الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مراكز وصالونات تجميل.. «إجت تتكحلها أعمتها»

نشر بتاريخ: 01/02/2015 ( آخر تحديث: 01/02/2015 الساعة: 14:02 )
مراكز وصالونات تجميل.. «إجت تتكحلها أعمتها»
الحياة الجديدة- ولاء شمالي - لم تكن الشابة عزيزة داوود (25 عاماً)، تدرك أنها ستدفع ثمناً باهظاً، لقاء ظهورها ببشرة جميلة وبوجه صاف خالِ من الحبوب والشعر الزائد، الا ان الرياح لا تأتي دائما بما تشتهيه السفن.

الشابة داوود قصدت احد مراكز التجميل في مدينة رام الله، للتخلص من الشعر الزائد في وجهها بواسطة تقنية الليزر، وكانت تطمح حينها لحصد نتيجة ايجابية، الا ان النتائج جاءت معاكسة تماماً ولم تجن سوى حساسية وتهيجات في الجلد سببت لها احباطات لم تكن تتوقعها ابدا.

تقول داوود مبدية ندمها لذهابها لمركز التجميل المشهور في المدينة والمرخص من وزارة الصحة: "لجأت للمركز لإزالة شعر الوجه بالليزر نظرا لما تعانيه بشرتي من حساسية عالية، ولم يطلب مني طبيب المركز إجراء أية اختبارات طبية، فقط نظر إلى بشرتي وقرر أني بحاجة إلى العلاج بالليزر، وخلال الجلسات الخمس التي خضعت لها حصلت لدي مضاعفات في بشرتي بعد الجلسة الثالثة، فعانيت من حروق في البشرة وتهيج جلدي حاد وازدادت الحبوب على بشرتي".

وتتابع داوود: "اشتكيت لطبيب المركز عن المضاعفات التي حصلت لدي، لكنه أجابني أن هذا أمر طبيعي وسيختفي بعد الجلسة الثامنة، وشرح لي أنه في عالم الليزر لا تظهر النتائج النهائية للعلاج الا بعد الجلسة الثامنة، مع العلم أنه بين الجلسة والتالية مدة شهر, وبسؤالي عن الحبوب المتزايدة التي ظهرت أجابني أنه بعد الانتهاء من علاج الليزر للشعر الزائد على البشرة سنباشر بعلاج الحبوب المنتشرة التي ظهرت، ولكن ظهور الأعراض نفسها في الجلستين الرابعة والخامسة جعلني أقرر التوقف عن العلاج وأغير الوجهة التي اتجهتها، ففضلت يائسة التوجه إلى طبيب جلدي مختص لعلاج مضاعفات جلسات الليزر".

وفيما يحذر الأطباء من توسع مراكز التجميل فى عملها لخطورة ذلك على المواطنين ويطالبون بضرورة فرض رقابة مشددة عليها حتى لا تتحول لكارثة على الصحة، نجد أن مراكز التجميل كثفت حملاتها الدعائية في مجالات مثل تفتيح البشرة وشد الوجه وفرد الشعر وعلاجات الكلف والنمش وغيرها من العمليات التي من المفترض أن يجريها أطباء متخصصون.

أما فاطمة عوض الله (26) عاما، احدى ضحايا صالونات التجميل أيضا، قصدت صالون التجميل لتنظيف بشرتها، ولكن ما ان انتهت من التنظيف حتى شعرت بألم وحروق واحمرار شديد في بشرتها استمر اسبوعا.

وقالت فاطمة: "اعتدت الذهاب لصالونات التجميل لتنظيف بشرتي بين فترة وأخرى، ولكني غيرت الصالون المعتاد الذي ارتاده عادة وذهبت الى مركز اخر في رام الله، وعند تنظيف بشرتي شعرت بألم، وأشرت للعاملة بالتوقف، الا انها اجابتني بأنه أمر طبيعي يعود لطبيعة القناع (الماسك) الذي وضعته لي، ولاحظت استخدام العاملة للابر في تنظيف الحبوب الموجودة على بشرتي، وحسب معلوماتي وسؤالي عن الابر بعد خروجي من المركز توصلت إلى أنها طريقة قديمة وخطيرة لتنظيف البشرة، ولم تكن العاملة ترتدي القفازات أثناء التنظيف ما جعلني أشعر بعدم الارتياح".

تحولت بعض مراكز التجميل إلى شبه مستشفيات وأصبحت تقوم بنزع الشعر بواسطة أشعة الليزر، وشفط الدهون وشد وتنحيف الجسم وحقن الشفاه والوجه بالبوتوكس والفيلرز وغيرها من العمليات التي تحتاج الى مهارة واختصاص، فبعض هذه المراكز تعمل دون حسيب أو رقيب.

"حياة وسوق" تحدث الى الطبيب مالك المركز الذي ارتادته الشابة عزيزة داوود فنفى الاتهامات الموجهة إليهم، مؤكدا ان المركز يعمل حسب أصول المهنة، ويلتفت إلى التاريخ الطبي لكل مريض، ويجري له الفحوصات اللازمة قبل القيام بأية عملية.

"ما يجري في بعض المراكز جريمة"
طبيب الأمراض الجلدية والتناسلية الدكتور صلاح صافي اعتبر ما يجري داخل بعض مراكز التجميل جريمة بحق قاصديها، خصوصا بعد بروز أخطاء عدة استدعت معالجتها في عيادات طبية، وشدد صافي على ضرورة التوعية في مجالات التجميل كلها، وخصوصا الليزر لأن تأثيره على البشرة ليس بسيطا، فالشعر الذي يتغلغل إلى الطبقة الجلدية الوسطى يستدعي العمل على حرق البصلة العميقة المتجذرة في الجلد، فيتم تجاوز الطبقة المسموح بها من قبل اختصاصية التجميل.

ويتابع صافي: "تغفل مراكز التجميل الاطلاع على التاريخ الطبي للمريض، فهناك حالات يجب دراستها قبل اعتماد التقنية المراد استخدامها لكي لا يذهب العلاج والكلفة سدى، أضف الى ذلك ان مرضى السرطان وسيلان الدم والسكري مثلا، ممنوع عليهم الخضوع لليزر لأنه يؤدي إلى نزف نتيجة الحروق الناتجة عن الأشعة، ففي الطب التجميلي يشترط القيام بفحص طبي قبل الخوض بأي نوع من انواعه، فلون البشرة ونوع الشعر وطبيعة الجلد وعمر المرأة ووضعها الهرموني أو مشاكل الغدة الدرقية، كلها عوامل مجتمعة تؤدي إلى نجاح أو فشل العلاجات التجميلية".

صرخة.. وصحوة ضمير
كما أطلق الدكتور رياض مشعل "دكتوراة في الأمراض الجلدية والتناسلية"، صرخة في وجه المراكز والصالونات التي تمارس عمل الأطباء وطالب وزير الصحة الدكتور جواد عواد، "الذي هو في الأساس طبيب أمراض جلدية وعلى علم ودراية بمشاكل الصحة والفوضى الموجودة"، باتخاذ خطوات حاسمة لتنظيم المهنة ومحاسبة المتلاعبين، وإعادة النظر بالتراخيص الممنوحة لمراكز التجميل.

وقال: "آن الأوان دفاعا عن صحة المواطن بأن تراجع وزارة الصحة القوانين الخاصة بمراكز التجميل وتحديد صلاحياتها التي ينبغي ان تقتصر فقط على مكياج وقص الشعر وامور مشابهة، ومنعها من ممارسة الطب واستخدام الليزر والتقشير الكيميائي والبوتوكس والفيلرز، وفرض عقوبات رادعة للخارجين عن القانون".
ولفت مشعل إلى ما اعتبره ظاهرة خطيرة جديدة في كواليس مراكز التجميل وهم "الأطباء المتجولون الذين يحملون حقيبة مليئة بمواد تجميلية لا ندري ما هي وما مدى صلاحيتها، يتعاقدون مع مراكز التجميل، لاعطاء ربما حقن بوتوكس للزائرات أو ما شابه".

وحذر من ممارسات خاطئة في هذه المراكز، مثل بيع الكريمات التي يدعون انها تعالج الكلف والنمش والتجاعيد، يحضرون الكريمات ببراميل من اسرائيل ويفرغونها في عبوات فاخرة ويبيعونها بأسعار خيالية، وطالب بضرورة اخضاع الكريمات والمستحضرات التجميلية لرقابة وزارة الصحة.

وأوصى مشعل بضرورة مراقبة الإعلانات التي تصدر عن صالونات ومراكز التجميل، ومنعها من نشر اعلانات صحية أو أدوية وكريمات دون إذن مسبق من وزارة الصحة، وقال: "إن المواطن يتعرض لحملات اعلامية كبيرة وأنا اشفق عليه، وغالبا ما تزرع هذه الإعلانات في نفوس الفتيات أوهام كبيرة، ليقعن فريسة سهلة عند هؤلاء المشعوذين الجدد الذين يستخدمون التكنولوجيا الحديثة، ليس لمعرفتهم بهذه التكنولوجيا وإنما لقدرتهم على شرائها فقط، فالمطلوب هو صحوة ضمير من المسؤولين عن صحة شعبنا وصحوة ضمير عند من يعملون ويملكون هذه المراكز.

غياب القانون!
لأن لكل مهنة ضوابط عمل تنظمها وتحدد صلاحيتها توجهنا إلى مدير دائرة الإجازة والترخيص في وزارة الصحة الدكتور كمال الوزني للسؤال عن شروط الترخيص لمراكز التجميل والضوابط التي تحدد العمل في هذا المجال، فأكد أن مراكز التجميل والعناية بالبشرة لم تكن مدرجة ضمن هيكليتها، وتعمل هذه المراكز حاليا وفق مسودة نظام اعدت باجتهاد من دائرة الإجازة والترخيص. وأضاف" سابقا كنا نعمل على ترخيص المراكز بالاجتهادات وبعض القوانين الاردنية والمصرية من الخمسينيات والستينيات، وبعد عقد ورشات عمل مع الخبراء والمختصين خرجنا بنظام يتناسب مع الوضع الفلسطيني".

وأوضح الوزني ان من شروط ترخيص مراكز التجميل توفر طبيب أخصائي أمراض جلدية أو تجميل لديها، بالإضافة إلى تحديد الأجهزة والمواد المستخدمة في هذه المراكز.

وأشار إلى أن هناك الكثير من المراكز تعمل دون ترخيص، والمرخص منها عدد قليل ومعدود على الأصابع.

وحث الوزني المواطن على التوجه لوحدة الشكاوى في وزارة الصحة عند حدوث أية مخالفات أو تجاوزات أو أخطاء، موضحا ان هناك تعميما على كافة مديريات الصحة صاحبة الصلاحية في المراقبة على المراكز والصالونات التجميلية، واتخاذ الاجراءات اللازمة بحق المخالف منها.

مفاجأة...
المفاجئ في الموضوع ما صرح به مدير وحدة الشكاوى في وزارة الصحة الدكتور شوقي صبحة، بأن عدد الشكاوى المسجلة بحق مراكز التجميل غير المرخصة هي صفر، فلم تتلق الوحدة أية شكاوى بحق هذه المراكز والصالونات.

وعزا د.صبحة السبب في ذلك الى جهل المواطن بدور وحدة الشكاوى ومسؤوليتها في التصدي لهكذا اخفاقات او تجاوزات أو ممارسات خاطئة.

نقابة الأطباء: خداع ومنافسة غير عادلة
نقابة الأطباء ابدت بدورها تذمرا من ممارسات العديد من مراكز التجميل، ودخولها على مجالات طبية بحتة بعيدة عن الغرض الذي رخصت من اجله.

وقال رئيس لجنة الشكاوى في نقابة الاطباء د.عبد الرحيم سويسة: "إن هذه المراكز تفتح مجالا واسعا لخداع المواطن، والحاق الضرر بالسيدات من خلال استغلالهن نفسيا وماديا".

ولفت الى تلقي النقابة العديد من الشكاوى من قبل اطباء جلد، خاصة في موضوع "المنافسة غير العادلة" التي يواجهونها من مراكز التجميل والصالونات. وطالب بإعادة النظر بشروط التراخيص والتشدد في منحها، تلافيا لوقوع اخطاء لا تحمد عقباها.

وقال سويسة: "ممكن أن يكون مركز التجميل مغطى قانونيا الا انه غير متوافق مع القيمة الاخلاقية".

حماية المستهلك: استهتار في منح التراخيص
جمعية حماية المستهلك وعلى لسان رئيس وحدة الشكاوى فيها د.محمد شاهين، القت الكرة في ملعب وزارة الصحة، لجهة الاستهتار في منح التراخيص لمراكز التجميل، وعدم تعامل الوزارة بالجدية التامة مع مثل هذا الموضوع الحساس الذي يمس بصحة المواطن والمجتمع.

وقال شاهين: "هناك استهتار من قبل وزارة الصحة في منح التراخيص، خاصة أن هذه المهنة تلامس صحة الفرد والمجتمع، وبالضرورة التعامل بجدية في منح التراخيص والتقنين في عددها". ودعا الى اعادة النظر في التراخيص الممنوحة، وتطوير شروط ومعايير الترخيص، ووضع محددات ومعايير لها".

واضاف: "وزارة الصحة هي الأساس، سواء في منح الترخيص أو لجهة الرقابة على هذه المراكز التي تكاد تكون معدومة، والوزارة مطالبة بتحمل مسؤولياتها، وتوعية المواطن وحثه على تقديم الشكاوى بحق هذه المراكز في حال ارتكبت اية مخالفات او تجاوزات". واعتبر شاهين ان غياب الرقابة المهنية على هذه المراكز شجعها على تقديم خدمات في غير تخصصاتها، وتجاوز حدود عملها. وطالب وزارة الصحة بتشديد الرقابة من خلال طواقم متخصصة، تنفذ جولات تفتيشية دورية ومباغتة على مقرات المراكز والصالونات. وذهب الى ان هذه المراكز والصالونات اصبحت محالا لبيع وترويج مستحضرات التجميل والعطور، الرديئة وغير الآمنة، كما تعمل هذه المراكز على تحضير خلطات وكريمات دون اخضاعها لمواصفات ومقاييس ولها اعراض جانبية.

"نضارة محققة وأضرار مؤجلة"
بفضل التطور الهائل في عالم التجميل أصبحت ظاهرة الحقن التجميلية الخيار الأسرع والأفضل عند السيدات، لما لهذه الحقن من نتائج سريعة على اخفاء التجاعيد، ومحاربة كابوس الشيخوخة، دون ان الانتباه لمدى خطورة هذه الوسائل.

وهذا ما أكدته الجمعية الفلسطينية لأخصائيي الأمراض الجلدية بأن هناك اجهزة ومواد خطيرة تستخدمها مراكز التجميل دون حسيب أو رقيب.
نائب رئيس الجمعية الدكتور كمال الشخرة، أكد أن هناك تجاوزات خطيرة في الصالونات تمس صحة المواطن بالدرجة الأولى.

وحول الأعراض التي قد تسببها حقن التجميل للجلد يقول الشخرة:" هذه الابر أو المواد اذا تم استعمالها في غير مكانها ومن قبل اشخاص غير مؤهلين تؤدي الى نتائج عكسية وعلى المدى الطويل ممكن أن تكون سببا في العديد من الأمراض كالسرطان".

وأضاف الشخرة أن سن قانون جديد أكثر صرامة وجدية، لتراخيص الصالونات ومراكز التجميل، من شأنه أن يحد من أخطاء وتجاوزات صالونات التجميل، وقال": القانون يحجم الجميع ويفرض سيطرته على الكل ويحمي من يتعرض لأخطاء طبية".

المسؤولية عن هذه القضية ذات الابعاد الخطيرة التي اجتهدنا في "حياة وسوق" لفتح ملفها وتسليط الضوء عليها، من باب قرع الجرس وليس من باب لطم الخدود، تبقى مسؤولية مشتركة للجهات الرسمية المختصة اساسا مرورا بالمراكز والصالونات التي تمارس هذا الفعل. ولا نعمم هنا حتى لا نتهم بعدم المهنية، وصولا الى المواطن الذي عليه ان يجتهد لتثقيف نفسه ورفع مستوى وعيه الذاتي، خاصة النساء اللواتي ينشدن الجمال ويطاردنه من مركز الى آخر وينجذبن لاغراءات الاعلان والبروباغاندا، فهولاء نخشى عليهن ان يفقدن ما بين غمضة عين وانتباهتها الجمال والمال.