الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة في سيناريوهات إسرائيلية لما بعد الحرب على غزة

نشر بتاريخ: 17/12/2014 ( آخر تحديث: 17/12/2014 الساعة: 13:51 )
مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

قام اثنان من الباحثين الكبار في مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (ISS)، وهما أودي ديكل؛ الأمين العام لمركز دراسات الأمن القومي، جنرال متقاعد، وكان رئيس دائرة المفاوضات مع الفلسطينيين في فترة حكم ايهود أولمرت، وكان منصبه الأخير في الجيش رئيس كتيبة التخطيط الاستراتيجي، وكوبي ميخائيل؛ باحث كبير في مركز دراسات الأمن القومي أيضاً، ومحاضر كبير في قسم العلوم السياسية في جامعة أريئيل، متخصص في علوم الحرب والسلام والاستراتيجية والأمن القومي والعلاقات العسكرية المدنية.

صاغ الرجلان تصوراً لسيناريوهات ما بعد الحرب على غزة، بناءً على فهمهما كمتخصصين لمجمل الأوضاع على الساحات الفلسطينية والاسرائيلية والاقليمية والدولية، وساقا خلال ذلك ثلاثة خيارات أمام الحكومة الاسرائيلية للتعامل معها، مع تفصيل المخاطر والمعوقات التي تواجه كل سيناريو من السيناريوهات المقترحة، والمبنية في مجملها على فهمهما لواقع قطاع غزة السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والإنساني أيضاً، ومن خلال تصورهما للعلاقة بين فتح وحماس على الساحة الفلسطينية، والعلاقة بين مصر ومحور الاعتدال العربي وحماس، والعالم وحماس، والدور الذي يمكن لإسرائيل أن تلعبه في كل واحد من السيناريوهات المقترحة.

وكمدخل للتحليل يلجأ الكاتبان الى الاشارة للوضع الانساني في غزة، وتأخر وصول المساعدات التي أقرتها الدول المانحة في اجتماعها منذ أكثر من شهر في مصر بقولهما "مر أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء عملية الجرف الصامد، وأكثر من شهر على اجتماعات الدول المانحة، والتي استعدت أن تضخ 5.4 مليار دولار لإعمار القطاع في القاهرة، ولكن فاقدي بيوتهم في قطاع غزة ما زالوا بلا مأوى، وحالة الطقس الشتوية تضاعف مأساتهم، وعملية الإعمار الحقيقية لم تبدأ بعد، وأكثر من ذلك فقد تصلبت السياسة المصرية فيما يخص معبر رفح، والذي ظل مغلقاً معظم الوقت، ووسعت المنطقة الأمنية المقابلة للخط الحدودي بين شبه جزيرة سيناء والقطاع بحجة تتبع أنفاق التهريب وتدميرها"، ثم يعرجان على موقف "رئيس السلطة" – كما دأب الكتاب الصحافيون الصهاينة على تسميته – الرافض لتحويل أموال الرواتب لموظفي حكومة غزة، مما يزيد من ضائقة حماس، ولكنه أيضاً يزيد من ضائقة السكان المدنيين في غزة، ثم يخلصان في مقدمتهما الى ان المخرج الوحيد هو التعاون بين إسرائيل وممثل الأمم المتحدة روبرت سيري لتنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بإعادة الإعمار، ثم يشيران في مدخلهما الى الاتفاقات المتبلورة بين السلطة وإسرائيل، وعن كونها تمت كرد فعل على تهديد حماس وفصائل المقاومة الأخرى بتجدد إطلاق النار في حال لم يبدأ العمل على إعادة الإعمار، ولكنهما في الوقت نفسه يخلصان ان هذه الاتفاقات لا تلبي حاجات القطاع على جميع المستويات، وان الوضع بسبب ذلك لن يتغير نحو الأفضل، بل يشبهان القطاع بـ "طنجرة الضغط التي تغلي، والتي قد تترجم غليانها الى عنف ضد إسرائيل، مما يقودنا الى جولة جديدة من المواجهة بين الطرفين".

ويضيفان احتمال عدم نجاح المصالحة الوطنية بين فتح وحماس كأحد المخاوف هذه المرة – على عكس النهج الذي تتخذه إسرائيل بهذا الخصوص – التي قد تفشل جهود الإعمار، وتؤدي الى عمل حماس على زعزعة حكم السلطة في رام الله، وإثارة القلاقل في القدس والـ 48، ثم ينطلق الكاتبان الى وضع السيناريوهات الثلاثة أمام الحكومة الاسرائيلية لتختار الأنسب لمصلحة إسرائيل من جميع النواحي، وبعد إظهار المخاطر المرافقة لهذه السيناريوهات، على اعتبار ان مصلحة اسرائيل تكمن في استبعاد خيار المواجهة ما أمكنها ذلك.

السيناريو الأول
توسيع نطاق العمليات القائمة: يمكن نقل – وعبر مساعدة ممثل الأمم المتحدة – المزيد من مواد البناء والبضائع والاحتياجات الأخرى المطلوبة لأساسيات الحياة وإعمار تدريجي للبنايات السكنية بشكل مراقب ومدروس، ولكن ذلك لن يكون كافياً لتغطية احتياجات قطاع غزة، والمطلوب من اسرائيل ان تجد طريقة للتنسيق مع حماس بشأن توسيع مسافة الصيد البحري، والتوصل الى اتفاقات واضحة بما يخص دخول الفلسطينيين الى مناطق الباروميتر الأمني، والمساعدة في ترميم البنى التحتية (مثل الكهرباء والماء والمجاري) في القطاع، والى هذا فإن هذا النمط من العمل لا يمكنه سوى تأجيل بلوغ الحافة، إذ ليس فيه ما يكفي من عناصر الاستقرار أو استجابة حقيقية كافية للمشاكل الأساسية لقطاع غزة، لذلك فمن المرجح ان المواجهة العنيفة لا شك قادمة.

إذاً فهما هنا يدعوان الحكومة الاسرائيلية الى المزيد من تخفيف القيود وإدخال المواد اللازمة لإعادة الإعمار، مع الاعتقاد الجازم بأن ذلك لا يكفي، وأن الأوضاع تبقى مرشحة للتدهور، وان هذا السيناريو قابل للتحقيق "إذا قبلت إسرائيل ببقاء حكم حماس في القطاع وعملها على تنفيذ الإعمار بوساطة الأمم المتحدة، وعبر الاعتراف بدور حماس المركزي في العملية، والى جانب ذلك كله ستحتاج اسرائيل الى التنسيق في المواقف مع المصريين، لأن تقوية موقف حماس في القطاع لا يتوافق أبداً مع المصلحة المصرية في هذه الفترة، ولكن طالما تقدمت العملية وتقوت أسس مكانة حماس كحاكم للقطاع كلما تقلصت فرصة عودة السلطة الى المنطقة، وموقف حماس على الساحة الفلسطينية برمتها سيتقوى وسيزيد تأثيرها في الضفة الغربية".

السيناريو الثاني
استيعاب السلطة الفلسطينية فيما يجري في القطاع بالتنسيق مع مصر والدول العربية البرغماتية والمجتمع الدولي: هذا الخيار من شأنه ان يوفر الظروف لتوسيع مسئولية السلطة الفلسطينية في القطاع وقيادتها لعملية الاعمار الواسعة بدعم من الدول العربية والمجتمع الدولي، وبالتالي وضع حجر الأساس لاختبار قدراتها، ولكي يتحقق مثل هذا الخيار فإن على اسرائيل ان تبادر بخطة سياسية أو ان تستجيب للمبادرات الداعية الى تجديد العملية السياسية، وفي المقابل توسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية في الضفة على طريق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ولكن هذا الخيار له تحفظاته ومخاوفه ومعوقات تنفيذه، فلكي تنضم السلطة الفلسطينية الى مثل هذا الخيار لا بد أولاً من المصالحة الوطنية بين فتح وحماس، وهو الأمر الذي يخلص الكاتبان الى انه احتمال ضعيف جداً، إن لم يكن مستحيلاً، فعندهما "احتمال تحقق المصالحة بين فتح وحماس وإمكانية ضم حكومة الوفاق الفلسطينية الى عملية الإعمار وإدارتها ضعيفة حد انها غير قائمة، حماس تبقى الجهة السلطوية والعسكرية الحقيقية الوحيدة في القطاع، والضائقة الاقتصادية والانسانية في المنطقة ستتواصل هي أيضا".

كذلك، وحسب استنتاجهما، فإن عباس لا يرغب حقاً بالعودة الى غزة "لا تنوي السلطة أو من يترأسها، ولا ترغب، وليس لديها القدرة على العودة والحكم في غزة من خلال وقوعهم تحت جاذبية حماس، ويد السلطة ستكون هي السفلى لو حاولت ان تخوض مواجهة مع حماس، إلا في حال حازت على مساعدات عسكرية حقيقية من جانب إسرائيل و/ أو مصر".

السيناريو الثالث
تنفيذ خيار الانفصال التام عن قطاع غزة: مبادرة اسرائيلية لعملية تقاد عن طريق المنظومة الدولية، وتدار بدعم من الدول العربية، والذي يتضمن فتح القطاع على العالم وتخفيف ارتباط القطاع بإسرائيل الى حين التوقف التام بكل ما يتعلق بتزويد البضائع والمتاع، في هذا الإطار مطلوب إقامة ميناء بحري مقابل شواطئ غزة يلبي الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، مركب حيوي في هذا الخيار هو التنسيق المحكم مع مصر لمنع تقدير خاطئ من ناحيتها للأمر بأن اسرائيل تعمل على زج القطاع نحوها؛ ربما يقود فشل هذا الخيار الى خيار انتقال القطاع الى الوصاية الدولية، وأن الدول العربية أيضاً لا تبدو معنية بقطاع غزة أو على الأقل لا يعني شيئاً للاعبين الأساسيين من العرب.

ولكن الكاتبان ينقلان حيرتهما وترددهما بشأن هذه السيناريوهات الثلاثة عبر تقديمهما جملة من المعوقات التي ترافق كل سيناريو، كما اسلفنا ذكره في السيناريوهين السابقين، أما هذا الخيار فيعيقه – حسب رأيهما – كون المجتمع الدولي غير معني هو الآخر بتحمل مسئولية القطاع، والتي تعني المواجهة العنيفة مع حماس وسائر فصائل المقاومة في غزة.

يخلص الباحثان الاستراتيجيان الكبيران الى مجموعة من التوصيات الحذرة الحائرة، والتي يستهلانها بالقول ان تلك السيناريوهات جميعها لا تضمن الهدوء الأمني المتواصل، وأنها جميعها ليست خيارات تفاؤلية بالنسبة لإسرائيل، وان الخيارين الثاني والثالث غير مجدييْن كثيراً لارتباطهما بتجنيد مصر والدول العربية والمجتمع الدولي، وكذلك تقلص النفوذ الاسرائيلي على الساحة الغزية، ويصفان بتردد كبير هذين الخيارين بأن فيهما امتياز وجود مبادرة سياسية تكسر الجمود وتنقذ اسرائيل من العزلة الدولية، والخيار الثالث تحديداً تزيد فرصة تحققه إذا قبلت مصر بتحمل مسئولية باسم العالم العربي والمجتمع الدولي والسلطة لتقود انفتاح قطاع غزة على العالم، بينما يقلصان فرصة نجاح الخيار الأخير، وهو خيار الوصاية الدولية لحاجته الى تجنيد العالم العربي والمجتمع الدولي غير المعنيين بالأمر.

وفي النهاية تستقر سفينة رأيهما على الخيار الأول، وهو خيار المساعدة في إعمار القطاع باعتباره الخيار الأفضل لمصلحة إسرائيل على الأقل في هذه المرحلة، وهو مناسب أيضاً على ضوء تقدير المستوى السياسي في إسرائيل بشأن عدم جدوى المفاوضات مع عباس، الذي يشترط ان يحدث التفاهم خلال فترة زمنية محددة، علماً بأن الجمود السياسي باقٍ لمدة ستة أشهر قادمة بسبب الانتخابات الإسرائيلية.

ويحذر الكاتبان بعد تفضيلهما هذا الخيار من انه يحتوي على مخاطر "وإلى ذلك؛ فإن هذا الخيار يحتوي على توتر بين الحاجة إلى ترويض حماس وبين المساعدة الإسرائيلية في إعمار القطاع الذي سيؤدي الى تقوية سلطة حماس في القطاع وترميم شرعيتها، بالإضافة الى ان هذه النتيجة تتعارض مع مصلحة مصر وتضعف السلطة الفلسطينية"، كما ينهي الرجلان تحليلهما الحائر المتردد المتذبذب، وللمرة الأولى في هذا المركز لا يشعر المرء بالثقة المفعمة المعتادة، حد انك تخال ان هؤلاء الباحثين يملون أوامرهم على صناع القرار في إسرائيل، بينما يبدوان هنا غير حاسمين بشأن غزة، شأنهما في ذلك شأن مجمل السياسة الاسرائيلية تجاه القطاع، مما يجعل التنبؤ بخطوات إسرائيل القادمة أمر غاية في الصعوبة؛ الأمر الذي يستدعي التنبه لكل الخيارات، وعلى رأسها التصعيد كون إسرائيل لا تملك رؤية واضحة للمستقبل القريب.