الجمعة: 04/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

المدينة الذهبية.. تحت البيوت وداخل حصون

نشر بتاريخ: 05/04/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:09 )
المدينة الذهبية.. تحت البيوت وداخل حصون
الخليل- تقرير معا- ليس من باب الترّف او حباً بالألقاب أن يطلق محافظ الخليل كامل حميد، لقب "المدينة الذهبية" على مدينة الخليل، هذه المدينة التي تُصنع ما يزيد عن 60% من الذهب المشغول في فلسطين، كما أن الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة، يفخر بأن صناعة الذهب تأتي في المرتبة الثانية من حجم التداول بعد صناعة الحجر، وهو في المرتبة الرابعة من حيث الدخل القومي، ويُقدر حجم مدخرات الناس في فلسطين من الذهب بنحو 80 طناً أي ما يُعادل 4 مليار دينار أردني، وقد ترتفع هذه الكمية كون الذهب أفضل خيار للادخار والاستثمار فأسعاره ترتفع باستمرار فهو من المعادن النادرة وهو آمن من التضخم والاضطرابات الاقتصادية.

57 مصنع ومشغل للذهب في الخليل

بحسب سجلات الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة، وإدارة دمغ المعادن الثمينة يوجد في فلسطين 800 مصنع ومشغل للذهب 57 منها في الخليل، يضاف اليهم عدد قليل لم يحصل على تراخيص بعد من إدارة دمغ المعادن الثمينة، وهذا يعني أن ما نسبته 95% من الذهب الموجود بين أيدي الناس هو صناعة وطنية، و 60% من الذهب الموجود في السوق الفلسطيني، يُصنع ويُصاغ في الخليل.

القواسمي: نموذج يحتذى

تطورت صياغة الذهب في فلسطين خلال 20 عاماَ مضت، بفضل جهود العاملين في هذا المجال، ولعل أبرزهم أحمد غازي القواسمي، والذي تعلم مهنة الصياغة في إيطاليا عام 1984، وعمل هناك حتى العام 1993 حيث عاد للوطن وقرر مع اشقائه الثلاثة، إنشاء شركة لصياغة الذهب، وبعد 22 عاماً يقوم بافتتاح شركة لصياغة الذهب ما يميزها أنها الشركة الوحيدة في فلسطين، والتي تقوم بفصل المعادن عن بعضها البعض وخاصة الذهب من مخلفات المصانع والمنشآت الفلسطينية.

وفي هذا السياق يقول القواسمي: كنا كعاملين في مجال صياغة الذهب، لغاية شهر من الآن نقوم بارسال مخلفات عملنا الى شركات اسرائيلية لفصل الذهب عن المعادن الأخرى، واليوم، أصبحنا نقوم بهذه العملية من خلال شركتنا الوحيدة في فلسطين".

وأضاف القواسمي والذي يشغل منصب أمين سر مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة محافظة الخليل، وكذلك أحد مجلس إدارة الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة:" على مدى الأعوام الماضية، كنا نشتري كل مستلزمات مصانعنا ومشاغلنا من السوق الاسرائيلي، وبعد دخول السلطة الوطنية الفلسطينية الى فلسطين، تمكنا وبجهود حثيثة من الحصول على وكالة 20 شركة أوروبية تعمل في مجال العدد ومستلزمات صياغة الذهب، وهذا جعل المهنة تتطور باستمرار فقطع الغيار متوفرة وكل ما تحتاجه مصانع الذهب بات متوفراً بين أيدينا".

القواسمي افتتح مؤخراً شركته في الخليل، ويعمل بها 30 موظفاً وموظفة ما بين فني وصانع وإداري، اكثر من نصفهم من الاناث، بضمنهم 4 موظفات متخصصات في الكيمياء، تم توظيفهم في قسم فصل المعادن والذي يُعتبر من اهم الاقسام في الشركة، وسوف تعتمد على خدماته الكثير من مشاغل ومصانع الذهب سواء كانوا من الخليل او من المدن والمحافظات الفلسطينية الأخرى، كونه متخصص في فصل الذهب، حيث تقوم تلك المشاغل بارسال مخلفاتها الى الشركة لتقوم بفصل الذهب عن المعادن الأخرى بطرق علمية وبأحدث الآلات المستخدمة في هذا المجال.

ويُشاطر القواسمي الرأي في ذلك، المهندس محمد غازي الحرباوي رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة محافظة الخليل، ورئيس الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة، حيث قال:" كنا في السابق نُرسل مخلفات مصانعنا الى السوق الاسرائيلي، وكذلك حينما كنا نحتاج الى اي قطعة أو أداة نشتريها من السوق الاسرائيلي، اما اليوم فلدينا اكتفاء ذاتي، ونسبة الصناعة المحلية من الذهب وصلت الى 95%".

وتابع الحرباوي: "بعد هذا التطور في صياغة الذهب في فلسطين تم ضخ العشرات من الملايين في هذه الصناعة ونحن نتفوق على عدة دول مجاورة في الصياغة بفضل استخدامنا للتكنولوجيا الحديثة، في حين لا زالت هذه الدول تعتمد على الايدي العاملة".

من جانبه قال محمد نافذ الحرباوي، رئيس ملتقى رجال الاعمال الفلسطيني:" كان السوق الفلسطيني سابقاً يعتمد على استيراد الذهب المشغول من الخارج، وفي الخليل ايضاً كان يتم جلب الذهب من مشاغل خارج الخليل، واليوم بعد سنوات طويلة أصبحت الخليل تشكل ثقلاً كبيراً في عملية شغل الذهب، نتيجة للتطور الهائل الذي طرأ على هذه المهنة، ووجود 57 مشغل يُشغل العشرات من الايدي العاملة الماهرة، اصبحت الخليل تنتج أصناف وأشكال عالمية ذات جودة عالية، وهناك بعض المحاولات لتصدير الذهب الى دول عربية".

تحت البيت وداخل حصون

أصحاب مشاغل الذهب، ونظراً للقيمة العالية له، يخشون تعرضهم للسرقة باستمرار، فكان الحلُ الأمثل من وجهة نظرهم، فتح مشاغلهم الصغيرة تحت منازلهم، وفي حصون محصنة، لا يُسمح لاي فرد من العائلة بالحديث عن مشغلهم، او حتى بالسماح لأشخاص بالعمل معهم من خارج نطاق الاسرة الواحدة.

وفي هذا السياق يقول أحمد القواسمي:" كانت هذه الصناعة مخفية عن العيون، بفعل عدم الاستقرار الأمني، فكان يلجأ أصحاب المشاغل لفتح مشاغلهم تحت بيوتهم، وتحصينها بالأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة، حتى يُخيل لك حينما تدخل إحداها بأنك داخل الى معسكر، أما اليوم فنحن نفخر بقوى الامن الفلسطيني، وبالمؤسسة الامنية، وبقيادتنا الفلسطينية، التي وفرت لنا الأمن، وشجعتنا على تطوير مهنتنا".

وأضاف:" لقد قمنا بافتتاح مصنعنا وهو موجود أمام الجميع، بفضل الأمن والاستقرار الامني في المنطقة، اضافة للقوانين والتشريعات الناظمة لمهنة صياغة الذهب، كما أننا القطاع الوحيد الذي يدفع الضريبة قبل أن يبيع الذهب".

ويوضح محمد غازي الحرباوي:" نحن في الاتحاد الفلسطيني للمعادن نفخر، بأننا شركاء مع القطاع العام في وضع القوانين والتشريعات الناظمة لعملنا، وبدأنا في ذلك العام 1995، وهذا يُشكل أول شراكة حقيقية بين القطاع الخاص والعام، وهذا التعاون أثمر عن خروج تشريعات تعمل على تطور قطاع الذهب ويحميه".

من جانبه أكد محافظ الخليل كامل حميد، على اننا ما نراه في قطاع الذهب والمعادن الثمينة، دليل على الابداع والانجاز الحقيقي الفلسطيني، لقد قدمت السلطة الوطنية الفلسطينية كافة التسهيلات لهذا القطاع، حتى يستطيع القائمون عليه الاستفادة منه وتطوير المهنة التي تعتبر رابع اقتصاد مهم في الوطن".

وتابع المحافظ:" هناك تعليمات مشددة لتوفير أقصى درجات الأمن في محافظة الخليل، وثقة المواطن بالعدالة والأمن جعلت هذا القطاع ينمو باستمرار، وسنعمل على ربط مصانع ومنشآت الذهب بغرفة العمليات المشتركة للشرطة، نريد أن نرى هذا القطاع الذي نعتز ونفخر به بفضل الايدي العاملة والمهرة والمدربة تدريباً عالياً، ويقف خلفهم رجال كأمثال أحمد القواسمي ومحمد غازي الحرباوي نريد أن نراهم يصدرون منتجاتهم لخارج الوطن".

سرقة ومحاولة قتل

مما لا شك فيه، بأن من يعمل في قطاع الذهب معرض في أي لحظة لمحاولة سرقة أو قتل، فقبل شهرين تعرض أحد العاملين في الذهب لعملية سرقة تحت تهديد السلاح، حيث سُرق منه ما يزيد عن 7.5 كيلو غرام من الذهب حينما كان عائداً للخليل، كما تعرضت محال كثيرة للسرقة، وأخطر شيء عليهم هو عملية نقل الذهب، حيث يصبحوا اهدافنا للخارجين على القانون.

وقال محمد نافذ الحرباوي، رئيس ملتقى رجال الاعمال الفلسطيني:" قطاع الذهب مهم جداً في الاقتصاد الوطني، ويشكل رافداً مهماً للخزينة الفلسطينية، من خلال دفع رسوم الدمغ المسبقة وضريبة القيمة المضافة على شُغل الذهب، فعلى الحكومة الفلسطينية ان تولي هذا القطاع اهمية قصوى من حيث توفير الامن والحماية، خاصة وأن الخطورة تكمن في عمليات نقل الذهب، وعلى أصحاب مشاغل ومصانع الذهب التفكير بطريقة أكثر أمناً في عملية النقل واستخدام شركات الحماية المتوفرة لدينا".

وأشار محمد غازي الحرباوي الى تعرضه لمحاولتي قتل خلال عمله مع الذهب، وأضاف:" تفادياً لما حدث مع زميلنا في العمل، ولمنع وقوع احداث مستقبلية لا تُحمد عقباها، توجهنا الى شركات الحماية والعاملة في نقل الاموال، لوضع تصور معين لنقل الذهب سواء في داخل المدينة الواحدة أو بين المدن الفلسطينية، حيث اصبح ذلك حاجة ماسة بعد وقوع الحادث المؤسف".

وزاد في حديثه:" من خلال عملي كرئيس للغرفة التجارية في محافظة الخليل، حصلنا على موافقة من الجانب الاسرائيلي لتبادل المصوغات الذهبية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بواسطة سيارات نقل الاموال الخاصة، وهذا سيسهل من عملنا في هذا المجال".

اختلاف القوانين يمنع الاستيراد

منذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية، اصدر الرئيس الراحل ياسر عرفات مرسوماً رئاسياً يقضي بأن يكون الذهب مدخر وليس سلعة وهو معفي من الضرائب والجمارك، وما يتم جبايته في دوائر دمغ ومراقبة المعادن الثمينة، هو ضريبة على شغل الذهب، وفي المقابل تتعامل اسرائيل مع الذهب على انه سلعة.

وأوضح المهندس محمد غازي، بأن اعتبار الذهب مدخرات وليس سلعة، فتح الباب للاستثمار فيه، وبشكل متزايد، وبما ان اسرائيل هي التي تسيطر على المعابر والحدود، لا نستطيع استيراد الذهب الخام من الخارج، وفي حال حُلت هذه المشكلة، وسمح لنا باستيراد الذهب، سيرتفع حجم الاستثمار في الذهب أضعافاً مضاعفة، ونصبح من الدول المهمة عالمياً في تصدير الذهب المصنع بأيدي فلسطينية.

ويؤكد القواسمي، بان شركته ومشاغل ومصانع الذهب الأخرى جاهزة لتصدير الذهب المشغول الى الخارج اذا تم ايجاد حل للاستيراد واختلاف القوانين.

وفي هذا السياق، قال داوود صلاحات مدير دائرة المعادن الثمينة في منطقة الجنوب، بأنه اذا قدر لفلسطين بان تستورد الذهب الخام، بتقديره، سيصبح الذهب في المرتبة الأولى للدخل القومي.

موضحاً بأن دائرة المعادن الثمينة وخلال العام 2014 قامت بدمغ قُرابة 9 طن من الذهب، واقتربت الايرادات من 9.5 مليون شيكل، وقامت الدائرة بدمغ نحو 125 طن تقريبا من المعادن الثمينة في فلسطين، وقد سعت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى تنظيم هذا القطاع، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، فسارعت لانشاء مديرية دمغ ومراقبة المعادن الثمينة، بموجب القانون رقم (5 ) لسنة 1998 وتعديلاته، الصادر عن المجلس التشريعي الفلسطيني، بهدف مراقبة حركة تداول المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، ورفع مستوى الجودة والكفاءة، وتطوير القوانين والأنظمة بما يخدم الوطن والمواطن، وحماية الاحتياط التجاري والمنزلي من المعادن الثمينة، وخاصة الذهب.

تفضيل الذهب المصنع محلياً

يقول رئيس الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة، المهندس محمد غازي الحرباوي:" شاع استخدام الذهب لدينا في فلسطين بشكل عام ومحافظة الخليل بشكل خاص، كمهر يدفعه الزوج لزوجته، أو كهدية تدل على مدى حبه وتقديره لها، ولا زالت هذه العادة موجودة لدينا".

وأضاف:" لا زالت الناس تؤمن بأن أفضل شيء للادخار هو الذهب، فأسعاره ترتفع باستمرار، وتقبل على شراء الذهب المصنع محلياً وغير مطرز او مدعم بأجحار كريمة، ذلك بانها حينما تذهب لبيعه لا تخسر".

ويؤكد رئيس ملتقى رجال الاعمال الفلسطيني محمد نافذ الحرباوي، بان السوق الفلسطيني يستهلك كميات كبيرة من الذهب، وهو مصدر احتياط مهم في فلسطين لكل العائلات ورصيد احتياطي يستثمر في الأزمات.

وطالب مدير دائرة المعادن الثمينة في منطقة الجنوب، داوود صلاحات، المواطنين المقبلين على اقتناء الذهب، بالتأكد من وجود الدمغة الفلسطينية، وأخذ فاتورة رسمية من البائع يوضح فيها وزن الذهب ونوعه وثمنه، وبذلك يكون المواطن قد حمى نفسه، مشيراً الى وجود نحو 80 طناً من الذهب بين ايدي الناس،

وأضاف صلاحات، يمنع تداول او بيع اي قطعة ذهب مهما كانت وكان وزنها، بدون وجود الدمغة الفلسطينية عليها، وفي حال اكتشفنا وجود ذهب بدون دمغة فلسطينية، نتبع الاجراء القانوني في مثل هذه الحالة، مصادرة كمية الذهب وتحويل التاجر للنيابة لوجود شبهة جنائية.

وقدم شرحاً حول طبيعة عيارات الذهب المتعارف عليه لدينا، مشيراً الى أن عيار 24 قيراط درجة النقاء 999.9 جزء في الألف من معدن الذهب، وعيار 22 قيراط درجة النقاء 916 جزءًا في الألف من معدن الذهب، و عيار 21 قيراط درجة النقاء 875 جزءًا في الألف من معدن الذهب، وهو من اكثر الذهب شيوعاً واستخدماً من قبل المواطنين، عيار 18 قيراط درجة النقاء 750 جزءًا في الألف من معدن الذهب، ويكثر استعماله في محافظة بيت لحم، وعيار 14 قيراط درجة النقاء 583.33 جزء في الألف من معدن الذهب، وعيار 12 قيراط درجة النقاء 500 جزء في الألف من معدن الذهب، وعيار 9 قيراط النقاء 375 جزءًا في الألف من معدن الذهب.
تقرير: محمد العويوي