الثلاثاء: 24/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

جيش إسرائيل بين السياسة وحرب الجنرالات

نشر بتاريخ: 21/03/2015 ( آخر تحديث: 24/03/2015 الساعة: 15:27 )
جيش إسرائيل بين السياسة وحرب الجنرالات

بيت لحم- معا- تدعي إسرائيل دوما وتفاخر بان جيشها بعيد كل البعد عن السياسة ولا مهمة له سوى تنفيذ أوامر وقرارات المستوى السياسي دون تدخل فيها أو محاولة لإملاء موقف على القيادة السياسية أو فرض وجهة نظر.

لكن ووفقا للتعريف الإسرائيلي هناك دوما نافذة سياسية يلج منها الجيش للقرار السياسي وتحمل اسم "تقدير موقف" تحضر خلاله قيادة الجيش بأعلى مستوياتها جلسات القرار السياسي وتطرح موقف المؤسسة العسكرية من المواضيع المطروحة للنقاش تحت ستار "تقدير الموقف العسكري وتحديد المخاطر والفرص الكامنة من الناحية العسكرية والمهنية" لكن الكثير من "تقديرات الموقف" لعبت دورا حاسما وأساسيا في صياغة الموقف السياسي تحديدا في القضايا الإستراتيجية مثل الموضوع الإيراني على سبيل المثال حيث لعبت الأركان الإسرائيلية وفقا للمصادر الإسرائيلية دورا كبيرا وحاسما في ثني "نتنياهو" وزبانيته بمن فيهم وزير الجيش حينها "اهود باراك" عن مغامرة عسكرية كانوا يخططون لها ضد إيران إلى أن جاء موقف الفصل من رئيس الأركان السابق "غابي اشكنازي" ورؤساء الأجهزة الأمنية كافة في ذلك الوقت الذين عارضوا هذه المغامرة و"شككوا" بقدرات الجيش على تنفيذها في محاولة منهم لإحباط الثنائي " نتنياهو- باراك" وهذا ما كان وما حدث في الواقع وهو موقفا دفع "شكنازي" منصبه ثمنا له حيث رفض باراك بقوة غير معهودة التمديد لغابي اشكنازي وأصر على إنهاء مهامه منهيا بذلك فترة وصفتها مصادر الجيش بالساخنة والمعقدة في مجال علاقة رئيس الأركان بالمستوى السياسي مملا بوزيره المباشر "باراك".


ومثال أخر تجلى في دور الجيش الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية في قضية قانون تجنيد اليهود المتدينين الذي أصر وزير المالية السابق "يائير لبيد" على إقراره "رغم" انف نتنياهو والمتدينين وهنا لعب الجيش دورا حاسما في محاولات إيجاد المخارج "السياسية" تحت ستار "مخارج" مهنيه "وتساوق مع موقف وزير الجيش "يعلون" المعارض فعليا لهذا القانون تذرع الجيش بعدم القدرة على استيعاب " المتدينين" بجموعهم الكبيرة ولجأ إلى عملية تقسمهم على شكل "وجبات" وأعداد معينة يمكن استيعابها سنويا دون حماسة تذكر لفرض عقوبات على من يتخلف منهم ما يعني واقعيا "إفراغ" القانون من أي مضمون وبغض النظر عن نجاح الجيش من عدمه ظهر تعامله مع القانون تدخلا قويا وسافرا في شأن سياسي قانوني بحجة عدم القدرة على الاستيعاب وضرورة ترشيد الأمر حسب "تقدير الموقف".

وتعتبر قضايا الاستيطان والبؤر الاستيطانية وتبيض "الأراضي" المصادرة خير دليل على تدخل هذا الجيش بالسياسات الإستراتيجية وصناعتها في بعض الأحيان كما يحدث في الضفة الغربية المحتلة التي يعتبر فيها الجيش وفقا "للقانون" صاحب السيادة الحصرية عليها وزير الجيش رأس هذه السيادة وقائد كل منطقة مثلا ومنفذا لهذه السيادة الحصرية.

وانطلاقا من هذه "السيادة" النابعة أصلا من قوة الاحتلال وطغيانه تهرب الجيش الإسرائيلية ممثلا بقائد المنطقة الوسطى وذراع الاحتلال المدني "الإدارة المدنية" أكثر من مرة من تنفيذ قرارات المحكمة العليا الخاصة بإعادة أراضي فلسطينية مصادرة أو بإخلاء منازل استيطانية أقيمت على أراضي فلسطينية خاصة كما هو حال البؤرة الاستيطانية "البونه" القريبة من مستوطنة بيت ايل شمال رام الله المحتلة والتي صدرت قرارا من العليا الإسرائيلية بإخلائها وكان ذلك قبل عاميين على الأقل وحتى هذه اللحظة يتهرب الجيش من التنفيذ بحجج كثيرة لا تنقطع بعضها يتعلق بالأمن والبعض الأخر بوجود التماسات وثالث يتعلق بضرورة إعادة البحث والتمحيص والنتيجة واحدة البؤرة قائمة وقرار المحكمة لم ينفذ من قبل المؤسسة العسكرية، وهناك العشرات من الأمثلة التي يمكن سوقها في هذا السياق.

وفي عودة متأنية للتاريخ القريب نجد بان الجيش الإسرائيلي لم يكن يوما بعيدا عن الجاذبات السياسية ولم يكن منذ حكومة "بن غريون " الأولى بمنأى عن الساسة وتدخلاتهم .

تعود أصول غالبية قادة إسرائيل السياسيين الى نسيج المؤسسة العسكرية " شارون ، رابين ، باراك ، يغال الون ، عيز وايزمن ، رفائيل ايتان ، نتنياهو ، اهود باراك، شمعون بيرس، يتسحاق مردخاي، وغيرهم كثر بما صبغ الساحة السياسية الإسرائيلية بلون "الكاخي" الأخضر.

لنبدأ من الحكومة الإسرائيلية الأولى التي عرفت حينها باسم "الحكومة المؤقتة" ليتضح لنا وجود العامل السياسي وحضوره بقوة شديدة عند تشكيل الجيش الإسرائيلي بعيد إقامة إسرائيل.

أعاد بن غريون تشكيل الجيش وابعد معارضيه من الصف القيادي الأول تمهيدا لطردهم نهائيا من صفوف الجيش.

ونكل "بن غريون" وفقا للمصادر التاريخية الإسرائيلية وكما نشرت صحيفة " معاريف" العبرية في عددها الصادر يوم الجمعة 20/8/2010 اقتباسا عن هذه المصادر بقادة منظمة "البلماخ" شبه العسكرية وطردهم من صفوف الجيش لاعتبارات سياسية داخلية غلفها بطابع عسكري "مهني".

حيث رفض بن غريون تعيين رئيس "البلماخ" وأكثر الشخصيات العسكرية شهره قبل إقامة الدولة يغال الون في منصب أول رئيس أركان للجيش الناشئ وذلك فور انتهاء "حرب 48" الأمر الذي اجبر "الون" على الاستقالة من الجيش ليتبعه بعد وقت قصير العديد من كبار ضباط "البلماخ" وعلى رأسهم مؤسس وقائد هذه المنظمة يتساحق سديه ما وصف حينها في الأوساط السياسية بالتنكيل السياسي بقادة "بلماخ".

ولم تكن منظمة "الهغاناة " الشهيرة ببعيدة عن تنكيل بن غريون السياسي فبادر خلال "حرب 48 " إلى عزل "يسرائيل غليلي" الذي وقف حينها على رأس القيادة القطرية للمنظمة وعمل وزيرا "للدفاع " في الحكومة المؤقتة في خطوة وصفت حينها بالسياسية بامتياز لكن " بن غريون" غلفها بغلاف عسكري" مهني" أيضا فيما تؤكد المصادر التاريخية حضور عامل الانتقام في القرار كون " الهغاناة " تميل سياسيا نحو حزب " مبام " اشد خصوم حزب "مباي " وهو حزب "بن غريون ".

وأثارت هذه الخطوة في حينها الكثير من الصخب واللغط السياسي والاتهامات الموجه ضد "بن غريون " الذي يستغل الجيش لتصفية خصومه السياسيين .

ولم يقف الصراع السياسي بن حزبي مبام و " مباي عند هذا الحد حيث قدم عدد كبير من كبار ضباط الجيش استقالاتهم احتجاجا على تعيينات عسكرية فرضها "بن غريون " الذي فضل تعيين من خدموا في صفوف الجيش البريطاني في أهم وارفع المناصب العسكرية على حساب مقاتلي " الهغناه والبلماخ" الذين يخالفونه الرأي والموقف السياسي .

وأكد مقربون من "بن غريون " حينها ان هذه التعيينات جرت على أساس الانتماء السياسي للضباط بعيدا عن الاعتبارات المهنية والعسكرية التي كان يتغنى بها "بن غريون " تبريرا لخطواته الانتقامية.

هذا في التاريخ البعيد نسبيا وإذا تقدمنا قليلا نحو عام 82 يتضح جليا حينها سيطرت الجيش على ناصية القرار السياسي حيث رفض " ارئيل شارون " الذي كان وزيرا للجيش بالتعاون مع رئيس الأركان في ذلك الوقت اليميني المتطرف " رفائيل ايتان " الالتزام بقرار الحكومة وقف تقدم القوات عند حدود 40 كلم من خط الحدود الإسرائيلية اللبنانية واصدر تعليماته باستمرار التقدم حتى بيروت التي حاصرها قرابة ثلاثة أشهر الأمر الذي اثأر أزمة حادة بينه وبين رئيس الوزراء في ذلك الوقت "مناحم بيغن " الذي ادعى عدم عرفته بقرار الجيش التقدم نحو بيروت وتعرضه للخديعة من قبل " شارون" ورئيس الأركان " ايتان".

والسادس من " اب " 2010 كشفت القناة التلفزيونية الاسرائيلية الثانية الناطقة بالعبرية عبر برنامج " استدويو الجمعة " ومن خلال تقرير للصحفيين " روني دانيال و امنون ابراموفتيش وثيقة هزت الجيش الإسرائيلي وباتت تعرف " بوثيقة غلانت " التي قيل في البداية بأنها مزيفة وهي عبارة عن وثيقة تهدف إلى التدخل في قرار سياسي بامتياز يتمثل بالتمديد لرئيس الأركان عبر إعداد خطة عمل أعدها الجنرال" هرفتيس" وعرضها على عدة ضباط كبار بينهم " ارز فينر " مدير مكتب رئيس الأركان من عدة خطوات لتحقيق هذه الغاية وجاء فيها:

1- تشويه صورة رئيس الأركان الحالي "غابي اشكنازي" لمنع تمديد ولايته التي تنتهي ولايته في شباط 2011 ودق "الأسافين" بينه وبين وزير الجيش باراك تمهيدا لشيطنته من خلال حملة إعلامية مركزة ومخططة.

2- تشويه صورة بقية المرشحين لتولي منصب رئاسة الأركان حتى يخلو الجو للجنرال " يوأف غلانت "الذي حملت الوثيقة فيما بعد اسمه.

3- بعد تحقيق " النجاح " يعين العقيد طال روسو قائدا للمنطقة الجنوبية وترقيته لرتبة عميد.

4- تعيين قائد المنطقة الشمالية في ذلك الوقت " غادي ايزينكوت " نائبا لرئيس الأركان ".

وهذه وثيقة تعكس مؤامرة سياسية واضحة المعالم نفذها ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي لإحباط قرار سياسي محتمل بتمديد فترة ولاية رئيس أركان حالي وتمهيد الطريق لتعيين رئيس أركان يختارونه هم ومنع تعيين أي رئيس أركان من اخر خلافا لما يرونه مناسبا.

ماذا تحقق من هذه الوثيقة ؟ ببساطة كل ما ذكر

تم تعيين "غلانت " رئيسا للأركان وأقرت لجنة تيركل " المسئولة عن فحص إجراءات تعيين كبار قادة الأمن " هذا التعيين.

"تعيين روسو قائدا للمنطقة الجنوبية خلفا "لغلانت" نفسه.

هذه عينة بسيطة عن تدخل الجيش الاسرائيلي في السياسة والقرار السياسي الاستراتيجي بعيدا عن الهالة الرسمية لهذا الجيش التي تصوره وكأنه حارسا للديمقراطية منفذا ومنصاعا بالمطلق لقرارات المستوى السياسية لكنه لم ولن يعدم الوسيلة "للتأثير" على القرار السياسي وصولا الى صياغته وتغييره او تجميده في احسن الاحوال بحجة " تقديرات الموقف" استخباريا وعسكريا وما الى ذلك.

تقرير: فؤاد اللحام