الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

تبديل الخطاب الديني

نشر بتاريخ: 29/11/2014 ( آخر تحديث: 30/11/2014 الساعة: 00:55 )
بقلم: ثروت الخرباوي

فى حفل تنصيبه كرئيس للجمهورية كان الرئيس السيسى يدرك أن ثمة فارقاً فى الخطاب الدينى، بين ما هو كائن وما ينبغى أن يكون، لذلك وجه دعوة صريحة للأزهر الشريف قال فيها: «إننى أتطلع إلى أن يتبوأ الأزهر الشريف دوره فى تجديد الخطاب الدينى» واستقبل الأزهر الشريف هذه الرسالة، فكان أن قام بالرد على الرئيس فى بيان له قال فيه: «لن يَدَّخِرَ الأزهر جهداً فى ضَبْطِ الخِطاب الدِّينى والدَّعوى».

لك أن تلاحظ يا صديقى أن الرئيس طلب من الأزهر أن يقوم بدوره فى «تجديد الخطاب الدينى» ولأنك يا صديقى تفهمها وهى طائرة ستأخذ بالك من أن الأزهر رد على طلب الرئيس فتحدث عن «ضبط الخطاب» وليس «تجديد الخطاب»! هل تعرف لماذا؟ لأن القائمين على مؤسسة الأزهر لا يؤمنون بتجديد الخطاب الدينى، لذلك كان حديثهم عن ضبطه، وهو لفظ لا علاقة له بالتجديد، إذ يعنى الحفاظ على المكونات الرئيسية للخطاب الدينى كما هى.

وفى حلقة تليفزيونية منذ يومين جمعنى القدر بالشيخ الخلوق الدكتور «محمد مهنا» مستشار شيخ الأزهر، وكان من ضمن ما قاله مستشار الشيخ فى الحلقة إنه: «لا يوجد شىء اسمه تجديد الخطاب الدينى»! لأن الدين على حد قوله عبارة عن سلوك وعمل لا خطاب وكلام! خلاصة هذا الكلام أن مؤسسة الأزهر لا تؤمن بوجود ما يسمى بالخطاب الدينى أصلاً، وبالتالى فهى لا تؤمن بتجديده، ويبدو أن سبب عدم الإيمان هذا يعود إلى أن مؤسسة الأزهر الرسمية تخلط بين الدين ونصوصه المطلقة، وبين فهم الناس لهذه النصوص المطلقة، وأنا بدورى أراجع الأزهر الشريف فى عدم إيمانهم بـ«تجديد الخطاب الدينى» بل إننى أطالبهم بأكثر من هذا، أطالبهم بـ«تبديل الخطاب الدينى» فالخطاب الدينى يا أزهرنا الشريف هو الفهم الذى استقرت عليه الأمة أو معظمها أو على الأقل أكثريتها للنصوص الدينية، وفهم الأمة للدين يتكون خلال سنوات وعقود، ولكل أمة أن تفهم الدين وتمارس التدين وفقاً لواقعها وظروفها وثقافتها وأحوال عصرها، ولا شك أن القدماء فهموا الدين ونصوصه بشكل يتفق مع ظروفهم السياسية وواقعهم وجغرافيتهم، وبمعنى علمى دقيق، وفق «الجيوسياسية» التى كانوا فى معيتها، ونحن الآن فى زمن آخر وواقع آخر ودنيا أخرى، نعيش فى ظرف دولى شديد الاختلاف عن تلك الظروف الدولية التى عاشها القدماء، ونمتلك علوماً اجتماعية وسياسية لم تكن فى العصور الأولى، كان التفوق عند القدماء للذى يملك القدرة على الحفظ، فبزغ نجم من أتقنوا الحفظ، بل وكان فخر الناس بهم لأنهم يحفظون، فكان الحافظ بن كثير والحافظ بن حجر والحافظ بن رجب وغيرهم، ولم يحدث أن افتخر أحدٌ بأحدٍ لأنه الفاهم بن فلان، وجاء زمننا فإذا بالحفظ يأتى فى مرتبة متأخرة عن الفهم، فها هى أجهزة الحاسب الإلكترونى تحفظ مئات مما كان يحفظه كل الحفاظ، فأصبح علينا لزاماً أن ننتقل من مرتبة «النقل» إلى مرتبة «العقل» ومن لزوميات مرتبة العقل أن نعيد قراءة القرآن الكريم، ونعيد فهمه على واقعنا دون أن نتقيد بما قاله العبادلة وابن كثير والقرطبى وغيرهم، ونقوم بتحديث علوم الحديث التى وقف المجتهدون فيها فلم يتقدموا منذ أن نشأت قيد أنملة، آن الآن لمدرسة العقل التى تعرض أصحابها لحرب ضروس عبر التاريخ آن لها أن تعود وتسود، فلا يصح أبداً أن يكون الله قد أمرنا فى كتابه الكريم بالتفكر والتدبر، ونحن لا علاقة لنا بالتدبر والتفكر وإعمال العقل، بل كل ما تفعله مدارسنا الدينية هو النقل عن فلان وفلان وفلان!

نقول لهم اجتهدوا لأنفسكم ولزمنكم، واتبعوا ما أنزل الله، فيقولون لك «بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ» نحن نتبع أسلافنا يا عزيزى، وهذا ما وجدنا عليه السلف الصالح من آبائنا! نقول لهم يجب تحديد مضامين «الجهاد» فى الإسلام، إذ إن كل الجماعات الإرهابية ترفع راية الجهاد فى سبيل الله، فأين أنت يا أزهرنا من فهمهم؟ هل الإسلام عندك كما هو عندهم دين السيف والغزو؟! فلا تجد أذناً صاغية، تقول لهم: ما هذا الفهم الذى يبثونه ليل نهار بين الخلائق فيجعلون من الإسلام ديناً يعيش دائماً فى أجواء الحرب، فعلى المنابر تسمع دائماً «اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن والاهم، اللهم اجعل كيدهم فى نحورهم» فإذا بدين السلام والرحمة هو دين الحرب والقتال والكراهية، وعلى المسلم الصالح أن يتحول إلى جندى للدفاع عن الإسلام فى تلك الحرب الوهمية.

فى الإسلام الحركى يا أزهرنا ما يطلقون عليه البيعة، وهى بيعة يعتبرونها نصف الدين، ويقولون إن من مات وليس فى رقبته بيعة فقد مات ميتة جاهلية، لذلك يبايعون المرشد أو الأمير، وتكون الطاعة ملزمة لكل من بايع، يطيعه ولا يطيع قانون دولته، فهل أخبرتنا عن تلك البيعة وحقيقتها؟ على قدر علمى أن البيعة كانت فقط للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يوكل الرسول أحداً من أصحابه فى أخذ بيعة من أحد، لماذا؟ لأن البيعة أصلاً لم تكن للرسول ولكنها لله، لذلك قال الله «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» والبيعة هنا من البيع والشراء، البائع هو المسلم والمشترى هو الله، لذلك قال الله فى موضع آخر « إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى? مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم» ولأن وحدانية الله منزهة عن الحلول والاجتماع بالناسوت لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم وكيلاً عن الله فى تلقى البيعة، وقد كانت هذه البيعة بمثابة العقد الذى دخل به هذا الشخص حراً ومختاراً إلى الإسلام، فكيف تحولت إلى عقد دينى منحرف يسيطر به واحد من الناس على مئات بل آلاف من البشر! فأين أنت يا أزهرنا من مواجهة تلك الأفكار وتبديلها؟

هل نظل أسرى لمدرسة النقل التى تقدس الحفاظ القدماء فتجعل حفظهم ديناً! وقد بلغ عجبى منتهاه من هذه المدرسة حين سمعت أحد «حُفاظ» هذا العصر من أن البخارى وهو فى السادسة عشرة من عمره حفظ خمسة عشر ألف حديث فى أسبوعين، كان قد سمعها فى دروس علم، فنقشها فى ذاكرته دون أن يكتبها فى ورقة، فى حين أن زملاءه فى الدرس كتبوا فى أوراقهم هذه الأحاديث بعد أن سمعوها، فأخطأوا هم فى الكتابة ولم يخطئ هو فى الحفظ! فإذا بى أكتشف أن علم الحديث لم يقم إلا على مزاعم الحفظ هذه، فلم يأل أحدهم جهده لبحث المتون، فهل كان الأمر فى كتب الحديث الشريف عبارة عن مباريات فى الحفظ؟! أم فى التدقيق والفهم؟ وزاد أحدهم بأن قال إن أكثر من ألف عالم على مدار التاريخ حكموا لصحيح البخارى بصحته، فمن أنتم يا من تشككون فى البخارى؟! فردوا عليه بأن الكثرة ليست معياراً للصواب، وإلا لكانت الأديان الأخرى هى الأصوب لأن أتباعها على مدار التاريخ كانوا أكثر من المسلمين، وربنا ذم فى كتابه الكريم الكثرة فقال: «وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ» وقال «وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا» وقال سبحانه «وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ» وغير ذلك مما لا يتسع المقام لذكره، أفلا يحتاج علم الحديث إلى تحديث؟! وما ذهبوا إليه فى قصة النسخ والمنسوخ التى أفردنا لها من قبل مقالة خاصة، لك أن تعلم على سبيل المثال أن الله سبحانه وتعالى حدد عقوبة الزنى بالجلد، ويقول فى القرآن الشريف فى بداية سورة النور: «سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» أى انتبهوا أيها الناس، هذه السورة بآياتها فريضة فرضها الله، وفى هذه السورة آيات بينات، وهذا التنبيه من الله فى أول السورة ليتذكر المسلمون، ثم يحدد الله ما فرضه فى هذه السورة ومنه «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ» الجلد أيها المسلمون ولا شىء غيره، ولكنهم يديرون وجوههم إلى الناحية الأخرى ثم إذا بهم يقولون: الرجم للمحصن والمحصنة، فقد قال البخارى فى صحيحه عن سيدنا عمر بن الخطاب: «لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم فى كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف» وإذا بحديث عمر رضى الله عنه يستخدم لفظ «فريضة» التى أوردها الله فى السورة بقوله «وفرضناها» فيكون نسخ الفريضة القرآنية بفريضة حديثية أو سنية! ولننسى إذن ما قاله الله تعالى عن القرآن الكريم « كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» والحكيم الخبير الذى نؤمن به لا يمكن أن يكون قد نسى أن يفرض الرجم فى القرآن، فاستدرك عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فرجم، وخاف سيدنا عمر أن ننسى ما استدركه الرسول على الله فنبهنا إلى هذا الأمر، مع أن الله هو الذى قال لنا حين فرض الجلد «لعلكم تذكرون»! هذا يا أزهرنا بعض من كل.. ولنا عودة.