أزمة مُعلِّقين
نشر بتاريخ: 02/12/2014 ( آخر تحديث: 02/12/2014 الساعة: 21:22 )
بقلم: مجد البهو
المحاضرات في الجامعة تتخللها استراحات، ونقاشات مع الطلبة، ما يسمح للمُحاضِر بالتقاط أنفاسه والمتابعة، ومع ذلك ينهي المُدرِّس المحاضرة وهو يقول: "نِشِف ريقي"، أما مباريات كرة القدم، ساعة ونصف كاملة لا يتوقف فيها المُعلِّق عن الكلام وذكر الأسماء والمعلومات، واستحضار التاريخ واستشراف المستقبل، وحتى ال 15 دقيقة التي تتوقف فيها المباراة بين الشوطين، ربما يكون المعلق مشغولاً بالإعداد للشوط الثاني.
التعلق الرياضي، وخصوصاً التعليق على مباريات كرة القدم، من أصعب المهن الصحفية في رأيي، لأنها تتطلب التحضير، الصبر، اللغة السليمة، مخارج الحروف الجيدة، الثقافة الواسعة، الارتجال الذي يكون في كثير من الأحيان سيد الموقف، وحتى الدراية في الأمور التحكيمية، وهنا نتكلم عن المعلق الحقيقي، الذي يجعلك تقف من مكانك وأنت تتابع المباراة على أقل اللقطات حماسة وإثارة، بسبب أسلوبه المُبتكر في التعليق.
أصبحت الرياضة الآن تجارة، وحقوق البث تُكلف الملايين، إن لم تكن مليارات، وأصبحنا الآن نشاهد الاحتكار في البث، خصوصاً للدوريات الأوروبية الكبرى وأكثر البطولات متابعة، ككأس العالم، وكأس الامم الأوروبية، ودوري أبطال أوروبا، وهذا أدى إلى متابعتنا للمعلق الواحد أكثر من مرة في الأسبوع، وأعتقد أن مسألة التنويع في المعلقين مسألة مهمة جداً.
شح في المعلقين
ليس كل من جلس وراء الميكروفون وعَلَّق على مباراة أصبح معلقاً رياضياً، يجب أن نعترف أن هناك شح في ما أحب أن أطلق عليه "الإبداع التعليقي"، ما إن تكن هناك مباراة مهمة في أحد الدوريات الأوروبية الكبرى أو في دوري أبطال أوروبا، حتى نبدأ بتقليب القنوات الصوتية بحثاً عن المعلق الذي نحب أن نسمعه، ويكونان اثنين وعلى الأكثر ثلاثة، وإذا كان اختيار القناة واحداً غير هؤلاء المعلقين نتذمر وننزعج وقد يؤثر هذا على متعة المشاهدة.
ظهر هذا الشح في المعلقين، خصوصاً بعد ابتعاد المخضرم فارس عوض عن الدوريات الكبرى لأسباب سياسية خارجة عن إرادته، فلم يبقى سوى اسمين أو ثلاثة، نتمنى أن يعلقوا المباراة التي نشاهد، لماذا هذا النقص في المعلقين؟ هل اختفت المواهب من العالم العربي؟ هل يرفض المبدعون العمل في التعليق الرياضي؟
لا نقصد هنا التقليل أبداً من موهبة وإبداع أي معلق، فهناك العديد من الأسماء التي نفخر بها، والتي تؤدي عملها على أكمل وجه، كعصام الشوالي ورؤوف خليف وغيرهم من المبدعين، الذين يجعلون من متابعة المباراة متعة مزدوجة.
هل هي الواسطة؟
منذ فترة قصيرة، لم يكن هناك أي مباراة مهمة، جلست أتنقل من قناة إلى أخرى، حتى وصلت إلى إحدى القنوات الرياضية العملاقة في العالم ككل وليس في العالم العربي فقط، أكثر من نصف دقيقة ولا يوجد معلق، فجأة ودون سابق إنذار خرج ليقول: "الكرة مع فلان"، هذا عدا عن مخارج الحروف الخاطئة، والخطأ في أسماء الملاعب والفرق واللاعبين.
تساءلت حينها، ما الذي أتى به إلى كبائن التعليق الرياضي؟ الواسطة؟ الحظ الجميل الذي أوقع هذه "الموهبة الفذة" أما مسؤولي القناة؟! لماذا لا تهتم القناة لمثل هذا الأمر؟ أهو الاعتقاد بأن المباريات تُبث حصرياً ولا يمكن للمواطن العربي إلا مشاهدة المباراة على قنواتنا إن أراد أن يتابع؟
مواهب مدفونة
دائماً أسمع الشُبان الصغار، يقلدون المعلقين، ومنهم من يبتكر أسلوبه الخاص، وحتى على شبكات التواصل الإجتماعي، هناك العديد من المولعين بالتعليق وأساليبه، ينشرون لأنفسهم فيديوهات وهم يقومون بالتعليق على لقطات المباريات، وأعتقد أيضاً أن من بين هؤلاء الكثير عاطلين عن العمل، لماذا لا يتم منح الفرصة لمثل هؤلاء؟ أتوقع إن فتحت قناة رياضية باب الترشح والمسابقة لاختيار معلقين، سَتُفاجأ بوجود عشرات إن لم يكن مئات المعلقين الذين يصلحون للتعليق ليس على المباريات الصغرى، بل على كبريات الأحداث الرياضية، لكن الواسطة أقوى من الموهبة، والحظ أقل من الماضي بكثير، والإدارة مترهلة أكثر من أي وقت مضى.