يوميات وزارة السياحة والآثار ج3
نشر بتاريخ: 25/11/2014 ( آخر تحديث: 25/11/2014 الساعة: 12:29 )
بثينة حمدان
تتناول المقالات والتي تنشر كل ثلاثاء والمكتوبة في أربعة أجزاء عمل وزارة السياحة والآثار خلال الفترة مابين 2009-2013، بتحليل نحو 550 خبراً، والاطلاع على الاستراتيجية والهيكلية والمواقع الإلكترونية للوزارة وبعض الدراسات، و38 من مطبوعات وملصقات الوزارة وبعض التقارير الربعية والاحصائية التي وفرتها الوزارة مشكورة.
السياحة.. نبض فلسطين
يتركون بلادهم الساحرة هرباً من بردها القارص الذي يحرمهم التمتع بجمالها، يتركونها مؤقتاً بحثاً عن حضارة تملأ شغفهم بالاطلاع وحبهم للمغامرة ورفد معرفتهم بالجديد من ثقافة وغرابة وواقع مختلف، هؤلاء هم السياح الوافدون إليناً بهدف الحج أو التضامن وللزيارة بشتى أسبابها، أما السياح المحليون فهم الفلسطينون المحرومون من السفر، ومن متعة التنفس بلا ضغوط، نحن الثكلى والمظلومين والجرحى والمسكونين بالشهادة والأسر والألم... نحن من نبحث عن شجرة تظللنا أو متنزه يجمع كل ربيع فلسطين في مكان واحد. فهل نعرف فلسطين التي ندافع عنها؟ هل نعرف أماكنها التاريخية؛ أقدمها، أجملها، فسيفسائها، متاحفها؟
ليس لدي إجابة محددة.. أترك الأرقام تروي لكم؛
تبلغ السياحة ذروتها في فلسطين خلال فترتين: الربيع (نيسان وتموز)، وفترة عيد الميلاد المجيد (كانون أول)، وقد بلغ عدد الزوار المحليين والوافدين عام 2009 نحو 2.5 مليون، وصل إلى الضعف عام 2010 (بعد تولي د. خلود دعيبس الوزارة بعام ونصف) وتزامناً مع ازدهار السياحة في المنطقة العربية اجمالاً، وبقيت الأرقام كما هي بلا ارتفاع يذكر وذلك بعكس ما تعلنه الوزارة، والزيادة للعام الماضي هي مائة ألف سائح عن عام 2010. وقد اعتمدت في في هذه الاستنتاجات إلى تقارير وزارة السياحة أولاً؛ وهي تقارير مغلوطة علمياً ولا تعكس الواقع!
احصاءات السياحة.. تقارير مضللة
ناقضت الوزارة نفسها وعلى لسان الوزيرة رولا معايعة فأعلنت أن 2013 هو "عام ازدهار قطاع السياحة في فلسطين" حيث وصل عدد الزوار الوافدين 2.6 مليون أي بزيادة مقدارها 14% على حد قولها. وفي تقاريرها التي زودتني بها أشارت إلى أن نسبة الزيادة هي فقط 4%.
هذا وتشير نتائج مسح السياحة للجهاز المركزي للاحصاء -الأكثر دقة ومهنية بحكم تخصصه- إلى أن 2.6 مليون هو لعدد الزيارات وليس لعدد الزوار، وأن أكثر من نصفهم هو سياحة محلية، وهناك فرق ما بين عدد الزيارات وعدد الزوار! لكن تصر الوزارة حين تجمل عدد الزوار الوافدين والمحليين بأنه 5 مليون زائر، وهذا يعني أن تعج فلسطين بالزوار والدخل فأين هذا!
ويبدو أن شرطة السياحة تقوم باحصاء دخول 50 سائح بولندي مثلاً على مدخل كنيسة المهد وتحصيهم مرة أخرى عند زيارتهم قصر هشام والحرم الابراهيمي مثلاً، فتكون النتيجة 150 زائر بينما هم 50 زائرً لثلاثة أماكن! (صحيح أننا لا نملك حدودنا ويصعب احصاء السياح لكن ليس إلى هذه السذاجة). فما المانع أن تدير الوزارة الملف بشكل أفضل لاسيما وأن هناك تواصل وتعاون ما بين الوزارة والشرطة السياحية؟
وهنا يحضرني سؤال بريء: هل يعود هذا الاختلاف في الاحصاءات وتغيير النسب فجأة من 4% إلى 14% لوعي الوزارة باربتاط سياحتنا بالسياحة في اسرائيل إلى درجة اقتباس تصريحات وزير السياحة الاسرائيلي وقتها حين قال: "عام 2013 هو عام قياسي للسياحة الوافدة ونحن فخورين به، وستستمر الوزارة في المحافظة على هذه الأعداد والترويج للمنتج السياحي في أنحاء العالم".
هذا التضليل طال تصريحات الوزيرة د. خلود دعيبس التي تحدثت عن عدد سياح مدينة بيت لحم عام 2010 بأنه وصل 1.5 مليون، بينما هم 1.1 مليون، فهل يعقل أن 400 ألف سائح هم مظليين سقطوا فجأة من السماء؟
خرافة الازدهار!
يقاس الازدهار بعدد السياح وعدد ليالي المبيت ونسبة الانفاق وزيادة عدد الفنادق والأماكن السياحية، ولا يوجد في كل هذا ازدهار ودليل ذلك نسبة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي. وبما أن الأرقام عن عدد السياح غير حقيقية، فماذا عن نسبة مساهمة السياحة في هذا الناتج والتي تقول الوزارة منذ عام 2005 أنه يبلغ 400 مليون دولار(مقابل 2.7 مليار في اسرائيل للعام الماضي)، بل يشير الجهاز المركزي للاحصاء إلى أن نسبة مساهمة قطاع الخدمات بالناتج المحلي الاجمالي كان 21% عام 2010 تراجعت حالياً لتصل إلى 13.7%، كما أن خطة جون كيري تشير إلى أن قيمة المساهمة هي 270 مليون دولار سنوياً وأن عدد السياح هو نصف مليون سائح (مع التحفظ على خطة كيري وأهدافها). إن التحسن الملحوظ هو في عدد ليالي المبيت والتي بلغت بنسبة 7% العام الماضي.
وعند مجيء السلطة كانت ايرادات السياحة 180 مليون دولار، ورغم تطور السياحة في اسرائيل وازدهارها وازدياد عدد الفنادق والعمال والخدمات والشركات السياحية.. فهل كانت السياحة أفضل قبل مجيء السلطة؟ حتى السياحة المحلية منذ أربع سنوات تعيش بلا تغيير ملموس، فما دور الوزارة في تشجيعه وتحسينه؟
السياحة الوافدة.. هديتنا لاسرائيل!
بلغ عدد السياح في اسرائيل العام الماضي 5.54 مليون أكثر من نصفهم مسيحيين، وهذا يشير إلى مدى اعتماد اسرائيل على السياحة الوافدة إلى الأماكن المسيحية وخاصة بيت لحم والقدس. ومع ذلك فإن الازدهار يطال اسرائيل ولا تصلنا منه أي نسمة ازدهار. لماذا؟
يحضر السائح الأجنبي إلى بلادنا وهذا أقصى نجاح لوزارة السياحة، فهو يأتي عبر الشركات الاسرائيلية غالباً وينام في الفنادق الاسرائيلية، ويدخل الضفة بباصات اسرائيلية ايضاً، وفي الضفة يحصل على روايات تاريخية مشوهة تميل للرواية الاسرائيلية، بل ونبيعه التحف التراثية اليهودية كالشمعدان الاسرائيلي ونجمة داوود.... وبسؤال محلات "السنتواري" في بيت لحم مثلاً والتي تبيع هذه التحف كانت الإجابة: "إذا لم يشتري السائح هذه التحف اليهودية من الضفة فإنه سيبتاعها من اسرائيل!"
ووزارة السياحة مشكورة هي التي ترخص هذه المتاجر وهي التي توافق على ما يبدو أن يكون في ساحة المهد وفي أريحا وفي الكثير من الأماكن هذه التحف التي يفترض أن تعبر عن فلسطين بتراثها وتاريخها، بعيداً عن منافعها التجارية التي تدعم في النهاية نهج اسرائيل في تزوير التاريخ، والذي يبدو أنه تحول إلى قناعة لدى البعض، فقد قالت لي إحدى مالكات محلات السنتواري في بيت لحم: "إن نجمة داود هي لنا قبل أن تكون لهم". حاولت أن أفهم دون جدوى هذه الجملة المعترضة التي جاءت رداً على كثرة أسئلتي، فيما قال لي مالك آخر أن بيع هذه التحف هو "قديم بعمر محلات السنتواري".
نجمة داوود يا سيدتي وأصحاب متاجر التحف الشرقية هي من أهم رموز الشعب الاسرائيلي، والشمعدان السباعي هو أقدم رموز بني اسرائيل، النجمة هي الشعار الأساسي للعلم الاسرائيلي، والشمعدان نجده في قاعات الكنيست الاسرائيلي وعلى شاشات التلفاز الاسرائيلية... وإن كانت تعني هذه الشعارات للديانات الأخرى شيئاً فهي ليست رمزاً أساسياً وهي الآن رمز لدولة اسرائيل التي تحتلنا حتى النخاع.
وهنا يحضرني قول محمود درويش: "فقل للهوية" شكرا... قل للبصيرة شكراً!"
سياسة استقطاب الزوار
كان توزيع أعداد ليالي المبيت في فلسطين للعام الماضي، قد بين أن روسيا وبولندا تحتلان المرتبة الأولى فيه بنسبة 13% يليها فلسطينيي الـ 48، ثم ايطاليا فالهند فنيجيريا فالولايات المتحدة الأمريكية، وأقلها أوكرانيا وبريطانيا وفرنسا فكوريا فأندونيسيا فاليونان، وعلى سبيل المثال فإن أوكرانيا التي تقع في ذيل القائمة أي المرتبة الخامسة، لا تفوت الوزارة فرصة المشاركة في مؤتمراتها السياحية منذ أعوام مضت!
أما ترتيب السياح الوافدين إلى اسرائيل فقد احتلت أمريكا المرتبة الأولى ثم روسيا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، ايطاليا، أوكرانيا، بولندا، وقد استطعنا استقطاب جزء من السياح الروس والبولنديين والإيطاليين، وعلينا إضافة لاستقطاب الوفود القادمة عبر اسرائيل، أن نصنع سياحتنا الوافدة بأنفسنا، ونروج لمسارات الحج غير الموجودة في مطبوعات الوزارة ومواقعها الإلكترونية. ولابد من توجيه وتشجيع السياحة المحلية في الضفة وغزة، وتوجيه السياح الذاهبين إلى مناطق الـ 48 نحو الأماكن العربية.