الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

ابداعات اشعلت النور في الغياهب المظلمة - للكاتب حسن عبد الله

نشر بتاريخ: 04/09/2005 ( آخر تحديث: 04/09/2005 الساعة: 11:58 )
معا- زجت سلطات الاحتلال، وعلى مدى ثمانية وثلاثين عاما بعشرات، بل مئات الاف الفلسطينيين في غياهب السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف، في محاولة لجعل الفلسطينيين يرضون بالامر الواقع، ويتعاملون مع الاحتلال كقدر لا يمكن الفكاك منه.

ولتحقيق هذه الغاية، استعمل المحتلون عددا من السجون والمعتقلات الموروثة عن الانتداب البريطاني، ولما لم تتسع لهذا الكم الهائل من المعتقلين افتتحوا سجونا ومعتقلات جديدة اخرى نشروها على طول الارض الفلسطينية وعرضها، لدرجة ان المعتقلات الاحتلالية امتدت لتصل الى عمق صحراء النقب.

خططت سلطات الاحتلال بداية الى ابعاد عناصر وكوادر ونشطاء الحركة الوطنية للحؤول دون تأثيرهم في مجتمعهم، كما حاولت ان تجعل من السجون والمعتقلات ساحات ترويض وتفريغ ثقافي وفكري، مما اضطر المعتقلين الى خوض اضرابات طويلة عن الطعام تحت عناوين، السماح بالدفتر ولقلم، وحقهم في ادخال الكتب، وكذلك السماح لهم بتنظيم برامج، دورات تعليمية مختلفة في شتى الميادين، ورغم المماطلة والتسويف من قبل ادارة السجون الاحتلالية التي اخذت اشكالا والوانا متعددة، الا انه في المحصلة النهائية تم فرض الدفتر والقلم وادخال الكتب، فانتقلت ادارة السجون الى محاربة المادة الكتوبة في الدفاتر من خلال المراقبة والتفتيش والضبط والمصادرات، وكذلك من خلال التحكم في نوعية الكتب التي يتم ادخالها بمنع الجدي والمفيد والسماح بالتافه أو بكتب التسلية التي تقتل الوقت...

التحصين الثقافي والفكري :

ادرك المعتقلون في وقت مبكر ان الاحتلال يستهدف ثقافتهم وتراثهم ويريدهم اجساما مفرغة لا مضمون لها، تتحرك وفق رغبته وارادته، فانكبوا على تعبئة انفسهم ثقافيا وفكريا، عن طريق القراءة الذاتية، وعن طريق الدورات التي كانت تشرف عليها الفصائل مجتمعة أو كل على حدة، وبعد عدة سنوات اصبح لدى المعتقلين مقومات ثقافية في الفكر والفلسفة والتاريخ، وفي دراسة مكونات(دولة الاحتلال) الفكر الذي قامت عليه، احزابها... تناقضاتها... تكنولوجيتها..الخ، وقد استفاد المعتقلون من الكتب والمنشورات والصحف والمجلات العبرية، لا سيما بعد أن اتقن العشرات من بين المناضلين اللغة العبرية اتقانا تاما، بفضل الدراسة والمراس.

الادب:

اتجه عدد من المعتقلين في بداية الاعتقال لنظم الشعر وكتابة الخاطرة والقصة القصيرة، كنوع من تأكيد الذات والتعبير عن المشاعر الوطنية وتوثيق المعاناة، فأخذت البدايات الاولى شكل صرخات أو ردات فعل اتسمت بالمباشرة والخطابية والكلمات ذات الجرس العالي الا ان تواصل التجربة وتراكمها قد صقل المواهب وحول اصحاب المحاولات الاولى بعد سنوات الى شعراء، وكتّاب قصة يهتمون بالمضمون والشكل الفني معا، فكتبت خلف القضبان مئات القصص القصيرة ومئات القصائد والخواطر والمقالات الى جانب نسبة كبيرة من المواضيع المترجمة من العبرية والانجليزية والفرنسية.

الصحافة:

المقصود بالصحافة، تلك المجلات والنشرات الفصائلية والوطنية العامة التي كانت تصدر بشكل منتظم في السجون والمعتقلات، وكانت تحمل اسماء خاصة بها.
وقد عملت الصحافة على اغناء التجربة للمعتقلين وتنويعها، وخلق التواصل الفكري والثقافي فيما بينهم. كما عملت على صقل الاقلام، بل وايجاد اقلام متخصصة، منها ما تخصص في دراسة السياسة او في الفكر، وتخصصت اقلام اخرى في مجال التاريخ، في حين تخصص قسم من المعتقلين في الكتابة عن العلاقات الدولية وحركات التحرر.
وكان ما يصدره المعتقلون يتعرض لملاحقة يومية، حيث شكلت المجلات الهدف الاول لهذه الحملات، لان ادارة السجون تستطيع من خلالها الوقوف على اخر المستجدات في فكر وتحليل المعتقلين، وفي احدى الحملات البوليسية وقعت مجلة في يد ضابط في معتقل عسقلان، وكانت المجلة المذكورة مقصوصة بشكل جميل ومكتوبة بعناية فائقة، وعناوينها بارزة، ورسم احد فناني المعتقل اسفل كل مقالة لوحة منسجمة مع مضمونها. عندما استعرض الضابط المجلة "صفر" قال مستغربا" يا الهي، انهم يخبئون هنا مطبعة مخاطبا المعتقلين" اعطوني كل شهر مجلة، وسأعفيكم من مشكلة التفتيش المفاجىء". سقنا هذه الحادثة للتاكيد على قضيتين، الاولى المستوى الرفيع الذي وصلته الصحافة والثقافة خلف القضبان، والثانية، تكالب اجهزة ادارة السجون على التضييق على المعتقلين الفلسطينيين ومصادرة نتاجاتهم.

الرسالة:

تمثل رسائل المعتقلين قيمة ادبية ونضالية وتأريخية، يمكن من خلالها الوقوف على مراحل التجربة الاعتقالية وخصائصها، والتعرف على ظروف ومستوى تطور المعتقلين، لذلك فان دراسة هذه الرسائل تشكل مهمة وطنية وتأريخية وادبية. لقد شكلت الرسالة نافذة للمعتقل المناضل على اسرته ومجتمعه والحياة، وحملت في سطورها وتعابيرها مضامين اجتماعية وسياسية وتربوية ونفسية وفكرية، وارتقت من الجانب الاخباري الى التحليلي، وبعضها ارتقى الى الابداعي، وحصل بامتياز على درجة رفيعة في عالم الادب والابداع.

الفن التشكيلي:

الذي عاش التجربة الاعتقالية، لا بد وان يتذكر اولئك الفنانين الرائعين مجموعة مبدعة توزعت بين عسقلان ونفحة والسبع وجنيد، ومعتقلات طولكرم ونابلس والخليل ورام الله اخترقت باقلام مهربة وبقطع من القماش انتزعت من ملابس المعتقلين الخاصة الابواب الحديدية الثقيلة وحلقت في عالم الابداع واكدت ان الحرية هي معرفة الضرورة، وان الفنان بمقدوره ان يكون طليقا حرا يرفرف بجناحيه الابداعيين حتى لو ادمى القيد معصميه.

المهارات اليدوية:

في إحدى القصص القصيرة وصف الكاتب سامي الكيلاني، كيف أن مناضلا في معتقل النقب، قد غافل السجنان والتقط حجراً صغيراً، هربه الى خيمته وبدأ ينحته بمسمار صغير وجده قرب الخيمة، الى ان شكل منه مجسما جماليا على شكل خارطة فلسطين ، ليخفيه في ملابسه الداخلية الشهر تلو الاخر، قبل ان يتسنى له تهريبه في ملابس رفيق تحرر من الاعتقال، ليصل الى الحبيبة التي وضعته في سلسة خاصة وزينت به جيدها ، وقالت وهي تتباهى به امام صديقاتها "انه أغلى واجمل من كل الحلي، ففيه أحس نبض حبيبي".

مبدعون ومثقفون بددوا عتمة الاعتقال:

إذا اراد باحث ما ان يستعرض أسماء من بددوا بإبداعاتهم ونتاجهم الثقافية عتمة الاعتقال فإنه يجد نفسه ملزما بذكر مجموعة كبيرة من الاسماء التي برز أصحابها في ميادين الابداع والثقافة والفكر، ولكن في هذه العجلة أذكر من باب الاستشهاد ليس إلاأسماء بعض من تركوا بصمات على هذا الصعيد:

الشعراء:

محمد عبد السلام ، محمود الغرباوي ، فايز ابو شمالة، معاذ حنيفي ، أحمد ابو غوش، محمد إلياس، المتوكل طه ، وسيم الكردي،محمد اللحام، عبد الناصر صالح ، مؤيد عبد الصمد ، خضر محجز وباسم الهيجاوي،صالح ابو لبن ،محمد ابو لبن.....إلخ.

القصة القصيرة:

محمد عليان، سامي الكيلاني، د.سمير إشحادة، اسماعيل الدبج، منصور ثابت فاضل يونس، حسن عبدالله، عيسى قراقع واخرون .

المقالة التنظيمية:

عبد العزيز شاهين ، محمد لطفي، ربحي حداد، عمر القاسم ، خليل ابو خديجة ، فتحي البواب، مريم الشخشير، احمد سعدات، عائشة عودة واخرون.

الرواية:

خضر محجز، عزة الغزاوي، هشام عبد الرازق، أحمد قطامش، علي جردات .

المقالة الفكرية:

يعقوب دواني ، عادل سمارة ، موسى الشيخ، صقر نزال واخرون.

اللغات:

غازي ابو جياب، حسن سرندح، علي جدة، محمود جدة، ناصر اللحام، جبريل الرجوب، عطا قيمري، سعيد عياش، تريز هلسة، حاتم شنار، مروان بزبز، صالح ابو لبن، محمد الجبريني، عماد النتشة، واخرون.

الرسالة:

عزت الغزاوي، سمير قنطار، سمير شحادة، غسان جرار، جبر وشاح، مؤيد عبد الصمد، المتوكل طه، رولا ابو دحو، عبير الوحيدي واخرون
المقالات السياسية المتخصصة بالجانب الاسرائيلي :
غازي ابو جياد، جبريل الرجوب ، عطا القيمري ، ناصر اللحام ، عبد الحميدالبابا، عدنان الضميري.

البحث:

عادل سمارة ، وليد سالم ، أحمد ابو غوش ، حسن عبد الله ، ابو سليم جاد الله، فايو ابو شمالة ، فهد ابو الحج، بسام الصالحي.

الفن التشكيلي :

محمد الركوعي ، زهدي العدوي، علي النجار، محمد ابو كرش، مي الغصين ، هشام الباير يوسف كتلو .

ورغم ان التجربة الثقافية والابداعية في المعتقلات تمتاز بغناها وعمقها ، نظرا لطولها زمنيا وكثافتها ، وعمقها، وكم المعتقلين الكبير الذي تعاقب على إمتداد محطاطها، إلا ان هناك قصوراً واضحاً، رسمياً ومؤسساتياً في التعاطي مع هذه التجربية من حيث التأريخ والتحليل لان توثيقها وتسليط الضوء على جوانبها يشكل تدويناً وحفظاً لواحدة من القضايا المهمة المرطبتة بالتجربة النضالية الفلسطينية المعاصرة .

إن تأريخ وتوثيق التجربة، ومن أجل ان ينجح ويخرج وقد إتسم بالدقة والموضوعية والامانة من المفروض ان ينأى بنفسه عن الفئوية والانشداد الفصائلي ، فهذه التجربة وطنية بالمعنى العام، والحديث عن دور فصيل في جانب من جوانب التجربة، يجب ان يخدم عملية التأريخ وإعطاء كل ذي حق حقه ، من منطلق الامانة البحثية و التأريخية وليس نفخ الادوار وتقسيم الحصص وتعظيم هذا وتضخيم ذاك .