قصيدة في القدس للشاعر الفلسطيني تميم مريد البرغوثي أعادت التوازن في نفسية المواطن الفلسطيني
نشر بتاريخ: 21/08/2007 ( آخر تحديث: 21/08/2007 الساعة: 18:39 )
بيت لحم - معا - أعرب أكثر من مثقف فلسطيني عن اعجابهم الشديد بقصيدة الشاعر الشاب تميم مريد البرغوثي وعنوانها "في القدس" والتي ألقاها في مسابقة أمير الشعراء بالشارقة ضمن مسابقة حامية الوطيس لانتقاء شاعر يتربع على عرش المسابقة .
تلفزيون فلسطين اعاد بث القصيدة ومثله شبكة معا التلفزيونية في اطار اعجاب شديد بذكاء هذا الشاعر الذي اعاد تذكير الفلسطينيين بالقدس بديلا عن خصومات غزة ورام الله .
قصيدة في القدس كتبها تميم مريد حين حاول ان يذهب للعاصمة المحتلة فمنعه الجنود الاسرائيليون ، وتسلل رغم الجدار الاسمنتي الذي بناه شارون ولكن الجنود منعوه من الوصول الى المسجد الاقصى حيث حينها يقوم المؤمنون بالصلاة على اسفلت الشارع في صورة تحدي للاحتلال ، فكتب وابد' ووصف فاوجز وهام بروحه يناجيها هو الفلسطيني المولود في القاهرة تمكن من الجمع بين فلسطينية القدس وعروبتها فقال:
مررنا على دار الحبيب فردّنا
عن الدار قانون الأعادي وسورها
فقلت لنفسي ربما هي نعمة
فماذا ترى في القدس حين تزورها
ترى كُلْ ما لا تستطيع احتماله
إذا ما بدت من جانب الدرب دورها
وما كل نفس حين تلقى حبيبها
تسر ولا كل الغياب يضيرُها
فإن سرها قبل الفراق لقاؤه
فليس بمأمون عليها سرورها
متى تبصر القدس العتيقة مرة
فسوف تراها العين حيث تديرها
في القدس، بائع خضرة من جورجيا برم بزوجته يفكر في قضاء إجازة أو في طلاء البيت
في القدس، توراة وكهل جاء من منهاتن العليا يفقه فتية البولون في أحكامها
في القدس شرطي من الأحباش يغلق شارعاً في السوق،
رشاش على مستوطن لم يبلغ العشرين،
قبعة تُحَيّي حائط المبكى
وسياح من الإفرنج شقر لا يرون القدس إطلاقاً
تراهم يأخذون لبعضهم صوراً
مع امرأة تبيع الفجل في الساحات طول اليوم
في القدس أسوارٌ من الريحان
في القدس متراس من الاسمنت
في القدس دبّ الجند منتعلين فوق الغيم
في القدس صلينا على الاسفلت
في القدس من في القدس إلا أنت
وتلفّت التاريخ لي متبسّماً
أظننت حقاً أن عينك سوف تخطئهم، وتبصر غيرهم
ها هم أمامك، مَتْنُ نص أنتَ حاشيةٌ عليه وهامش
أحسست أن زيارة ستزيح عن وجه المدينة يا بني
حجاب واقعها السميك لكي ترى فيها هواك
في القدس كل فتى سواك
وهي الغزالة في المدى، حكم الزمان ببيْنِها
ما زلت تركض إثرها مذ ودعتك بعينها
رفقاً بنفسك ساعة إني أراك وهنت
في القدس من في القدس إلا أنت
يا كاتب التاريخ مهلاً،
فالمدينة دهرها دهران
دهر مطمئن لا يغير خطوه وكأنه يمشي خلال النوم
وهناك دهر، كامن متلثم يمشي بلا صوت حذار القوم
هذا احتلال للهواء وذا احتمال فيه
لم يظهر لمنتظريه
فاتركه يجيء من نفسه
فالدهر لا يجدي لديه اللوم
إن المدينة شمسها شمسان
شمس للغريب ودونها شمس لأهل الدار
شمس محايدة بلا معنى
وأخرى تحفظ الأسماء والأخبار
تقسو وترحم حين تشرق أو تغيب
وتحتها وجه المدينة، كالرهينة، دائماً متغير في لعبة الإخفاء والإظهار
ما كان متنا تحت عين الشمس
يمسي هامشاً في الظل
ثم يعود متناً مرة أخرى
فلا تسئ القراءة، وانتبه يا شيخُ للمسطور في الأسفار
والقدس تعرف نفسها، فاسأل هناك الخلق يدلُلْكَ الجميع
فكل شيء في المدينة
ذو لسان، حين تسأله، يُبين
في القدس رائحة تلخص بابلاً والهند في دكان عطار بخان الزيت
والله رائحة لها لغة ستفهمها إذا أصغيت
وتقول لي إذ يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع علي: "لا تحفل به"
وتفوح من بعد انحسار الغاز، وهي تقول لي: "أرأيتْ!"
في القدس يزداد الهلال تقوساً مثل الجنين
حدباً على أشباهه فوق القباب
تطورت ما بينهم عبر السنين علاقة الأب بالبنين
في القدس أبنية حجارتها اقتباسات من الإنجيل والقرآن
في القدس تعريف الجمال مثمن الأضلاع أزرق،
فوقه، يا دام عزك، قبة ذهبية،
تبدو برأيي، مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء ملخصاً فيها
تُدَلّلها وتدنيها
توزعها كأكياس المعونة في الحصار لمستحقيها
إذا ما أمة من بعد خطبة جمعة مَدّت بأيديها
وفي القدس السماء تفرقت في الناس تحمينا ونحميها
ونحملها على أكتافنا حملاً إذا جارت على أقمارها الأزمان
في القدس أعمدة الرخام الداكنات
كأن تعريق الرخام دخان
ونوافذ تعلو المساجد والكنائس،
أمسكت بيد الصباح تُريه كيف النقشُ بالألوان،
وهو يقول: "لا بل هكذا"،
فتقول: "لا بل هكذا"،
حتى إذا طال الخلاف تقاسماً
فالصبح حر خارج العتبات لكن
إن أراد دخولها
فعليه أن يرضى بحكم نوافذ الرحمن
في القدس مدرسة لمملوك أتى مما وراء النهر،
باعوه بسوق نخاسة في إصفهان
لتاجر من أهل بغداد أتى حلباً فخاف أميرها من زرقة في عينه اليسرى،
فأعطاه لقافلة أتت مصراً، فأصبح بعد بضعِ سنينَ غلاّبَ المغول وصاحب السلطان
في القدس يرتاح التناقض، والعجائب ليس ينكرها العباد،
كأنها قطع القماش يقلّبون قديمها وجديدها،
والمعجزات هناك تُلْمَسُ باليدين
في القدس لو صافحت شيخاً أو لمست بناية
لوجدت منقوشاً على كفيك نصّ قصيدة
يابْن الكرام او اثنتينْ
في القدس، رغم تتابع النكبات، ريح براءة في الجو، ريح طفولة،
فترى الحمام يطير يعلن دولة في الريح بين رصاصَتَينْ
في القدس تنتظم القبور، كأنهن سطور تاريخ المدينة والكتاب ترابها
الكل مروا من هنا
فالقدس تقبل من أتاها كافراً أو مؤمناً
أمرر بها واقرأ شواهدها بكل لغات أهل الأرض
فيها الزنج والإفرنج والقفجاق والصقلاب والبشناق
والتاتار والأتراك، أهل الله والهلاك، والفقراء والملاك، والفجار والنساك،
فيها كل من وطئ الثرى
كانوا الهوامش في الكتاب فأصبحوا نص المدينة قبلنا
يا كاتب التاريخ ماذا جد فاستثنيتنا
يا شيخ فلتعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرة أخرى، أراك لحَنْتَ
العين تُغمضُ، ثم تنظرُ، سائقُ السيارة الصفراء، مال بنا شمالاً نائياً عن بابها
والقدس صارت خلفنا
والعين تبصرها بمرآة اليمين،
تغيرت ألوانها في الشمس، من قبل الغياب
إذ فاجأتني بسمة لم أدر كيف تسلّلت للوجه
قالت لي وقد أمْعَنْتُ ما أمعنْتْ
يا أيها الباكي وراء السور، أحمق أنت؟
أجننت؟
لا تبك عينك أيها المنسيّ من متن الكتاب
لا تبك عينك أيها العربي واعلم أنّهُ
في القدس من في القدس لكن
لا أرى في القدس إلا أنت