الاحتلال يحكم بالسجن مدى الحياة على كنيسة في بيت جالا
نشر بتاريخ: 22/08/2007 ( آخر تحديث: 22/08/2007 الساعة: 20:03 )
بيت لحم - معا - تقرير عبلة درويش - لم يكن يعلم الاب انطون بلوني من مدينة جينوفا في كولومبيا، الذي ولد عام 1831 وتوفي عام 1903، ان ارض دير كريمزان في مدينة بيت جالا، الذي كان اول من وضع حجر الاساس لها، وزرع بيديه الاشجار وترعرع بين بساتينها وسهر على راحتها، سيصدر عليها حكما بالسجن مدى الحياة عام 2007 م.
ارض كريمزان تبلغ مساحتها الاف الدونمات، تقع شمال مدينة بيت جالا ومن اراضي المدينة، تتربع على قمتها كنيسة كريمزان ودير راهبات كريمزان الى جانب عشرات المنازل لاهالي المدينة، عاشوا مئات بل الاف السنوات يعتاشون من منتوج اراضيهم متخذين منازلهم ومكان لهو اطفالهم بين اشجار الزيتون والمشمش والعنب والصنوبر والسرو، الى جانب رعاية رجال الدين في الدير لهم بعدة طرق.
فقد سلمت سلطات الاحتلال بتاريخ 10/7/2007 اهالي مدينة بيت جالا قرارا عسكريا اسرائيليا يحمل رقم (75/07/ت) يقضي بمصادر اراضي جديدة في منطقة كريمزان تبلغ مساحتها ما يقارب 2000 دونم من اراضي الدير واراضي اهالي المدينة، وامهلت المواطنين 7 ايام من تاريخ اصدار القرار بتقديم اعتراض خطي امام محكمة الصلح في تل ابيب.
قبل نحو 148 عاما جاء الاب انطون من بلديه جينوفا، ولقب جينها بـ "ابو الايتام" حيث رعى عشرات الايتام في مدينة بيت جالا، واقام لهم عدة مقرات تعنى بهم، الى ان جاء في عام 1885 واشترى ارض كريمزان من الشيخ قبلان الدحداح ومن الاب اميل زكريا، وبدأت حينها اعمال البناء حيث ضمت ديرا للايتام، ودار الابتداء لاعضاء جمعية العائلةالمقدسة ومدرسة للفلسفة واللاهوت، وبدأ بزرع الاف الاشجار، وزينها بالبساتين.
الان وفي العام2007، تصدر محكمة الاحتلال قرارا بمصادرة اكثر من 2000 دونم من اراضيها واراضي المواطنين هناك لصالح بناء الجدار الفاصل، حيث سيقطع الجدار الشارع المؤدي الى كريمزان والذي يربط دير راهبات كريمزان بدير كريمزان وباقي مدينة بيت جالا، وسيحرم المصلين من دخول دير كريمزان حيث سيصبح ودير الراهبات داخل الجدار.
مكان للعيش خارج ضوضاء المدينة:
لو ان الحظ حالفك يوما ومررت هناك قبل اعوام، حيث تحيطك اشجار الصنوبر والزيتوان من كل صوب وجانب، تطربك فيها زغاريد عصافير عاصرت الارض منذ مئات السنين، ممزوجة بعطور ارض وتراب اجداد وزهور وخضرة ووجه حسن دوما، على قمة جبل شمال المدينة التي طالتها يد الاحتلال لتسرق اهالي المدينة ذكريات ومشاعر وطفولة وعطر وعمل وارض ومسكن وتراب وعائلة، ليصدر قرارها بمرور مسار الجدار الفاصل من اراضيها ليلتهم حوالي 2000 دونما منها، فهل ذنب العطر ان جذبك اليها يوما، ام ذنب الراحة التي لقيتها هناك دوما، ام ذنب شعب طالته يد الاحتلال غدرا.
كتل ثلجية في عز صيف كريمزان:
صيف كريمزان يبدأ بتساقط كتل ثلجية بين بساتينه واشجاره ممزوجة بسعادة ومستقبل، هؤلاء هم الازواج الذين كانوا يأتون الى ارض كريمزان ليلتقطون في بساتنيه صورا تذكارية لهم قبل حفل الزفاف، سيحرمون من مراجعة ذكرياتهم يوما.
ملائكة صغيرة تتطاير دوما:
اسواء شتاء ام خريف وطوال الصيف وكل ربيع، يلزم هناك ان تكون حذرا، مشيا على الاقدام ام بسيارتك، فالملائكة دوما تتطاير هنا، اطفال مدينة بيت جالا يذهبون الى ارض كريمزان دوما ويلهون بين اشجاره وعلى قمم اشجاره، وفي بساتينه ويلعبون ويمرحون، فلم يكن يوما دير كريمزان مغلقا امامهم، يستقبلهم رجال الدين هناك بصدر رحب.
منذ 15 عام:
ولحسن حظنا وخلال كتابتا القصة تمكنا من العثور على 3 اشخاص رجل وفتاتين كانوا من هؤلاء الملائكة يوما، وهم الان قد تخرجوا من جامعاتهم ويعملون، فعندما علموا بخبر التهام الجدار لتلك الاراضي حزنوا جدا، قائلين :"قبل 15 عاما كنا نلهو هناك، وخصوصا في العطلة الصيفية كنا ناخذ من والدينا مصروفا لنشتري به الحاجيات ونذهب في رحلة الى كريمزان مشيا على الاقدام من وسط المدينة الى الدير بمسافة ما يقارب كيلومتر وكانت لنا فيه ذكريات طفولة رائعة".
محامي بلدية بيت جالا غياث نصار:
قال المحامي لنا ان مساحة الارض المهددة بالمصادر تبلغ تقريبا 2000 دونم، ونحو 11 منزلا من منازل اهالي بيت جالا مصيرها مجهول، فعدد قليل منها سيصادر وعدد سيمر الجدار بجانب منزله بمسافة اقل من 3 امتار، مشيرا الى وجود روضة تابعة لدير كريمزان ودير الراهبات ستاتي داخل الجدار، وغالبية الاطفال يتعلمون بها من مدينة بيت جالا، وبعد مداولات في المحاكم، صدر قرار باقامة باب للجدار على مدخل الروضة ليفتح امام الاطفال، صباحا وظهر للدخول والخروج.
اطفالنا سيشاركون في معاناة الجدار الى جانب معاناة اهاليهم من اضراره الاقتصادية والاجتماعية التي تقطع اواصر الاهالي والاقارب، فهل سيستمر ذهاب الاطفال الى الروضة، ام هل هي سياسة تجهيل اسرائيلية تبدأ من مرحلة التكوين.
مالكة احدى المنازل المهددة:
بنيت منزلا صغيرا قبل 6 سنوات، قالت لنا يسرى العرجا من مدينة بيت جالا، وهي تقول بكل ثقة وحزن ان الجدار سيمر من تحت منزلها اي انها ستبقى بين اهلها وذويها في المدينة، ولكنها ستواجه الجدار على احدى واجهات منزلها.
مالك منزل اخر:
نقولا العلم قال لنا :" املك بيتا صغيرا ورثته من اجدادي بنوه قبل عام 1948، وقمت بترميمه قدرالمستطاع، وتلفه 6 دونمات من الارض ازرعها واعتني بها دونما، بها الزيتون والمشمش والتين، جزء من مصدر رزق عائلتي".
بات العلم مرتبكا وخائفا، يحلم ان يبقى له منزلا وارضا في كريمزان، ليورثها لابنائه ليرفع ابناء العلم "علم فلسطين" على منزلهم يوما، ولكن هل سيبقى العلم في بيت جالا ام سيصادر منزله ويلتهمه الجدار.
ويبقى هناك منازل لعائلات الاعرج، والزمر، وزرينة، والقنطار، الذين يعيشون بين قلق وحزن وخوف، من ان يأتي يوما لا منزل فيه ولا ارض ولا ذكريات ولا مستقبل.
مهندسة بلدية بيت جالا سامية زيت:
عبرت لنا عن حزنها لما يواجهه اهالي المنازل والاراضي المهددة بالمصادرة، قائلة: لا يعلم هؤلاء ما هو مصيرهم".
ما عادت الاتجاهات 4 في فلسطين:
عندما تعلمنا في الصفوف الابتدائية ان للارض 4 اتجاهات، تعودنا ان نرى للشمس شروق وغروب، لنسعى في مواكبها جنوبا وشمالا، لكن زائرا زار ارض فلسطين وعاث فيها فسادا اسمه "جدار اسرائيل"، والذي بدأ بناؤه شارون عام 1995 ، لنمسي على ارض جدار سرق غروبها، ونصبح على ارض اخرى تصلي لرؤية الشرق، ويقف لك هناك عدوا للشمال، فمناطق الشمال باتت في احلامنا، وجنوبا سرقوا خيراته، فمنازل جاء الجدار على شمالها واراضي جاء لها غربا.
ومن الجدير ذكره ان المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر اصدر خطة عام 1995 سماها "خطة عزل القدس" او " غلاق القدس"، لبناء الجدار، وبالرغم من قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بعدم شرعية الجدار الا ان اسرائيل تستمر في "التهام " اراضي الفلسطينيين، ليكون في بيت جالا حصة كبيرة، فهل سيهدأ بال اسرائيل من الجدار وهل سيحققوا الامن والامان لهم ؟