الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

من هو ابو وفا؟ 15 دقيقة رعب لضابط فلسطيني حرر سويديين

نشر بتاريخ: 29/04/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:01 )
من هو ابو وفا؟ 15 دقيقة رعب لضابط فلسطيني حرر سويديين

بيت لحم -معا - فوجئ ضابط المخابرات الفلسطينية باتصال هاتفي يقول له "مرحبا حضرة اللواء طالبك لمكتبه للضرورة .. فهل أنت برام الله أم خارجها ؟" . فرد الضابط "لا أنا برام الله وعشرة دقائق أكون في حضرته ".
أغلق الهاتف وتوجه للمقر العام لجهاز المخابرات الكائن في حي "المصيون" بمدينة رام الله وهو في حالة من الإرباك وعشرات الأسئلة برأسه حول سر هذا الاتصال وما هو الأمر الضروري الذي يريده رئيس الجهاز ؟.


تخزين دماغي
هبط من المصعد في الطابق الرابع للبناية حيث مكتب اللواء ماجد فرج مدير عام الجهاز ليجد مدير مكتب اللواء في انتظاره ويصطحبه داخل المكتب .
بعد ان رد التحية جلس لمدة نصف ساعة استمع بها جيدا لحديث اللواء فرج الذي أطلعه على أوراق ومعلومات، طالبا منه ان يخزنها في دماغه فقط .


هذا الحادث كان في شهر شباط من العام الجاري بعد زيارة قام بها الرئيس محمود عباس يرافقه اللواء فرج للسويد، وقدم الرئيس الشكر للسويد كونها أول دولة تعترف بالدولة الفلسطينية .


وتم تقديم معلومات حول مصير السويديين المختطفين في سوريا منذ أكثر من 500 يوم وهما "تومس والسن 53 عاما ومارتن ريم 35 عاما " .


المعلومات الأولية التي قدمت من قبل الفلسطينيين للسويديين بناء على طلب سويدي قدم لأصدقاء السويد في المساعدة بالبحث عن المختطفين .
رد الجميل
الرئيس عباس اصدر توجيهاته بضرورة تقديم المساعدة القصوى من باب رد الجميل لمواقف السويد التي استقبلت ألاف اللاجئين الفلسطينيين وتساند الحق الفلسطيني في المحافل الدولية .
تقرر تشكيل خلية أزمة وتنسيق بين المخابرات الفلسطينية والسويدية للمتابعة .
ضابط الأمن الذي كلف بالمتابعة الميدانية والبحثية ضمن فريق عمل للوحدة الخاصة التابعة للمخابرات تنقل في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية اضطر معها للدخول إلى مدن وقرى حدودية لسوريا بغرض الاتصال والاستكشاف .


صيد ثمين
في3/4/2015 نجح بالعودة لرام الله بصيد ثمين أثلج صدر كل متابع للعملية من الجانب الفلسطيني ومن الجانب السويدي الذي لم يصدق بدوره سرعة وحيوية التحرك الفلسطيني حين شاهد مادة مصورة "فيديو" للمختطفين وهما على قيد الحياة مما دفع وزيرة الخارجية السويدية لرفع الهاتف والاتصال بالرئيس عباس لتقديم الشكر له .


كما شكل الشريط مصدر فرح عارم لعائلات المختطفين بعد أن فقدوا الأمل ودب الرعب في قلوبهم وهم يشاهدون إحراق "الكساسبة" وقتل المختطفين اليابانيين وغيرهم والسعادة أيضا وصلت لأروقة الحكومة السويدية المحسوبة على اليسار وهي التي تتعرض لهجوم من اليمين بسبب اعترافها بالدولة الفلسطينية وملاحقتها بتهمة القصور في الإفراج عن المختطفين.
فلسطين كلمة السر
تشير المعلومات والتقديرات ان هناك اختراق حدث في المجموعة المسلحة التي تختطف السويديين من خلال احد إفراد المجموعة الخاطفة وهو من جنسية عربية كان قد التحق في السابق بأحد التنظيمات الفلسطينية ولديه محبة وانتماء قومي كبير لفلسطين أهله لتقديم المساعدة بعد تردد إلا انه كان الفيصل وكلمة السر التي فتحت الباب لتنفيذ عملية الإفراج وكان يطلق على نفسه أثناء التواصل "ابو وفا" .


بتاريخ 23/4/2015 كان الضابط الفلسطيني مع فريق عمل من الوحدة الخاصة للمخابرات الفلسطينية يقف في المنطقة الساخنة مع وحدة أردنية متخصصة للتغطية ولتقديم الدعم "اللوجستي" وعلى مقربة منهم في منطقة غير ساخنة كان فريق العمل السويدي بالانتظار والمتابعة أيضا .


صلاة الجمعة هي الفرصة
كان الاتفاق ان تصل سيارة بمواصفات متفق عليها للحدود الأردنية السورية بمنطقة درعا لتسليم المختطفين الساعة الثانية عشر والنصف ظهرا وهو موعد صلاة الجمعة حيث تنشغل المجموعات المسلحة ومعظمها محسوب على التيار الإسلامي بمراسيم الصلاة وبالتالي تكون تحركاتهم اقل من باب تخفيف مخاطر فشل العملية وتعرض السيارة للتوقيف من قبل الحواجز العديدة المنتشرة في المنطقة للفصائل المسلحة .


الرئيس واللواء على الخط
انتظر الضابط على أعصابه وقد تجاوزت الساعة الثانية عشر دون وصول الهدف .. فرن جهاز هاتفه وتعجل الرد "شو طمن " لا جديد نحن بالانتظار ولكن قطع الاتصال .
اللواء فرج كان بصحبة الرئيس عباس الذي كان حريصا على المتابعة أول بأول للمجريات .


حاول الضابط جاهدا الاتصال بالوسيط ولكن لا حياة لمن تنادي فجهاز الهاتف النقال للوسيط مغلق وقد مضى على الموعد المتفق عليه أكثر من ساعتين .
مكالمة مجنونة
وفي حوالي الثانية والنصف ظهرا رن هاتف الضابط وكان على الخط الهاتفي صوت مرتجف ومتعجل "مرحبا أنا لا استطيع الوصول أكثر للمنطقة الحدودية فالوضع خطير ولا اضمن حياتي من المسلحين في المنطقة ومن الأمن الأردني لذلك انا أنزلت الهدف بالبستان على بعد حوالي 500-700 متر عن الحدود بجانب العمارة الزهرية "المهدومة " أغلق الخط دون حتى ان يتمكن الضابط من الاستفسار أكثر .


أصبح الموقف قمة في التعقيد والإرباك والحيرة وخاصة أن الأمور كانت تسير بشكل جيد وكادت ان تتكلل بالنجاح لتأتي هذه الخطوة خارج سياق المخطط له .
اتصل الضابط باللواء فرج ووضعه في صورة التطور وكانت التعليمات ان لا يغامر ولا يعرض حياته او زملائه للخطر .
15 دقيقة من الرعب
(( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون )) هذه الآية القرآنية التي تمتمها ضابط المخابرات في سره قبل ان يقتحم الساتر الترابي الذي يفصله عن العمق السوري وركض مسرعا بعد ان استفسر أكثر عن البناية من فريق العمل المخابراتي الأردني وقطع المسافة حد البناية المهدمة بجانب البستان الظاهر من على الحدود وركض المسافة في حوالي ربع الساعة .
التف حول البناية ليجد شخصان لم يستصعب التعرف عليهما وهو الذي سبق وشاهد صور وفيديوهات لهما .


اقترب منهما وعرف على نفسه وطلب منهم عدم الخوف كونهما كانا في حالة يرثى لها تماما وهما لا يدركان حقيقة الموقف بعد أكثر من 500 يوم في الاختطاف وكل اعتقادهما ان الخاطفين ربما ينقلوهما الى منطقة أخرى ودون أي احتمال بالإفراج عنهما .
دعم أردني
الوقت لا يسير لصالح العملية والمجموعات المسلحة والحفر والخنادق والمتاريس منتشرة بالمكان ومن المحتمل ان شاهد البعض الحدث ولكن دون أن يفهم حقيقة الموقف ولو فهم لكان الفشل والدم حصيلة للعملية فهؤلاء كنز بالنسبة للجماعات المسلحة التي حققت ملايين الدولارات من عمليات الخطف ومبادلتهم بعد تدخل دول مثل قطر والسعودية والإمارات .
امسك الضابط بالرهينتين وركض بهما باتجاه الحدود الأردنية حيث وجد الإسناد والتغطية من الأمن الأردني الذي استنفر تماما مشكلا الغطاء المطلوب .
وما ان وصل بهما الى اعلى التل الترابي الساتر حتى دفعهما بيديه الى الأسفل ليتدحرجا حتى تلقفتهما أيدي فرقة العمليات الفلسطينية والأردنية .


شكرا فلسطين
ركض الضابط الفلسطيني الى السيارة التي تقل السويديين وقبل ان يصعد بها كان قد انهى مكالمة سريعة مع اللواء فرج لم يقل بها الكثير من الكلام " مبروك رددنا الجميل للسويد انهما معنا في أمان". انطلقت السيارة مسرعة من الحدود الأردنية الى حي عبدون في العاصمة الأردنية عمان حيث مقر السفارة السويدية هناك .

اخرج الضابط جهاز جواله وهو يجلس في المقعد الأمامي ووجه للسويديين اللذان ادراكا نسبيا انهما في أمان وطلب منهما كلمة "نحن نشكر جدا فلسطين نحن نشكر الرئيس محمود عباس" هذه المادة المصورة حتى اللحظة يتحفظ جهاز المخابرات على نشرها رغم سماحه لمجموعة من الصحفيين وممثلي وسائل الإعلام الفلسطينية بمشاهدتها في عرض خاص كان قد جرى في مقر المخابرات العامة قبل أيام .


خلية العمل السويدية مع خلية العمل الفلسطينية وطاقم السفارة كانوا في حالة احتفالية للنهاية السعيدة لهذه العملية التي صاحبتها المخاطر والرعب والخوف .


توماس ومارتن حضنا الضابط الفلسطيني كالأم التي تحتضن طفلها ولا يكترثان كثيرا لاهتمام السفير والطاقم السويدي بمقدار تقديم الشكر والثناء للضابط الفلسطيني في لحظات وداع دافئة جدا .


مفاجأة : توماس لا يستطيع العودة للسويد
وفي محضر ترتيب شؤون السفر ومغادرتهم على عجل للوطن فوجئ طاقم السفارة في معوق يمنع المختطف المفرج عنه توماس من العودة للسويد والسبب إجراءات السفر الدولية التي تطلب جواز سفر ساري المفعول حيث كان جوازه قد انتهت مدته اثناء فترة اختطافه .
عملت السفارة بشكل مستعجل على إصدار جواز أخر حتى مساء السبت حيث كانت رحلة العودة من مطار عمان على طائرة ايرلندية الى دبلن ومنها الى استوكهلم .
فدائي من حلم الأمن الموحد لحقيقة المخابرات الفلسطينية
الضابط الفلسطيني تلقى التهنئة والترحاب من الرئيس عباس ومن اللواء فرج على عمله البطولي الذي كاد ان يكلفه حياته وهو الذي كان يحلم تاريخيا بالعمل الفدائي وبجهاز الأمن الموحد الذي كان يديره الشهيد الراحل صلاح خلف ابو اياد والذي كان قد قراء عنه كثيرا عندما كان هذا الضابط أسيرا في سجون الاحتلال الإسرائيلي ويعي تماما معنى المساعدة في إطلاق سراح السويديين واثر ذلك على الرأي العام السويدي والاوروبي في المساعدة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي .


ملاحظة : كان الوصول للضابط بعد عناء كبير وتنسيق مرير من اعلى مستوى صاحب علاقة حتى تمت الموافقة على اجراء مكالمة هاتفية يبدو تم التمويه خلالها على سماعة الهاتف وذلك من باب الحرص على حياة هذا الضابط والاخطار التي قد تحيط بحياته .


قصة رصدها وتابعها : محمد اللحام