في غزة راسم البسمة فاقدها
نشر بتاريخ: 27/12/2014 ( آخر تحديث: 28/12/2014 الساعة: 08:06 )
غزة- معا- يجول في خاطرك جملة من الأمل وأنت تقلب جفنيك في سامي وهو يزرع ابتسامة خالدة في أعين وأشداق عشرات الأطفال والفتية في شيء من الأمل المفقود الذي يحبوا في منطقة دمرتها الحروب وأنهكها الحصار، وضاعت في صراع الزعامات.
في جباليا يحمل سامي أدواته، يشحذ روحه بقوة الابتسامة المسجاة في قلبه يبرع في إخراجها وكأنها لوحة من إبداع فان جوخ أو من كلمات برنارد شو يحاول إزاحة لوحة الحزن وقسوة الحياة من قلوب الفلسطينيين في مناطق كثيرة داخل القطاع المحاصر عن طريق الكوميديا وفن التنكر والتهريج، لأنه يحاول جاهدا ان يسمو بما يجيد من فن تحريك قلوبا الأطفال قبل شفاههم.
|310225|
سامي خليل الحو 27 خريفا من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، يقطن في "حي الجرن" وهي منطقة سكنية مغمورة تعج باللاجئين الفلسطينيين، أفضت بها الحياة إلى عالم الابتسامات وباص الألعاب متنقلا بين أقطار القطاع من رياض أطفال إلى مدارس يافعين، حتى بلغ الأمر انه أصبح يزور كبار السن لمساندتهم في تلوين فرحة آخر العمر، لما يملك من فن الابتسامة وإدخالها إلى الأفئدة بانسيابية عميقة عبر الدمى و الأزياء الخاصة بالتهريج اللافتة في عدة أماكن بالقطاع خاصة المناطق التي تصدعت بالأزمات والحروب والاضطرابات النفسية.
حيث يعمل سامي الحو مع فريق متواضع من الشبان وبعض المراكز الأهلية في الترفيه عن الأطفال واليافعين الفلسطينيين، ولما وجد من قوة في عمله الذي أحبه طوعا، دون أجرا كبير، أو تحصيل قد يجعله يتباطأ في تقدم الضحك للناس.
عند الدخول على سامي خليل ووالدته تحيك ثيابه الخاصة بالعمل، بعناية مطبقة تشعر وكأنها تحيك ثياب "زفته".
يتحدث سامي عن عمله وما يدفعه لإنجاحه بالقول "عندما أصنع ابتسامة على وجوه الأطفال اشعر بأشياء رائعة، هذا العمل يوصلني إلى قمة سعادتي وشعوري بالرضا عن نفسي من خلال تواجدي مع الأطفال هذا ما يجعلني مبتسم".
وأضاف سامي وهو يشق طريقة نحو عقده الثالث بنشر الفرح " هذا شعاري دائما وابدأ، وشبه سامي عمله بزراعة ورود في ارض يانعة " سهل علينا ان نزرع وردة في بستان، ولكن من الصعب ان نزرع وردة في قلب إنسان، مع انه عندما تحب عملك الذي يسعد الآخرين يكون من السهل عليك ان تزرع الآف الابتسامات على وجوه الآخرين".
وتحدث سامي عن داعميه في هذا العمل الذي لا يجد أرباب كثر له في قطاع غزة الذي يتبع تقاليد وعادات اسلامية " كل من يقف بجانبي ويساعدني في مساعدة الأطفال، ولا يقتصر الأمر على الأطفال، يساعدني في عملي ويزرع الابتسامة، بل مع جميع الفئات التي تحتاج إلا لمسة أمل وحنان في غزة التي تعرضت لكل شيء قاسي ومؤلم، الجميع لديه خبايا محزنة وقصص قاسية وشعور قد لا يصفه قط إلا عندما يكون في أجواء نفسية مريحة".
|310226|
ويعاني قطاع غزة من اوضاع إنسانية ونفسية كارثية حيث ذكرت الامم المتحدة في عدة تقارير رسمية ان قطاع غزة سيصبح غير صالحة للحياة في عام 2030، بالإضافة إلى نسب الفقر المفزعة.
وحول السر الذي دفعه للولوج إلى هذا العمل الذي قد لا يعود عليه بشيء مادي جيدا قال الشاب سامي مبتسما "دخلت هذا العمل، حبا ورغبة في إسعاد الآخرين،وليس لكسب الرزق، آخر همي النقود ولكن من خلال هذا العمل وجدت نفسي وانا أحبه كثيرا".
وعن طموح سامي في عمله الإنساني قال "نعم اطمح كثيرا وخاصة إلى تطوير هذا العمل وخلال كل فترة وأخرى أقوم التدريب على ايدى متخصصين وفنين يأتوا إلى قطاع غزة، من دولة ايطاليا وهم بارعون في مجال الترفيه والإرشاد التربوي، ونقوم بالتدريب في مركز الإرشاد التربوي، الذي يعزز الموهبة في داخلي(..).بالإضافة إلى إني اطمح ان يصبح هذا المجال على مستوى عالي في المجتمع الفلسطيني، ولكن قلة الإمكانيات لا تسمح بتطوير هذا العمل على نطاق واسع فقط استطيع ان أقول "معا نعمل من اجل أطفالنا"
أم ابراهيم والدة سامي كانت تحيك ثيابه بكل عناية وكأنه تجهز ليوم زفافه حيث قالت أم ابراهيم الحو 45 عاما "سامي سعيد جدا في عمله، ويقوم بذلك بكل محبة يحاول ان يبقى دائما مبتسم في كل مكان في حياته الخاصة والعملية، لأنه اعتاد على ذلك.
|310227|
تضيف الحاجة الحو " انا أحيك الملابس الخاصة بعمله، لان يعيش فيها وتجعله منغمس في حياة الابتسامات ولغة الفرح التي يعطيها للناس في كل مكان (..) نحن ندعم سامي في كل عمل وتحرك ونقف بجواره معنويا وروحيا ونفسيا حتى يكون اقوي وأكثر تأثيرا، خاصة ان الأطفال والناس تعرضوا لصدمات نفسية كثيرة بعد الحروب.
هذا ويجوب سامي خليل القطاع في باص مزركش ملون، بأطياف الربيع، يبحث عن الحزن والألم ليضمده، وينقل فرحة غائبة عن مئات ألاف الفلسطينيين ولكنه يحاول إحيائه بكل يقين قل نظيره في بلاد تنخر بالإحباط وخيبة الأمل.
ويعتبر قطاع غزة من أكثر الأماكن في العالم اكتظاظا بالسكان، ونسب البطالة العالية، بالإضافة إلى تدني مستويات الدخول ونسب الفقر المدقع وفق تقارير رسمية.
تقرير يوسف حماد
|310228|