ظاهرة العزوف عن القراءة- استطلاع "معا" لآراء مثقفين
نشر بتاريخ: 14/08/2014 ( آخر تحديث: 14/08/2014 الساعة: 16:57 )
بيت لحم- معا - لا يختلف اثنان، على كون العزوف عن القراءة، بات سمةً لافتة استحثت قلق المثقفين والمعنيين بقضايا المعرفة، وربما يكون هناك ارتجال في تعليل هذه الظاهرة، وردها الى شيوع استخدام الحاسوب وبرامج التواصل الاجتماعي. بل لعل الارتجال يشمل كذلك تسمية الظاهرة، على اعتبار أن جوهر الدخول الى النصوص والصور والبرامج، عبر شبكة الانترنت، يتعلق بقراءة ما، يتوخاها المستخدم، مع فارق إنه يقرأ من على الشاشة، ولا يقرأ من الورق.
هنا، ربما تكون التسمية الأدق للظاهرة، إنها عزوف عن الكتاب، سواء كان ورقياً أو مصوراً يمكن تحميله واستحضاره على شاشة الحاسوب. فلماذا تتحاشى الأجيال الجديدة، ويتحاشى مستخدمو الحاسوب من الكبار، لا سيما المتعلمون منهم، والقادرون على القراءة، الكتاب المنهجي الرصين؟ ربما هؤلاء، في معظمهم، يميلون الى اللقطات، أو الى التعاطي مع اقتباسات صغيرة من الأشعار والنصوص الأدبية، لتوظيفها في سياقات التواصل والتعبير، عبر برامج المحادثة أو من خلال صفحات العرض وغيرها من المواقع من كل اختصاص، أو في جلسات سمرهم وأحاديثهم! هناك من يرد ظاهرة العزوف عن الكتاب، الى خلل في وسائل التعليم، أو الى تعاظم أكلاف العَيْش، ما يجعل الإنسان معنياً باستثمار الوقت لتغطية أكلاف حياته وحياة أسرته.
|292943*د. أحمد رفيق عوض|
وهناك من يرى أن ضآلة الجهد الثقافي، في المشهد الوطني العام، وضعف مراكزه ومؤسساته، هما من أسباب نشوء ظاهرة العزوف عن الكتاب، لا سيما حين نلاحظ أن شعوب المجتمعات الصناعية، التي يُحسب وقتها بالدقيقة وترتفع أكلاف الحياة فيها؛ ما زالت تقرأ الكتاب الورقي. وقد نسمع من يفسر الظاهرة، بعامل فرعي أو تفصيلي، كأن يقول إن ارتفاع سعر الكتاب، هو من أسباب العزوف عنه، أو إن ضعف تعليم لغتنا الأم في المدارس والمعاهد، وضمور وقت حصصها لحساب مواد ومساقات علمية متجددة؛ هو من بين الأسباب التي أفقدت النشء الإحساس بلذة القراءة باللغة العربية. في هذا السياق، تسقط أجوبة وترتفع أسئلة، وتظل الظاهرة قائمة، انعكاساً لخلل ما، في المنظومة التعليمية في مفاعيل الظاهرة الثقافية. نسلط الضوء هنا، على ظاهرة العزوف عن قراءة الكتاب، في محاولة لاستجلاء أسبابها والتوصل الى مقاربات يمكن أن تُعيد للكتاب دوره وأهميته..
(القراءة ليست موضة)
يقول الكاتب ومحاضر الاعلام في جامعة القدس د.أحمد رفيق عوض لمعاً ويشرح وجهة نظره قائلاً: "لقد بتنا في عصر الصورة وتدفق المعلومات، الصورة والمعلومة التي لاتكلف كثيراً، مع ازدياد هائل في عدد المصادر التي يمكن ان ينهل منها كل من يتوخى المعرفة. إن كل هذا يرجع الى التطور التكنولوجي الهائل، وبالتالي يكتفي المتلقي بتلك المصادر، التي تُغنيه عن الصديق والأسرة، والكتاب، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي كافة، والتقنيات الحديثة" تحل مكان وسائط الاتصال القديمة، الشخصية والمباشرة.
|292944*د. محمد أبو الرب|
واستطرد قائلاً:"بالتالي لم تعد القراءة تقليعة جديدة، مثلما هو الحال في اختيار الهندام، تتطلب الموائمة الدائمة والتطبيق الأعمى" ورأى عوض أن هناك خطوات عديدة يمكن أن ترفع من شأن الكتاب لدى الناشئة وجيل الشباب، أبرزها : سهولة نشر الكتب وتوزيعها بأسعار مناسبة، وضرورة التركيز على شكل الكتاب وغلافة، مؤكداً أننا "بتنا في عصر الصورة. فبين دور الأسره في عملية التوجيه، والتربية السليمة والمراقبة الحثيثة؛ تصبح الأسر هي المرجع الوحيد لأبنائها، أضافة الى الدور الذي تلعبه المدرسة في بناء الأجيال وتوجيهها". وأردف د. أحمد رفيق عوض قائلاً : "الغنى الحقيقي ليس بقدر ما نملك.
(مدمنو الشاشة .. نساك الانترنت)
وبدوره قال مصطفى بشارات، الصحافي والباحث المختص في ثقافة الصورة والنوع الاجتماعي لمعاً "إن العزوف عن القراءة، أو ندرتها، تعود لأسباب عديدة بعضها اقتصادي يتعلق بالواقع المعاشي الجديد الذي بدأ يترسخ رويداً، رويداً، مع قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994. فالحكومات الفلسطينية المتعاقبة أخذت على عاتقها مسؤولية تأمين الحياة الكريمة للمواطن الفلسطيني، لكن السياسات المتعاقبة التي اتبعتها هي سياسات قائمة على اقتصاد السوق، وفرض الضرائب، علاوة على النظام الرأسمالي الذي أثقل كاهل المواطنين، وبالتالي أصبح الكتاب في نظر المواطن ووفق ظروفه، سلعة كمالية"! فضلاً عن ذلك يرى بشارات أن هناك تطورات هائلة طرأت على المشهد السمعي ــ البصري العالمي بشكل عام، والعربي بشكل خاص، ومنه الفلسطيني. فـ "هناك عدد هائل من التقنيات الحديثة التي أصبحت بين يدي المستهلك الفلسطيني خاصة شبكات الاتصال الجماعي، التي يسرت عليه التواصل مع الآخرين، فظن خطأً أنها مصدرٌ من مصادر الثقافة، أو مصدرٌ أساسي ووحيد لها، وأدى ذلك الى عزوف عدد كبير عن قراءة الكتاب. وذكر بشارات أنه قد نشأ قطاع كبير أقل ما يمكن وصفه بـمدمني "النت وعرّج على الدور الذي يقع على عاتق الجهات الرسمية الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني الثقافية، من جامعات ومراكز واتحادات وغيرها، داعياً الى تضافر جهود هذه الجهات لوضع استراتيجيات تعيد للكتاب مكانته اللائقة في المشهد الثقافي الفلسطيني، من خلال سياسات تحفز الناس على القراءة ولا تنفرهم.
|292945* مصطفى بشارات|
من جهته اعتبر أستاذ الاعلام في جامعة بيرزيت محمد أبو الرب: "إن المدرسة تلعب الدور الأبرز في تشجيع الطلبة أو تنفيرهم من العلم والتعليم، فهي القادرة على تحفيز روح العلم والقراءة في نفوس طلبتها، وقادرة أيضاً على جعل الطالب أسيراً لمادة لايفهمها ولايستوعب نصوصها، وبالتالي تطالبه بحفظ جميع سطور المقرر دون فهم واستيعاب، وللأسف الشديد تراجع النظام التعليمي في فلسطين، وأصبحت المدرسة منفره للطالب وليست مشجعة له. فالمعلم يقيّم الطالب على قدر ماحفظ وليس على قدر مافهم، وهذا يعني أن النظام التعليمي يقتل الابداع والتأمل".
وأضاف أبو الرب: "لايمكن أن نستثني الدور الذي يقع على عاتق الأسرة فهي المربية والحاضنة الأساسية للطفل، وكذلك هي القدوة لابنائها فالطفل الذي ينشأ في جو مثقف ومحب للقراءة يختلف كل الاختلاف عن طفل ينشأ في أسرة لاعلاقة لها بالعلم والتعليم والثقافة. فمن عادة الطفل أن يقلد الكبار في الأسره أو حتى في حمل الكتاب. فأهله قدوة له في جميع السلوك، وهم الذين يعودونه على تنظيم الوقت وتخصيص أوقات للقراءة، ويشجعونه بتقديم المكافآت. فبدلاً من أن تكون المكافأة حلوى أو ملابس يمكن أن تكون الهدية كتاباً، ". وأشار أبو الرب الى الدور الذي تلعبه وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، وماتخلقه من تفاعلية تفوق الكتاب بنظر الناشئة، وهنا تظهر قوة التنشئة الأسرية والمدرسية في التصدي وعدم الانجرار وراء التقنيات الحديثة، وجعلها مرجعيات أساسية للعلم والتعليم.
|292946* حافظ البرغوثي|
(من يريد الحقيقة يجب أن يراها مطبوعة أو مكتوبة)
الحقيقة المطبوعة في ذات السياق قال الصحفي والكاتب الفلسطيني حافظ البرغوثي: "إن العزوف عن القراءة ظاهرة ستستمر وبازدياد، خاصة مع التقدم في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، التي أصبحت في متناول الصغير والكبير، وتقدم له المعلومة مجتزأة عما حولها، وبالتالي يستطيع أن يحصل على مايريد بسرعة أكثر من السابق. فلو أردنا البحث عن بيت شعر قديم كنا نغوص في الدواوين والمراجع لنعثر عليه، أما الآن أصبحنا نحصل على ما نريد، بضغطة على زر في الحاسوب . هذا أدى الى أن طبيعة الحياة السريعة لم تعد مواتية للقراءة كما كانت في السابق، حيث كان الكتاب والصحافة المكتوبة هما المصدر الوحيد للمعلومات والتحليلات، وللفكر والثقافة والعلوم.
وأضاف البرغوثي قائلاً:" بالتالي لانستطيع الخروج من هذه الدائرة مطلقاً لأن التكنولوجيا في تطور مستمر. واذا أردنا كتاباً نستطيع أن نجده على الأنترنت بسهولة، ونقرأ مانريد بطريقة انتقائية، دون أن نغوص في الكتاب ككل. إن أفضل كتاب، يصدر الآن، يوزع ألف نسخة. حتى الصحف الورقية انخفض توزيعها على نحو صادم، وهذا يدل على نقص شديد في الوعي الجماعي" وأكد حافظ البرغوثي على أن هذا "نقص لافت في السنوات الأخيرة، رغم أن المعلومة الجيدة لاتؤخذ من وسائل اتصال حديثة، ومن يريد الحقيقة يجب أن يراها مطبوعة ومكتوبة.
|292947* عدلي صادق|
أما الكاتب الصحفي عدلي صادق، فقد أكد على هناك العديد من "المُلهيات" عن قراءة الكتاب. وبالطبع تقف شبكة العنكبوت ومحمولاتها اللانهائية، في مقدمة هذه "المُلهيات" وقال: "في تقديري، إن المعنيين بالقراءة عمدوا الى دفع الكتاب الى الرحيل في مجموعات وعناوين متزايدة، من الأرفف الى شاشات الحاسوب، ولم يكن هذا من باب الغرام حيال النقيض الشائع المحبب، وإنما للاستفادة منه. ليس بمقدور الأرفف والمكتبات الساكنة، أن تصارع الشبكة الظاهرة لكي ذي عينين، والمنطقة بسرعة قصوى. ومن المفارقات، أن من يقومون على تحميل الكتب، في وعاء العنكبوت، كأنما يقولون للناشرين منتجي الكتاب، عدّلوا أسعاركم وافعلوا كل شىء لجعل الكتاب في المتناول، وإلا سوف يتحول القارىء الى المكتبات الرقمية".
وأضاف صادق: لكي نكون منصفين، إن مسؤولية وضع الكتاب في متناول الناس بأسعار زهيدة، تقع على عاتق الدولة أو السلطة التي ينبغي عليها أن تساعد في توفير أكلاف الطباعة. للأسف لا نجد ذلك في فلسطين، علماً بأن في مصر ــ مثلاً ــ في أصعب الفترات الاقتصادية، لم تتوقف الهيئة العامة للكتاب، عن إصدار الكتب وتسويقها بأسعار زهيدة للغاية، مع طباعة نحو ست مجلات ثقافية لمختلف الأجيال والمستويات. هذا ما يتعلق بعامل ارتفاع سعر الكتاب، ولا شك أن هناك عوامل أخرى، اقتصادية وتربوية وتعليمية انتجت سبب العزوف.
تقرير: سراب عوض