نتنياهو يفضل حماس ضعيفة في غزة على عباس قوي
نشر بتاريخ: 30/08/2014 ( آخر تحديث: 01/09/2014 الساعة: 15:46 )
بيت لحم- معا - هل كان بإمكان الجيش الإسرائيلي استنساخ النصر الذي حققه في العقد الماضي "عملية السور الواقي في الضفة" وتحقيق آخر مماثل في غزة؟ الجواب القطعي "نعم"، لماذا لم يحدث ذلك؟ الجواب القطعي المستوى السياسي ممثل بجون كيري ونتنياهو ووزير الجيش لا يريدون ذلك وساقوا وأعدوا كل أنواع المبررات والحجج السياسية والعسكرية ووجهوا باتجاه تبرير احتمالية تصرفهم بما يخالف توصيات الجيش بخصوص عملية برية واسعة في غزة، ولم يكن قلقهم منصبا على عدد القتلى حيث فهمت وأدركت كافة مستويات الجيش من أعلى مستوى إلى مستوى الجندي وكانوا مستعدين لدفع الثمن المطلوب إذا كان هناك ما يعادل ويستحق التضحية بحياة الجنود، لكن وبصورة تقريبا وحشية قرروا الذهاب نحو خيار غير مناسب ومعقد شكل خطوات عملية "الجرف الصامد"، قال الكاتب الإسرائيلي "ارئيل كهانا" في مقالة نشرها اليوم على موقع "nrg" العبري تحت عنوان "نتنياهو يفضل حماس ضعيفة في غزة على عباس قوي".
إسرائيل مارست رد الفعل
بدأت عملية "الجرف الصامد" في الثامن من تموز ردا على ارتفاع وتيرة إطلاق الصواريخ على المنطقة الجنوبية حيث بدأت عمليات إطلاق الصواريخ بالتزامن مع عملية اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة، وكان الهدف المعلن للعملية العسكرية "إعادة الأمن لفترة طويلة وتوجيه ضربات حاسمة وعميقة للبنية التحتية الإرهابية" وانطلقت الطائرات المقاتلة في المرحلة الأولى من العملية لضرب وتدمير مئات الأهداف في قطاع غزة وصنفت المعلومات الاستخبارية الممتازة والنوعية حوالي 2000 هدف تعود لحركة حماس امتنعت الطائرات الإسرائيلية عن ضربها بحجة ضرورة التفرغ لضرب الأنفاق لان نتنياهو يريد عملية برية، لذلك يريد في البداية تدمير الأنفاق المتجهة إلى كرم ابو سالم ونتيف هعسراه.
ومع نهاية اليوم التاسع للعملية الجوية اصدر الكابينت أمره للجيش لتنفيذ عملية برية هدفها تدمير الأنفاق الهجومية التي حفرتها حماس، واحتلت ألوية المشاة المدعومة بالمدرعات والدبابات والمدفعية منطقة بعمق 2 كلم، وبشكل عام امتنعت من دخول الأماكن المأهولة باستثناء الأماكن التي كان دخولها حيويا وضروريا لتدمير الأنفاق، وكانت إسرائيل في كافة مراحل المعركة تقريبا تقوم برد الفعل وليس الفعل، كما أظهرت أحاديث مع الجنود والقادة أن العملية البرية كانت أيضا محدودة ومقيدة من حيث قوتها ومداها واكتفت القوات التي شاركت بالاختراق البري الأول باحتلال نقاط تمركز والانتقال إلى حالة الدفاع وحماية القوات المشاركة في عمليات البحث عن الأنفاق وتدميرها، ومن المهم التأكيد أن يد "جنودنا" كانت العليا في الاشتباكات التي وقعت مع مقاتلي حماس الذين واجهوا التفوق النوعي لجنود الجيش لذلك امتنع "المخربون" من خوض معارك مباشرة مع الجنود وفضلوا إطلاق النار عن بعد واستخدام الأنفاق لذلك كانت عملية برج ناحل عوز عينة غير ممثلة للحالة.
وفي الخامس من "آب" أو ما يعادله في الأشهر العبرية "التاسع من آب" وبعد 18 يوما من دخولهم ارض القطاع انسحب الجنود وعادت القوات إلى داخل إسرائيل وذلك بعد أن نجحوا بتدمير 32 نفقا وتمهيدا لاتفاق جديد لوقف مؤقت للنار لكن دون ان يضمنوا عودة الأمن على المدى البعيد وهو واحد من هدفي العملية، ومن هذه اللحظة وحتى وصلت العملية خط نهايتها راوحت الإطراف مكانها بين وقفات جزئية لإطلاق النار.
لماذا امتنع الجيش عن القيام بعملية ذات مغزى تؤدي إلى تحطيم القوة العسكرية لحماس؟ لماذا لم تستغل إسرائيل التضامن الدولي والإقليمي والإسرائيلي الداخلي لتوجيه ضربات قاسمة للقوات البرية التابعة لحماس؟ لماذا لم يتم إرسال ألوية قوات المشاة لتدمير كتيبة اثر أخرى ولواء اثر آخر من قوات العدو؟ لماذا اكتفوا بتدمير الأنفاق الهجومية ولم يدمروا الأنفاق التي تشكل جزءا من البنية التحتية الوجيستية المستخدمة في الاتصالات ونقل المؤن والذخائر؟ وفوق كل ذلك لماذا امتدت معركة ضد منظمة "إرهابية" لأكثر من خمسين يوما؟ تساءل الكاتب ارئيل كهانا.
مفاوضات بين خمسة أطراف
وجهنا الأسئلة سابقة الذكر خلال عملية "الجرف الصامد" وبعدها لقادة كبار وضباط تم استدعاؤهم للخدمة الاحتياطية وجنود خدموا على خط الجبهة وكذلك لسياسيين واكبوا عملية اتخاذ القرارات ومنهم من انتقدوا الجيش ومنهم ومن ضمنهم الجيش نفسه من يعتقدون أن الجيش فعل كل ما بوسعه في ظل الظروف التي نشأت وقام بالمهمة بأفضل صورة.
ومن المفهوم أن هناك دوما ما يتوجب علينا إصلاحه وتعديله وتحسينه ولكن بصورة عامة يقول قادة وضباط الجيش وبكل بساطة "انتصرنا" ويشددون على أن النصر لم يتحقق فقط بفضل العمليات العسكرية، بل بالدمج بين العسكر والعمليات السياسية وقوة الصمود والثبات التي تحلى بها الجمهور الإسرائيلي، هكذا ينظر الجيش للأمر ويقول إنه لا يوجد انتصارات إما ابيض أو اسود كما حدث في حرب 67 لان عدد اللاعبين كبير، وباتت الحروب أكثر تعقيدا وتطورا والمعركة على "الوعي" باتت اكثر تعقيدا لا تقل عن تعقيد الحرب على الأرض، ومن اجل المقارنة كانت حماس وإسرائيل خلال عملية "الرصاص المصبوب" تقريبا الطرفين الوحيدين المتوجب عليهما الاتفاق بينهما والتوصل لوقف إطلاق النار، لكن هذه المرة دخل المصريون وقطر والسلطة الفلسطينية واخذوا يسحبون الخيوط ويوجهون الأمور.
ورغم هذه التعقيدات وشعور المرارة لدى جزء من الجمهور الإسرائيلي فإن الجيش مقتنع أن إسرائيل خرجت من الحرب وهي صاحبة اليد العليا بكل المقاييس وانتشر بين الضباط التعبير "أخذنا منهم؟ ماذا؟ الأنفاق ومنظومة الصواريخ ومصانع "مخرطة" إنتاج هذه الصواريخ وكذلك دمرنا لهم الكاوماندو البحري والمفاجآت الجوية وكبار قادتهم واكثر من 1000 مقاتل وكل ما بنوه وخططوا له على مدى السنوات الماضية أخذناه منهم خلال أسبوعين، كذلك ووفقا لمعلومات استخبارية يعتقد الجيش أن صمود الجمهور الإسرائيلي انهى وهم حماس بإمكانية كسر إسرائيل.
"الجيش لا يستطيع إن يكشف كل ما يعرفه لذلك بقي الجمهور الإسرائيلي لا يعرف ان حماس هي من زحفت على أربعة واستجدت وقف إطلاق النار وليس إسرائيل".
"زحفت حماس على أربعة حتى تحصل في اليوم الخمسين للحرب على ما عرضته عليها إسرائيل في اليوم الخامس من الحرب وفي الطريق إلى خط النهاية خسرت كل ما خسرت"، وفقا لما يعتقد ويؤكد الجيش الإسرائيلي حسب تعبير الكاتب صاحب المقالة.
هناك تفصيل صغير لكن مهم يؤكد ما ذهب إليه الجيش وهو التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار دون أن يكون الوفد الإسرائيلي في القاهرة حيث أمر نتنياهو ويعلون الضباط بعد وقف إطلاق النار الـ 11 بمغادرة القاهرة لان إسرائيل ترفض التفاوض تحت النار، وهنا صدمت حماس وقالت لمدة أسبوع وهي مكرهة وفي نهايته أبلغت مصر بأنها ستوافق على المبادرة التي سبق وان رفضتها قبل أسبوع وهذا يشير الى من خضع اولا.
لماذا كانت ليفني حادة
طغت الصورة السياسية على الطبقة العسكرية وكانت الصورة السياسية حاسمة في أهميتها وضرورتها خلال المعركة، ولا احد سيعلم بذلك وستواصل الحكومة حتى خلال الحوارات المغلقة القول بان حماس حركة "إرهابية مقيتة" لكن في العمق وأعماق الأمور وحتى لو بدا هذا الأمر شديد السوء فان إسرائيل أرادت ورغبت ببقاء حكم حماس في غزة كما هو، ما يعني أن نتنياهو لم يخف من العملية البرية وأمر بلجم الجيش بل أراد رئيس الحكومة ان يكون في الطرف الأخر عنوان وقوة تضبط الأوضاع لذلك لم يصدر الأوامر بإنهاء وإسقاط حكم حماس.
لماذا فضل "بيبي" حماس؟ أيضا هذا الاعتبار لن تسمعوه مطلقا من فم نتنياهو أو احد مستشاريه ومن المعقول القول ان هذا الأمر لم يقل بشكل واضح ومكشوف في أي نقاش، لكن من حيث الجوهر والمبدأ هناك ثلاثة لاعبين يمكنهم السيطرة على غزة على المدى البعيد، أولا: إسرائيل ما يعني سيطرتها ومسؤوليتها عن كافة مناحي حياة سكان غزة مع دفع الثمن العسكري والاقتصادي النابع عن هذه السيطرة، والثاني: هي حماس رغم الضرر الذي قد يحلق بنا "إسرائيل"، أما اللاعب الثالث: فهو ابو مازن فقد كان باستطاعة إسرائيل إسقاط حكم حماس في غزة وتسليمها لابو مازن لكن من الواضح بان "الرافض" في رام الله ليس بالجبان ولم يكن ليهب لإنقاذ إسرائيل من وحل غزة دون ان يطالبها بالانسحاب من الضفة الغربية وهناك شيء لا يقل أهمية هل سيمنع أو ينجح في منع إعادة تسليح حماس لو استلم الأمر في غزة؟ وتجربة الماضي والحاضر معه لا تبقي مجالا للشك فان حركة حماس أقوى من عباس لذلك ودون ان يعترف احد بهذا اختار نتنياهو عدم إسقاط حكمها في غزة لاسباب عسكرية وقبل كل شيء اسباب سياسية ايضا واختار التعامل مع حماس الضعيفة على عباس القوي ولهذا السبب رفض دعوات ليبرمان لتدمير وانهاء حكم حماس.
اتخذت تسيفي ليفني موقفا متشددا ضد حماس وفعلت ذلك انطلاقا من ذات الأسباب التي انطلق منها نتياهو لأنها متلهفة لتسليم الضفة الغربية لابو مازن لذلك حاولت استغلال الحرب لدفع نظريتها هذه إلى الأمام، ومن هنا نقول بان مهام الجيش استنبطت من الهدف السياسي "توجيه ضربات قوية للبنية التحتية الإرهابية"، وهذا يعني أنه من المسموح توجيه الضربات لكن من الممنوع التسبب بانهيار حكم حماس، وهذا كان الاعتبار السياسي الذي وقف خلف قرار عدم احتلال غزة والجيش على قناعة أن الهدف المحدد له قد تحقق حتى النقطة الأخيرة.
يتفق ضباط كبار في الجيش مع من يقولون إن الحرب طالت أكثر مما يجب ويعتبرون ترك سكان "غلاف غزة" منازلهم انجازا لحماس وكذلك قتل الجنود والمدنيين، لكن وبالميزان الشامل لا يوجد لدى قيادة الجيش أي شك بانها حققت الانتصار وهذه "الحقيقة" لا تستند فقط على معطيات مجردة وموضوعية بل على اختراق استخباري عميق في حماس التي لم يتوقف قادتها عن السؤال" ما حاجتنا لكل هذا؟.
وخلافا لما يعلمه الجمهور من ناحية الجيش الإسرائيلي انتهى القسم الأكبر من الحرب مع نهاية العملية البرية رغم استمرار الغارات الجوية الثقيلة وتدمير الأبراج السكنية والاغتيالات، تلك العمليات التي أوصلت حماس في النهاية إلى نقطة الانكسار، لكن بالنسبة للجيش انتقل مركز الثقل فور انتهاء العملية البرية إلى الساحة السياسية ومحاولات التوصل إلى اتفاق لوقف النار.
وتحول الجيش طيلة الأسابيع الثلاثة التي امتدت من نهاية العملية البرية وحتى خضوع حماس إلى لاعب ثانوي، وكانت هذه هي لعبة توزيع الأدوار المتفق عليها بين الجيش والمستوى السياسي، دون أن يعلم بها الجمهور وربما هذا هو سبب شعور الجمهور بالمرارة.
نتيجة رمادية ومتوقعة
وحتى بنظرة إلى الخلف قيادة الجيش على قناعة تامة ان مواصلة أو توسيع العملية البرية ما كان لها أن تقصر أمد الحرب، العقل السليم وربما العقلية القديمة تقول إنه طالما لا يوجد وقف إطلاق نار يجب عليك القيام بكل ما هو ضروري لضرب عدوك على الأرض وان تحتل أراضيه وان تتوغل في أنفاقه وان تحتل مقراته القيادية تمام كما يحدث في الحرب الكلاسيكية حتى وان كنت لا تنوي تدميره والتسبب بانهياره.
وفقا للجيش لم يكن هناك معنى للقيام بعملية برية جزئية كما حدث فعلا فكان يجب احتلال كامل أو عملية عسكرية ضد الأنفاق فقط وحتى عملية محددة ضد قيادات حماس في مستشفى الشفاء اعتقد الجيش بعدم وجود فائدة أو داعي لان عملية من هذا النوع تستوجب حشد قوات هائلة وعلى كل حال كانت قيادات حماس ستفر وتهرب قبل وصول الجنود إلى مستشفى الشفاء والمدينة التي تقع تحته فإذا كانت هذه هي النتيجة فلماذا نقوم بذلك ؟.
لذلك كانت نتائج الحرب تماما كما أردت ثلاثية القيادة، تلقت حماس ضربات قوية لكنها لا زالت تقوم بوظيفتها وعملها وربما لم تكن هذه نتيجة مثيرة لكنها أفضل ما يمكن تحقيقه في هذه الوقت ومن أصغى لأقوال القيادة خلال مؤتمرها الصحفي في نهاية الحرب كان يمكنه سماع هذا الوصف بشكل دقيق وهذا بالضبط ما قصده نتنياهو ويعلون حين تحدثوا عن إدارة مسئولة وعاقلة للحرب بما في ذلك وضع أهداف واقعية وليست فلسفية .
وهذا بالضبط ما قصده رئيس الأركان "غانتس" حين قال في ذات المؤتمر الصحفي" لم تكن أية تنازلات إستراتيجية إسرائيلية والعملية العسكرية دعمت العملية السياسية ".
وأخيرا فقط الزمن سيجيب فيما إذا نجحت القيادة الثلاثية في تحقيق الهدف وضمان الأمن على المدى البعيد ولفترة طويلة رغم حذر نتنياهو ويعلون من تقديم وعد واضح بذلك فأنهم يعتقدون بان حماس تلقت ضربة لن تجرؤ بعدها على مهاجمة إسرائيل قبل 10 سنوات على الأقل لكن هذه الحرب علمتنا والحديث لكاتب المقال ان حماس لا تتصرف دائما كما هو متوقع لهذا قد تعود عملية تنقيط الصواريخ من جديد " إطلاق صواريخ منفردة " كما سالت نتنياهو ماذا سنفعل في حال باشرت حماس حفر نفق جديد ؟ وكان جوابه " نحتفظ بحق الدفاع عن النفس" ما يعني واقعيا " إلى اللقاء في الجولة القادمة ".