تحقيق- تزوير العلامات التجارية العالمية للملابس والأحذية.. بلا رقابة!
نشر بتاريخ: 14/02/2015 ( آخر تحديث: 14/02/2015 الساعة: 17:31 )
رام الله - معا - تحقيق بثينة حمدان- تعيش السوق الفلسطينية أزمة ثقة، فالمستهلك لا يثق بأصل وجودة البضاعة المعروضة، والتاجر والمورد يزورانها. ومن جهة أخرى وفي الوقت الذي تشن فيه الحكومة حملة لمقاطعة البضائع الاسرائيلية يحصل العديد من التجار على بضاعتهم ذات العلامات العالمية من اسرائيل، ووصل "التسيب" إلى أن يتحول المستهلك وصاحب المشتل إلى تاجر لمنتجات يقال أنها عالمية لاسيما الملابس والأحذية، حيث يبدو أنها بعيدة عن عيون الرقابة والتفتيش!
يقول التاجر رياض صالحية للحياة الجديدة: "هناك العديد من التجار الذين يعملون منذ سنوات في التزوير ومنهم من يثق الناس بأصل بضاعته بأنها العالمية لاسيما مع اهتمامهم بالجودة إلى حد ما، هؤلاء يدعون أنهم وكلاء لماركات عالمية، إلا أنهم يصنعوها في الصين، ويضيفون العلامة هنا" هذا ما قاله لي أحد التجار، وأكده آخرون حول العديد من المتاجر لاسيما الملبوسات والأحذية.
وينفي صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة وجود وكالات لماركات عالمية باستثناء بعض الكهربائيات والمطاعم، ولا حتى متاجر متخصصة بسلع لعلامة محددة وحصرياً، فالوكيل الاسرائيلي هو المصدر، وقال: "قانون حماية المستهلك يمنع التزوير ويعده جريمة اقتصادية".
بدورها أفادت وزارة الاقتصاد أن لديها 597 وكيل تجاري لمنتجات عالمية، فيما أكد علي ذوقان مسجل العلامات في إدارة الملكية الفكرية في الوزارة وجود أكثر من 26 ألف علامة محلية وعالمية مسجلة بهدف الحماية من التقليد والتزوير مشيراً إلى تزايد اقبال الشركات العالمية على التسجيل في فلسطين لاسيما بعد الاعتراف الأممي بنا دولة. أما عدد المتاجر والمنشآت في الضفة العاملة في مجال الملابس الجاهزة فبلغ 1800 أما العاملة في مجال الأحذية 415 منشأة وذلك حسب احصاءات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2012.
التهريب الفردي
سناء (24 عاماً) دخلت عالم التجارة بعد زيارتها للولايات المتحدة الأمريكية والتي أبهرها موسم التنزيلات فيها فقالت: "في أمريكا أرخص الأثمان وأجود البضائع، وأحدثها". بدت تجارتها الصغيرة رابحة والتي تركز على بيع منتجات التجميل وفساتين السهرة. وأكدت أن صديقاتها يقبلن على البضاعة الجيدة والمضمونة لاسيما الفساتين التي تؤجرها بمائة دولار بينما تباع هنا بأكثر من ألف شيكل. وأوضحت أن ارتفاع الأسعار مقارنة بالدخل أفقد المستهلك ثقته بالسوق الفلسطينية عدا عن الغش الذي يتعرض له من التجار.
المبالغة في تجارة الملابس!
علق أحد الشبان مجموعة من الجاكيتات حول سيارته وذلك قرب وزارة الاقتصاد الوطني في رام الله، وعرضها بمئة شيكل للقطعة، تبدو بضاعته جيدة واكتفى بالقول أنها: "شروة". وفي مكان آخر حيث أحد المشاتل المعروفة، والذي علّق يافطة تشير إلى تصفية المحل، وبعد فترة تحول المتشتل إلى محل تصفية لأشهر الماركات العالمية كما كتب على اليافطة الجديدة. سألت مالك المحل عن السبب فقال: "لم يعد بيع النباتات مجدياً، والناس تفاصل حتى في سعر النبتة الصغيرة، وبصراحة هذه البضاعة "شروة" يعني بمبلغ مرتب والربح فيها أكثر، الناس تبحث عن الأفضل مهما كان ثمنه".
اعتراف تاجر
قال صاحب أحد متاجر التصفية لعلامات تجارية عالمية (ر.ص): "التاجر يعلم بالتزوير، وقلما يتم غشه من قبل الموردين، فالبضاعة المزورة لها مواصفاتها، مثل شكل العلامة وطريقة ومكان خياطتها أو لصقها، عدا أن العلامات العالمية تطبع عادة تاريخ الانتاج ورقماً تسلسلياً "باركود". وكشف أن البضاعة تأتي من الصين بتكلفة رخيصة، وتوضع هنا الديكورات المزورة لبيعها على أساس أنها أصلية. وحول أسباب لجوء التجار للتزوير قال: البضاعة الأصلية تحتاج لموافقة الوكيل ودفع مبلغ من المال له كي نستطيع إخراجها من الميناء عدا عن الضرائب والجمارك الباهظة. بينما يتميز المزور برأيه بجمارك وضريبة أقل وربح وفير.
صلاحية البضاعة والرقابة!
وحول أسباب تلف البضاعة التي تبدو أنها علامة معروفة قال (أ.ص): "الاسم له جودة، هناك قطع تكون جيدة لكنها تصل متاجر التصفية وتاريخا منتهي الصلاحية وموديلها قديم. كما أننا نحصل على البضاعة من متاجر تصفية في اسرائيل وهذا يزيد من احتمالية التلف". وأكد أن على التاجر والمستورد تحمل مسؤولية بضاعته وتعويض المستهلكين إذا تلفت وتساءل: "لماذا لا تراقب علينا وزارة الاقتصاد؟ وعلق على حملة الوزارة ضد الأحذية المقلدة والمزورة كانت بأنها ناجحة لكن التزوير عاد لأن الحملة انتهت.
سبل حماية المستهلك
أكد ابراهيم القاضي مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني أن على المستهلك التأكد من توفر شهادة ضمان أو كفالة على المنتج، وأن يطالب بالفاتورة لإثبات حقه في حال اضطر للتقدم بشكوى. مشيراً إلى قلة المشتكين رغم حملات التوعية للمواطنين.
وحول تزوير البضائع في السوق المحلي قال: "إن التزوير والتقليد هو مسؤولية القضاء والشركة صاحبة العلامة، ومسؤوليتنا في مكافحة الظاهرة تأتي عبر مفتشينا في الضفة وعددهم 65، مشيراً إلى اصدار الوزارة "دليل الرقابة على السلع المزورة والمقلدة"، مع توثيق لحالات كثيرة ليكون مرشداً للمفتشين، عدا عن حملة لمكافحة تزوير الأحذية لإضراره بصناعة الأحذية الوطنية.
رقابة محدودة
أكد القاضي أنه يستحيل إنهاء هذه الظاهرة في أية دولة في العالم، وأقر أن الرقابة تركز على قطاعات لها أولوية كالأغذية والكيماويات، وأنهم أضافوا ألعاب الأطفال والقرطاسية والأجهزة الكهربائية" أما الملابس فقال: "قمنا مع مؤسسة المواصفات بعمل قطعة بيان لمقاسات الملابس وأخرى تتضمن تفاصيل كيفية تنظيفها، حيث تعد المقاسات إحدى دلالات التزوير". واعتبر عدم توفر المواصفات الكافية لفحص السلع وكشف تزويرها من أبرز المشاكل التي تواجههم، حيث يصعب مصادرة سلعة دون مواصفات ومؤشر يهدد السلامة العامة".
التزوير والقضاء
أكد المحامي رجا شحادة أن فلسطين بدأت حماية وتسجيل العلامات التجارية منذ عهد الانتداب البريطاني، وحول قضايا تزوير العلامات التجارية في القضاء الفلسطيني أكد أنها كثيرة إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بالاعتراض على التسجيلات المخالفة في سجل الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد، وأن القضايا إجمالاً إما جزائية أو حقوقية. مشيراً إلى أن تزوير علامة عالمية غير مسجلة محلياً لا يفقدها حقها القانوني حيث يعتمد على السجل العالمي لكن التسجيل المحلي يسهل اجراءات الدعوى. مشيراً إلى أن الحكم في القضية يكون عادة وقف التزوير وهو أمر اعتبره رادعاً لأي تاجر لأنه يعني خسارة كل بضاعته وما أنفقه عليها من جهد ومال.
لوم التاجر والوزارة
وانتقد صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك في رام الله آداء الوزارة في مكافحة هذه الظاهرة مشيراً إلى أن الملابس ليست ضمن أجندتها رغم تنبيه ومطالب الجمعية للوزارة بهذا الخصوص، كما انتقد أداء الغرف التجارية والتي لم ترق لها حملة مكافحة الأحذية المزورة وذلك لأن أعضاءها هم التاجر والمصنع والمزور والمستورد، لذا طالبت الغرف بأكثر من مهلة ليتسنى لهم بيع البضاعة بدلاً من أن تصادر.
وشدد أن قانون الملكية الفكرية لا يستثني منتجاً وقال: "وصل الاستهتار في تزوير الملابس بوضع اسم أكثر من علامة عالمية على قطعة الملابس الواحدة ونفى أن تكون بضاعة متاجر التصفية قابلة للتلف فهذه المتاجر في العالم معروفة بجودتها، وأسعارها المناسبة. واعتبر أن أساس المشكلة تفاوت الأسعار بين المتاجر للقطعة نفسها وبدون رقابة. وطالب الوزارة تنظيم قضية التنزيلات والتصفية وتقديم تسهيلات ومحفزات للتجار وإعفاءات ضريبية.
مقاييس كثيرة بلا مختبرات
أكد حيدر حجة مدير عام مؤسسة المواصفات المقاييس وجود أكثر من 3500 مواصفة فلسطينية لكل البضائع مع التركيز على قضايا الصحة والسلامة خاصة في منتجات الأطفال، مشيراً إلى وجود خمسين مواصفة للملابس تحديداً تتضمن طرق فحصها والخيوط المستخدمة والمقاسات.
وأكد أن مسؤولية البضاعة تقع على المورد في مطابقة المواصفات المعتمدة لدينا، فالمنتجات تدخل عبر المعابر التي تسيطر عليها اسرائيل ولا تقوم بفحص البضائع تاركة الخيار للمستهلك ووعيه، لكنه شكى عدم وجود مختبرات لفحص المنتجات ولا الطواقم الفنية المدربة لإجراء التفتيش على هذه المنتجات، ورغم ذلك إلا أنه وبالتعاون مع الوزارة تم اقرار اجراءات لضمان وجود بطاقات تعريفية بالمنتج وآليات تنظيف وقياساته.
السوق بلا مكافحة
اعتبر خليل رزق نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية أن أسباب الظاهرة تكمن في ارتفاع أسعار العلامات العالمية والتي لا يستطيع المواطن الفلسطيني ابتياعها وهو أمر غير مبرر برأيه ولأن هذه العلامات لا تدخل بلد مستوى المعيشة فيها متدني وسوقها ناشيء. لكنه قال: "نحن ندفع ضرائب قيمة مضافة ودخل أكثر من الأردن مقابل عدم وجود خدمات حتى في الصحة والتعليم!". وقال: "حاولت الوزارة مكافحة تزوير الأحذية لكنها لم تنجح، الوزارة تراقب ضمن امكانياتها المحدودة، لكن المطلوب مؤسسة مواصفات ومقاييس تعمل بكامل طاقتها والاشراف على تطبيق هذه المواصفات لضبط السوق.
وأقر أن على الغرف التجارية دور ومسؤولية تجاه المواطن فيما يتعلق بالتوعية والرقابة على التجار لكنه قال نحن بحاجة لسياسات واضحة واستقرار مالي لتجنب الركود الذي يؤثر على التاجر بشكل كبير.
يجوز للجهات الرقابية ضبط البضائع المقلدة بمجرد تداولها في الأسواق بدون شكوى من مالك العلامة أو قرار من المحكمة المختصة. (الإدارة العامة للملكية الفكرية- وزارة التجارة والاقتصاد)