الخميس: 14/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

محاضرة في "مدار" تحت عنوان "إسرائيل: الأرض، القانون والايديولوجيا"

نشر بتاريخ: 15/09/2014 ( آخر تحديث: 15/09/2014 الساعة: 12:18 )
رام الله- معا - اعتبر د. رائف زريق، مدير تحرير فصلية قضايا إسرائيلية أن تاريخ قوانين الأراضي في فلسطين/ إسرائيل، يشكل تعبيرا مكثفا عن تاريخ الصراع بمجمله، ولا يمكن من دون تتبع هذا التاريخ فهم سياسة الدولة الإسرائيلية ومنطقها، موضحا أن فترة الانتداب البريطاني حاسمة في تحديد مسار السيطرة على الأراضي، عبر التوجه لتسويات الأراضي مراعاة للضغوط الصهيونية، إلى جانب "توقيف الزمن الفلسطيني" عبر وقف احتساب سنوات تصرف الفلاحين منذ اللحظة التي كانت تعلن فيها سلطات الانتداب عن أراض معينة أنها أراض تحت إجراءات التسوية.

وقال د. زريق في ندوة نظمها المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية "مدار"، أمس، تحت عنوان "إسرائيل: الأرض، القانون والايديولوجيا"، أن هدف المشروع الصهيوني في فلسطين تمثل، ومنذ مرحلة مبكرة، بتجسيد ملكية جماعية يهودية للأراضي في فلسطين، الأمر الذي لا يستطيع نموذج الاستعمار الاستيطاني وحده ان يفسره، إذ هناك مشاريع استيطانية في استراليا وكندا وغيرها لم تكن فيها ملكية الأراضي جماعية على الاطلاق.
ونبه زريق إلى ان فكرة وراثة دولة إسرائيل للدول التي سبقتها ليست ذا معنى، إذ تم منع وجود كيان فلسطيني يرث الانتداب وغيره، ثم إن الدولة بالمعنى الحقيقي تمتلك حيزا من باب الائتمان عليه لإعادة استخدامه للصالح العام، وليس لصالح أناس لم يهاجروا بعد إلى فلسطين.

وأوضح زريق أن الطبيعة الجماعية للملكية اليهودية في فلسطين فرضتها ضرورات أيديولوجية ومادية في آن. كمنت الضرورات الأيديولوجية في التبريرات الفكرية والأيديولوجية التي اتكأت عليها الصهيونية كي تبرر مشروع استيلائها على الأرض، والمستندة بأغلبيتها إلى الحق اليهودي القديم في أرض إسرائيل. زد على ذلك أن المشروع ذو طابع إثني – قومي ينوي حل مشكلة اليهود أينما كانوا في أرجاء المعمورة، وبالتالي فإن الأرض التي تتم السيطرة عليها، أو يجري اقتناؤها إنما هي أرض مكرسة لخدمة اهداف وحاجات جميع اليهود أينما كانوا. وعليه فان مالكها المسجل هو أشبه بمؤتمن عليها لصالح اليهود ككل، أولئك اليهود المتوقع منهم الهجرة إلى فلسطين وبناء المشروع القومي اليهودي على أرضها. وهذا ما يفسر وجود أجسام مثل الكيرن كييمت التي تتوسط بين الأرض في فلسطين ويهود العالم.

وعن السبب العملي للملكية الجماعية فأشار زريق إلى أنه كان من المتعذر في ظروف فلسطين وفي ظل الوجود العربي القوي والراسخ فيها اتباع سياسة استيطان فردية ضمن النموذج الأسترالي أو الكندي، وذلك نتيجة المقاومة المحلية، وبالتالي كان لا بد من وجود جسم جماعي تنسيقي يقوم بعملية الشراء والمحافظة على الأرض والدفاع عنها بشكل جماعي.

واعتبر زريق فترة الانتداب البريطاني حاسمة في تحديد مسار السيطرة على الأراضي، إذ جرت تحت تأثير وضغط أوساط صهيونية عملية سريعة لمسح الأراضي وإعلان حدودها ومساحتها وملكيتها، الامر الذي تطور إلى الفصل بين الملكية من ناحية والحيازة والتصرف بالأرض من ناحية أخرى؛ فأصبح من الممكن أكثر فأكثر أن تكون مالكا للأرض دون أن تضطر للتصرف الفعلي بها.

وبين أن الضربة الأولى التي تلقاها الفلاح الفلسطيني في فترة الانتداب هي وقف احتساب سنوات التصرف منذ اللحظة التي كانت تعلن فيها سلطات الانتداب عن أراض معينة أنها أراض تحت إجراءات التسوية. فأحيانا كانت إجراءات التسوية تستمر عشرات السنين، والفلاح الفلسطيني يفلح الأرض خلال هذه السنين، لكن لم يكن باستطاعته مراكمة هذه السنوات كي يدعي أنه أصبح مؤهلاً ليحظى بملكيتها بموجب قانون الأراضي العثماني. أي أن التاريخ والتصرف الفعلي في الأرض لم يعودا عاملا أو اعتبارا حاسما في تسجيل الملكية، وكأن الزمن الفلسطيني قد توقف.

وقال: الانتقال من منطق التصرف إلى منطق تسجيل الملكية إبان الانتداب كان ذا أثر سلبي كبير على الفلاح الفلسطيني، هذا الاثر الذي بلغ ذروته بعد إقامة دولة إسرائيل. ومن ناحية أخرى فإنه أتاح للمؤسسات اليهودية استملاك الأراضي بسهولة أكبر، بعد ارتفاع مصداقية السجلات المكتوبة مقابل التصرف والحيازة الفعلية. مهما يكن من أمر فإن مجمل الأراضي التي استملكها اليهود وعشية قرار التقسيم، لم يتجاوز 6 بالمئة من أراضي فلسطين.

وعن فترة إقامة دولة إسرائيل، أوضح زريق ان الدولة وجدت نفسها في وضع غريب عجيب من حيث علاقة "السيادة" بـ"الملكية": لديها سيادة على كامل أراضي الدولة في حين أن اليهود يملكون نسبة ضئيلة من الأراضي، وعليه نشأت ضرورة نقل ملكية هذه الأراضي لأياد يهودية. يمكن القول إن مرحلة جديدة بدأت بعد قيام الدولة، فإذا كان تملك اليهود لبعض الأراضي قد ساهم في بناء الدولة والحصول على السيادة، فالحال بعد إقامة الدولة هو العكس: إن السيادة مقدمة للحصول على الملكية، بعد أن كانت الملكية مبرراً وعاملاً في الحصول على السيادة.

وأضاف: إن لهذه الحقيقة مدلولات وتأثيرات كبيرة على مبنى الدولة والنظام السياسي فيها، فحقيقة أن معظم الأراضي في الدولة ملكية جماعية تحت تصرف الدولة، وتحت تصرف مؤسسات يهودية لا تخضع للدولة، لها مدلولاتها الاقتصادية والقانونية والسياسية لأنها تبقي المواطن رهين سياسات جماعية ترسمها الدولة والمؤسسات الصهيونية برمتها؛ أي أنها تبقي المواطن اليهودي في علاقات تبعية بكل ما يتعلق بمواضيع بديهية وأساسية تتعلق بمكان سكناه والبيئة المادية التي تشكل أساسا لحياته.

وختم زريق: ان لهذا الواقع بالمعنى السياسي فيما يتعلق بالمواطنين العرب –داخل الخط الأخضر- دلالة خاصة، إذ يشير إلى أنه مهما ارتفع منسوب الحديث القانوني على حقوق هذا المواطن، فإنه يبقى محاصرا في الهواء إلى حد كبير، لأن الأساس المادي لوجوده بالمعنى المباشر – الأرض – موجود بين يدي مؤسسة تستعديه. بهذا المعنى فإن أي حديث عن المساواة والمواطنة دون التطرق إلى الأساس المادي لهذه المساواة ولهذه المواطنة، هو عبارة عن ديمقراطية شكلية.