الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مثقفو غزة.. بين الرضوخ أو التمرد المحفوف

نشر بتاريخ: 29/03/2015 ( آخر تحديث: 29/03/2015 الساعة: 16:13 )
مثقفو غزة.. بين الرضوخ أو التمرد المحفوف
غزة- خاص معا- يعيش المثقفون في غزة بين فكي كماشة، فمن جهة يواجهون إهمال الجهات الرسمية ومن جهة أخرى يحد الحصار من قدرتهم على التنقل والمشاركة في المهرجاناتوالمسابقات العربية والدولية.

الواقع المرير في غزة دفع الكثير من الكتاب والمبدعين إلى التفكير بالهجرة، ومنهم من بادر لركوب البحر ليكون مصيره الغرق مثل الفنانمحمود العبادي الذي خرج من القطاع قبل خمسة أشهر مهاجرا على متن قوارب الموت فغرق قبالة السواحل الايطالية.

وحالالشاعر سليم النفار ليس بأفضل عن حال سابقه فقد حرمه الحصار أكثر من فرصة للمشاركةفي مهرجانات خارجية، وليفقد بذلك فرصة للتواصل والاحتكاك مع نظرائه من الكتاب والشعراء العرب والدوليين.
ويرى يسري درويش رئيس اتحاد المراكز الثقافية في غزة والشبكة الوطنية الفلسطينية لمؤسسة آنالند للحوار بين الثقافات أن الظروف الصعبة دفعت امثال العبادي للبحث عن مخرج لابداعاته لكن الظروف لم تواتيه وفقد حياته ثمنا لنضاله ورفضه للاذعان للواقع الصعب.
323779*يسري درويش
ورفض درويش ما يتداوله كثيرون بأن غزة قاتلة للإبداع ولا تسمح بالتطور، مُرجِعا ما يواجهه المثقفون إلى تقصير الجهات الرسمية في رعاية اعمالهم وابداعاتهم.

وقال: "هناك جهد مبذول من قبل الجميع سواء في قضايا المسرح والفن التشكيلي والشعر والأدب والسينما، ولكن على المستوى الرسمي لا يوجد اهتمام.

ويرى رئيس اتحاد المراكز الثقافية في غزة أنه في ظل غياب الدعم الخارجي للثقافة، فإنه يتحتم علىمنظمة التحرير والسلطة تقديم الدعم للمشهد الثقافي الفلسطيني وخاصة في غزة.

ويعانياتحاد الكتاب من الشلل لقلة الدعم، مما يبقي كثيرا من المثقفينوالمبدعين رهن الأعمال الفردية.

وأضاف درويش أن الأوضاع السياسية والخلاف القائم بين فتح وحماس أثّر على العمل الثقافي بشكل مباشر.

ويضم الاتحاد العام للمراكز الثقافية في غزة 52 مؤسسة منتشرة بالقطاع، تقدم الندوات الثقافية واللقاءات وتحيي المناسبات الثقافية سواء بالفرق الفنية أو التمثيل المسرحي أو باقي اشكال الفنون.

أما الشاعر سليم النفار فأرجعالأثر السلبي للحالة الثقافية إلى سببين، الأول:"الإنقسام السياسي وما أفرزه منتكميم للأفواه وكبت للحريات"، أما السبب الثاني فيرى النفار أنه يعود إلى تمركز المؤسسات الرسمية في الضفة، مما خلق فجوةكبيرة أدت إلىضعف الاهتمام بالمؤسسات الثقافية في غزة لدرجة عجز الكتاب عنطباعة أعمالهم الادبية وعدم القدرة على المشاركة في الفعاليات العربية والدولية.
واتهم السلطة بعدم اعطاء الاهتمام الكافي للثقافة والمثقفين، ودليل ذلك الميزانية التي ترصدها السلطة لوزارة الثقافة والتيلا تتعدى الكسور العشرية منالميزانية العامة.

وقال "قبل الحرب بشهرين صدر لي ديوان جديد في الأردن بعنوان (حالة وطن) ولم يصلني منه إلا بعض النسخ بسببالحصار وعدم إمكانية التواصل مع الإخوة بالضفة والأردن لجلب نسخ منه"، مشيرا إلى أنه كان من المفترض مغادرته للأردن للمشاركة بحفل توقيع الكتاب لكن الاحتلال منعه من السفر.

المخرج فايق جرادة يرى أن الحالة الثقافية تأزمت نتيجة الإنقسام والحصار.

وقال: "نحن بحاجة لمؤسسة تحتضن المواهب المبدعة لدى الشباب"، ويرى أن صناعة السينما في فلسطين بشكل عام بحاجة للمال الوطني الذي هو مغيب وذاهب للسياسة والتنظيمات وغيرها.

وأضاف "لكن بإمكاننا العمل سينمائيا بصريا وهناك شباب قادرون على صناعة الافلام نتيجة ثقافة الصورة من خلال التكنولوجيا الرقمية وكاميرات الديجتال".

وعلى صعيد الفيلم شاركت غزة في العام الحالي بأكثر من 15 فيلما في 7 مهرجانات عربية دولية وفاز منها 5 أفلام وهذا يدلل وجود جيل شبابي مبدع وواقع فني بإمكانه التطور ويحافظ على مستقبل الشباب.

الفنان التشكيلي فايز السرساوي رأى أن هناك جهودا على المستوى الفرديبمشاركة بعض المجموعاتفي محاولة لكسر الجمود الثقافي، عبر إقامة معارض فنون تشكيلية وعقد ندوات وأمسيات أدبية وإن كانت بوتيرة متباعدة، حسب قوله.

وأكد أن غياب الدعم الرسمي للفنانين والمثقفين دفعهم ليكونوا رهينة دعم بعض المؤسسات المدنية وفق رؤى محددة سلفا تراعي اهداف الداعم وليس المثقف نفسه.

ويرى السرساوي أنه في ظل الإنقسام ﻻ يستطيع الفنان التعبير بحرية عن أفكاره وهواجسه خشية التصادم مع رؤية السلطة القائمة، داعيا إلى إنشاء صندوق دعم للفنان المبدع وتخصيص منحة التفرغ الفني وهو أمر سيساهم في تنشيط الحياة الفنية وتشجيع الفنانين لمزيد من العمل والإنتاج.

مصطفى الصواف وكيل وزارة الثقافة في قطاع غزة يرى أنه على المستوى الرسمي فإن الوضع الثقافي في أدني حالاته نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية.

ويقول الصواف لمراسل معا: "أما على المستوى الخاص أو المنظمات والمراكز والجهات غير الرسمية هناك حراك ولكن ليس كما يجب، لأسباب متعدة جزء منها الوضع السياسي والحالة التي يتعرض لها الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة".

ويضيف "المفترض أن تكون وزارة الثقافة الفلسطينية واحدة من الوزارات ذات السيادة لأنها تعمل على بناء العقل والشخصية الفلسطينية".

ويؤكد أن الحكومات جميعها لم تعط الوزارة حقها وأن اختيار وزراء الثقافة مبني على أساس الترضية لهذا الفصيل أو ذاك، بالإضافة إلى إهمال ميزانيات الوزارة لتعمل وفق نظرية الحد الأدنى.

ويقول: "نحن في الوزارة بغزة نتعامل مع كل المثقفين بغض النظر عن توجهاتهم لكن لا يوجد ما نقدمه إلا الرعاية الأدبية".

وتابع "الآن الواقع سيء إلى حد كبير في ظل وجود قطعية مع وزارة الثقافة في رام الله"، مضيفا "بعد الاعلان عن حكومة التوافق زارنا وزير الثقافة ساعة وبعدها لم يأت للوزارة ولا احد يعرف عن احد شيء".

ومهما كانت الأسباب التي تقف وراء اضمحلال الحالة الثقافية في غزة، إلا أن المثقفين يقفون حائرين بين الرضوخ للواقع أو التمرد الذي قد يكون ثمنه أكبر بكثير من السكوت.

تقرير: أيمن أبو شنب