الجمعة: 04/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

باحثون ومختصون: الاحتلال والتنمية لا يجتمعان

نشر بتاريخ: 29/09/2014 ( آخر تحديث: 29/09/2014 الساعة: 16:13 )
رام الله- معا - واصلت ندوة آفاق البيئة والتنمية بعددها الثامن والستين، الظهور المرئي ضمن حلقة (حوارات بيئية)، وفتحت هذه المرة ملف التنمية تحت الاحتلال، وتتبعت الثابت والمتغير فيها. وناقش المحلل والأكاديمي د. نصر عبد الكريم، ووزير العمل والتخطيط السابق، ومدير الأبحاث في معهد السياسات الاقتصادية (ماس) د. سمير عبد الله، والباحث جورج كرزم مسؤول تحرير (آفاق البيئة والتنمية) قضايا التنمية في إطار مفاهيمي، والاشتراطات البديهية لتحقيق تنمية فعلية، والأبعاد والدلالات البيئية للتنمية، وواقعية التنمية تحت الاحتلال. وحللوا تداعيات المساعدات الخارجية على التنمية، واستشرفوا مستقبل التنمية الفلسطينية في ظل الحال الراهن، كما قدموا قراءة لسياسات البنك الدولي ذات الصلة بفلسطين، وسبروا غور الفقر والبطالة والتنمية، والعلاقة والتأثير بينهما.

ودعوا إلى فعل تنموي بمفهومه الوطني، يعيد تصويب نموذج اقتصاد السوق الحر والسياسات التي انبثقت عنه خلال العشرين عاماً الماضية، لتقريب المواطن الفلسطيني من طموحاته السياسية والوطنية والاقتصادية.

وحثوا على تنفيذ تعديلات مهمة في مجال العمل التعاوني في فلسطين الذي لا زال عملاً بدائياً، ولم يلق أي دعم، بالرغم من قدرته على يشكل رافعة للتطوير في قطاعات الزراعة والصناعة وكل المجالات. بجوار تحديث الإطار القانوني الذي يعود للستينيات، ومنح المنشآت الصغيرة والصغيرة جدًا تسهيلات وإعفاءات دورها رافعة للتنمية، وإقرار قانون الضمان الاجتماعي الشامل، الذي يخلق حالة من الأمان والاطمئنان، للمرضي ولكبار السن وللعاطلين عن العمل وكل الفئات، التي تحتاج وقوف المجتمع بجانبها. ولتحقيق التكافل الاجتماعي.

وأكدوا أن وصفات بناء الاقتصاد والتنمية على أساس اقتصاد السوق الحر لا تناسبنا كوننا تحت الاحتلال، ولأن هذه الوصفات الاقتصادية الليبرالية (المتحررة) تتطلب شروطًا نفتقد إليها. ودعوا إلى التوجه لنموذج تنموي يكون منتجاً وشعبياً، ويأخذ بالاعتبار عوامل التنمية الشعبية الأساسية ، ويقلل البطالة ويُوقف هجرة رؤوس الأموال، ويُقلص الفجوة بين إنتاجنا واستهلاكنا.

وقال د.عبد الكريم إن التنمية لها علاقة بتوسيع خيارات الناس وتمكينهم في المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبالرغم من قناعتنا أن الاحتلال هو أحد أهم عوائق أي فعل تنموي- لا يعني إعفاء الفلسطينيين وبالأخص من هم في موقع القرار، الذين يرسمون السياسات ويديرون وطننا، من أن عليه على الأقل بذل جهد ليحقق شيئاً على مقياس التنمية.

وأكد أن الإشكالية الكبيرة، تتمثل في الخشية من أن يتحول الاحتلال إلى عذر دائم، يقول إنه طالما بقي الاحتلال قائماً فلا وجود للتنمية، وهذا صحيح، ولكن لا نتحدث عن التنمية المُطلقة، بل عن غياب التوزيع العادل للثروة، وعدم تلبية المطالب الاجتماعية الأساسية، وفي ظل سياسات غياب العدالة والتكافؤ في توزيع الدخل، ووجود حكم رشيد، وقطاعات قادرة على المقاومة أكثر من غيرها كالزراعة والصناعة.

فيما رأى د. عبد الله أن اشتراطات تحقيق التنمية تتلخص في أن يكون لدى الإنسان خيارات، وهامش للاستفادة منها وتنفيذها، حتى يحقق احتياجاته،
وقال: من الواضح في الحالة الفلسطينية أن الاحتلال هو الذي يقصي الاقتصاد الفلسطيني، ويقصي الفلسطينيين عن معظم مصادرهم كالأرض والمياه، ورزمة القيود المعروفة بنظام الإغلاق التي تقيد عملهم.

فيما رأى الباحث ورئيس تحرير (آفاق البيئية والتنمية) جورج كرزم أن الاحتلال نجح في سجننا جماعيًا في معازل، ويتحكم في كل المقدرات الطبيعية من أرض وموارد وغيرها، وفي الوقت نفسه تحاصر هذه المعازل من جنود الاحتلال، والمستعمرات، والطرق الالتفافية، والجدار، وغيرها. وتساءل: أمام هذا المشهد ( الاستعماري) ماذا بقي لنا لتحقيق تنمية اقتصادية؟

وأضاف: بالنسبة لوجهة نظر الاحتلال، فإن الاقتصاد هو الأمن، فكل ما يتصل بالأنشطة الاقتصادية والحياتية الفلسطينية، يجب أن يكون مسخرًا ليس لخدمة الاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل الأمن بشكل أساسي.

وذكر د. عبد الكريم، أن الاقتصاد يجب أن يكون أحد ساحات المواجهة مع الاحتلال، وإن إسرائيل تتعامل مع الأمر كذلك. فالمسألة لا يُنظر لها أن الضفة الغربية هي الحديقة الخلفيّة للاقتصاد الإسرائيلي، وهذا ليس في ورادهم.

وسرد د.عبد الله: التنمية جبهة مهمة جدًا، وبالقدر الذي نستطيع تحقيقه فيها، نحول فلسطين إلى مكان جاذب القوى البشرية. التي تهاجر من أي دولة إما لنقص الخدمات الأساسية التي تجعله يحس بمخاطر على مستقبله، ويشعر بأن يعيش ويتعلم ويحصل على المياه والكهرباء، وغيرها، ويتيح فرص عمل سنوية للشباب الذين لا يمكن أن يتحولوا إلى حالة بطالة دائمة، وسيبحثون عن عمل خارج الوطن، وبالتالي فإن هذين العنصرين مهمان جدًا.

وقال: ثمة مشكلة في عدالة التوزيع، لعدم وجود القدرة عند السلطة في اتخاذ سياسات تحقق تنمية تعم نتائجها لكل الفئات والطبقات والمناطق. وأكد أن الموازنة التطويرية تتيح للسلطة هامشًا أكبر للتحرك، ولكن في أغلب الأحيان لا يتحقق منها غير جزء يسير، وهي في أحسن الأحول بين 200-250 مليون دولار، وهي بالكاد تكفي لتطوير البنية التحتية.

وقال الباحث كرزم: نحن نفتقد لأبسط شروط التنمية، وأهمها السيادة على الأرض والموارد الطبيعية والاجتماعية وغيرها. وتحت الاحتلال نحتاج إلى نوع من الإستراتيجية التنموية الهجومية المضادة للمشروع الصهيوني، الذي يستهدف بشكل أساسي الأرض والإنسان الفلسطيني، الذي يفترض أن يكون لب التنمية.

وعرضت الندوة أرقامًا من تقرير التنمية البشرية الذي تصدره الأمم المتحدة عام 2013، أفادت أن نسبة العاملين إلى مجموع السكان ( 41,2%)، ويبلغ مجموع البطالة لدى الشباب ( 49,6%)، ونحن ثاني بلد عربي في ذلك، إذ تسبقنا مصر بنسبة (54,1%).

ونوه المحلل الاقتصادي د. عبد الكريم أن المساعدات الأجنبية يجب أن لا تؤخذ شيئاً واحدًا منذ نشوء السلطة، وحتى اليوم، بل هناك مراحل. فمنذ بداية السلطة وحتى عام 1998 تميزت عن التي تلتها، ولم تكن المساعدات تهدف إلى دعم الموازنة ودفع الرواتب، بل لإعادة تأهيل البنية التحية وبناء مؤسسات، وكان يلمس المواطن بعض المشاريع، وبالتالي، وفي هذا السياق، كان هناك أحساس بأن هذه المساعدات قد يكون فيها بعد تنموي .

ومضى يقول: إذا ما اتفقنا أن الحالة الفلسطينية تعيش في ظروف استثنائية غير تقليدية، فإنه ليس من المنطقي إطلاقًا أن نُركب مناهج وسياسات تقليدية للغاية تصلح لدول تعيش ظروفًا تقليدية، على ظرف استثنائي جدًا.

وتابع: ليس بحوزتنا إجابات جاهزة، وعلينا أن نفكر، ولا نفهم عدم قيام الحكومات السابقة بخطوات مماثلة، وعاشت وكأن ظروفنا طبيعية للغاية، وأغفلت وأهملت الاحتياجات المرتبطة بالاحتلال المسعور، الذي يريد إنهاء مشروعنا الوطني.

فيما ذكر د. عبد الله أن المساعدات الأجنبية بغالبيتها مُسيسة، وكان تدفقها مرتبطًا بتقدم عملية السلام، التي كانت تُفشل وتُحبط من قبل إسرائيل، فيما كنا ندفع ثمن ذلك بتخفيض المعونات. وجزء كبير من المساعدات لإدارة الصراع؛ لأن أمريكيا وحلفاءها لم يقرروا إنهاء الصراع.

وقال كرزم إن أي بلد من دول الجنوب تدخل البنك الدولي فيها إلا ونتج عن سياساته تشويهًا لاقتصاديات هذه البلدان، وزيادة إفقارها، ورفع وتيرة الهبات الشعبية من فقرائها، التي لم تسحق إلا بقتل أعداد كبيرة من الشعوب، جراء هذه السياسات.

وأكد المحلل عبد الكريم أن النموذج الذي أقر لنا على أساس اقتصاد السوق الحر وما انبثق عنها لإدارة اقتصادنا، يجب أن تتم إعادة النظر فيه، لأنه لا يصلح إطلاقاً للحالة الفلسطينية، علينا العودة لإعطاء مضمون اجتماعي وبعد تنموي مختلف عن نموذج اقتصاد السوق الحر.

ورأى د. عبد الله أن العمل التعاوني في فلسطين ما زال عملاً بدائياً، ولم يلاقي أي دعم، بالرغم من قدرته أن يشكل رافعة للتطوير في قطاعات الزراعة والصناعة وكل المجالات. كما أنا الإطار القانوني سيء جدًا ويعود للستينيات.

وأشار إلى إن الفئة الأصغر من المنتجين ( المنشآت الصغيرة والصغيرة جدًا)، تشكل قاعدة واسعة جدًا، لكنها لا تلقى أي اهتمام أو عناية، بل متخوفة من تسجيل ذاتها.

وأردف: آن الأوان لإقرار قانون الضمان الاجتماعي الشامل، الذي يخلق حالة من الأمان والاطمئنان، للمرضي ولكبار السن وللعاطلين عن العمل وكل الفئات، التي تحتاج وقوف المجتمع بجانبها. ولتحقيق التكافل الاجتماعي.

وأفاد الباحث كرزم أن التوجه التنموي الأساسي لحالتنا يجب أن يكون منتجاً وشعبياً، ويأخذ بالاعتبار عوامل التنمية الشعبية الأساسية كمدى خدمة والتزام أي مشروع إنتاجي أو اقتصادي بالموارد والإمكانات المحلية، ومدى إنتاجه للاحتياجات والسلع الغذائية الأساسية، وتوفيره لفرص عمل، وبالتالي تقليل البطالة ووقف هجرة رؤوس الأموال، والأهم دور هذا الفعل الاقتصادي في تقليل التبعية للاحتلال، وبالتالي تقليص الفجوة بين إنتاجنا للسلع الوطنية واستهلاكنا للسلع الإسرائيلية والأجنبية.