الخميس: 26/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة إلى وزارة التربية والتعليم وصناع القرار السياسي

نشر بتاريخ: 21/03/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:01 )
رسالة إلى وزارة التربية والتعليم وصناع القرار السياسي
رسالة إلى وزارة التربية والتعليم وصناع القرار السياسي
الرياضة المدرسية عمق استراتيجي في الخطة الوطنية للتعليم

بقلم : الدكتورة سبا جرار
" التدريس منتشر في انحاء البلاد، بين كل مدرسة وأخرى ، مدرسة ابتدائية وثانوية ، لكن في أي واحدة منها غرفة واحدة لاستخدامها كصالة للتدريب ولا ملعب مجهز ...طبيعي لان المشرفين السابقين سيطروا على هذه الناحية ايضا ،ولعبت السياسة الاستعمارية دورها، فحرمتنا النمو وحرمتنا النهوض بهذا الميدان الحيوي ، وضللت العقول ، فاوهمت البسطاء ان العلم هو حشو للمعلومات العلمية في عقول الناشئة ...."

إن هذا الاقتباس ليس من مقالة عن أفغانستان أو دول مغيبة عن التطور ، بل هي مقالة صاغها شخص وطني ، في معرض غضبه على الاحتلال والانتداب الذي جهد بكل وسائله على تقويض امكانات الفلسطينيين وتوجيهم الى حيث يريد من الجوانب الفكرية والاهتمامات وتشكل شخصياتهم .

ما اسعى له من هذه المقدمة هو طرح لواقع مشابه، اختلفت أسبابه لكنه متقارب بحقيقته ، حيث ما زلنا نلمس المرتبة الدونية للرياضة في معظم المدارس العامة والخاصة ، وما تسببه من احباط لتوقعات الطلبة في بداية كل عام، وهم ينتظرون العام الدراسي ، لارتداء اللباس الرياضي واللعب والتعلم والتنافس، لتأتي الرياح كالعادة محبطة لكل السفن فتكون حصة يتيمة يتقاسمها المختص ،وغيرالمختص بشيء من التثاقل وكثيرمن الاستخفاف ،و لتتخذ مكانها في ذيل الجدول وذيل الموازنة وذيل الاهتمام من جميع مكونات البيئة المدرسية ، ولا يتشكل الغطاء الا من خلال بعض الطلبة الذين من الله عليهم بعائلة رياضية ،تدخلت الوراثة بصياغة جيناتهم ، فاظهروا بعضا من القدرات التي يستثمرها بعض المعلمين في لقاءات المناطق والوزارات اعتمادا على العب والتوكل.

وهذا بالطبع لايلغي بعض الواقع المشرق في مدارس خصها الله بمعلم تخصص بالرياضة فاتقنها ،اوعشق الرياضة فتفوق عشقه حتى على دارسيها ، ولكي تتضح الفكرة ساطرح مجموعة من التساؤلات التي يعرف الجميع دلالاتها ومؤشراتها ولكن لسبب اوآخر لا توجد ارقام رسمية حول معظمها ،وكل الاسئلة حول فلسطين ،
ما هوعدد كليات وأقسام التربية الرياضية التي تخرج حملة اللقب الاول والثاني والدبلوم ؟
وما هو عدد معلمين التربية الرياضية العاطلين عن العمل ؟
وما هو عدد المدارس التي لا يوجد بها معلم مختص في التربية الرياضية ؟
وما هو عدد الصفوف والطلبة المغيبين عن حصة رياضية حقيقية بسبب كشكول الحصص الموزع ؟
وما هو عدد حصص التربية الرياضية للمرحلة الاساسية الدنيا او العليا او الثانوية ؟
وما هوعدد الدقائق للتمرينات الرياضية اثناء طابورالصباح ؟وما هي نسبة انتشار التدخين والسمنة ، والتشوهات القوامية بين طلبة المدارس ؟
وما هي عدد البحوث والدراسات الطبية والصحية والعلمية التي ئؤكد العلاقة المباشرة بين ألنشاط البدني والوقاية من السمنة والتدخين ، والسلوك الخاطئ ؟
وما نسبة العنف و" العربدة " داخل المدارس ؟
وما هي عوالم الطلبة النفسية ومفهومهم عن ذاتهم ونظرتهم للآخر والفوز والخسارة .....؟؟
وما هوعدد كتب التربية وعلم النفس التربوي ، وعلم نفس النمو ، التي بنيت عليها المناهج تبعا للمراحل العمرية والصفات البنائية وكان من اهمها التعلم الحس حركي وبناء الشخصية المتوازنة ؟

اسئلة تحتاج لمواجهة اجاباتها ، ويلح التساؤل الاخطرحول سبب هذا التراجع الحاد في تحمل مسؤولياتنا اتجاه الطلبة ومتطلبات مراحل نموهم ، من خلال تقليل نسبة حصص الرياضة في نصاب المراحل جميعها ، وتقليل نسبة الموازنات للادوات والمنشآت الرياضية ، حتى الملاعب القديمة تآكلت وتحولت لمباني وصفوف دراسية في معظم المناطق ، رغم ادراكنا بأن عدم توفرالظروف الطبيعية والداعمة لأي مرحلة نمائية ، هوتشوه او مرض او نقص أوضعف في احد ابعاد الشخصية الاربع .

من الممكن كتابة هذه المقالة بنوع من الدبلوماسية والتحايل على الكلمات ولكن من الصعب التنصل من تحمل المسؤلية عندما ندرك بحكم تخصصنا و طبيعة عملنا احد مواطن الخلل او الضعف في مجتمعنا وانعكاسها على الانسان الثروة الوحيدة في فلسطين ، ان هذا الطرح لجزء من حقيقة واقع الرياضة المدرسية لا يقصد به الاتهام بالتقصير لوزارة التربية والتعليم، انما تشكيل صوت ضاغط وداعم باتجاه ما تبذله في مسعاها لتطويرالمناهج وتحسين البيئة التعليمية ،وهي جهود محمودة و مطلوبة لكنها بطيئة وغير كافية ، وتحتاج لتكاملية وظيفية مع مؤسسات المجتمع المحلي والوزارات ذات العلاقة ،والاهم التواصل مع صانعي السياسات،ان التهاون باي قضية صحية او تعليمية ،هوكارثة ذات ابعاد خطيرة على الحاضر ، ومدمرة لصياغة حقيقية للمستقبل ، وتهديد لاسس بناء القاعدة الهرمية لتشكيل المجتمعات .

نتحمل جميعا كجهات رسمية واهلية مسؤلية اظهارالمشكلات وتعريتها بكل صدق امام صانعي القرار، ليكونواعلى دراية تامة بحقائقها ومؤشراتها ، حتى يتمكنوا من بناء استراتيجيات تستجيب للواقع وتسعى للتطويروالتقدم ، مؤكد اننا لا نعاني من ضعف او قلة ادراك لاهمية الرياضة ، بدلالة ما اثبتته الحراك الرياضي منذ2007 كأحد قصص النجاح الذي تبنتها الاتحادات الدولية والمنظومة العالمية للرياضة ، لقد نجحت الدبلوماسية الرياضية في وضع فلسطين على الخارطة الرياضية التطويرية العالمية ، وما نحتاجه العمل ضمن الدبلوماسية الرياضية الداخلية من خلال وضع الرياضة المدرسية على خارطة اهتماماتنا السياسية والاقتصادية ، فهي احد المنافذ الهامة والمؤثرة لاعادة صياغة النسيج الشبابي بما يتلائم مع متطلبات الواقع الذي نعيشه ،وحمايتهم من مظاهر تشكل الرياضة احد اهم موانعها ، ليكونوا حماة مشروعنا الوطني .

على صناع القرار ادراك ان قلة عدد حصص الرياضة وانعدام العدالة الرياضية في الممارسة داخل المدارس بسبب التوزيع الجغرافي والجنسي ،هي من مسببات العديد من المظاهر بين الاطفال والشباب واخطرها اشكال الادمان المختلفة كالتدخين والانترنت ،وانتشارالعديد من الامراض والتشوهات وانعدام الثقة والمظاهر النفسية المقلقة . كما ان شيوع البطالة بين خريجين التربية الرياضية في نفس الوقت الذي تعاني فيه المدارس من قلة المعلمين المتخصصين هو خلل في التخطيط والاستيعاب لموارد البلد البشرية والمالية ، واجهاض قسري لكل ما تسعى الرياضة التنافسية والاتحادات الوطنية لتعميقه حول الاتجاهات الايجابية في ممارسة ودعم الرياضة في المجتمع ، لان الصورالمنعكسة عن هذه البطالة تخلق اشكاليات من عدم الفهم او عدم الثقة، وانهيار لبعض القيم الاجتماعية بين الخريجين .

ندرك ان وزارة التربية والتعليم تسعى لتطوير الاداء والاستجابة للتحديات ، ولكن نظرية الاولويات ضمن الامكانات المادية ليست الحل المقبول والذي يتعامل مع الرياضة انها في ذيل الاولويات، رغم ان النظريات التي تقوم عليها المناهج وضعت النمو البدني والعقلي في سلم اولويات التعليم لتحقيق الشخصية المتوازنة وخاصة في المراحل الاولى ، الا ان فجوة كبيرة حدثت بين النظرية والتطبيق حين خفضت نسبة حصص التربية الرياضية وخاصة لدى الصفوف الدنيا ، وشبه ملغاة للصفوف الثانوية ، والمطلوب ان يكون معيار الاولويات يحمل دلالات وابعاد استراتيجية في نوعية النشئ الذي نضع المناهج والخطط من اجله ، وان نتبنى سياسات تسعى لتطوير اداء المجتمع والنسيج المجتمعي المبني من افراد منتجين اصحاء مارسوا حقوقهم ليتمكنوا من اداء واجباتهم ، والاهم تمتعهم بصحة نفسية جيدة كفيلة بتيقن من مواطنتهم .