رام الله - معا - أكد مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية (المرصد)، اليوم، أن غالبية اللاجئين في العالم هم مواطنين عرب، ويبين أن المنطقة العربية التي تضم أقل من 5% من مجموع سكان العالم، يتجاوز نصيبها 53% من مجموع اللاجئين بين جميع مناطق العالم.
هذه الأرقام جاءت في تقرير أعده مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، كجزء من تقرير موسع حول سياسات الحماية الاجتماعية في البلدان العربية تصدره الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية في لبنان، يتتبع المرصد من خلال مراجعة دراسات وتقارير عن حالات اللجوء الأخيرة إشكاليات الحماية الاجتماعية المتوفرة في دول الجوار للباحثين عن ملجأ من الأزمات والحروب المشتعلة في بلدانهم، بالتركيز على حالتي اللاجئين العراقيين والسوريين في لبنان والأردن.
ولاحظ المرصد ازدياد مساعي المانحين الدوليين لربط المنح المقدمة لحماية اللاجئين مع خطط التنمية في البلد المضيف أو ما يعبر عنه البنك الدولي بأنه نموذج تعاون جديد بين المانحين "يربط بين المساعدة المباشرة للاجئين وبين الجهود الرامية إلى تلبية احتياجات المجتمعات المحلية والمؤسسات التي تستضيفهم ودعم قدراتها، ليشكل حلقة وصل بين المعونات الإنسانية والتنمية".
وأضاف المرصد: في الوقت الذي تستمر فيه الحروب في الوطن العربي، تزداد القيود أمام اللاجئين الراغبين بالاحتماء في أماكن أكثر أمناً، حيث تغلق الدول الغربية أبوابها أمام طالبي اللجوء وتتوجه في سياساتها الداعمة إلى تشجيع حلول تعتمد على إنشاء حيز للحماية في البلدان المجاورة التي بدورها تتحفظ حيال توسيع حيز حماية اللاجئين على أرضها لأسباب سياسية واقتصادية.
وأوضح المرصد تصاعد الخطابات الدولية لايجاد وسائل للتعامل مع مشكلة اللجوء داخل البلدان العربية أو ما يصطلح على تسميته في برامج عمل المؤسسات الدولية باسم خطة الاستجابة الإقليمية، وهو ما ينعكس خطاب الأقلمة في توجهات الأمم المتحدة لحشد التمويل اللازم للتعامل مع أزمة اللاجئين في المنطقة، حيث قدمت الأمم المتحدة خلال العام 2013 مناشدة إنسانية بقيمة 4.4 بليون دولار، ويعتبر هذا المبلغ الأعلى في تاريخ مناشدات المنظمة. وكانت الخطة أن يوزع 1.4 بليون دولار لعمليات الاستجابة داخل سوريا و3 بليون دولار لما يسمى بخطة الاستجابة الإقليمية.
وأكد المرصد أن التوجه الدولي لأقلمة التعامل مع اللاجئين لا ينطلق من الهواجس الأمنية والمخاوف من تسرب الإرهاب التي ترد في تبريرات الدول الأوروبية وأمريكا الرافضة لاستقبال اللاجئين فقط، وإنما يوجد بعد آخر مهم في نوعية الحماية المقدمة وهو العبء المادي، على اعتبار أن استضافة العدد الأكبر من اللاجئين في البلدان المجاورة بشكل مؤقت أقل تكلفة من التوطين الدائم في بلاد الاستقبال.
وتابع المرصد: يشير تقرير للمفوضية (2003) بأنه "خلال سنة 2003، أنفقت بريطانيا أكثر من 1.5 بليون دولار لمساعدة 93.000 طالب لجوء، في الوقت الذي بلغت فيه الميزانية الكلية التي قدمتها المفوضية تلك السنة لإغاثة أكثر من 20 مليون من اللاجئين خارج وداخل بلدانهم 1.07 بليون دولار، وكانت مساهمة بريطانيا فيها لا تتعدى مبلغ 47 مليون دولار".
وأكد المرصد: ومن أجل تشجيع دول الإقليم وتحفيزها على استضافة اللاجئين، نجد أن خطاب المؤسسات الدولية تطور باتجاه ربط المنح المقدمة للجوء بتطوير مشاريع التنمية في البلد، كما في تقارير البنك الدولي والتي باتت تشجع على إيجاد أماكن عمل مؤقتة بأجور زهيدة لاستيعاب الفقراء في تلك البلاد واللاجئين ومنع القلاقل ويورد تقرير للصليب الأحمر أن على المانحين أن يكونوا أكثر تأثيراً لضمان استغلال التمويل بطرق إستراتيجية فعالة وأكثر نجاعة.
وأكد المرصد أن الصليب الأحمر الدولي يرحب بجهود الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID للعمل مع منظمات المساعدة الإنسانية للبحث عن طرق يتم من خلالها توجيه دولارات التنمية إلى المجالات التي تتأثر أكثر بتدفق اللاجئين، وتعمل الحكومة الأمريكية مع مانحين آخرين للتأسيس لقنوات حوار مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول الطرق الأمثل لمساعدة لبنان في التعامل مع تدفق اللاجئين إلى أراضيه. وعلى الدول الأخرى أن تسير بالاتجاه نفسه، وتوجه دولارات التنمية إلى القطاعات التي تتأثر بشكل أكبر نتيجة تدفق اللاجئين السوريين، وأن تعمل على تحسين البنية التحتية التي ستخدم كلا من المواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين.
وأرف المرصد: في حين قد يساعد اقتراح ربط المساعدات الإنسانية للاجئين بالتنمية في البلد المضيف على امتصاص بعض التوتر الذي ينشأ بين اللاجئين وسكان المجتمعات المحلية المضيفة خاصة الفقراء منهم نتيجة التنافس على الموارد المحلية القليلة والخدمات الضعيفة أصلاً. إلا أن هناك خطورة لا يتم الإشارة إليها في تقارير الجهات الدولية التي تنادي بهذا الربط (مثل الأمم المتحدة والوكالات الإنمائية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، وهي أن هذا الأسلوب لا يضمن تأمين الحماية اللازمة للاجئين كونه يستهلك قسماً كبيراً من الأموال المخصصة لمساعدة اللاجئين على قطاعات تخدم المجتمعات المضيفة إضافة إلى الرواتب والمصاريف الإدارية للمنظمات التي يتم التعاقد معها لتقديم الخدمات، وكثيراً ما يتم التغلب على هذه المشكلة بعمل أنظمة تكمم الحاجة لدى اللاجىء بحيث لا تزيد عن حاجة الفئات الأكثر فقراً في المجتمعات المحلية المضيفة. وهذا يترك الكثير من اللاجئين الذين قد يبدون في البداية أقل فقراً (من فقراء البلد المضيف) عرضة للإفقار والاستغلال وتضاعف المعاناة مع مرور الوقت.
وأكد المرصد أن لبنان والأردن اللذان تعرضا في الماضي لموجات لجوء من الفلسطينيين أنهما ليسا بلد لجوء، ويستخدمان بدلاً من مصطلح اللاجئين السوريين والعراقيين مصطلحات مثل الإخوان العرب والضيوف أو الأجانب، وفي الحالة اللبنانية يشيع مصطلح النازحين للإشارة إلى السوريين فيما يتعلق بالمعاملات اليومية الخاصة بالإقامة والفرص التشغيلية للاجئين العراقيين والسوريين.
وتابع: نجد أن العراقيين والسوريين يظهرون كلاجئين في التغطية الإعلامية والتقارير التي تصدرها جهات رسمية في البلدين رغبة من السلطات بالحصول على الدعم والتمويل لإعانتهم في مواجهة الأزمات الاقتصادية المتوارثة والموجودة أصلاً في البلاد، والتي تزداد بازدياد تدفق اللاجئين. وهذا ينسجم مع توجهات البنك الدولي والجهات المانحة الأخرى لربط المساعدات الإنسانية للاجئين بالتنمية في البلاد المضيفة.وعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي يقترح توسيع شبكات الحماية الاجتماعية كوسيلة للتعويض عن الآثار السلبية الناجمة عن توصياته برفع الدعم عن الفقراء. إلا أنه لا يأخذ بعين الاعتبار الحالة القائمة لبرامج الحماية الاجتماعية في الدول العربية، وهي ضعيفة أصلاً، وفي الغالب معدومة وبالتالي تعجز عن إسناد الفقراء لمواجهة رفع الأسعار.
وميز المرصد بين الحماية الاجتماعية كخدمات تقدمها الدولة المضيفة للاجئين بغية الاستجابة للمشاكل الحياتية اليومية التي تواجههم؛ والحماية التي توفرها المواثيق والقوانين الدولية لمن "يفوزون" بلقب اللجوء، مع ضرورة التأكيد على أن الحماية المقدمة في الحالتين لا تعالج مسألة اللجوء التي هي أساساً مسألة سياسية، حيث لا يمكن الحديث عن حلول شاملة لمعاناة اللاجئين بمعزل عن الإطار الأساسي للمشكلة السياسية التي أجبرتهم على ترك بيوتهم، تجنباً للورطة التي تؤدي إلى انتزاع اللجوء من سياقه السياسي باختزاله إلى بعد وحيد هو البعد الإغاثي.