الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

زوجة الاسير المحرر في صفقة شاليط شبانه تكتب عن زيارتها الاولى له

نشر بتاريخ: 17/12/2014 ( آخر تحديث: 17/12/2014 الساعة: 11:03 )
الخليل- معا - كتبت زوجة الأسير عباس شبانة، وهو من الأسرى المحررين في صفقة "شاليط"، والذين أعادت سلطات الاحتلال اعتقالهم في حزيران الماضي، وسبق وأن قضى 20 عاماً في سجون الاحتلال.

وفيما يلي نص الرسالة التي كتبتها:

زيارتي الأولى
للولهة الأولى .... جميعكم ستقولون ((واو)) عن كلمة زيارة وعن أي زيارة أتحدث , فأنا لست مسافرة في الطائرة إلى جنة الأرض ماليزيا ... ولا إلى أجمل بقاع الأرض كتركيا ...ولا إلى تونس الخضراء ولا إلى عظمة الأهرامات في مصر ....إنها زيارة إلى ربوع فلسطين إلى كيد السجان إلى ألم الفراق إلى لوعة الحنين إلى الشوق المتآكل خلف القضبان .

((1)) الرابعة والنصف فجرا ...
أنظر إلى الساعة بشغف ودقات قلبي تدق مع كل ثانية ...موعد الضبط كان الساعة الرابعة والنصف فجرا ,ضغطت على زر إيقاف المنبه _فقد تغفو الساعة ولكن لن أغفو أنا_ قبل أن يدق خشيه إزعاج أطفالي فأنا أنتظر اللحظة تلو اللحظة بالمرور عسى ان تسرع الساعة واللحظات تتراكض لتقف فقط ساعة رؤيتي إياه ((زوجي العزيز)) ,جهزت أطفالي بملابس مضاعفة خوفا من أن يتجرع البرد جزءا من أجسادهم الصغيرة الناعمة و أعلم أنها ستثقل كاهلي فوق الثقل الذي تحمله روحي .

((2))الخامسة فجرا...
توجهت لباصات الصليب الأحمر احمل بيد ابني الذي لم يتجاوز عمره الشهر ,وامسك باليد الاخرى ابنتي التي لم تتجاوز العامين , وعلى كتفي حقيبة لملابس زوجي بعد ان عانيت مشقه بالبحث عنها لأنها ملابس بموصفات شبه مستحيلة .. ملابس خالية من السحابات والأزرار المعدنية , خالية من البطانة , بدون قبعة ولونها بني وقاتم عندما ترى اللون ستصاب بقشعريرة ورغبة بالاستفراغ ...

صعدت إلى الباص أنظر في وجوه الموجودين أعمل كمحرك البحث الشهير (( جوجل )) عسى أن ألتمس من ذلك المقعد معرفةً وفي ذلك الجانب قربةً فباءت محاولتي بالفشل , لكن السجن نفسه يكفي لأن يكون رابطاً قويا لعل الحظ يقطر علي قطرةً فأجد من يمدّ لي يد المعونة في حمل فلذات أكبادي معي , وصلنا للمعبر قمت بحمل ابنتي النائمة وطلبت من أخرى أن تحمل ابني ((بالكوته ))وطلبت من آخر أن يحمل الحقيبة.

((3)) الزيارة...
دخلنا بالمعبر بعد المرور بممرات طويلة أشبه بمتاهة الفئران للحصول على قطعة الجبن ...فوصلت إلى مكان التفتيش وتدقيق التصاريح وذلك عالم آخر يحتاج ليوم كامل للحديث عنه , وبعد ذلك سمح لنا بالعبور للجانب الآخر حيث الباصات الإسرائيلية تنتظرنا لتقلنا من الحاجز إلى سجن ((ايشل)) ,أُدخلنا إلى مكان للانتظار يوجد بداخله غرفه بها حمام خارجها ساحه صغيره محاطة بالأسلاك الشائكة كأنني في سجن غوانتنامو(فلقد شاهدت السجون الأمريكية عبر شاشة التلفاز.. وها أنا ألبي نداء السجون الصهيونية رغماً عني ) , انتظرنا فيها لمده ساعتين وبعدها قاموا بنقلنا لمكان السجن وها أنا ذا أنتظر بفارغ الصبر أن أسمع أسمه المنقوش في ضلوع قلبي ، وقفنا في ممر الدخول ومرة أخرى مع الكشف على أوراقنا الثبوتية والتفتيش الدقيق ، دخلت غرفة التفتيش وابنتي سدرة تعانق صوره لها ولأخيها حتى تلك الورقة الصغيرة لم تسلم من تفتيشهم الوحشي فأخذوا الصورة فأشعل ذلك في قلبها حرقة أطفأتها بقطرات دموعها البريئة الطاهرة ,أما الطفل الذي لم يتجاوز عمره الشهر فجاء دوره في التفتيش الدقيق حيث قامت المجندة متخوفة عندما رأت عبد الله بيدي مرعوبة كأنني احمل بيدي قنبلة ستنفجر في وجهها _وادعوا ربي أن تكون يا عبد الله كوالدك في التضحية وكجدك في الحكمة والحنكة الذي سميت باسمه_ وان تكون فخراً لي ولأمتك وكما التمست من نصيب أسمائهم فلتلتمس من نصيب شخصياتهم... القائد عبد الله البرغوتي ,أو كالشهيد القائد عبد الله القواسمي .

دخلنا الى النفق مشينا في ممرات عديده نزلنا درج تحت الأرض وصعدنا آخر حتى جاءت تلك اللحظة المُنْتَظرة موعد الزيارة الأولى أُمسك أطفالي واحبس تلك الدمعة العالقة في عيني اجاهد نفسي وارجوها ان تصمد خوفا ان يراها زوجي الذي يحمل ذات الشوق في وجدانه . دخلنا هناك ممران وفي المنتصف ذاك الزجاج اللعين العازل ومن وراءه أسرانا يقفون بانتظار الأهالي متلهفين للقاء, وإذ بزوجي يلوح لي من بعيد أسرعنا بالذهاب إليه وقفنا دقائق كأنها حلم لا تود أن تستيقظ منه مرت تلك اللحظات بسرعة البرق , 6 شهور مرت لم نراه لم يرى ابنته الصغيرة تكبر وتتعلم بعض الكلمات والحركات , لم يرى ولي عهده المنتظر (عبد الله ) لم يؤذن له ولم يشهد له حفل (الطهور ) , وعيناه تتحدث عن ألم عناق لم يحظ به لطفله ,أشار لي بالجلوس ورفع السماعة حتى نبرة الصوت الحقيقة لم تسمح لنا فذاك الهاتف اللعين كان حاجز يمنعني من سماعه بوضوح , وبعد 20 دقيقة سُمِح لعبد الله و سدرة بالدخول لوالدهم مشيت في الممر وفي الجهة المقابلة لزوجي حتى وصلنا للباب الذي يقف عنده الجندي دخلت سدره كانت ممسكه بيدي تحاول ادخالي معها وترى والدها ينتظرها ويشير لها بالدخول عندها أيقنت أنه لن يسمح لي بالدخول معها تركت يدي لتمسك بيد أبيها حمل سدرة ثم أتى ليأخذ عبد الله من بين يدي واسترقنا لحظه لتلامس أيدينا بعض علها لمسه ترمق ظمآن في وسط صحراء الشوق , رجعت لمكاني وهو بالجهة المقابلة يحمله صغيريه ارى فرحه لا تكاد توصف لم اتمالك نفسي عن البكاء وأنا أرى ذلك الموقف وما هي الى لحظات وانتهت الزيارة , سدرة تلوح بيدها لأبيها وتجرني لكي لا اغادر حملتها حتى استطيع إخراجها نظرت إلي بحزن وصفعتني بيدها ,اااخ صغيرتي الالم يعتصر قلبي مرة على فراق زوجي ومرة على بكائك صغيرتي !!؟ أخبروني كيف اشرح لها ظلم المحتل الذي ابعدها عن والدها ورفض طلبها وصراخها بالبقاء مع والدها لا أقول إلا ما يُرضي ربَّي ، حَسبي الله وَنعم الوَكيل ، الحمْد لله على كلِّ حال.خرجت جسداً بلا روح على امل رؤية الأحبة من جديد. ((فاجعله ربي لقاء بدون قضبان يهودية نجسه))

((4)) عناء آخر
جاء دور إدخال الملابس ذهبنا وإذ بالأهالي ينتظرون بالدور ذاك السجان اللعين يقول هذا غير مسموح وهذا ممنوع وهذا لن يدخل, انتظرت حتى سمح لي بإدخال بعض من الملابس التي تكبدت عناء حملها فلم يسمح للبجامة)) بالدخول لأنها بسحاب وعليها بعض الأزار .))
رجعنا الى المكان الذي انتظرنا فيه سابقاً حتى ينتهي الجميع من الزيارات انتظرنا هناك أربع ساعات ثم جاءت الباصات لنقلنا للمعبر ونفس الرحلة بطريقة عكسية نفس الممرات ونفس التفتيش والتدقيق وذل المعاملة ثم وصلنا للباصات ونحن منهكين والتعب يأكل منا نصيبا من أجسادنا وصلنا الساعة الخامسة بعد المغرب والحمد لله الذي أعادنا سالمين.

لم أتخيل صعوبة الواقع الذي يعيشه الأهالي بالزيارات اعانك الله والدتي ام عباس عشرون عاماً ان شاء الله كله في ميزان حسناتك يا الله ادعوك أن لا يذوق ألم الزيارة أحد من أبناء المسلمين وأن يفرج عن جميع الاسرى في القريب العاجل.

أدعو الرَّحمن كلَّ ليلة ، أن يَحميَه وَيثبِّت قلبه ، وَيصبره واياي على البعد ويجمعنا ويلم شملنا في القريب العاجل
يـــــــا رب أنت أعلم ما في جعبتي فصبرني على غياب الأحبة ولا تطيل علينا ألم الفراق
تلك تفاصيل زيارتي الأولى للسجون.