الإعلام الفلسطيني وغياب البوصلة الوطنية ..المصالحة الشاهد والشهيد
نشر بتاريخ: 07/12/2014 ( آخر تحديث: 07/12/2014 الساعة: 16:21 )
الإعلام الفلسطيني وغياب البوصلة الوطنية المصالحة الشاهد والشهيد
بقلم: د. أحمد يوسف
تقديم:
إن أي متابع للشأن الفلسطيني عبر فضائياتنا العتيدة سيصاب بالغثيان، وسيشعر بتكلس حالة الاحباط في مفاصله السياسية ومداركة الوطنية.
إننا شعب تحت الاحتلال، وهذا يفرض أن تكون مسارات بوصلتنا واضحة، ولا تأخذنا بعيداً عن منطلقاتنا الوطنية وهدفنا المنشود؛ وهو ملاحقة الاحتلال وجرائمه بحق شعبنا، وانتهاكاته المبرمجة لمدننا وقرانا، وحتى لعقر دار مؤسساتنا الوطنية والدينية، والأهم - دائماً - هو ألا تزيغ أبصارنا عن ممارسات الحالة الاحتلالية، وعن نبض شعبنا المنكوب والضحية، جراء السياسات التعسفية لحكومات إسرائيلية يمينية متطرفة تعمل ليل نهار من أجل تفريغ الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية من أهلها، وزرعها بالمستوطنات اليهودية لغلاة الإسرائيليين، حتى لا يبقى لنا فيها حجر ولا شجر بعد اقتلاع البشر.
للأسف، إعلامنا الفلسطيني بكافة مؤسساته وفضاءاته ينحو نحو الحزبية، فليس أمامه منذ أن وقع الانقسام في يونيه 2007م إلا تأجيج حالة الصراع، والايغال بتعميق العداء والكراهية، وتجريح أطراف الخصومة السياسية، وتوظيف كل إمكانياته ومهاراته باتجاه تسديد ضربات موجعة لهذا الطرف أو ذاك.
وبالرغم من إدراك الكل الوطني والإسلامي بأن الإعلام الفلسطيني هو في جوهره ذات طبيعة خاصة، وضرورة التزامه بمهنيات أخلاقية عالية وبرؤية رسالية واضحة، هدفها حشد الأمة وتعبئة طاقاتها من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية ونصرة أهلها، وكشف مخططات الاحتلال وتعرية سلوكياته وانتهاكاته بارتكاب جرائم حرب، وجرائم بحق الانسانية على أرض فلسطين، وكذلك تركيز العمل على تعزيز مواقف التضامن الدولي تجاه شعبنا وقضيتنا في العواصم الغربية، إضافة على تحفيز الأمة وتشجيعها في الحفاظ على جهوزيتها لمعركة المصير مع هذا المحتل الغاصب، إلا أن إعلامنا الفلسطيني أصبح مثل الرجل الذي فقد ظله وغابت هويته الوطنية، حيث أسهم في الإساءة لمشروعنا الوطني، وتبهيت صورتنا المشرقة الوضيئة، والتي كانت قبل استفحال خطاب الانقسام مثالاً لمشهد البطولة والتضحية والجهاد والمقاومة، والمكانة المجللة بالتقدير والقداسة، حيث تجليات المشاهد والصور لأطفال الحجارة وانتفاضة الأقصى.
إن هناك من الكثير من المشاهد المؤثرة التي مرت بنا خلال سفرياتنا ولقاءاتنا في العديد من الدول العربية والإسلامية، وهي تعكس في انفعالاتها الوجدانية عمق الإحساس العربي والإسلامي بالشعب الفلسطيني وقضيته. لقد كان كل ما فينا مقدس، هذا هو ما توطن في أذهان أبناء أمتنا العربية والإسلامية، كوننا ننتسب للأرض التي بارك الله فيها للعالمين؛ فكانت مهد الديانات وأرض الرسالات.
إن ما فعلناه بأنفسنا بعد الانقسام كان جريمة لا تغتفر بحق الشعب والقضية، حيث أضعنا هذا المقدس، وذلك عبر تداولاتنا الإعلامية لمشاهد ولغة حوار سياسي يفتقر إلى أبسط قواعد الأخلاق وأدب الخلاف، وكل ذلك كان يجري – للأسف - على مسمع وبصر المشاهد العربي عبر فضائياتنا العتيدة، والتي تفتقر إلى أبسط قواعد المهنية وما تمثله من أمانة حمل المسئولية، باعتبارها وسائط لها مهمات رسالية محددة، وليس محطات لتنفيس أحقاد ومهاترات هذا الفصيل أو ذاك.
للأسف، نقولها بمرارة، أن الإعلام الفلسطيني - وخاصة بعد الانقسام البغيض - تحول إلى حنجرة حزبية لا يُسمع أو يشاهد منها إلا ما يزيدنا يأساً واحباطاً، أو ما يعاظم من حالة الاستقطاب الفصائلي، وتكثيف الاصطفاف التنظيمي القبيح داخل ساحتنا الفلسطينية.
في الحقيقة، إن ما شاهدناه من أشكال المناكفات والاتهامات وسياقات الردح الذي لا يقف عند أية حدود، والذي صاحبنا في فضائياتنا الفلسطينية خلال السنوات الثمان العجاف من عمر الانقسام، هو الذي ندفع ثمنه غصة وحسرات موجعة اليوم، وذلك بعدم قدرتنا على انجاح المصالحة، وتمكين المخلصين في هذا الوطن من طي صفحة الماضي، برغم كل المحاولات والجهود التي بذلها القريب والبعيد لإخراجنا مما نحن فيه من درك سياسي هابط، إلا أن التعثر والاخفاق – للأسف - هو سيد الموقف، وعنوان واقع الحال البغيض.
إن من البديهي القول، أن إعلامنا وعلى طول المراحل التاريخية من عمر القضية الفلسطينية، قد سعى - وخاصة الرسالي منه – على تحقيق هدفين هامين: الأول؛ هو تحصين الذات وبيان ملامحها ونشر أفكارها والتعريف بواقع الاحتلال، والثاني؛ هو اختراق الآخر والتأثير فيه، والأخذ بالقضية إلى كل فضاءات القرية الكونية. وهذا في الواقع هو ما يفسر سرِّ اهتمام الشعوب والدول بالإعلام منذ فجر التاريخ، والعمل على تنميته وتطويره بشكل هائل في العقود الأربعة الماضية، وتوظيف الامكانيات من أجل توسيع أطره وآلياته وغاياته.
لقد أصبح الجميع يعلم ما يتمتع به الإعلام بمختلف وسائله المسموعة والمقروءة والمرئية من أهمية وقيمة، وخاصة للحركات والدول التي تعاني من واقع الاستضعاف والمظلومية، جراء أوضاع احتلالية أو استعمارية قائمة مثل حالتنا الفلسطينية الراهنة، وذلك لما يتميز به الإعلام من قدرة فائقة على التأثير في صناعة الرأي العام العالمي، والتأثير على سلوكيات المجتمعات والدول، وتوجيه فعلها اليومي سلباً أو إيجاباً، سواء من خلال نقل الأحداث والأخبار والمعلومات والأفكار وتيسير الوصول إليها، أو من خلال تحليل أسبابها ودوافعها وخلفياتها ونتائجها وأهدافها ومراميها، أو من خلال الدعاية والترويج لبعض القيم والسلوكيات، حتى صارت بمثابة السلطة الرابعة، بل هي اليوم مع تلازم الفعل السياسي والمشهد الإعلامي تمتلك حقيقة أدوات التأثير في مقاليد السلطة والحكم .
من هنا، كان إعلامنا الفلسطيني عبر مسيرته التاريخية منذ الانتداب البريطاني وحتى الاحتلال الإسرائيلي يعيش تحديات لها علاقة بواقع الرصد والمراقبة، ولكنه برغم كل تلك القيود ظل ذو طبيعة رسالية، وحافظ على تماسك الشعب خلف قضيته الوطنية.
الإعلام الفلسطيني اليوم: انعدام الرؤية وغياب المصداقية
إن العلاقة بين الإعلام والسياسة - كما يقولون - هي علاقة كيميائية، حتى في أكثر النظم الليبرالية ديموقراطية. ولذلك، لا يمكن إنكار دور الخلاف السياسي بين رام الله وغزة في التأثير على شكل التحريض وصورة التشويه وطبيعة التشهير الحاصل في المشهد الإعلامي الفلسطيني برمته. لقد نشأت بعد الانقسام أكثر من ست فضائيات لها عناوين وأهداف تخدم القضية الفلسطينية، منها: قناة القدس والعودة والفلسطينية والكتاب وفلسطين اليوم والوطنية وهنا القدس، بعد أن كانت الساحة تقتصر على قناة فلسطين الرسمية وقناة الأقصى المحسوبة على حركة حماس.
بالطبع، تتفاوت نسبة الأجندة الحزبية ومحاولات إظهار الالتزام بالاستقلالية بين كل هذه القنوات، ولكنها جميعاً تتمتع بنسبة من "عدم الحيادية"، والعمل بميل إرادي أو غير إرادي لهذه الجهة المانحة أو تلك.
ومن الجدير ذكره، أن الحال لا يختلف جوهرياً عند الحديث عن المحطات الإذاعية المنتشرة في الضفة والقطاع، حيث إن معظمها تملكه الفصائل أو تدعمه. ومن هنا، يأتي الميل لخطاب هذا الطرف أو ذاك. وإذا تتبعنا الصحف والمجلات الورقية فسنجد أن معظمها كذلك مملوك هو الآخر لفصائل بعينها، وهي تلتزم بحرفية اتجاهاتها السياسية والفكرية وبمزاجها الحزبي العام. أما بالنسبة إلى الشبكة العنكبوتية، فإنها مفتوحة على نطاق واسع للمواقع والمدونين والفصائل والمؤسسات والوكالات الإخبارية العامة والخاصة، وحتى الأفراد، إلى الحد الذي يشهد اكتظاظاً وفوضى عارمة، لم يتسن لأي سلطة السيطرة عليها إلا من خلال التخويف، وتعزيز الرقابة الذاتية، وملاحقة المعارضين.
وسنلاحظ في هذا السياق، كما يقول الصحفي طلال عوكل: إن القوى المسيطرة، أنشأت بعد الانقسام، عدداً كبيراً من الشركات الإعلامية والوكالات الخاصة، من خلال الضغط والتخويف والملاحقة، وأيضا من خلال الهبوط بأسعار المواد الإعلامية إلى الحدود التي تستنزف قدرة المؤسسات الخاصة على الاستمرار وتحقيق الربح. هذا المشهد الإعلامي المزري يشكل انعكاساً لطبيعة الخطاب السياسي الفلسطيني، وهو خطاب ممزِّق، ومتراجع بقدر تراجع الوضع العام في الصراع مع المحتل الإسرائيلي، ويشكل أيضاً انعكاساً لحالة الانقسام والتمزق الوطني الفلسطيني، التي تشمل جميع مناحي الحياة، فضلا عن الاستراتيجيات والخيارات الوطنية والأهداف العامة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وحتى ثقافياً.
كل هذه الأجواء الموبوءة من سطوة الإعلام الحزبي المسيس أسهمت في تكريس الانقسام، وتعميق الخلاف، وتوسعة حالة الاستقطاب، وتعزيز حرص طرفي الأزمة؛ فتح وحماس، على تسجيل المواقف.
الإعلام الفلسطيني أصبح اليوم منقسماً على ذاته وهذا لا شك فيه، ومن خلال متابعتنا ومراقبتنا لمجمل الأحداث التي يمر بها شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية في ظل هذه المرحلة الصعبة في ظل المتغيرات الإقليمية، إلا أن هذا الإعلام الفلسطيني لا يخلو من زخم التراشق الإعلامي وقد شكل الانقسام الفلسطيني تربة خصبة له، فأصبح الإعلام الحزبي هو المسيطر، مما أدى إلى تكريس حالة الانقسام وتأزم الوضع، حيث أصبح الإعلام هدف رئيسي للأطراف المتنازعة لخدمة مصالح كل طرف، وهذا بمثابة خدمة مجانية غير مباشرة للاحتلال الإسرائيلي مما لا شك فيه، وتناسى الإعلام الفلسطيني دوره في قضيتنا الكبرى وهي الاحتلال الإسرائيلي.
في يناير 2012م، أصدر المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى" دراسة تحت عنوان "دور الإعلام الفلسطيني في تعزيز الانقسام: فضائيتا فلسطين والأقصى نموذجاً"، حيث استعرض الباحث جوانب من الكيفية التي تورط فيها الإعلام الفلسطيني في التحريض العلني على العنف، والدعوة لإثارة النعرات الحزبية الأمر الذي أخرجه من سياق المهنية وأخلاقياتها.
وبين الباحث أن تغطية وسائل الإعلام المحلية لموضوع الانقسام وحالة الانحياز التي برزت بصورة صارخة، وذلك بالابتعاد عن الموضوعية قد كشفت حدود افتقار معظم وسائل الإعلام الفلسطينية للحد الأدنى من أسس المهنية، وطغيان المفاهيم والسياسات الحزبية.
وتناول الباحث نماذج من برامج فضائيتي فلسطين والأقصى، وأجري تحليلا مما تضمنته من تحريض سافر، وغياب للموضوعية، وكيف كانت تتم تغذية وتعزيز الانقسام بصورة مباشرة من قبل طواقم تلك البرامج، لافتاً إلى جملة من المصطلحات التي استخدمت من كل طرف للتحريض على الطرف الآخر وتشويه صورته.
المصالحة الوطنية: معلقة بانتظار إعلام هادف ومسئول
في ندوة عقدتها أكاديمية الإدارة والسياسة للدراسات العليا تحت عنوان: "الإعلام الفلسطيني والدعم المطلوب للمصالحة الوطنية" بتاريخ 3 ديسمبر 2014م، أجمع المشاركون من المتحدثين بأن الإعلام الفلسطيني - للأسف - كان له سهم كبير في التحريض الذي أدى للانقسام، كما أن دوره كان سلبياً في الفترة التي أعقبت الأحداث المأسوية الدامية التي وقعت بين فتح وحماس في يونيه 2007م، وهو إعلام حزبي مؤطر بامتياز، حيث تقدمت لديه الأولويات الفصائلية على الالتزامات الوطنية، وهو يعمل ضمن محددات تضبطها أجندات الخلاف السياسي القائم بين غزة ورام الله، قبل وبعد تشكيل حكومة التوافق الوطني برئاسة د. رامي الحمد الله.
وتأسيساً على ذلك، وفي سياق هذه الحزبية البغيضة، التي استحوذت على مؤسساتنا الإعلامية، فأفقدتها التأثير بإمكانية العمل على جمع الصف ووحدة الهدف، وحرفت مسار سفينتنا الوطنية بإعطاب بوصلتها، لذا لم تنجح المصالحة الوطنية وظل الانقسام يراوح في مكانه، بالرغم من كل الادعاءات والحقائق التي كنا نرددها جميعاً على مدار أكثر من ثمان سنوات، بأنها فريضة شرعية وضرورة وطنية، ومستلزم للحفاظ على حقوقنا ومستقبل دولتنا الموعودة.
لقد أنجزنا المصالحة على الورق في القاهرة في مايو 2011م، ثم في الدوحة في أبريل 2012م، وأخيراً في مخيم الشاطئ في أبريل 2014م، ولكننا لم نجد إعلاماً ملتزماً يعزز من تحقيقها، ويوطد من أركانها، بل خضع لأهواء السياسيين وأصحاب الامتيازات، فغلبت نعرات الجاهلية والقراءات الأيدولوجية على حسابات الوطن؛ لأن واقعنا أضحى أن كل حزب بما لديهم فرحون.!
لقد انطلق قصار النظر، ومحدودي البصر والبصيرة من كلا الطرفين، بالعمل على توسيع الشرخ وهوة الخلاف، وذلك من خلال تقديرات خاطئة لواقع لم يستقر بعد، مما دفعنا للانجراف بعيداً في متاهات مهلكة احتوشها الذل والضياع. وبدل أن نعمل جميعاً باستراتيجية الأخذ بما هو متاح من الآخر، والمطالبة لاحقاً بالمزيد كلما تعززت الثقة وانجاب الغمام، ظل أقطاب الأزمة يسوقوننا – للأسف - نحو القطيعة من جديد.. وعليه، كان من الأولى تقديم إحسان الظن، والابتعاد ما أمكن عما يثير الخلاف، عملاً بقاعدة "ودع الذي فيه الكدر"، إلا أن هؤلاء الموتورين من كلا الطرفين عملوا على مأسسة الخلاف وتأزيمه.
فقط سأشير هنا إلى بعض البرامج التي أخذت سجالاً واسعاً في أحاديث الناس وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، وهي ذلك البرنامج المسمى (حال السياسة)، والذي استضافت فيه الإعلامية أميرة حنانيا عدداً من الكُتَّاب والإعلاميين المصريين المعروفين بمعاداتهم للإسلاميين من الإخوان وحركة حماس.. وعلى مدار أربع أو خمس حلقات، كنا نسمع إساءات واتهامات وادعاءات تفتقر إلى أبسط قواعد الأخلاق والمصداقية، وهي في جملتها تهدف إلى التشهير وتشويه الحقائق حول الإسلاميين، وإيغال صدور كل من يشاهد هذه الحلقات من أبناء الحركة الإسلامية ليس على أرض فلسطين وحدها، بل في عالمنا العربي والإسلامي، وأيضاً لدى جالياتنا ومؤسساتنا الإسلامية في أمريكا والدول الأوروبية، بهدف خلق حالة من القطيعة معهم، فهل يُعقل هذا ؟
ولعلي هنا أشير كذلك إلى بعض ما ذكره د. أحمد محيسن في مقال له بعنوان: (حال السياسة منيّل ميت نيلة .. يا أميرة حنانيا...!!)، حيث كتب:
"واأسفاه .. إلى أين هم سائرون بالقضية .. يا ثورة شعب الجبارين..؟!
هل يعقل يا تلفزيون فلسطين.. أن تكونوا منبراً ومنصة لعكاشة.. شقيق أفيخاي أدرعي..؟!
هذا العكاشة صاحب قناة الفراعين، والمشهور بعدائه للمقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.. يتم استضافته في قناة تلفزيون فلسطين ليشتم الشعب الفلسطيني على الهواء مباشرة...!!
إننا نستطيع تصنيف هذه الفعلة الشنيعة بوصمة العار على كل من عمل على إتمام هذه الصفقة بظهور العكاشة على تلفزيون فلسطين...!!
إنه لأمر معيب ومخجل، ويدعو للتقيؤ وللأسف، ولا يستحقه شعب الشهداء والمناضلين، الذين ما زالوا يقبعون تحت الاحتلال، وأقصاهم يدنس.
وإنه إهانة للنضال الفلسطيني، ولكل مخلص من أبناء شعبنا المكافح.. أن يقوم تلفزيون فلسطين في رام الله باستضافة المدعو عكاشة.. هذا المجرم الذي دعى لقتل الفلسطينيين وسحقهم علانية، ووصفهم بالإرهابيين.. وهو يمثل بذلك موفاز ونتنياهو وزمرتهم المجرمة، وقد تغزل وتلذذ هذا العكاشة بإجرام الاحتلال ضد شعبنا، ويدعو لقتل الفلسطينيين على شاشة التلفاز وفي وسائل الإعلام...!!
ولا نستطيع أن نفهم أية رسالة هذه التي أراد المتنفذون في تلفزيون فلسطين أن يوصلوها من خلال استضافتهم هذا اللعين توفيق عكاشة على تلفزيون يقترن اسمه بفلسطين...؟!".
وأنا كمتابع لهذا النشاط الإعلامي وردود الفعل على هذا البرنامج، أشعر بحجم الصدمة التي أصابت شباب الحركة الإسلامية، وهم يشاهدون استضافة فضائية (العودة) لشخصيات مؤدلجة ومتحاملة، ولا همَّ لها إلا الإساءة والطعن بحركة حماس، والتشويه والتشهير بحركة الإخوان المسلمين؛ هذه الحركة التي عملت من أجل القضية الفلسطينية على مدى أكثر من ستين عاماً، وقدمت شهداء في ساحات الوغي، لكي يرتفع اسم فلسطين في كل دولة عربية وإسلامية، ولهذه الحركة الفضل في "فلسطنة" الضمير العربي والإسلامي، حتى أضحت قضيتنا الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة.
أنا أتفهم أن نختلف مع بعضنا البعض، باعتبار أننا خصوم في السياسة، وأخوة متشاكسون نزغ الشيطان بيننا، ولكن لماذا التشهير بالإخوان المسلمين؛ كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة، والتي لها واجهات سياسية وإعلامية ودعوية في كل مكان، وذلك من قناة فلسطينية لها صفة الرسمية، ونحن قد تعودنا القول من أجل مصلحة قضيتنا: إننا لن نتدخل في شئون الآخرين، لأننا نريد أن يقف الجميع معنا وخلف قضيتنا العادلة.
هل أضحت مهمة فضائياتنا الفلسطينية هي أن نخسر الأصدقاء ونغضب الأنصار، ونباعد بين من وقفوا معنا وكانوا لنا الأخ والشهيد والجار القريب.؟
وفي برنامج آخر (علمكشوف) للإعلامي ماهر شلبي، والذي استضاف فيه النائب عزام الأحمد ورئيس الوزراء د. رامي الحمد الله، يوم 4 ديسمبر 2014م، حيث يتساءل الشارع الفلسطيني: هل كانت الحاجة تستدعي مثل هذا النقاش الفاضح، والملاسنة الذي تسيء لهيبة كل ما هو فلسطيني؟ وهل نحن كفلسطينيين بهذه التفاهة والسذاجة، التي حاول مقدم البرنامج ماهر شلبي تظهيرنا بها؟!
أسئلة لا يمكن أن نجيب عليها بسهولة في ظل إعلام حزبي أسهم في تخريب علاقاتنا الوطنية، كما أنه كان السيف المسلط على رقبة كل من حاول أن يعطي للمصالحة الفرصة لكي تنجح.
إن المصلحة الوطنية كي تنجح فإنها تحتاج لجيش من الإعلاميين والسياسيين المخلصين، تحتاج إلى نقابة صحفية مستقلة قادرة على تصويب المسار وليست جزءاً من حالة الانقسام، تحتاج إلى إعلاميين مهنيين يتقدم عندهم الوطن على التنظيم، ويحسنون إدارة حواراتنا الوطنية بتجنيب استضافة أصحاب الحناجر ومسعِّري الحروب.
إن الإعلام هو بمثابة المادة الاسمنتية لتمتين ترابطنا الاجتماعي والسياسي، وتجميل أشكالنا النضالية وتسويق مظلوميتنا للعالمين، وهو إذا استقامت رؤيته قادرٌ على كشف سوءات كل من يحاول تخريب نسيجنا الوطني، والاتجار بحالة الانقسام وابقاء المصالحة فقط مجرد سراب خادع لا نتوقف عن اللهاث خلفه.
ختاماً: اتقوا الله فينا
إن إعلامنا الفلسطيني يمكنه أن يلعب دوراً هاماً في إنجاح المصالحة الوطنية، ودعم وتعزيز ما اتخذناه من خطوات نحوها، وذلك إذا تخفف من العباءة الحزبية القاتمة، وأعطى الأولوية لقضيتنا الوطنية، وتركزت جهوده في كشف جرائم الاحتلال ومحاولاته في الاستيطان وتهويد المقدسات، وتعبئة شارعنا الفلسطيني للتصدي لمواجهة كل ذلك بكل ما هو متوافر من الامكانيات.. إن إعلامنا الفلسطيني يجب أن يكون هو إعلام مقاوم بالدرجة الأولى، وصاحب رسالة وطنية ورؤية إنسانية لشعب تحت الاحتلال.. هذا هو ما نطلبه ونتطلع إليه، ولكن الحقيقة المرة هي غير ذلك.
ولعلي هنا استدعي ما كتبه د. أحمد حماد في تقييمه للإعلام الفلسطيني، حيث أشار قائلاً: "بالنظر إلى الإعلام الفلسطيني السائد الآن، نكتشف أنه إعلام لا يلبي حاجات المجتمع الفلسطيني؛ لأنه إما إعلام حكومي ينقل أو يتبنى وجهات نظر الحكومة أو السلطة، وهو من هذه الناحية إعلام سلطة أو من جهة أخرى إعلام يفترض به أن يكون مستقلا، إلا أنه في الحقيقة يدور في فلك المحددات، التي تحددها السلطة أو الفصائل والأحزاب الفلسطينية. ولذلك، لا غرو أن نجد الإعلام الفلسطيني انزلق بطريقة أو بأخرى في الصراع والانقسام الفلسطيني، وساهم وما زال في تأجيج هذا الصراع وتعزيز حالة الانقسام. وبدلاً من أن يؤثر في الساسة تأثر بهم، وأصبح تابعاً لهم، ما يعني أنه فقد دوره الحقيقي واتزانه وموضوعيته، مما يتطلب إصلاح البنية الإعلامية الفلسطينية، وإعادة بوصلتها لتؤدي دورها الوطني المناط بها".
بيت القصيد؛ إن المصالحة الوطنية ستبقى متعثرة تراوح مكانها، وستظل تظلع دون الوصول إلى غايتها أو تحقيق أهدافها، إذا ظل إعلامنا الفلسطيني جزءاً من المشكلة وليس طرفاً في الحل.