الدعوة لحسم القرار السياسي بالانضمام للجنايات الدولية
نشر بتاريخ: 20/08/2014 ( آخر تحديث: 20/08/2014 الساعة: 18:33 )
البيرة - معا - دعا سياسيون وحقوقيون فلسطينيون القيادة الفلسطينية إلى حسم القرار السياسي بالانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية وعدم المماطلة في ذلك، وضرورة أن تندرج خطوة الانضمام إلى المحكمة في سياق إستراتيجية وطنية لإنهاء الاحتلال تختلف عن المقاربة السياسية الراهنة التي كانت قائمة أساسًا على المفاوضات الثنائية برعاية أميركية انفرادية.
وأشاروا إلى أهمية الضغط الشعبي على القيادة من خلال الندوات والمبادرات والمؤتمرات الشعبية والوطنية من أجل بلورة إرادة سياسية للانضمام إلى المحكمة ومساءلة ومحاسبة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين على ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، إضافة إلى الانتهاكات والجرائم التي لا تزال مستمرة مثل الاستيطان والتهجير القسري والإبعاد.
ونوه الحضور إلى أن الانضمام إلى المحكمة كان سابقًا ولا يزال يتيح توفير عامل ردع للاحتلال بشأن تكرار ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني مستقبلًا، وأن أضرار الانضمام أقل بكثير من مزاياه وفوائده، ويمكن تخطيها وتجنبها وتقليلها، خصوصًا أن الشعب الفلسطيني واقع تحت الاحتلال. كما طالبوا بالعمل على محاصرة إسرائيل ومعاقبتها بالاستناد إلى اتفاقيات جنيف الأربع وغيرها من المعاهدات الدولية.
جاء ذلك خلال ورشة عمل نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) في مدينة البيرة، بحضور عشرات الشخصيات السياسية والأكاديمية والحقوقية. وأدار النقاش هاني المصري، مدير عام المركز، الذي أكد على أن الانضمام إلى المحكمة هو أمر في غاية الأهمية، ويجب العمل على إقناع القيادة بالانضمام بالرغم من الصعوبات والمعيقات، كما يتوجب على القيادة مكاشفة الشعب بتلك الصعوبات التي تحول دون اتخاذ القرار السياسي اللازم، منوها إلى أهمية بلورة إستراتيجية وطنية موحدة يكون استكمال التوجه للانضمام إلى جميع الاتفاقات والوكالات والمنظمات الدولية أحد مكوناتها، إلى جانب التوافق على برنامج سياسي موحد وقيادة واحدة تعزز الشراكة السياسية. فالانضمام للمحكمة ليس عصا سحرية، وأهميتها أكبر بشكل نوعي إذا جاء ضمن مقاربة سياسية جديدة.
وتحدث في الورشة شعوان جبارين، مدير مؤسسة الحق، وقال إن مسألة الانضمام إلى المحكمة إجرائية بسيطة، فالمحكمة مفتوحة أمام الدول، وفلسطين أصبحت دولة "غير عضو" في الأمم المتحدة منذ تشرين الثاني 2012. وأشار إلى أنه اجتمع مع المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية التي أكدت أنه أمام الفلسطينيين ثلاثة خيارات: المصادقة على ميثاق روما والانضمام إلى المحكمة وطلب ممارسة اختصاصاتها وفق التاريخ الذي تريده القيادة الفلسطينية، بما في ذلك أي تاريخ يسبق الانضمام أو يليه، أو عدم الانضمام واستبدال ذلك بإيداع إعلان جديد يعطي للمحكمة صلاحياتها وفق تحديد زمني تحدده فلسطين، أو إرسال رسالة من سطر واحد إلى المحكمة مفادها "نعتبر إعلان 2009 ساري المفعول، وفلسطين تقف خلفه وتعتمده".
وأضاف جبارين: آن الأوان للانضمام إلى المحكمة، خصوصًا في ظل العدوان على قطاع غزة، مؤكدا أن القيادة كانت على علم بهذه الخيارات إلا أنها لم تقدم الطلب حتى الآن خشية من العقوبات التي قد تفرضها الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا.
وأشار إلى أن المحكمة تختص بجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والعدوان، وأنها تلاحق الجميع وليست لديها حصانة لرؤساء أو وزراء، والمساءلة تكون شخصية للأشخاص الذين ارتكبوا جرائم، حيث حددت المحكمة الجريمة وأركانها.
وتابع: هناك خيار أمام الفلسطينيين في تمكين المحكمة من ممارسة اختصاصها اعتبارًا من تاريخ مستقبلي. وهذا يعني أن أيا من العمليات الإسرائيلية والفلسطينية التي وقعت في السابق لن تخضع لاختصاص المحكمة، مع وجود استثناء وحيد من المرجح أن يكون الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية، وجرائم الإبعاد بصفتها جرائم مستمرة، وبالتالي ستخضع لاختصاص المحكمة.
وقال جبارين: من المهم جدًّا فهم نقاط الضعف من وراء الانضمام إلى المحكمة بالإضافة إلى فهم فوائدها. وينبغي هنا تحديد ما يخدم مصلحة الفلسطينيين أكثر، سواء من حيث ردع الإسرائيليين عن ارتكاب الجرائم في المستقبل، أو الاستفادة من اختصاصات المحكمة في محاكمة أفراد إسرائيليين عن جرائم ارتكبوها في الماضي، ولكن في كل الأحوال فإن القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين سوف يرتدعون عن الاستمرار في ارتكاب الجرائم خوفًا من خضوعهم للتحقيق ومحاكمتهم من قبل المحكمة.
وأردف: فيما يتعلّق بفلسطين، فإن المخاوف من أن قادة ومقاتلي المقاومة قد تتم محاكمتهم هي أمر يمكن تفهمه. ويمكن تجنب ذلك من خلال عدم إعطاء المحكمة اختصاصًا بأثر رجعي، وبذلك يمكن لفلسطين أن تضمن عدم التحقيق في العمليات السابقة. وفي هذا حماية للفلسطينيين من أية أفعال ارتكبت قبل تاريخ التصديق. وهذا أيضًا سيوفر الحماية للإسرائيليين المسؤولين عن "عملية الرصاص المصبوب" وغيرها من الهجمات والجرائم اللاحقة. كما أن إطلاق الصواريخ لم يحسم أمره باعتباره يرتق إلى الجريمة، لأن ذلك بشأنه نقاشا قانونيا يرتكز الى القانون الانساني الدولي وموضوع "الانتقام". وفي هذا السياق بإمكاننا تجنيد فقهاء وقانونيين للدفاع عن المقاومة.
وأضاف: إن تقرير غولدستون في العام 2009، أدان إسرائيل بارتكاب جرائم ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب التي يحاسب عليها القانون الدولي، بينما ما وصفت بالانتهاكات الفلسطينية فلم يُحسم بأنها جرائم حرب، إضافة إلى أن مقاومة الاحتلال حق يقرّه القانون الدولي.
وأشار إلى أن ثمّة حاجة لاتخاذ قرار بشأن رجعية الاختصاص لأننا سنواجه حينها مشكلتين: عدم منح الاختصاص للمحكمة بأثر رجعي يعني عدم تحقيق العدالة لضحايا "عملية الرصاص المصبوب" والهجمات اللاحقة لها؛ ومنح الاختصاص للمحكمة بأثر رجعي يعني أن أفرادًا من قادة المقاومة الفلسطينية قد يكونوا عرضة للخضوع للتحقيق من قبل المحكمة.
وأضاف: تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بالاختصاص فقط عندما تكون محاكم الدولة غير راغبة أو غير قادرة على المحاكمة. ويمكن لدولة فلسطين أن تُحقق مع الفلسطينيين الذين تتهمهم المحكمة الجنائية الدولية، ولكنها ليست لديها القدرة على التحقيق مع أو مقاضاة الإسرائيليين بسبب الاحتلال.
وقال: إن المحكمة الجنائية الدولية لن توفر كامل العدالة التي يستحقها الفلسطينيون، ولكن يمكن استخدامها مستقبلاً للعب دور رئيسي في النضال ضد الاستيطان وفي ردع العمليات الإسرائيلية من نفس وزن "عملية الرصاص المصبوب" والعدوان الأخير.
وبين أن تحديد نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يتمّ من خلال الرجوع إلى ثلاثة عناصر: التوقيت وسيدخل حيّز النفاذ بعد قيام فلسطين بالمصادقة على نظام روما؛ والجنسية، إذ تتمتع المحكمة بالولاية القضائية على رعايا أية دولة صادقت على نظام روما الأساسي بغض النظر عمّا إذا كانت الأراضي التي ارتكبت عليها الجريمة تقع ضمن اختصاص المحكمة أم لا؛ والإقليم، فعندما تصادق الدولة على نظام روما الأساسي، تتمتع المحكمة عندها باختصاص النظر في الجرائم التي ارتكبت في إقليم تلك الدولة، بغض النظر عن جنسية مرتكب الجريمة. وبالتالي، الإسرائيليون الذين يرتكبون أو يأمرون بارتكاب جرائم في إقليم دولة فلسطين يقعون ضمن اختصاص المحكمة.