نشر بتاريخ: 28/04/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:09 )
بيت لحم- معا- يغطي شعار كبير جدا يشير إلى لواء العمليات مبنى رمادي معتم من طابق واحد يقع في قلب معسكر "هكرياه " وسط مدينة تل أبيب دون أية إشارة تشير ولو من بعيد إلى السر الكبير الذي يقود إليه هذا المبنى المتواضع .
ولم تمض دقيقة واحد على تسليم مراسل موقع "يديعوت احرونوت " الالكتروني "يواف زيتون" صاحب التقرير المنشور " الاثنين" على الموقع تحت عنوان "نظرة من داخل "بئر" القيادة في معسكر "هكرياه " وهو أهم موقع عسكري إسرائيلي ويشكل مقرا للقيادة العسكرية الإسرائيلية العامة وهيئة الأركان الإسرائيلية والمركز الرئيسي للقيادة والسيطرة، ويقال بأنه صمم لتحمل ضربة نووية" هاتفه الخلوي لدى نقطة الحراسة القائمة في الطابق الأرضي وبعد هبوطه "الدرج" الأول بدأت مشاعره تتغير وبدا يحس بان الأمر لا يتعلق بموقع عادي وكذلك يافطة التحذير المنصوبة على الباب الرئيسي الثقيل والتي تحذر من خطر الأسلحة الجرثومية والنووية تؤكد هي الأخرى بان الحديث لا يعتقد بمجرد موقع عسكري سري أخر، وهناك الكثير من يافطات التوجيه والمكتوبة والمصممة بمستوى عال جدا وتنتشر على كافة الجدران ويمكن ملاحظتها أثناء الهبوط إلى أسفل الموقع باتجاه القلب منه ويعلق كل جندي وضابط في رقبته على الأقل بطاقة ممغنطة واحدة بعضها وهو يفتح كافة الأبواب المغلقة دوما فيما يحتاج الدخول إلى غرف معينة استخدام بصمة الإصبع إضافة للبطاقة الممغنطة فيما تقوم الكاميرات المثبتة بتمشيط الموقع وسقف هذه الغرف تحديدا .
ووصف الصحفي الموقع بقوله بان أهم وأكثر مكان سري يتبع للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية على الإطلاق وهو مخصص لحماية القيادة العسكرية والسياسية في أوقات الحرب حتى من خطر الصواريخ الموجهة ودقيقة الإصابة وتلك التي تحمل رؤوسا نووية .
وقال الصحفي الإسرائيلي الذي سمح له بتصوير الموقع من الداخل بمناسبة الذكرى 67 لإقامة إسرائيل "واصلنا النزول عبر سلالم "درج" قديمة وتقدمنا عميقا إلى جوف الأرض وعمقها ويحظر علينا البوح بعدد الطوابق القائمة تحت الأرض ويبقى هذا الرقم سرا عسكريا وفي ظل غياب أي نوع من المصاعد يمكن تصور الجنود والضباط وهم يتصببون عرقا نزولا وصعودا من والى مكاتبهم ومواقع خدمتهم .
هناك صف لا منتهي من الرفوف الممتدة على جدران الممرات وهي مزدحمة بالأجهزة والمعدات الكهربائية ووسائل الاتصال ما يعيد الناظر إليها الى أيام " اسحاق رابين وموشه ديان وغولدا مئير " حين تنقلوا بين هذه الممرات يصارعون المشاعر المتناقضة الواقعة بين الضياع واليأس والابتهاج والأمل خاصة خلال حرب أكتوبر 1973 حيث يروي بعض ضباط الأركان ومن خدم منهم في قاعدة " بئر الكرياه " بان وصول أي معلومة عن معركة دامية كانت تدور في سيناء أو الجولان كانت تحتاج إلى وقت طويل يمتد إلى ساعات فصلت بين المعلومات المفصلة عن المعركة وبين متخذي القرار القابعين داخل " البئر " لكن اليوم يمكن إدارة الحرب في غزة أو لبنان بالبث المباشر الصادر من عمق الأرض وسط تل أبيب لو أرادت القيادة العسكرية ذلك.
هذا بالضبط ما حدث على سبيل المثال يوم الأول من "أب" الماضي الذي بات يعرف باسم " الجمعة السوداء " في منطقة رفح حينها تواجد رئيس الأركان في مقر القاعدة وحوالي الساعة 9:30 تقريبا بعد ساعة ونصف من بدء سريان وقف إطلاق النار وصلت التقارير الأولية من قيادة المنطقة الجنوبية حول معركة وقع فيها إصابات كثيرة ومخاوف باختطاف جندي حينها هبط "غانتس" إلى موقع القيادة العليا للجيش الإسرائيلي "البئر" وقدم رئيس الساحة الجنوبية في قسم العمليات " العقيد ش " لرئيس الأركان صورة اولية عن المعركة التي قتل فيها قائد الوحدة الخاصة التابعة للواء غفعاتي الرائد "بنيه شرائيل وجندي اتصاله " ليال غدعوني" وتم خطف الجندي "هدار غولدن ".
شاهد "غانتس" من داخل "غرفة العمليات الحربية " الكائنة في قلب موقع القيادة العليا ما يجري في منطقة شرق رفح وذلك عبر شاشات ضخمة تنقل فورا وفي الوقت الصحيح ما يجري في كافة أرجاء المنطقة وجبهات القتال ويمكن من خلال ذات الغرفة الاتصال المباشر والفوري بالطائرات دون طيار وكاميرات المراقبة والأقمار الصناعية ورؤية من تلتقطه من صور ببث حي مباشر .
"بدأنا نتنصت أيضا إلى الاتصالات التي يجريها اللواء وسمعنا أوامر إدارة المعركة وكيفية إدارة القوات وتوزيع المهام والأوامر على القادة والضباط وكذلك الاتصالات التي كان يجريها أيضا قائد الواء "غفعاتي" الجنرال "عوفر فينتر" وكان بإمكان رئيس الاركان من الناحية الفنية ان يرفع وفي اية لحظة يريدها جهاز الاتصال ويتدخل مباشرة بما يجري وان يتحدث مع قائد اللواء والقادة الميدانين لكنه لم يفعل ذلك لأنه سمع قائد اللواء وهو يدير المعركة بأعصاب باردة وهدوء لذلك سمح له ولبقية القادة أن يواصلوا عملهم دون تدخله وحافظ بذلك على التسلسل الهرمي القيادي ولم يكسر السلسلة القيادية وبالتوازي تحدث رئيس الأركان مع قائد المنطقة الجنوبية "سامي تورجمان" وتأكد من حصولهم على كل ما يريدونه ويحتاجونه " قال رئيس الساحة الجنوبية في قسم العمليات "العقيد ش " مستعيدا لحظات المعركة القاسية.
فتحت أبواب " البئر" ومقر القيادة العسكرية العليا الصيف الماضي 81 يوما متواصلة وهي أطول فترة يفتح فيها هذا المقر السري على الإطلاق وامتدت هذه الفترة من صباح يوم اختطاف المستوطنين الثلاثة في منطقة "غوش عصيون" إلى أن وضعت الحرب على غزة أوزارها وكانت 30 نقطة سيطرة في غرفة العمليات مأهولة بكامل طاقمها التي تتكون من ممثلين عن كافة الأذرع والفروع التابعة للجيش الإسرائيلي والاستخبارات العسكرية "امان" وسلاح الجو والبحرية والقيادات اللوائية والشاباك والشرطة وغيرها من فروع الامن فيما راقب "غانتس" غرفة العمليات من وراء لوح زجاج ابيض شفاف فيما كان يعقد في غرفة صغيرة اجتماعات طارئة وأخرى لتقييم الموقف وفقا "لتوقيت الحرب" وهذا الأمر يساعد في وضع إطار يمثل روتين إدارة الحرب من قبل هيئة الأركان العامة .
تزين اقتباسات من أقوال الأنبياء جدار هذه الغرفة الصغيرة ويمكن لرئيس الأركان أن يشرك عبر نظام الفيديو قادة المناطق وكبار القادة العسكريين المتواجدين في ميدان المعركة وكبار قادة المستوى السياسي في النقاش الدائر في الغرفة الصغيرة والمتواضعة المخصصة لرئيس الأركان.
وهناك ما يسمى بـ"غرفة المخرجين" حيث يتواجد المختصون بإعداد أفلام الفيديو وتنظيم عمليات المشاهدة من الساحات الأصلية والجبهات المختلفة ونقل هذه الصور إلى شاشات ضخمة .
ويدير القسم " البصري" التلفزيوني الخاص بهيئة الأركان غرفة عمليات ملاصقة لغرفة رئيس الأركان تتلقى كافة المعلومات والبيانات العملية القادمة من مختلف الجبهات سواء كان ذلك في أوقات الطوارئ أو الأوقات الروتينية.
ويعمل المقر في الأيام العادية طيلة ساعات اليوم لكن بتشكيل كادر مقلص يقوم بتركيز كافة التقارير الميدانية والعملياتية التي تجري بشكل دائم في مختلف الجبهات التي لا تأتي كل يوم بجديد وتتراوح هذه التقارير بين تلك المتعلقة بأعمال الإخلال بالنظام العنيفة التي تقع بمدينة الخليل مرورا بتسلل فلسطينيين عبر سياج غزة وصولا الى حوادث التدريب التي توقع إصابات وانتهاء بعمليات إطلاق الصواريخ المضادة للدروع باتجاه المواقع العسكرية في منقطة "هار دوف" أو مزارع شبعا .
لكن مقر القيادة العليا "البئر " لا يفتح إلا في حالة وقوع حوادث أمنية كبيرة حيث يعج بأكثر من ألاف جندي وضابط يتدفقون إليه خلال فترة زمنية قصيرة جدا من تلقي المعلومات حول هذا الحادث ويشكل عمليا قادة الجبهات الجنوبية والشمالية والوسطى رجال الاتصال بين "البئر" ورئيس الأركان وهم مسؤولون عن تمرير المعلومات المتعلقة باي حادث امني يجري في منطقتهم بما في ذلك الحوادث المتعلقة بإمكانية طلب المدنيين مساعدة الجيش مثل انهيار مباني او حالة جوية متطرفة "عواصف" .
"أديرت حرب" الاستقلال عام 1948 دون وجود مقر محصن للقيادة العليا وحتى غرفة عمليات منظمة لم تكن موجودة وجرى إدارة هذه الحرب من " البيت الأحمر" الواقع على شاطئ تل ابيب ومن قرر إقامة مقر محصن للقيادة العليا هو رئيس الأركان الثاني "يغال يادين" الذي قرر أيضا إخفاء هذا المقرر وتمويهه خشية تعرضه لغارات جوية مصرية" قال الباحث "نير من" المختص بأبحاث تاريخ ولادة هيئة الأركان العامة والذي يوصف "بمؤرخ الكرياه " .
اقيم في البداية هذه المقر في "قبو " المدرسة الزراعية " مكفيه يسرائيل" وبعد ذلك اقترح 30 موقعا مختلفا لإقامة المقر القيادي وفقط قبيل تنفيذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 اقيم هذا المقر في معسكر "داني" الملاصق لقيادة سلاح الجو القديمة في مدينة الرملة وكان "اسحاق رابين بصفته رئيس قسم العمليات المسؤول الأول عمليا عن تشغيل مقر القيادة العليا الجديدة الذي جرى تدشينه عام 1958 في معسكر " الكرياه" بمدينة تل ابيب والمعروف حاليا باسم البئر.
ولم يستخدم" رابين " خلال حرب 67 حيث كان رئيسا للأركان تقريبا مقر القيادة العليا "البئر" الذي كان احد مؤسسيه حيث اكتفى في هذه الحرب القصيرة بالتنقل بين الجبهات والمحاور المختلفة وعمليا إن التشغيل أو الاستخدام الهام والأساسي لهذا الموقع بعد 6 سنوات من حرب 67 حين وقعت حرب " أكتوبر 1973 " والتي تقرر بعدها توسيع "البئر" وربطة مع "أبار " القيادة التابعة لسلاح الجو وسلاح البحرية القريبة منه إضافة لتطوير وتحسين البنية التحتية الخاصة بالاتصالات .