القدس- معا - دعت عشرات الشخصيّات المقدسيّة إلى تبني إستراتيجية وطنية للدفاع عن مدينة القدس في مواجهة سياسات الضم والاستيطان وهدم المنازل وتهويد الطابع العربي الإسلامي المسيحي للمدينة المقدسة. ووجهت انتقادات حادّة لما اعتبرته تقصيرا من قبل منظمة التحرير والسلطة الوطنية والفصائل، والدول العربية والإسلامية، في توفير مقومات الصمود للمقدسيين ودعم مختلف القطاعات في المدينة.
كما حذرت من النتائج الخطيرة المترتبة على تصاعد السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تقليص الحيز الفلسطيني الجغرافي والديمغرافي في القدس، لا سيما مع اشتداد محاولات عزل المدينة عن امتدادها الفلسطيني، وتكثيف محاولات اقتحام الحرم القدسي الشريف برعاية وحماية قوات الاحتلال، وتصاعد الدعوات للسماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، وصولًا إلى المطالب اليمينية المتطرفة المعلنة بهدمه، وتحول ذلك إلى مادة للتنافس الانتخابي بين معظم الأحزاب الإسرائيلية.
واعتبرت أن هناك شعورًا شعبيًا متزايدًا باتساع الفجوة بين اهتمامات القيادة والمؤسسات الفلسطينية المختلفة وأولويات أبناء القدس الذين يواجهون مخاطر وتحديات تتعلق بالوجود والسكن والعمل والتعليم والصحة وغيرها، ويخوضون مواجهة يومية مع السياسات والمخططات الإسرائيلية، مشددة على أن نقطة البداية في بلورة إستراتيجية وطنية تضع القدس على رأس أولوياتها تتمثل في إعادة الاعتبار للمشروع الوطني ولمكانة ودور منظمة التحرير الفلسطينية عبر إنهاء الانقسام وإعادة بناء وتفعيل مؤسساتها لتمثل الفلسطينيين أينما تواجدوا.
وأكدت هذه الشخصيات أن مواجهة التحديات بالتركيز على دعم المؤسسات المقدسية وحالة النهوض الشعبي في مواجهة سياسات الاحتلال والتركيز على مبادرات فرض الأمر الواقع الفلسطيني في المدينة، تتطلب وجود مرجعة وطنية موحدة تقود وتوجه العمل الوطني والمؤسساتي والشعبي في المدينة، مذكرة في هذا السياق بالفراغ الذي شهدته القدس منذ رحيل القائد الوطني فيصل الحسيني.
وأشادت بصمود المقدسيين في مختلف أحياء القدس ودفاعهم اليومي عنها، وبخاصة في البلدة القديمة، رغم شراسة الهجمة الإسرائيلية وحملات الوعيد والترهيب والعقوبات الرامية لكسر إرادة الصمود والمقاومة، وبخاصة حملات الاعتقال التي تطال عشرات الأطفال والفتية، وهو الأمر الذي ينبغي أن يشكل حافزا لتبني إستراتيجية وطنية تركز على دعم صمود المقدسيين في مواجهة السياسات الرامية لإجبارهم على الرحيل إلى خارج المدينة، مرورا بدعم قطاعات التعليم والصحة ومخططات التنظيم والبناء الفلسطينية، وتوفير الدعم للمؤسسات الوطنية في المدينة وتشجيع تلك التي انتقلت خارجها على استئناف العمل داخلها، وبخاصة مع المجتمعات المحلية في الأحياء والمناطق المستهدفة، وتشجيع الاستثمار بهدف تحقيق التنمية في مختلف القطاعات، وكذلك التحرك على المستويات الدولية لإحباط المخططات الإسرائيلية، وتفعيل دور التجمعات والجاليات الفلسطينية في الشتات لدعم القدس وأهلها بشتى الأشكال والوسائل.
جاء ذلك خلال لقاء حواري نظمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، بالتعاون مع كل من الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية (باسيا)، ومبادرة إدارة الأزمات الفنلندية (CMI) في فندق "الليجيسي" في القدس، تحت عنوان "القضية الفلسطينية .. التحديات والمخاطر والفرص"، بمشاركة عشرات الشخصيات المقدسية التي تمثل مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية والعديد من المؤسسات الأكاديمية والأهلية والدينية.
وافتتح اللقاء د. مهدي عبد الهادي، مدير مؤسسة باسيا، الذي أشار إلى أن القضية الفلسطينية ستبقى القضية الأولى بالرغم من كل ما يشغل العالم من "داعش" وغيرها من الأحداث التي تعصف بالمنطقة والإقليم. وبين أن "إسرائيل تحاربنا في تاريخنا وتراثنا، وتعمل على سلبنا وإلغاء حقنا".
وأضاف: الوضع الفلسطيني صعب، فهو يعاني من أزمة وانقسام، ويواجه احتلالا ونظاما عنصريا أسوأ من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، في ظل نظام عربي مهزوم.
وقال هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، إن هذا اللقاء الحواري يأتي في إطار برنامج دعم وتطوير مسار المصالحة الفلسطينيّة، ويهدف إلى تحفيز الحوار بشأن تحويل التحدّيات التي يواجهها الشعب الفلسطيني في مختلف تجمعاته إلى فرص وفق رؤية مشتركة تعزز وحدته وكفاحه الوطني. كما يندرج في سياق برنامج الحوار الوطني الذي شمل تنظيم سلسلة من اللقاءات الحوارية في العديد من التجمّعات الفلسطينيّة في رام الله ونابلس والخليل والناصرة وبيروت ولندن، وسوف تتواصل قريبا في قطاع غزة وعمّان والولايات المتحدة وغيرها.
وبيّن المصري أنّ القضية الفلسطينية تواجه مجموعة من التحديات، يتمثل أبرزها في تعميق الاحتلال والاستيطان والعنصرية في إطار المشروع الصهيوني الاستعماري الذي قامت إسرائيل على أساسه بالاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض وطرد سكانها، وحشر الفلسطينيين في معازل على أرض وطنهم، ورفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، إضافة إلى الانقسام السياسي والجغرافي منذ العام 2007، وتراجع دور منظمة التحرير، وفشل إطار المفاوضات الثنائية، وانكشاف التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات على شتى المخاطر والتحديات، في ظل تطورات عاصفة على المستويين الإقليمي والدولي.
وأكد على أهمية استعادة الوحدة الوطنية على أساس ديمقراطي وشراكة حقيقية، يتم من خلالها إعادة بناء الحركة الوطنية، وفي مقدمتها منظمة التحرير، بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني. كما شدد على ضرورة التوافق على إستراتيجية وطنية شاملة، تضع دعم القدس وأهلها على رأس أولوياتها، وتستفيد من عناصر القوة لدى الشعب الفلسطيني وصموده وعدالة قضيته، وتواصل شق مسار كفاحي جديد يستند إلى الوحدة وتوسيع وتفعيل المقاومة بأشكالها المختلفة وفق إستراتيجية تراعي خصائص وظروف كل من التجمعات الفلسطينية، والتركيز على رفع الحصار عن قطاع غزة والمعالجة الفورية للوضع الكارثي الذي يعانيه، وتوسيع حملات المقاطعة محليا وعربيا ودوليا، وتفعيل حركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، ومعالجة مشكلات وهموم التجمعات والجاليات الفلسطينية في الشتات، واستكمال الانضمام إلى الاتفاقات والمنظمات الدولية، وتفعيل سلاح الملاحقة والمساءلة القانونية لقادة الاحتلال السياسيين والعسكريين، وبخاصة في المحكمة الجنائية الدولية.
بدوره، تحدث سلطان ياسين ممثلًا عن مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية، مشيرا إلى أنها مؤسسة دولية غير حكومية مختصة في الوساطة وتعزيز الحوار، وتقوم بالتعاون مع مركز مسارات بتنفيذ برنامج الحوار الوطني في التجمعات الفلسطينية، ضمن برنامج أوسع لإعادة بناء الوحدة الوطنية عبر دعم وتطوير مسار المصالحة الفلسطينية وفق تصورات ورؤى وآليات يتوافق عليها الفلسطينيون أنفسهم.
ونوّه ياسين إلى أنه يتم في إطار البرنامج تيسير جلسات حوار متعددة حول قضايا ذات علاقة بتعزيز الوحدة الوطنية، حيث أنتجت هذه الحوارات غير الرسمية بمشاركة شخصيات سياسية ومستقلة وأكاديمية ومجتمعية من مختلف التجمعات الفلسطينية عددا من الوثائق والأوراق في العديد من المجالات، ومنها على وجه الخصوص وثيقة "إعادة بناء وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية"، وجرى نقاشها في ورشات نظمت في التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48 والأردن ولبنان والإمارات وبرلين ولندن، إضافة إلى عدة أوراق ومشاريع قوانين تخدم الجهود الرامية لإعادة توحيد وهيكلة ودمج الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقدم المشاركون في اللقاء العديد من الاقتراحات والتوصيات، حيث طالب عدد منهم بإعادة بناء وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير، وإنهاء الانقسام الداخلي، والتوافق على إستراتيجية وطنية شاملة تضع القدس على رأس سلم أولوياتها. ودعا آخرون إلى إيلاء الاهتمام الكافي لمعالجة أزمة المرجعية المعنية بتوحيد العمل الوطني والمؤسساتي والشعبي في القدس. كما اقترح بعض الحضور البحث عن وسائل وآليات فعالة لإيصال توصيات مثل هذه اللقاءات إلى القيادة والضغط من أجل تبنيها، فيما دعا آخرون إلى تتويج اللقاءات التي يجري تنظيمها ضمن برنامج الحوار الوطني في الوطن والشتات بعقد مؤتمر شعبي في الخارج يتيح مشاركة مختلف التجمعات الفلسطينية من أجل الخروج برؤية موحدة تجمع الفلسطينيين والضغط من أجل تبنيها على المستوى الوطني.