الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانسحاب من غزة، بداية النهاية للمشروع الصهيوني

نشر بتاريخ: 04/09/2005 ( آخر تحديث: 04/09/2005 الساعة: 20:10 )
معا - وليد ظاهر - كاتب فلسطيني - في الدينمارك
يوم أقر الإرهابي آرئيل شارون بهزيمته واتخذ قرار الانسحاب من قطاع غزة، كان قد توصل إلى قناعة كاملة بأن الدولة العبرية لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية الفادحة التي ترتبت على احتلاله. وإقرار شارون بالهزيمة النكراء جاء بعد ثمانية وثلاثين عاماً من الاحتلال الكريه والمؤلم، فشلت قوات الاحتلال خلالها في كسر إرادة الشعب الفلسطيني وبالأخص في القطاع نفسه، بالرغم من جميع أنواع وصنوف الإرهاب التي مارستها بحقه والتي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً. صحيح أن الإرهاب الإسرائيلي قد أجهز على البنية التحتية في القطاع بما في ذلك الحجر والشجر والماء والهواء قبل أن يتخذ شارون قراره بشحن قطعان مستوطنيه تهيئة لشحن قوات احتلاله. لكن ما رافق عملية الشحن الأولى كشف، بما لا يدع مجالاً للشك، عن زيف الادعاءات التي قام عليها المشروع الصهيوني في فلسطين الغالية، وأسقط إلى ما لا رجعة المزاعم بشأن "الحق التلمودي" أو "الحق التاريخي" لليهود في هذا البلد الذي يشكل قلب الوطن العربي وقبلة المسلمين والمسيحيين في العالم. فيوم أُجبر المستوطنون على مغادرة القطاع إلى ما لا رجعة ولا عودة، قام معظمهم بتدمير وإحراق منازلهم التي شكلت بؤراً استيطانية غريبة ومنبوذة ونجسة داخل جزء من أطهر البلدان في العالم، إن لم يكن أطهرها. كما وأقدموا على حرق وتفجير الكنس اليهودية التي أقاموها في تلك البؤر لينفثوا ويبخوا من خلالها سمومهم وحقدهم على الفلسطينيين وكل عربي ومسلم، الأمر الذي يعني دون كثير جهدٍ أو عناء تفكير أنهم سلموا، ولو بعد طول مكابرة وانتظار بسخف وسذاجة الأساطير التي بنوا عليها أحلامهم الأكثر سخافة وسذاجة والتي روجت لها الصهيونية العالمية حول "قيام دولة إسرائيل الكبرى"!! بالهزيمة التي أنزلها الشعب الفلسطيني بقوات الاحتلال الإسرائيلية الغاشمة والتي اضطرت المستوطنين على الانسحاب من القطاع وهم يجرون وراءهم ذيول الخيبة والفشل لمشروعهم القائم على الوهم "التاناخي"، يكون زعم "الحق التاريخي" قد كشف عن عورته وسقط بالضربة الفلسطينية القاضية. وهو ما يؤشر إلى بداية النهاية الحقيقية للمشروع الصهيوني الذي نَّظر له الساسة والمتطرفون اليهود منذ المؤتمر الأول الذي انعقد في مدينة بازل على الحدود السويسرية-الألمانية عام 1897، والذي تصادفت ذكراه الـ 108 هذه الأيام. فبعد اضطرار قوات الاحتلال الإسرائيلية على الانسحاب من القطاع تحت ضربات المقاومة الفلسطينية البطلة وضغط خسائرها الفادحة والذي يفترض أن يكتمل في أوائل أكتوبر/تشرين الأول القادم، يكون هذا المشروع قد فقد حلقة جديدة من حلقاته هي الثالثة من نوعها. فقبل ذلك فقد حلقتين هامتين في جنوب لبنان وسيناء المصرية. وهو ما يؤكد أن هذا المشروع الذي رفع "من النيل إلى الفرات" يافطة جغرافية له، أصبح كغيره من المشاريع الاستعمارية-الاستيطانية التي عرفها التاريخ يفتقر إلى أي مبرر لوجوده أو حتى مجرد الحديث عنه، ومثله مثل أي مشروع مماثل سبقه، فإن المشروع الصهيوني آيل للزوال، باعتبار أنه حالة مفتعلة وطارئة داخل الجغرافيا العربية وحالة عابرة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط والعالم. ولطالما زخر التاريخ بالشواهد والأمثلة الكثيرة المماثلة التي ما لبثت أن زالت واندثرت مثل المشاريع الاستعمارية-الاستيطانية التي عرفتها القارة الإفريقية في كل من الجزائر وزيمبابوي "روديسيا السابقة" وجنوب إفريقيا. مثلها مثل المشروع الصهيوني، تمكنت المشاريع الاستعمارية-الاستيطانية الفرنسية والبريطانية السابقة من افتعال المبررات الفكرية لاستعمار تلك الدول ردحاً من الزمن. إلا أن تلك المبررات ما لبثت أن تهاوت أمام مقاومة شعوب تلك الدول وإصرارها على نيل حريتها واستقلالها. ومع تهاوي تلك المبررات، كان لابد من السقوط الحتمي لتلك المشاريع. ولا شك أن المتغيرات الدولية والإقليمية التي طرأت في القرن العشرين الماضي أسهمت بشكل كبير في تغيير ميزان القوى لصالح شعوب البلدان الثلاثة الأمر الذي ساعدها على نيل حريتها واستقلالها بعد عشرات السنين من المقاومة التي تخللها سقوط مئات آلاف الضحايا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدمت ثورة الجزائر مليون شهيد قبل أن يحصل هذا البلد العربي الإفريقي على حريته واستقلاله. واليوم ومع فقدانه الحلقة الثالثة التي تمثلت بتحرير قطاع غزة ولو بشكل منقوص، يمكن الجزم بأن التاريخ بدأ يشهد تهاوي المبررات الفكرية للمشروع الصهيوني، التي بدأت بدورها تؤشر إلى بداية النهاية لهذا المشروع الاستعماري-الاستيطاني. كما ويمكن الجزم بأن الفضل في كل ذلك يعود إلى المقاومة البطلة التي أظهرها الشعب الفلسطيني طوال ما يقارب أربعة عقود من الاحتلال. وتشهد على ذلك التضحيات الكثيرة والكبيرة التي قدمها هذا الشعب "شعب الجبارين". ومما لاشك فيه أنه مقبل في قادم الأيام على تقديم المزيد من التضحيات لاستكمال عملية التحرير التي لن نقبل بأن تقف عند أقل من حدود الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين استناداً لقرارات الشرعية الدولية.