مؤتمر مواطن: تشريع بلا مشرعين واقتصاديين بلا اقتصاد
نشر بتاريخ: 28/09/2014 ( آخر تحديث: 28/09/2014 الساعة: 18:26 )
رام الله – معا - اختتمت، اليوم، فعاليات اليوم الثاني والختامي للمؤتمر السنوي العشرين لمؤسسة مواطن (المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية)، بتقديم مجموعة قيمة من الدراسات والاوراق البحثية، وما رافقها من حالة عصف ذهني، وصلت درجة المجادلة، أي ما مرحلة ما بعد النقاش في أحايين عدة، ما أكد على أهمية أن للمواطن، د. جورج جقمان، أن ثمة فجوة بينه وبين الأكاديمي بالعموم.
كانت البداية مع الورقة البحثية للدكتور عمار دويك، عضو الهيئة التدريسية في كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، والموسومة بـ"تشريع دون مشرعين" في الجلسة الأولى لليوم الثاني والختامي للمؤتمر، وهي الجلسة التي أدارها مجدي المالكي، عضو الهيئة التدريسية في دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية في جامعة بيرزيت.
وأشار د. دويك إلى أن العملية التشريعية من حيث آلية الإصدار بثلاث مراحل منذ قدوم السلطة الفلسطينية، فالمرحلة الأولى تتواصل ما بين قدوم السلطة عام 1994 وحتى 1996 (انتخاب المجلس التشريعي الأول)، حيث كان صاحب السلطة التشريعية في تلك المرحلة مجلس السلطة المكون من 24 وزيراً برئاسة الرئيس الراحل ياسر عرفات. وقد أصدر مجلس السلطة خلال سنة ونصف (23 قانوناً) تناولت عدة جوانب دستورية وإدارية واقتصادية، فمثلاً من أهم القوانين التي صدرت في تلك المرحلة (قانون نقل السلطات والصلاحيات، وقانون المطبوعات والنشر، وقانون الانتخابات، وقانون تنظيم آلية سن التشريعات، وقانون تشجيع الاستثمار، وقانون هيئة الرقابة، وقانون الاتصالات).
وأضاف د. دويك: يمكن القول أنه كان هناك نشاط تشريعي ملحوظ في تلك الفترة القصيرة، ترافقت بوجود رؤية واضحة تتلخص في التمهيد لمرحلة المجلس التشريعي من خلال سن قوانين الإنتخابات، وإحكام سيطرة السلطة على موضوع الإعلام من خلال قانون المطبوعات والنشر، وأيضاً تشجيع الاستثمارات الكبيرة من خلال قانون تشجيع الاستثمار، على عكس الانطباع عن عرفات بأنه لم يكن يؤمن بالقانون، حيث أن العديد من القوانين صدرت عشية انتخاب المجلس التشريعي.
أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة ما بعد المجلس التشريعي الفلسطيني في 19 كانون الثاني 1996، واستمرت حتى الإنقسام وتعطيل المجلس التشريعي في حزيران 2007. أصدر المجلس خلالها 90 قانوناً، رأى د. دويك أن من أهمها: القانون الأساسي، والقانون الأساسي المعدل، أغلبها تم تعطيل المصادقة عليها من الرئيس الراحل، كما قال.
وتمتد المرحلة الثالثة، حسب تقسيمات د. دويك، ما بين الانقسام وإلى يومنا هذه، وهي المرحلة التي أصبح فيها رئيس السلطة الفلسطينية المشرع الفعلي، من خلال الاستناد إلى نص المادة 43 من القانون الأساسي، والتي تجيز لرئيس السلطة الفلسطينية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأجيل في ظل عدم انعقاد المجلس التشريعي، على أن يتم عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة، لافتاً إلى أن الرئيس أصدر خلال هذه الفترة 110 قرارات بقانون، وفي حال استبعاد القرارات بقوانين ذات الطابع الشخصي (أي ليست ذات طابع تشريعي، كرفع الحصانة عن النائب دحلان)، والحديث لدويك، أو منح الثقة للحكومة، أو المصادقة على الموازنة العامة، أو المصادقة على اتفاقيات دولية، "يبقى لدينا 70 قرارا بقانون، هي عبارة عن قوانين أو تشريعات، جاء جزء منها كرد فعل على الانقسام، ومحاولى التعامل مع الأسباب التي أدت إلى فوز حماس، ومحاولة منع ما جرى في غزة أن يتكرر في الضفة".
وخرج د. دويك بجملة استنتاجات، بينها أنه "لا يوجد اختلافات جوهرية بين القرارات الصادرة في هذه المراحل، من حيث طبيعتها، أو المواضيع التي تناولتها، أو من حيث الجهات السياسية الاجتماعية والاقتصادية"، ومن مجالات التشابه: جميعها التزمت بسقف أوسلو، وانه في جميع المراحل لم يكن ثمة محاولات لتفكيك الإرث التشريعي الاستعماري.
ومن حيث المضمون، رأى د. دويك، أن التشريعات في المراحل السابقة ركزت على جانبين أساسيين، أولهما بنا مؤسسات الدولة ووضع أطر قانونية للإجارة العامة وتنظيم قطاع العدالة، والثاني الجانب الاقتصادي المتعلق بالخدمات العامة وخلق الامتيازات، لافتاً إلى أنه و"بشكل عام هناك ضعف وندرة في التشريعات الاجتماعية، إضافة إلى ضعف في معالجة لبعض القضايا الجوهرية التي تهم المجتمع كقانون العقوبات، والقانون المدني، وقانون الأراضي".
ومن حيث الالتزام بهذه القوانين، قال د. دويك: بشكل عام القوانين لا تؤسس لامتيازات أو تعطي صلاحيات للجهات الرسمية، بل تعطي حقوقاً لا تنفذ عندنا، أو تنفذ بشكل جزئي، كما أن القانون ليس مركزياً في الثقافة السياسية الفلسطينية، فهو للاستئناس وليس ملزماً، فـ"يمكن جداً تجاوز القانون من قبل السلطات الحاكمة، إذا تعارض مع مصالحها أو مع توجهاتها.
وأكد د. دويك: لا تعمل السلطة على توفير الموازنات اللازمة لإعداد القوانين التي تصدرها، ولا تعمل بشكل جاد على تطبيقها، مثل قانون حقوق ذوي الإعاقة، وقانون التقاعد العام، وقانون التعليم العالي، وقانون صندوق النفقة، علاوة على إصدار تشريعات ثانوية تفرغ القانون من محتواه، والمخالفة الصريحة للقوانين أحياناً، إضافة إلى وجود حالة من الفصام بين التخطيط والتشريع والموازنات.
وانتهى د. دويك إلى أن هناك جهات عدة تقف خلف التشريعات، منها: الممولون، والمجتمع المدني، والمنشآت الكبيرة في القطاع الخاص، بعض الجهات المتنفذة داخل السلطة، مع الدور الغائب والضعيف للأحزاب السياسية.
وفي الجلسة الختامية للمؤتمر، وأدارتها د. سامية حليلة نائب رئيس جامعة بيرزيت للشؤون المجتمعية، قدمت د. سامية البطمة المتخصصة في مجال اقتصاديات العمل، ورقة بحثية بعنوان "رؤية بديلة لإشكالية التنمية في ظل الاحتلال".
واستعرضت د. البطمة دراستها بمقدمة نظرية حول اتجاهين لتعريف التنمية، الأول يراها عملية ثابتة تسعى لتحسين واقع الحال، وخاصة الاقتصادي منه، أما الثاني فيراها تغييراً حيوياً يعالج قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية تأخذ بعين الاعتبار المرحلة التاريخية، وصراع القوى محلياً وعالمياً.
وأشارت البطمة، إلى أنه، وضمن السياق الفلسطيني، ثمة ثلاثة أنواع من التوجهات المتعلقة في فهم التنمية، أولها يقوم على مبدأ أن لا تنمية في ظل الاحتلال، وأن التحرر الوطني والاستقلال هو الأساس لأية عملية تنموية، وانه يجب إنهاء الاحتلال قبل الحديث في قضايا التنمية.
أما الثاني، و"هو السائد حالياً"، وفق د. البطمة، فهو القائم على مبدأ الاستثمار والتنمية من أجل السلام والرخاء الاقتصادي الفردي، وهو لا يخرج عن سياق اتفاقات أوسلو مع سيطرة إسرائيلية على ادوات الاقتصاد والسياسات المالية والتجارية والعمالية، وحالة من التعايش الفلسطيني مع هذه السيطرة، لافتة إلى أن أبرز عيوب هذا النموذج هو وقوفه عاجزاً أمام فضح طبيعة النموذج الكولونيالي الصهيوني ومواجهته، وهو ما ترافق ببرامج لدول مانحة أدمجت هياكل الاحتلال في عملية التنمية، وفي ظل غياب تام للمساواة، ما أدى، برأي البطمة، إلى زيادة نسب البطالة والفقر، وتقلص الإنتاج الفلسطيني، وتراجع الناتج المحلي للفرد، إضافة إلى مشاكل اجتماعية عديدة تعكس حالة من "الانهزام الاقتصادي الاجتماعي".
أما النموذج الثالث، وهو ما تراه د. البطمة مخرجاً للمأزق الذي نحن فيه ويشكل رؤية بديلة للتنمية في ظل الاحتلال، ويسمى "التنمية من أجل الصمود والاستثمار المناهض للاحتلال"، ويقوم على النظر إلى التنمية كشكل من أشكال التحرر الوطني أو كرافعة باتجاه هذا التحرر، من باب أن التنمية المستدامة بحاجة إلى عملية مجتمعية إرادية وشاملة يرافقها توزيع شامل ومستقل نسبياً عن الهيمنة الخارجية، مع خضوعها لإشراف مجتمعي مستقل وشفاف.
ورأت د. البطمة أن ثمة عديد المحفزات للاتجاه نحو هذه التنمية البديلة، على رأسها الواقع الاستعماري الاستيطاني الذي نعيشه، والذي يسعى لحل المجتمعات "الأصلانية"، وإحلال مجتمعات كولونيالية جديدة على حساب أراضي "الأصلانيين المصادرة"، وبالتالي المسألة ليست تقنية بل هي جزء من الصراع، إضافة إلى تأكيد نموذج التنمية البديلة هذا على الابتعاد عن فرضية أننا نعيش في حقبة ما بعد الاستعمار، واننا نعيش في دولة ذات سيادة على عكس الواقع، كما يأخذ بعين الاعتبار التجارب النضالية السابقة بعيداً عن التنظير لكوننا حالة استثنائية وغير مسبوقة، كما يعيد بشكل أو بآخر توحيد الشعب الفلسطيني.
وشددت د. البطمة من مفصل آخر من مفاصل ورقتها البحثية: علينا، وبشكل حاسم رفض الاحتلال وإدماجه في عملية التنمية خاصتنا، كما هو الحال في المناطق الصناعية التي تبدو شكلياً خطوة جيدة، لكنها في حقيقة الأمر استيعاب للنموذج الاحتلالي، حيث الفلسطينيون أيد عاملة، وإسرائيل عي من توفر الشروط الإنتاجية، وعليه تتحكم بشروط العملية الإنتاجية برمتها، مشيرة إلى أن حركة المقاطعة تشكل أحد أعمدة هذه التنمية البديلة.
وفي ذات الإطار، قدم عادل الترتير، ورقة بعنوان، أكد في مطلعها على أن أحد أهم أسباب أزمة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الماضي والحاضر وفي آفاق المستقبل المنور، هو فشلها في بناء اقتصاد مقاوم له القدرة على دعم وتعزيز نضالها ضد الاحتلال، وأن ما حصل في الواقع هو نجاح إسرائيل في ربط الضفة والقطاع في الاقتصاد الفلسطيني كاقتصاد تابع تتمكن من التحكم فيه كوسيلة ضغط وابتزاز ضد المقاومة.
ويشدد الترتير على أنه من المفترض أن تمكن التنمية الإنسان الفلسطيني في أرضه، وتسعى إلى تحريره وإنهاء الحالة الاستعمارية الاحتلالية التي يعيش تحت سيطرتها، وبالتالي، فهي لا تهدف بأي شكل من الأشكال إلى التعايش مع الاحتلال أو تلطيفه أو تلميعه، لافتاً إلى أن "التوجهات والسياسات والفكر الاقتصادي التنموي منذ نشأة السلطة على الأقل، لم يستجب بالشكل الكافي للحد الأدنى من أهداف الشعب الفلسطيني ... هذه التوجهات صممت بوعي أو دون وعب من أجل التعايش مع الاحتلال، وخدمة العملية السلمية، بدلاً من مقاومة الاحتلال وإنهائه، عبر بناء اقتصاد مقاوم، على سبيل المثال".
وأشار الترتير إلى أن هذه الحالة "لم تنشأ بسبب فشل السلطة في ضمان عملية تنموية مستدامة فحسب، وإنما بسبب ضغط مجتمع المانحين، وأقطاب المجتمع الدولي، وتدخلهم من خلال الشروع في عملية تسوية سياسية سلمية في ظل ميزان قوى أقل ما يقال عنه أنه مختل لصالح الاحتلال".