الثلاثاء: 24/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

سمك خطير على موائد غذاء أهل غزة!

نشر بتاريخ: 24/03/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:01 )
سمك خطير على موائد غذاء أهل غزة!
غزة- معا - يقال في غزة إن الفول والعدس هما بروتين الفقراء، كما يقال إن السردين هو سمك المساكين لإنخفاض سعره ووفرته – 10 شيكل للكيلو – ولكن هل تعلم أنه بامكانك شراء كيلو سمك فيليه لحم صافي مقابل 12 شيكل فقط؟!

يتوفر هذا النوع من السمك وبكثرة في كافة محلات المجمدات في قطاع غزة وبعض محال "السوبر ماركت"، ومكتوب على المغلف سمك فيليه صنع في فيتنام واسمه العلمي "بانغاسيوس" أو سموها إن شئتم "أقذر سمكة في العالم"!

اسفنجة!

ويروي أحد المواطنين الغزيين أنه اشتهى في الحرب الأخيرة تناول السمك، وبسبب عدم وجود صيد في تلك الفترة فإنه قام للمرة الأولى بشراء هذا السمك من أحد محال "السوبرماركت" الشهيرة في غزة.

ويضيف المواطن: "طهوت شرائح فيليه هذا السمك بطريقتين بالقلي والشوي، ولكني فوجئت أنه في الحالة الأولى تشبع بالزيت وامتصه كأنه اسفنجة، وفي الثانية أصبح رخواً وهلامياً بشكل يختلف كثيراً عن الأسماك المحلية، لقد تناولته وأصبت بمغص في المعدة وإسهال".

تحذيرات

وبينما يرفض الكثير من الناس شراء أنواع معينة من السمك "البلدي" الطازج بدعوى أنه يتم اصطيادها من مسافات قريبة، حيث يعتبرون أن نسبة تلوثها عالية جداً كـ "بوري الميناء" مثلاً لا حصراً، نجد أن الكثير من الناس يشترون "فيليه البانغاسيوس" الذي يحتوي على نسبة خطيرة من التلوث والذي حذرت تقارير طبية وصحفية مختلفة من أن تناوله بكثرة قد يسبب الإصابة بمرض السرطان.

وعلاوة على ذلك فقد كشفت تقارير سعودية ومصرية أنه تم العثور في عينات من هذه الأسماك على بكتيريا الليستيريا بنسب متفاوتة وحذرت من أن هذه البكتيريا قد تؤدي عند المرأة الحامل الى الولادة المبكرة أو الإجهاض وفي بعض الحالات الى تشوهات لدى الجنين.

البديل

واستغرب نزار عياش نقيب الصيادين بغزة اعتبار المواطنين لهذه الأنواع من الأسماك على أنها خيار أول من حيث الجودة والسعر فقال : "لا أعرف بيئة هذه الأسماك وكيف تتغذى، ولكن في سوقنا أسماك رخيصة وطازجة كالسردين والسكمبله والبوري والمرمير والبرش التي يتراوح سعرها ما بين 15-20 شيكل".

وأضاف عياش: "لولا قيود الإحتلال في الصيد لكانت كل أسعار سمحر البحر الطازجة في متناول الجميع، ولكن قيود الإحتلال وشح الوقود وغلاؤه أسهمت في ارتفاع أسعار السمك عموماً".

بيئة خطرة

ويعيش هذا النوع من السمك في نهر الميكونغ في فيتنام، والذي يعتبر أكثر الأنهار تلوثاً في العالم، حيث تصب فيه شبكات الصرف الصحي المحلية والنفايات الصناعية والبتروكيماوية، والأخطر من ذلك أن مياه النهر تعالج بعدة مواد كيميائية للقضاء على الميكروبات والجراثيم منها "الميلا مايت غرين" المسببة للسرطان.

كما كشفت دراسة مصرية أن هذا النوع من السمك ملوث بنسب من معادن ثقيلة كالزئبق والرصاص والكاديميوم والتي يؤدي تراكمها الى تأثيرات خطيرة على صحة المستهلك مستقبلاً ومنها السرطان.

ويبدو هذا النهر أشبه بمستنقع راكد وعكر، فيميل لون الماء فيه الى البني الداكن، وقد كشفت تقارير صحفية فرنسية أن الخبراء في فيتنام كي يتغلبوا على مشكلة موت الأسماك في هذه البيئة القذرة، أوجدوا طريقة لزيادة خصوبتها وتكاثرها حيث تحقن اناث الأسماك ببول النساء الحوامل المحتوي على هرمون "HCG" الذي يسمح للسمكة الواحدة بوضع 4 أضعاف العدد الطبيعي من البيض!

هذا ليس كل شيئ بل إن هذه الأسماك تقتات على فضلات طعام الأسر الفيتنامية القروية البسيطة التي لا يتعدى دخلها 100 دولار شهرياً وتمتهن تربية هذه الأسماك كمصدر دخل وحيد.

وحذر تحقيق صحفي مصري نشرته صحيفة الأهرام إلى أن هذه الأسماك تأكل أي شيء، فتتناول فضلات الطعام والغذاء فاسد، بالإضافة إلى الحيوانات والطيور النافقة التي يلجئ القرويون الفيتناميون لتقديمها إلى أسماكهم.

ورغم أن هذه المعطيات تقشعر لها الأبدان إلا أن مربيها لا يرمش لهم جفن ازاء ذلك، ولا عجب عندما نعرف أن الفيتناميين يأكلون الكلاب والقطط وحيوانات أخرى لكم أن تطلقوا لخيالكم العنان عن ماهيتها.

شائعات ؟!

وقال محمود حميد نائب مدير الطب الوقائي بغزة: "لقد أوقفنا استيراد التجار لهذه الأسماك الى غزة لفترة من الزمن بعد ما أثير حولها".

لكنه استدرك قائلاً : "ولكن حجز الإحتلال حمولة من هذه الأسماك في ميناء اسدود فيما بعد وفحصها وأجاز ادخالها".

ودعا حميد الى توخي الحيطة والحذر ازاء ما يشاع حول هذه الأسماك قائلاً : "ليس كل ما نقرأه في الانترنت صحيح، وطالما أن الاحتلال فحصها وسمح بدخولها بالتالي هي سليمة".

كيل بمكيالين

وعلى النقيض، كشف د. رائد الجزار مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية بغزة أن الإحتلال ليس مسؤول عن جودة وصلاحية ما يدخل إلى القطاع وأنه ليس كل ما يدخل الى سوقنا يسمح بدخوله الى السوق الإسرائيلي.

وأضاف: "الإحتلال يفحص ما يأتي ليتقاضى أموالاً من التجار وهو غير معني بصحة وسلامة المواطن الفلسطيني كما هو معني بسلامة مواطنيه".

وأكد الجزار أنه قد يُتخذ قرار بحظر استيراد المزيد من هذه الأسماك ومصادرة الكمية الموجودة بالسوق درءاً للشبهات، حيث شدد قائلاً : "طالما أن هذه الأسماك ممنوعة في العديد من الدول العربية فنحن أولى في أن نجنب أبناء شعبنا ضررها إن وجد".

اجرائات وتشريعات

وراج مؤخراً عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل فيديو بثته قناة "mbc" يكشف عن خطورة هذه الأسماك، وأن أسواق السعودية تكتظ به، لتنطلق في المملكة حملة ضخمة لجمعها واتلافها، وتصدر بعد ذلك تشريعات لتشديد الرقابة على استيراد كل أنواع الأسماك إليها، وقد حدث الأمر ذاته في الأردن والعراق وبدرجة اقل في مصر حيث من الصعب رقابة السوق المصري المفتوح والكبير.

ويسيل لعاب العديد من التجار العرب ازاء التعامل التجاري مع هذا السمك الرخيص سواء باستيراده إلى الأسواق العربية، أو حتى إعادة تغليفه وبيعه وكأنه أحد منتجات الثروة السمكية المحلية.

ورغم أن هذه الأسماك كانت تباع في السعودية مقابل 8 ريالات وفي مصر مقابل 10 جنيهات إلا أنه بالإضافة الى الشكوك حول جودتها تباع فيالسوقالفلسطيني في غزة مقابل 12 شيكل، ورغم أن السعر أيضاً يعتبر زهيداً ومتاحاً للفقراء, يتجه الكثير من متوسطي الدخل وميسوري الحال على حد سواء نحو شراءه لإعتقادهم أنه سمك فيليه فاخر.

وكانت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية "FDA" قد أصدرت تحذيرات شديدة من تناول هذه الأسماك واستيرادها الى السوق الأمريكي ما حذا بولايةألاباماوميسسيبي ولويزانا بحظر الإتجار فيه، كما منعت فرنسا بيع كل أنواع السمك الفيتنامي وليس البنغاسيوس فحسب حيث حظرت الباسا والسلور وغيره من أسماء فصيلة الفؤوس التي تشتهر بها فيتنام وبعض دول جنوب شرق آسيا.

مغشوش

من جانبه، أكد زياد أبو شقرة مدير عام هيئة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد بغزة "أن الوزارة ستجري فحصاً موسعاً لهذه الأسماك وأن قراراً بهذا الصدد سيصدر خلال أسبوعين على أبعد تقدير".

وأضاف: "لا يوجد لدينا أجهزة فحص مختصة تعطي نتائج قاطعة حول ذلك، ولكننا سنرسل عينات الى جامعة الأقصى لتحليلها حيث جلبت مؤخراً جهازاً يقوم بذلك".

وبين أبو شقرة أن هذا النوع من السمك لا يبلغ وزنه الصافي كيلو غراماً كما هو مكتوب في المغلف حيث أن الفيتناميين يحقنون شرائح الفيليه بالماء لزيادة وزنه!

كالقط والفأر

ورغم أن غزة تعتبر مساحة جغرافية صغيرة إلا أن سوقها يعتبر من الأسواق المفتوحة التي من السهل دخول مختلف البضائع والمنتجات اليها بدون التحقق من المصدر وجودته وكثير من البضائع الغذائية لا يتم فحصها الإ بعد دخولها وانتشارها في السوق المحلي.

وتلعب الهيئات الرقابية في غزة مع بعض التجار لعبة القط والفأر حيث يسعى التاجر الى الربح بأي ثمن مستغلاً عدة ثغرات رقابية واجرائية، وتعززت هذه الحالة في ظل حالة الحصار وسعي المواطن نحو منتج رخيص والتاجر نحو ربح وفير، وازدرهت بشكل أكبر عندما راجت تجارة الأنفاق الحدودية بين غزة ومصر.

ورغم أنه قد لا يتم العثور على شيئ واضح وجلي في هذه الأسماك، إلا منشئها وبيئتها كفيلان باثارة الريبة حول فوائدها وأضرارها، وكثيراً ما قامت الجهات المسؤولة في غزة بمنع تداول أنواع المرتديلا -مثلاً لا حصراً - رغم أن فحصها سليم!

ولكن الزيارة الميدانية المفاجئة لمكان التصنيع كشفت طحن ريش وأظفار وعظام ورؤوس الدجاج في عملية تحضير هذه المرتديلا، ولكن للمفارقة فإن عملية الفحص لوحدها للمنتج لم تكشف عن شيء ولكن الضرر والخطر واقعين لا محالة بالنظر إلى شكل المنتج قبل وصوله بشكله النهائي للمستهلك!

وزير الصحة السابق الدكتور فتحي ابو مغلي كان قد أصدر قراراً عام 2012 بإتلاف جميع أسماك "فيليه باسا" الموجودة بالضفة، وذلك استناداً إلى المادة (27)من قانون الصحة العامة رقم (20) لعام 2004، وبناءً على توصية من النائب العام.

لكن تجار وموردين تمكنوا من تجميد الحظر بعدما أثبتت اختبارات وتحاليل محلية في الضفة سلامة هذه الأسماك.

المعلومات المذكورة في هذا التقرير والمثبتة بالمستندات والتي باتت موجودة في أدراج مكاتب وزارة الاقتصاد الوطني في غزة ستفتح الباب على مصراعيه للتساؤل, ماذا يوجد في سوقنا أيضاً ولا نعلم عنه شيئاً!؟

تقرير:محمد رمضان النخالة