكم على أحد!