الضمير: ذكرى وعد بلفور مناسبة لإعادة الاعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني
نشر بتاريخ: 02/11/2014 ( آخر تحديث: 02/11/2014 الساعة: 12:25 )
رام الله- معا - صادف اليوم الأحد 02 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 ذكرى صدور وعد أو تصريح بلفور قبل سبعة وتسعون عاماً، وهي مناسبة يحيها الشعب الفلسطيني سنوياً رفضاً منه لمضامين الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
حيث تعهدت الحكومة البريطانية من خلال وعد بلفور بأمرين اثنين، أولهما بذل أفضل المساعي والجهود من أجل إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وثانيهما عدم السماح بأي إجراء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين نتيجة إنشاء الكيان الجديد.
غير أنه سرعان ما بدت استحالة التوفيق بين هذين الأمرين: إنشاء دولة "للكيان الصهيوني" على الأرض الفلسطينية، والوصول إلى أهداف هذه الدولة وغاياتها، بما تتضمنه من استيطان وتهويد، والمحافظة في الوقت عينه على الحقوق المدنية ولدى فالوعد رغم صغر حجمه شكلاً إلا أنه كان سببا في معاناة عظيمة عاشها الفلسطينيّون ولا يزالون إلى يومنا هذا، لهذا يجب التراجع عمّا ورد فيه والاعتذار للشعب الفلسطيني عمّا عاناه بسببه من كوارث، كما أنّه ليس على أصحاب الضمائر الحرّة الالتزام بما ورد فيه، وذلك لعدم قانونيّة وعد بلفور الذي هو وعد من شخص لا حقّ له في الأرض لطرف ثالث غريب تماما عن تلك الأرض.
من الجدير ذكره أن الوعد تضمن مغالطة قانونية كبرى في استعمال المصطلحات حيث أن الوعد يتحدّث عنه على أنّه إعلان "Declaration" حتى يعطى صفة قانونيّة والحال أنّه مجرّد وعد سياسي كتبه حلفاء سلطات الاحتلال والاحتلال نفسه ولا يعطيهم أي شرعيّة قانونيّة لاحتلال الأراضي الفلسطينية.
وقد عمدت الأدبيات القانونية والفقهية إلى دحض بعض الشبهات التي اعتمدت لتبرير صدور وعد بلفور وقرار التقسيم وأهمها: -
أ- أنّ الفلسطينيين كانوا غير قادرين على القيام بشؤونهم وبالتالي يحتاجون إلى وصاية، وهو ما تفنّده الدراسات التاريخيّة الجادّة التي تثبت أنّ فلسطين كانت جزءًا من الإمبراطوريّة العثمانيّة وقد كان لها تمثيل في مجلس نواب الإمبراطوريّة آنذاك، مما يعني أن الفلسطينيين قد بلغوا مرحلة النضج في ممارسة الديمقراطية بحيث كان لهم نواب قد تم انتخابهم وهذا هو قمة الديمقراطية.
ب- اليهود هم الأغلبيّة والبقيّة جاليات مشتتة، وهو ما جاءت صيغة الوعد به حيث حوّلت الشعب الفلسطيني الأصلي الذي بلغت نسبته إلى 93% من تعداد السكان إلى مجرّد جاليات لا رابط بينها تكريسا لمقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهو ما تفنّده حقائق التاريخ أيضا فاليهود لم يكن وجودهم يتجاوز الـ 8% من سكان البلد حسب ما يقولون هم أنفسهم.
ت- الفلسطينيون كانوا غير متحضّرين، وقد أثبت بأن الشعب الفلسطيني كان على الدوام صاحب حضارة مزدهرة تعايش فيها المسلمون والمسيحيّون على مدى عصور، وأشار إلى أنّ التاريخ يثبت أن مسيحيّي فلسطين رحّبوا بصلاح الدين حين قدومه ولم يفعلوا ذلك مع الصليبيين، كما أن أفضل فترات المسيحيين كانت في ظلّ الحكم الإسلامي المتسامح.
إن وعد أو تصريح بلفور قد صادر حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه، وخلق معاناة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من منازلهم إبان الحروب الإسرائيلية المتكررة، كما وضع المدنيين الفلسطينيين تحت ظلم سلطات الاحتلال الحربي، التي أخذت تنتهك وعلى مدار فترة الاحتلال وحتى يومنا هذا كافة الحقوق المشروعة لشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي، كما انتهكت الحق في الحياة والحرية، والتعبير عن الرأي، والمحاكمة العادلة، والتحرر من التعذيب وكافة الحقوق التي تضمنتها منظومة حقوق الإنسان القائمة على حماية جميع بني البشر من انتهاك جميع هذه الحقوق، والتي تشمل الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي حقوق يجري انتهاكها يومياً بسبب حالة الاحتلال وسلوكه الإجرامي والقمعي، خاصة في الآونة الأخيرة التي ازداد فيها الإجرام الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين، هذا الإجرام الذي افشل كافة الجهود الرامية لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم.
تأتي هذه المناسبة مع استمرار سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي تنكرها لكافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، حيث تتنكر لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، المنصوص عليه في قرار الجـمعيـة العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر بتاريخ 11 كانون الأول 1948، فضلا عن استمرار سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي، كما تستمر دولة الاحتلال اعتماد سياسات تتنافى والقانون الدولي، من أبرز هذه السياسيات مخالفه دولة الاحتلال لمبدأ عدم جواز ضم الأقاليم المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال، وعدم التزامها باحترام معايير حقوق الإنسان، وعدم اعترافها بانطباق القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على المدنيين في فلسطين المحتلة، جملة من السياسات الإسرائيلية تحرم الشعب الفلسطيني حقوقه العادلة التي تضمنها القانون الدولي، وتقابل هذه السياسات حالة صمت من المجتمع الدولي، الذي أصبح يضحى بمبادئ الإنسانية وقيمها تجاه هذه السياسات الإسرائيلية، وتترافق ذكرى وعد بلفور هذا العام مع استمرار سلطات الاحتلال الحربي مواصلة عملياتها العسكرية في قطاع غزة و الضفة الغربية، وحصارها الشامل المفروض على قطاع غزة ، في انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي الإنساني.
إن ذكرى صدور وعد بلفور مناسبة لتذكير المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالواجبات القانونية والأخلاقية التي تقع على كاهلها وذلك بضرورة العمل على وضع حد لانتهاك حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونبذ الاعتبارات السياسية عند التعامل معها، كما انه مناسبة لدعوة النواب البريطانيين إلى المطالبة بمراجعة وعد بلفور.
مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان إذ تشارك شعبها الفلسطيني إحياءه لذكرى صدور وعد بلفور المشئوم، وإذ تدين استمرار الاحتلال الحربي الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، وإذ تدين صمت المجتمع الدولي عن المعاناة المدنيين الفلسطينيين وخاصة اللاجئين المشردين في دول الجوار، وإذ تستنكر استمرار وقوع الانتهاكات الإسرائيلية على مسمع ومري المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً تجاه اسمرار الانتهاكات الإسرائيلية لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني، فإنها تسجل وتطالب بما يلي:
1. الضمير تدعو المجتمع الدولي لأن يقف أمام هذه المناسبة لتقييم دوره لدوره في ضمان احترام حقوق الإنسان، ومدي مناصرته لحقوق الشعب الفلسطيني المظلوم، وأن تتحول هذه المناسبة إلى مناسبة للعمل الفعلي والحقيقي لضمان احترام حقوق الإنسان الفلسطيني ومساعدة ضحايا انتهاكاتها، وذلك بالعمل على مساعدة الشعب الفلسطيني على تقرير مصيره السياسي والاقتصادي.
2. الضمير تطالب المجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل من أجل العمل الجاد لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
3. مؤسسة الضمير تطالب القيادات الفلسطينية لإعلاء مصلحة شعبهم وقضيتهم الوطنية من خلال النجاح في تطبيق اتفاقيات المصالحة الوطنية الفلسطينية وتحويلها لحقيقة يشعر بها المواطن الفلسطيني، وأن يحرصوا على أن لا يصنعوا نكبة جديدة للشعب الفلسطيني بأيدي فلسطينية.