في القدس.. إنتفاضة أم موجة تحريض إسرائيلي؟
نشر بتاريخ: 23/10/2014 ( آخر تحديث: 30/10/2014 الساعة: 09:53 )
بيت لحم - معا - حظيت مدينة القدس المحتلة خلال الأشهر الماضية عموما والشهر الجاري خصوصا باهتمام إعلامي ورسمي إسرائيلي غير مسبوق تقريبا، ليس من باب تغطية الاعتداءات الاستيطانية ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات المخالفة للقانون الدولي باعتراف دول ومنظمات العالم اجمع أو تسلل مجموعات من غلاة المستوطنين تحت جنح الظلام لمنازل المدينة المقدسة في سلوان والشيخ جراح وغيرها من الإحياء والبلدات المقدسية ليحولوا هذه المنازل وبإسم "القانون" الإسرائيلي إلى بؤر استيطانية تجثم في وعلى قلب الأحياء والمناطق العربية المحتلة.
واستبدل الإعلام الإسرائيلي جميع المواضيع والقضايا السابقة التي يمكن إضافة سوء الخدمات والتمييز في البنية التحتية بين المستوطنات اليهودية والأحياء العربية العريقة عراقة القدس التي قالت إسرائيل بأنها موحدة وعاصمتها الأبدية، ورغم ذلك تمارس التمييز القاتل ضد "سكان" المدينة حسب تصنيفها دون ان يثير هذا التمييز اهتمام إعلام إسرائيل إلا من رحم ربي من بعض المواقع والصحفيين استبدلها هذا الإعلام بقضية واحدة ووحيدة هي إلقاء الحجارة والزجاجات الفارغة في معظم الحالات والحارقة في حالات قليلة ملقيا بثقله الفني والمادي و"خيرة" إعلاميه ومحلليه ما رسم صورة تقول للمراقب الخارجي بان القدس تعيش حالة انتفاضة عارمة لا يمكن لليهود التجول في شوارعها ويعيشون الرعب داخل منازلهم وسياراتهم وقطاراتهم ومحالهم التجارية ومدارسهم رعب شل أوجه الحياة باستثناء حياة الفلسطينيين الذين باتوا سادة الشارع في القدس واسترجعوا بيوتهم التي تسلل لها المستوطنون خلسة تحت جنح الظلام بدعم وتأييد من قوات الاحتلال بكافة أنواعها.
من يراقب الإعلام الإسرائيلي وتصريحات قادة شرطة الاحتلال وعلى رأسهم المفتش العام "دنينو" الذي أطلق خلال 24 ساعة الماضية سلسلة من الوعود طمأن فيها المستوطنين والإسرائيليين بأن الأمن سيعود قريبا للقدس وشكل في هذا الاتجاه وحدة خاصة لمكافحة المظاهرات الفلسطينية وكأن القدس والشرطة ينقصها الوحدات المتخصصة في كافة أنواع القمع ومواجهة التظاهرات.
وتحت هذا الستار الهائل من التضخيم والمبالغة يسرّب الإعلام الإسرائيلي بعض الحقائق حين يقول بأن عددا محدودا "عشرات" الشبان العرب القوا الحجارة على قوات الشرطة قرب المكان كذا والشارع الفلاني، وتم اعتقال عربي يبلغ من العمر 9 أعوام وفي حالة أخرى 13 عاما ولم تشهد الاشهر الماضية باستثناء بعض المواجهات في القدس اعتقال شبان بالغين لكن الإعلام الإسرائيلي يصرّ على ان المواجهات تغطي مساحة القدس المحتلة وتهز أركان المدينة وأسفرت هذه المواجهات عن اعتقال طفل في التاسعة من العمر.
وبات الإعلام الإسرائيلي يستخدم مصطلح "الإرهاب" لوصف ما يجري في القدس بدلا من مصطلح "اعمال الإخلال بالنظام" كما جرت العادة كما جاء اليوم "الخميس" على موقع "يديعوت احرونوت" العبري الذي استهل تغطيته الإعلامية لما يجري بالقدس بالقول " تواصلت الأعمال الإرهابية التي يقوم بها سكان شرقي القدس الفلسطينيين ضد اليهود مثل إلقاء الزجاجات الحارقة وإلقاء الحجارة وفي حالات مختلفة استخدام الأسلحة النارية دون توقف تقريبا منذ 2 تموز فور مقتل الطفل محمد ابو خضير من سكان حي شعفاط الذي خطف وحرق حيا على يد ثلاثة مستوطنين.
وسجل "الأمن" الإسرائيلي منذ ذلك الحين المئات من حوادث إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة باتجاه القطار الخفيف والمنازل ورغم حملة الاعتقالات التي طالت 900 فلسطيني لم يتوقف هذا العنف وكذلك سجلت بعض حالات الاعتداء التي تعرض لها الفلسطينيون على يد يهود.
وهنا يمكن ملاحظة استخدام الموقع لصفة "الإرهاب" في وصف إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة لكنه استخدم مصطلح اعتداءات حين تعلق الأمر بهجمات شنها يهود على مواطنين فلسطينيين وكذلك استخدم مصطلح "قتل" لوصف جريمة مقتل الطفل محمد ابو خضير حيث قال الموقع "عملية قتل وحرق ابو خضير حيا على يد ثلاثة يهود" دون أن يصف هؤلاء الثلاثة بمصطلح "إرهابيين".
ومن باب التحريض أيضا نشر موقع "nrg" العبري في الثامن عشر من الشهر الجاري تقرير مطولا ومصورا قال فيه بأن القطار الخفيف يتكبد خسائرا بعشرات الملايين نتيجة تعرضه المتكرر لإلقاء الحجارة.
وتضمن التقرير مقابلات مع ركاب "يهود" طالب بعضهم بمنع القطار المذكور من المرور بحي شعفاط أو الأحياء العربية وتغيير مساره ليخدم اليهود فقط حيث قالت إحدى المسافرات "لماذا نحتاج الى المرور بحي شعفاط لتغيروا مسار القطار" لكن التقرير خلا من أي مقابلة مع مواطنين مقدسيين من حي شعفاط مثلا أو أي حي عربي آخر سوى حديث قصير مع شخصين كانا مسافرين يبدو من ملامحهما بأنهما فلسطينيان "لكن التقرير لم يذكر الأسماء انتماء هؤلاء "العرقي" لكنه ابرز مطالبتهما باعتقال من يلقي الحجارة على القطار.
وتناول الموقع العبري المذكور اليوم في سياق تغطيته لواقعة الدهس التي حدثت أمس في القدس وأدت إلى مقتل طفلة إسرائيلية تبلغ من العمر "4" أشهر كل تفاصيل هذه الطفلة التي بكل تأكيد نأسف لمقتلها سواء كان مقصودا ام حادث سير وأجرت المقابلات مع والدتها وما إلى ذلك لكن الموقع حكم فورا على الشاب "الشلودي" الذي تتهمه إسرائيل بتنفيذ "عملية الدهس" وتصر عائلته على ان الأمر لا يعدو كونه حادث سير وتتهم قوات الاحتلال بقتله بدم بارد بأنه إرهابي ومخرب واستكثر عليه مجرد تعزية نشرتها حركة فتح على احد مواقع "فيسبوك" وقال في عنوانه الرئيسي " فتح تمدح المخرب الذي نفذ عملية الدهس" وأضاف"حركة فتح التي يترأسها ابو مازن نشرت على احد صفحات "فيس بوك" تعزية امتدحت فيها المخرب الشلودي".
ولم ينتظر الموقف انتهاء الشرطة الإسرائيلية من تحقيقاتها بل حكم على ما وقع بأنه عمل "تخريبي" تجاهل حتى ذكر ماضي "الشلودي" الذي يفترض وفقا للقانون الإسرائيلي انه مواطن إسرائيلي يعيش في "العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل" لكن هذا التوصيف لم يشفع له حتى بمجرد انتظار نتائج التحقيق.
وأخيرا ابرز موقع "يديعوت احرونوت" ما قال بأنها احتجاجات "سكان" المستوطنات اليهودية القريبة من الأحياء والقرى الفلسطينية على ما اسماه الموقع استمرار حملة العنف ضدهم دون أن تنجح "قوات الأمن" في إعادة الأمن والاستقرار لشوارع المدينة وطالب بعضهم بتغيير "القانون" بما يسمح بمعاقبة الأطفال الفلسطينيين الذي ينفذون غالبية عمليات إلقاء الحجارة حسب تعبير احد المستوطنين.
وأخيرا لا يمكن الجزم بأن ما يجري في القدس المحتلة هو انتفاضة شعب خاضع للاحتلال باعتراف المواثيق والقوانين الدولية واعتراف اكبر واقرب حلفاء إسرائيل الدوليين الذين يؤكدون دائما على ان القدس الشرقية أرضا محتلة ام الامر يتعلق بموجة غضب اجتاحت المقدسيين نتيجة اجتياحات المستوطنين المتطرفين لمنازلهم في سلوان وغيرها واستفزازاتهم في الاقصى والحديث عن تقسيمه زمانيا ومكانيا.
لكن المؤكد وبالوقائع أن هناك حملة اعلامية اسرائيلية كبيرة وواسعة تحرض على اهل القدس وسكانها وتضخم ما يجري فيها داعية الشرطة وقوات الاحتلال الى مزيد من القمع والعنف للسيطرة عليها.
ومن المؤكد أيضا أن قادة إسرائيل لم يعودوا يحتملوا كلمة واحدة فرغم موجة التحريض الكبيرة ضد القدس وسكانها استكثر نتنياهو على الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعوة المقدسيين الى حماية مسجدهم وحرمهم متهما إياه بأنه يحرض على قتل اليهود.
وقال نتنياهو خلال كلمة ألقاها اليوم خلال احياء ذكرى اغتيال "رحبعام زئيفي": "سنعيد الأمن للقدس وسكانها لقد حضرت إلى هنا من اجتماع حضرته في القيادة القطرية لشرطة إسرائيل وأقول لكم امراً بسيطا سنعيد الأمن للقدس وسكان عاصمتنا الأبدية ونمتلك الإصرار والإمكانيات لفعل ذلك".
متابعة ورصد: فؤاد اللحام