الثلاثاء: 05/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تقرير دولي: اسرائيل تمارس القهر ضد الافارقة

نشر بتاريخ: 09/09/2014 ( آخر تحديث: 10/09/2014 الساعة: 12:25 )
تل أبيب - معا - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنّ السلطات الإسرائيلية قامت على نحو غير مشروع بإرغام ما يقرب من 7000 من المواطنين الإريتريين والسودانيين على العودة إلى بلدانهم حيث يتعرضون فيها لخطر انتهاكات خطيرة.

واضافت المنظمة ان بعض السودانيين العائدين يواجهون التعذيب والاحتجاز التعسفي وتهمة الخيانة في السودان لدخولهم إسرائيل، بينما يواجه الإريتيريون العائدون خطرا حقيقيا بالتعرض لسوء المعاملة أيضاً.

ويوثّق التقرير المكوّن من 83 صفحة بعنوان "لنجعل حياتهم بائسة: إجبار إسرائيل طالبي اللجوء الإريتريين والسودانيين على مغادرة إسرائيل"، كيف أن التفاف إسرائيل على القواعد القانونية يجهض محاولات طالبي اللجوء الإريتريين والسودانيين لتأمين الحماية بموجب القانونين الإسرائيلي والدولي. وقد وصفت السلطات الإسرائيلية الإريتريين والسودانيين بأنهم "تهديد"، وأسمتهم "متسللين"، ومنعتهم من الحصول على إجراءات لجوء عادلة وفعّالة، واستخدمت الوضع القانوني غير الآمن الناجم، كذريعة لاحتجازهم بشكلٍ غير قانوني أو التهديد باحتجازهم إلى أجلٍ غير مسمى، مما يجبر الآلاف على مغادرة البلاد.

وقال جيري سيمبسون، باحث أول في قسم اللاجئين في هيومن رايتس ووتش ومؤلف التقرير :"إنّ تدمير أمل الناس في إيجاد الحماية بالتضييق عليهم ثم الادّعاء أنهم يغادرون طوعاً يسئ إلى شفافية إسرائيل. وليس أمام الإريتريين والسودانيين في إسرائيل من خيار سوى العيش في خوف من قضاء بقية أيامهم في مراكز احتجاز في الصحراء أو التعرّض لخطر الاعتقال وسوء المعاملة في بلادهم".

في 2006، بدأ الإريتريون والسودانيون الوصول بأعداد كبيرة إلى إسرائيل عبر شبه جزيرة سيناء المصرية هرباً من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في بلدانهم. ومع إغلاق اسرائيل حدودها مع مصر في ديسمبر/كانون الأول 2012، كان حوالي 37000 من الإريتريين و14000 من السودانيين قد دخلوا البلاد.

وقامت السلطات الإسرائيلية على مدى السنوات الثماني الماضية بتطبيق تدابير قسرية متنوّعة لـ "جعل حياتهم بائسة" و "حمل غير الشرعيين على المغادرة"، على حد قول وزير الداخلية الإسرائيلي السابق إيلي يشاي ووزير الداخلية الإسرائيلي الحالي جدعون ساعر، على الترتيب.

وشملت هذه التدابير الاعتقال إلى أجل غير مسمّى، والعقبات التي تحول دون الوصول إلى نظام اللجوء الإسرائيلي، ورفض 99.9 في المئة من طلبات اللجوء الإريترية والسودانية والسياسات الغامضة في السماح لهم بالعمل، والوصول المقيّد بشدّة إلى الرعاية الصحية.

واحتجزت السلطات الإسرائيلية منذ يونيو/حزيران 2012 الآلاف من الإريتريين والسودانيين إلى أجلٍ غير مسمّى لدخولهم اسرائيل بشكل غير شرعي، أي عدم الدخول من معبر حدودي رسمي. وبعد أن قضت المحكمة الإسرائيلية العليا في سبتمبر/أيلول 2013 أن هذا الاعتقال غير قانوني، ردّت السلطات الإسرائيلية بإعادة تسمية سياسة الاعتقال التي تنتهجها وبدأت تفرض على طالبي اللجوء الإقامة في "منشأة حولوت للإقامة" في صحراء النقب النائية في إسرائيل وفي ظروف ترقى إلى الاحتجاز رغم تغيير التسمية.

وتحدثت هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني 2014، مع أحد أوائل الناس الذين تمّ احتجازهم في منشأة حولوت، وهو إريتري يبلغ من العمر 21 عاماً، حيث قال: "الحياة هنا في حولوت هي ذاتها كما في مركز احتجاز صحارونيم، حيث احتجزتُ لمدة 14 شهراً من قبل، والكثير من الناس هنا لديهم مشاكل عقلية لأنهم اعتقلوا أيضاً لفترة طويلة. أنا أخشى كذلك من الوصول إلى تلك الحالة، لقد قضيت في السجن فترة طويلة".

وبحلول أغسطس/آب 2014، كان ما يقل قليلا عن ألفين من الإريتريين والسودانيين محتجزين في منشأة حولوت، في حين تم اعتقال أقل من الألف بقليل في مركز احتجاز صحارونيم بما في ذلك أكثر من ألف ممن طلبوا اللجوء. ويعيش الـ 41000 المتبقون من الإريتريين والسودانيين في المدن الإسرائيلية تحت خطر تلقّي الأوامر بالالتزام بالتواجد في حولوت.

ويمثل اعتقال الأشخاص في حولوت خرقا لحظر الاحتجاز التعسفي بموجب القانون الدولي لأن وجود الناس يكون مقصورا على مكان محدد بحيث لا يمكن لهم ممارسة الأنشطة المهنيّة والاجتماعية المعتادة. ويتمّ احتجاز المعتقلين هناك من دون غرض قانوني وإلى أجلٍ غير مسمّى بموجب سياسة مستترة لاحتجاز المهاجرين. وقد أخفقت السلطات الإسرائيلية في أن تبرر-على أساس فردي- كل قرار باعتقال شخص ما وليس هناك وسيلة فعالة للطعن على القرار.

وقال إن الطريقة الوحيدة لضمان الافراج عن المعتقلين هي الاعتراف بهم كلاجئين. ومع هذا، فقد منعت السلطات الإسرائيلية بشكل منهجيّ الإريتريين والسودانيين من الوصول إلى إجراءات لجوء عادلة وفعالة. كما رفضت السلطات حتى أواخر 2012، تسجيل طلبات لجوئهم نهائياً، حيث قالت إنهم ليسوا بحاجة إلى صفة اللاجئ لأن إسرائيل كانت متسامحة مع وجودهم في إطار سياسة حماية المجموعة التي تمتد لبعض الجنسيات.

وفي فبراير/شباط 2013، سمحت إسرائيل للإريتريين والسودانيين بتقديم طلبات اللجوء بأعداد كبيرة. ومع ذلك، واعتباراً من مارس/آذار 2014، استعرضت السلطات ما يزيد قليلاً على 450 طلباً، في حين قال محامو اللاجئين الإسرائيليين إنه لا يوجد دليل على أن السلطات قد درست طلبا واحدا لطالبي اللجوء الإريتريين والسودانيين الذين يعيشون في البلدات والمدن الإسرائيلية. وكان معدل الرفض يقرب من مئة في المئة.

ويؤدي الأثر التراكمي لهذه السياسات إلى عدم ترك أي خيار أمام الإريتريين والسودانيين سوى الاعتقال مدى الحياة في إسرائيل أو العودة إلى بلد يتعرضون فيه لخطر الاضطهاد أو غيره من الأضرار الجسيمة.

وقال سبعة سودانيين عادوا إلى السودان لـ هيومن رايتس ووتش إنهم غادروا إسرائيل لأنهم كانوا يخشون الاعتقال إلى أجلٍ غير مسمّى، وقالوا إنه تمّ احتجازهم واستجوابهم في العاصمة السودانية، الخرطوم. كما احتجِز ثلاثة منهم لفترات طويلة تعرّض خلالها أحدهم للتعذيب، فيما تم وضع الثاني في الحبس الانفرادي، أمّا الثالث فتم اتهامه بالخيانة.

ويواجه أي شخص قام بزيارة إسرائيل عقوبة تصل إلى السجن 10 أعوام في السودان بموجب القانون السوداني. ومن ثم يتمتع المواطنون السودانيون في إسرائيل بما يعرف بحق اللجوء "في المكان"، الذي من خلاله تنشأ مخاوف حقيقة من التعرض للاضطهاد كنتيجة لتسلسل الأحداث التي وقعت أو الأنشطة التي شارك فيها طالب اللجوء، بعد مغادرته بلده الأصلي.

لا يُعرف مصير الإريتريين العائدين من إسرائيل، وهذا رغم أن هيومن رايتس ووتش وثقت كيفية إساءة السلطات الإريترية لبعض الإريتريين العائدين من بلدان أخرى.

تمّ منح 83 في المئة من طالبي اللجوء الإريتريين في جميع أنحاء العالم شكلاً من أشكال الحماية عام 2013 بسبب المخاوف من الاضطهاد ذات المصداقية التي تتعلق بعقوبة التهرب من الخدمة العسكرية غير محددة المدّة في إريتريا وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى هناك، حسبما ذكرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين، في تناقض صارخ مع نسبة 0.1 في المئة لقبول الحماية في إسرائيل.

وقالت هيومن رايتس ووتش إنّ المواطنين الإريتريين والسودانيين الذين يوافقون على العودة من إسرائيل إلى بلدانهم تحت تهديد الاعتقال إلى أجلٍ غير مسمّى ينبغي اعتبارهم ضحايا للترحيل القسري. والإعادة القسرية، بموجب القانون الدولي، هي الإعادة بالإكراه "بأي شكل من الأشكال" لطالبي اللجوء إلى خطر الاضطهاد، أو لأي شخص قد يتعرّض للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية والمهينة.

وقال جيري سيمبسون: "يقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم يريدون جعل حياة ’المتسللين‘ بائسة بحيث يغادرون إسرائيل، ومن ثم يدّعون أن الناس يعودون إلى بلدانهم بمحض إرادتهم. إن القانون الدولي واضح تجاه الإريتريين والسودانيين في عدم تمتعهم بحرية اتخاذ القرار بمغادرة إسرائيل وخطر التعرّض للأذى في الوطن، حين تهدّدهم اسرائيل بالاعتقال مدى الحياة".

ومنذ 2008، أعطت السلطات الإسرائيلية الإريتريين والسودانيين تصاريح "الإفراج المشروط" والذي يجب تجديده كل بضعة أشهر. ويهدد أخفاق السلطات في تجديد هذه التصاريح في الوقت المحدد بمخاطر الاعتقال والاحتجاز وفقدان العمل، لأنّ السلطات تقوم بتغريم كل من يستخدم عمّالاً دون تصاريح. فرضت السلطات أواخر 2013، قيوداً مشدّدة على إجراءات التجديد، ما أدى إلى فوضى مع محاولات الإريتريين والسودانيين اليائسة لتجديد تصاريحهم. وقال قادة مجتمعيون إن التوتر الناتج ونقص الموارد من أجل البقاء ساهم في دفع العديد من السودانيين والإريتريين إلى اتخاذ القرار بمغادرة إسرائيل.

ويدرس تقرير "لنجعل حياتهم بائسة" أيضاً الغموض وعدم الوضوح في سياسة السلطات الإسرائيلية المتعلّقة بالتفويض بالعمل، التي جعلت من المستحيل تقريباً بالنسبة لكثير من الإريتريين والسودانيين إيجاد عمل والاحتفاظ به، وترك الكثيرين في خوف دائم من العوز. ومع العقبات التي تحول دون الحصول على الرعاية الصحية، فقد أدى هذا إلى زيادة الضغوط لمغادرة إسرائيل.

وقالت هيومن رايتس ووتش إنّ على إسرائيل الاعتراف بجميع المواطنين السودانيين في البلاد كلاجئين وتقييم طلبات لجوء الإريتريين تماشياً مع المبادئ التوجيهية لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين.

وعلى السلطات الإسرائيلية منح الإريتريين والسودانيين صفة الحماية المؤقتة الآمنة لمدة 12 شهراً قابلة للتجديد اعتماداً على الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في بلدانهم، لأنّ مراجعة عشرات الآلاف من طلبات اللجوء بما يتماشى مع المعايير الدولية وقانون اللاجئين سيستغرق سنوات. ويمكن رفع صفة الحماية حالما تتحسن الظروف بما فيه الكفاية للسماح بالعودة في أمان وكرامة.

وقال جيري سيمبسون: "يبدو أن السلطات الإسرائيلية مصممة تمام التصميم على إنفاق كميات هائلة من الموارد لاحتجاز الآلاف بشكل غير قانوني، والقيام بمراجعة طلبات اللجوء فقط من أجل رفضها كلها. وعلى السلطات بدلاً من ذلك، احترام التزاماتها وحماية هؤلاء الناس والسماح لهم بالعمل والعيش مؤقتاً في إسرائيل".