انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي العشرين لمؤسسة مواطن
نشر بتاريخ: 27/09/2014 ( آخر تحديث: 27/09/2014 الساعة: 15:57 )
رام الله - معا - تناول المشاركون في المؤتمر السنوي العشرين لـ"مواطن" (المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية)، في يومه الأول، اليوم، في مدينة البيرة، وتحت عنوات "الاقتصاد السياسي الفلسطيني تحت الاحتلال .. محاور في أزمة مستمرة"، العديد من الجوانب التي تم تسليط الضوء عليها، في خلطة فكرية ثقافية سياسية اجتماعية فريدة من نوعها.
وحملت الجلسة الأولى على عاتق مشاركيها، نقاش "ما بعد العدوان على غزة"، وأدراها د. محمود العكر رئيس مجلس أمناء "مواطن"، الذي تحدث عن عما وصفها بجدران الخزان التي تكاد تقتلنا، ملخصاً إيها بـ"العمل الإسرائيلي الدؤوب لتذويب الكيانية الفلسطينية، والتشديد على إنجازات إسرائيل في الجانب الاستيطاني عبر قتل روح المقاومة لدى أبناء الشعب الفلسطيني.
وأشار العكر إلى أن رابين اشترط على القيادة الفلسطينية قبل توقيع اتفاقية أوسلو في 13 أيلول 1993، جملة من التعهدات، وهو ما تم بالفعل، حيث تم الاعتراف الفلسطيني بحق إسرائيل بالوجود بأمن وسلام، وكذلك الالتزام الفلسطيني بالتخلي عن العنف والإرهاب، وليس نبذه، إضافة إلى الالتزام بطريق المفاوضات دون غيره لحل قضايا ما يسمى بالحل النهائي، لافتاً إلى أن "في اتفاق أوسلو ما هو أشد فتكاً، ويتعلق بالحركة الأسيرة، فلم يتم اشتراط الإفراج عن الأسرى وتبييض السجون قبل توقيع الاتفاق، على عكس أية اتفاقات أبرمتها حركات التحرر في مختلف أنحاء العالم.
وقدّم العكر جملة من الآليات والأولويات لـ"تفجير جدران الخزان"، على رأسها تعزيز عودة وإعادة الاعتبار لثقافة المفاومة، ووضع العمل المقاوم بكل أشكاله على جدول الأعمال الوطني، واستئناف الاشتباك المتواصل مع الاحتلال، ما يحمله أثمان مادية، واستثمارية، واقتصادية، وأخلاقية، ودولية، إضافة إلى المضي قدماً في إنهاء الانقسام، وتفعيل الإطار القيادي الموحّد لإنهاء الإنقسام، والذي "أول مهماته يجب ان تكون العمل على استراتيجية جديدة تغيّر المسار الفاشل لعشرين سنة أو يزيد من المفاوضات، ويضع السلطة الفلسطينية في موضعها الطبيعي كأداة خدماتية تعمل لصالح منظمة التحرير"، مع التركيز على أهمية التبني التام للمقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل، وتفعيل القوانين الدولية لملاحقة مجرمي الحرب من ساسة وعسكريين إسرائيل.
وكان البدء مع د. جورج جقمان، المدير العام لـ"مواطن"، وقدم ورقة بعوان "عبر ومخاطر ما بعد العدوان على غزة".
ومما جاء في مداخلة (قراءة) جقمان، أنه "في غمرة التجاذب والتراشق الإعلامي ما بين فتح وحماس بعد العدوان على غزة، والمتعلق بدور وزارة التوافق، وما إذا قامت بدورها أو لم تقم في الإعمار ومتابعته، أو مسؤوليات أخرى مفترضة؛ في غمرة هذا الإستغراق في تسجيل النقاط من قبل الطرفين قد يسهل اغفال القضايا الأساسية والعبر التي يجب استخلاصها ما بعد العدوان. ذلك أنه توجد عدد من القضايا الأساسية والمخاطر أيضا التي من الضروري الإلتفات إليها الآن والعمل على بلورة رؤية وتصور أبعد مدى من الحاضر ويتعلق بالقضية الأساسية التي ما زالت ماثلة أمامنا. هذه القضية يلزمها تفكير متجدد وربما مختلف أيضا عما جرت العادة تكراره، من حاجة لرأب الصدع الداخلي، وتفعيل أو إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وإجراء الإنتخابات، وتفعيل عمل اللجان، وهكذا".
وتحدث جقمان عن "ما سمي بالمصالحة واتفاقية مخيم الشاطىء الأخيرة التي تم التوصل إليها في نيسان 2014، التي نجم عنها تشكيل "حكومة التوافق".. وقال: أبدأ بالمصالحة لتبيان أن القضية الأساسية ليست هنا، وأن الخشية التي عبر عنها البعض من التراشق الإعلامي والمناكفة التي جرت خلال الأسابيع الماضية وأثرها على المصالحة، ليست هي القضية الجوهرية فلسطينيا، وإنما فقط فصائليا وحزبيا.. وأقول ما سمي بالمصالحة، لأن هذه الإتفاقية في الوافغ تعيد تعريف معنى المصالحة، وتقصرها من ناحية ما يمكن تنفيذه على تشكيل "حكومة التوافق" فقط. عدا عن ذلك، تدعو الإتفاقية إلى عقد اللجان المختلفة المشار إليها في إتفاقيات سابقة. وقد اجتمعت هذه اللجان في الماضي ولم ينجم عنها أي قرارات نفذت.
وتابع جقمان: إن أزمة السلطة الفلسطينية ما قبل العدوان على غزة، كمنت، كما أشرت، في انسداد الأفق السياسي أمامها. فبعد ثلاثة وعشرين عاماً من المفاوضات، منذ مؤتمر مدريد في نهاية العام 1991 وحتى الآن، لم يعد للسلطة الفلسطينية مديد من الوقت أمامها لأعوام أخرى من المفاوضات، والاستحواذ على الأرض الفلسطينية جارٍ على قدم وساق، وتهويد القدس والاستيطان يتسارع حتى خلال المفاوضات. وفي كل الأحوال، لم يتصور الفلسطينيون أن الهدف من إنشاء السلطة الفلسطينية هو أن تعمل كبلدية كبرى لإدارة شؤون السكان المدنيين في الأرض المحتلة بشكل دائم، وفي ظل السيادة الإسرائيلية. هذه هي أزمة الشرعية، شرعية استمرار وجودها كما هي الآن. وتدرك السلطة الفلسطينية هذا جيداً، ومن هنا كان الإقدام على الذهاب للأمم المتحدة ابتداءً من العام 2010 فما بعد، لعمل "شيء ما" إزاء هذا الوضع المتأزم.
وأكد: أحدث العدوان على غزة تغييرا ما في هذا الوضع. فنلاحظ هنا أنه بعد مرور ما يزيد على أسبوع على العدوان، بدأت أصوات عدة تظهر، من رسميين وآخرين من السلطة ومن "فتح"، تشدد على أن الهدف الثاني الضروري بعد الاتفاق النهائي على إيقاف إطلاق النار ورفع الحصار، ينبغي أن يتم السعي إلى التوصل إلى حل سياسي دائم. وتكرر هذا المطلب بعد ذلك بشكل مستمر. ومن الجلي أن البعض رأى هنا فرصة للعودة إلى المفاوضات وإن كان بشروط أفضل بسبب العدوان، أي الإفتراض أنه قد تتولد الآن قناعة أرسخ لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية، وحتى داخل إسرائيل، بوجوب العمل على إيجاد حل سياسي أكثر استقراراً من مجرد هدنة أخرى. في الأثناء، اكتسبت السلطة الفلسطينية دوراً جديداً يحجب أزمتها ويمنحها بعض الوقت، ابتداءً بدورها كطرف تفاوضي ولو شكلي، إضافة إلى دورها في إعادة إعمار غزة.
وفي مدخلته المعنونة بـ"الحياة اليومية كمقاومة في غزة خلال العدوان وبعده"، أشار أباهر السقا، عضو الهيئة التدريسية في دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية في جامعة بيرزت، إلى أن "الحرب الأخيرة على قطاع غزة جاءت في وقت يعيش المجتمع الفلسطيني فيه أشد أزماته التي بدأت تعصف بالمشروعات المجتمعية وبالسياسات الاقتصادية، وسط تساؤلات نقدية مجتمعية عن فشل مساعي الحصول عىل الدولة عبر الخطابات المتكررة في الأمم المتحدة، والفشل الذريه لتجار عشرين سنة من التفاوض، وتخبط القيادات السياسية وفشلها، وتعاظم الانقسام، مقابل تغيير الحقائق على الأرض لصالح المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية، وسياسات الأمر الواقع التي تفرضها إدارة الاستعمار.
وفي المداخلة الأخيرة بالجلسة الأولى، قدم مهند مصطفى، الباحث في مدار (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية)، ورقة بعنوان "الأفق السياسي بعد الحرب على غزة ... الرؤية الإسرائيلية بين الاستمرارية والتغيير"، مستعضراً باختصار أهم محاور خطة لبيد (خطة الانفصال)، وخطة بينيت، وخطة ليبرمان، وخطة ليفني، وخطة نتنياهو.
وفي مداخلته, وهي الأولى في الجلسة الثانية، وتحت عنوان "تشابك أجندة الفاعلين وتأثيراتها المستقبلية على بناء مؤسسات القطاع العام الفلسطيني: قطاع المياه نموذجاً"، لفت عبد الرحمن التميمي، مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين لتطوير مصادر المياه والبيئة، إلى أن أربعة عوامل تساهم في صياغة وتشكيل المؤسسات في فلسطين، أبرزها قوى التمويل، والتوجه السياسي نحو قوى التمويل، وإعادة تشكيل أو بناء الدولة الوطنية لخدمة مشروع إقليمي، وضعف القوى المؤثرة داخل المجتمع
وتحت عنوان "الرأسمالية الفلسطينية وأثرها على السياسة والسياسات في ظل السلطة الفلسطينية"، قدّم طارق دعنا، المستشار في شبكة السياسات الفلسطينية (شبكة)، موقفاً في قضية "الرأسمالية الفلسطينية المتمادية"، متحدثاً في لمحات عن الرأسماليين المتنفذين، وعن رأس المال الفلسطينية، متحدثاً عن الاحتكارات التي قال إنها "مؤشراً مبكراً على فساد السلطة الفلسطينية، وكذلك تجسيد واضح للتحالف السياسي الاقتصادي الناشئ الذي أوجد ضمن السلطة آلية سياسية فعالى لتحقيق المصالح الاقتصادية الخاصة"، متحدثاً عن أن "عدداً من المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين السابقين، بعد تقاعدهم، باتوا شركاء تجاريين لبعض الرأسماليين الفلسطينيين والنخب السياسية في السلطة الفلسطينية .. وفي المقابل منحت إسرائيل رجال الأعمال والسياسيين الفلسطينيين امتيازات خاصة كالحصول على التصاريح، وقدر أكبر من حرية التنقل والتجارة، وحرية المرور لكبار الشخصيات.
وفي مداخلته المعنونة بـ"التطبيع: سلاح إسرائيلي فعال في مواجهة حركة المقاطعة"، تحدث عمر البرغوثي، العضو المؤسس للحملة الفلسطينية الخاصة بالمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل (BDS)، في محاور عدة، أبرزها: خفض سقف الطموح الوطني الفلسطيني، متحدثاً عن إن "التطبيع للعقلية الرسمية الفلسطينية المدافعة عن مصالح شريحة اقتصادية ضيقة، أدى إلى التقليص التدريجي لأهداف النضال الوطني الفلسطيني"، لافتاً إلى أن حركة المقاطعة باتت اليوم ظاهرة عالمية، والتي باتت "تشعر إسرائيل بسببها، وهي كرحة مقاومة شعبية ومدنية تستند على القانون الدولي، بالتهديد على نحو غير معهود منذ زمن".
وفي نهاية اليوم الأول لمؤتمر مواطن السنوي العشرين، قدمت ماندي ترنر، مديرة معهد الكنيون التابع للمجلس الثقافي البريطاني في القدس الشرقية، وتركز أبحاثها على الاقتصاد السياسي للصراع والسلام، وبخاصة في المناطق الفلسطينية المحتلة، ورقة بحثية قيمة مثيرة للنقاش وبالتحليل العميق في إطار عنوانها الموسوم بـ"عملية السلام كاحتواء للصراع".