غزة- تقرير معا - لم ييأس المواطن اسماعيل علي مهنا (47 عاما) منذ تسعة أعوام من العثور على عمل يوفر من خلاله القوت والعيش الكريم لعائلة مكونة من 10 افراد بالرغم من الظروف الصعبة التي عانى منها سكان قطاع غزة وخاصة شريحة العمال العاطلين عن العمل من سنوات عديدة.
المواطن مهنا الذي التقاه مراسل "معا" أحد العمال الذين عملوا في اسرائيل أكثر من 20 عاما في مهنة قص القماش واليوم يعيش على الكابونه والبطالة المؤقتة من قبل المؤسسات المعنية بهذا الشأن، مشيرا إلى واقع العمال المرير الذي نتج عن الحصار الاسرائيلي والانقسام.
وقال الذي يقطن في حي التفاح بغزة :" ان العمل في اسرائيل أفضل من الوضع الحالي الذي نمر فيه، كنت اتقاضى يومية في اسرائيل 200 شيقل واليوم وضعي تحت الصفر"، مضيفا "منذ العام 2006 اعيش على البطالة وانتظر كل سنة لما نحصل على شهرين او ثلاثة اشهر بطالة"، مشيرا إلى أنه لديه الان طالبان بالجامعة.
ويواصل العامل مهنا الذي هو واحد من بين 195 الف عامل عاطل عن العمل في غزة شق طريقه نحو المؤسسات المحلية والدولية والحكومية من اجل ان يسجل على بند "البطالة" ليستطيع من خلالها اسعاد عائلته التي تنتظره بخبر سار بالحصول على العمل لتلبية احتياجاتهم.
وتمنى العامل مهنا الذي يعاني من الغضروف، عودة العمال للعمل في اسرائيل كي يوفروا الحياة الكريمة لعوائلهم بدل التسول في غزة، كما طالب المسؤولين في غزة والضفة النظر الى اوضاع العمال ومايعانوه من تهميش منذ سنوات.
ويصادف الأول من أيار "مايو" عيد العمال العالمي الذي يحتفل به في أرجاء المعمورة إحياء لذكرى العمال الذين قضوا دفاعا عن حقوقهم منذ أكثر من قرن ولكن في فلسطين تكتسي طابعا حزينا وسط استمرار تدهور أوضاع العمل والعمال ولاسيما في قطاع غزة الذي يرزح تحت حصار مشدد.
وتجدر الإشارة إلى أن العدوان الاسرائيلي الأخير أسهم في زيادة أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل حيث فقدت 17137 أسرة مصدر رزقها وفرصة عمل معيلها جراء تجريف الأراضي الزراعية وتدمير المزروعات.
كما فقد 2458 عامل فرصة عملهم جراء تدمير منشآت تجارية حيث بلغ عدد المنشآت التي دمرتها قوات الاحتلال 1578 منشأة من بينها 693 منشأة دمرت كليا، كما فقد 2372 عامل فرصة عملهم جراء تدمير 225 منشأة صناعية من بينها 109 منشأة دمرت كليا هذا بالإضافة إلى القيود الشديدة المفروضة على تنقل السلع والبضائع من وإلى قطاع غزة والقيود المفروضة على حركة الأفراد ما يسهم بوقف العمل في قطاعات اقتصادية ويحول دون قدرة العمالة الفلسطينية الماهرة على الانتقال إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تتواصل القيود المفروضة على وصول المزارعين إلى أراضيهم وكذلك على عمليات الصيد البحري.
واكد النقابي سليم الهندي على حق العمال في الحياة الكريمة، داعيا الحكومة للاسراع في توفير فرص عمل لهم، داعيا الحكومة والمؤسسات المعنية انشاء مشاريع عمل تشغيلية لهم وتوفير الضمان الاجتماعي و مجانية التعليم لأبناء العمال .
وطالب الهندي في حديث لمراسل "معا" بسن قوانين تحمي العمال و تحافظ علي مصالحهم، مشيرا إلى ارتفاع نسبة الفقر في صفوف أسر العمال.
من ناحيته قال طارق الهندي سكرتير الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين بمناسبة عيد العمال:" الاول من ايار يعود ليخيم بظلاله من جديد على كل معاناة شعبنا الذي ما زال يواجه بتحد وقوة وإرادة صلف وعنجهية الاحتلال بزعامة اليميني المتطرف نتنياهو وحلفائه في الحكومة العنصرية التي ما زالت تستهدف بعدوانها وسياستها التهويديه النيل من مقدرات شعبنا بجدار الفصل العنصري ومصادرة الاراضي ومساعيها لتهويد القدس واستمرار العدوان والحصار على محافظات غزة وقتل الابرياء وهدم البيوت على ساكنيها وتجريف الاراضي واستهداف المصانع والورش وتدمير البنية التحتية والاقتصادية لشعبنا".
واضاف في حديث لمراسل "معا" :" يأتي ذلك وما زال الانقسام يثقل كاهل المواطنين، وخاصة ما يعانيه العمال من ارتفاع بنسبة البطالة التي تجاوزت في محافظات غزة ما نسبة 60% ومعظم شرائح شعبنا يعيشون تحت خط الفقر المدقع فبرغم محاولات حكومة الوفاق القيام بدورها الا ان حالة التجاذبات السياسية المضرة بالقضية لم تستطع حتى اللحظة بسط نفوذها على محافظات غزة بشكل حقيقي وفعال ولا زال الآلاف من ضحايا ومشردي العدوان الأخير ينتظرون من يعيدهم إلى منازلهم حيث تقف الحكومة عاجزة أمام حالة الانقسام والانحيازات السياسية ووضع العراقيل أمام تخفيف معاناة شعبنا المتعاقبة".
واكد الهندي على ضرورة تنفيذ المصالحة بشكل حقيقي على الارض وانهاء ملف الانقسام لإعادة اعمار محافظات غزة بعد العدوان الاسرائيلي 2014 واعادة الاعتبار للمؤسسات الرسمية وحل مشكلة الموظفين وإعطائهم حقوقهم المتأخرة بشكل عادل ووفق القانون، بدون تمييز مع تكافؤ الفرص، مطالبا باستعادة ممتلكات المؤسسات والجمعيات المصادرة وخاصة ممتلكات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين والنقابات العمالية .
كما واكد على ضرورة تدخل الحكومة للقيام بدور فاعل ومؤثر لتعزيز دورها في الرقابة والتفتيش، ومتابعة تنفيذ قانون العمل، فمازالت الانتهاكات لشروط وظروف العمل مستمرة في مواقع العمل وخاصة تدني الاجور ومضاعفة ساعات العمل وغياب سبل الصحة والسلامة المهنية وهذا يدعو لتعديل عدد من مواد قانون العمل والتي لم تعد تتلاءم مع واقع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية كما ونحتاج لوضع اليات لتطبيق قانون الحد الأدنى للأجور وخاصة في المحافظات الجنوبية لما لذلك من أثر ايجابي على واقع العمال .
وطالب سكرتير الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين الحكومة بالعمل الجاد لاستصدار قوانين وتشريعات للعمل اللائق والضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية، وتفعيل قانون حماية المستهلك والرقابة على الأسعار وإصدار قانون عادل للتنظيم النقابي ديمقراطي وعصري ينسجم مع الحريات النقابية ويحفظ حرية العمل واستقلاليته ويؤسس لوحدة حقيقية للحركة النقابية العمالية الفلسطينية.
ودعا لتطوير السياسات العمالية والاجتماعية الاقتصادية من خلال وضع خطط تنموية تساهم في خلق فرص عمل للخريجين والعاطلين عن العمل وتطوير سياسات التعليم العالي والتدريب المهني وتعزيز الشراكة الاجتماعية بين أطراف الانتاج وتفعيل صندوق التشغيل ليخفف من مشاكل البطالة والخريجين.
واكد ضرورة العمل على استمرار توفير مجانية الرعاية الصحية لأسر العمال العاطلين عن العمل والتعليم لأبنائهم لضمان نوع من العدالة والتكافل الاجتماعي والعمل على تقديم المساعدات الاجتماعية والاغاثية بعدالة وبشكل منتظم لكل العمال لمواجهة الفقر والاحتياجات الاساسية لتعزيز صمودهم وتوفير الحد الادنى لمتطلبات الحياة الانسانية.
ودعا إلى تشكيل لوبي ضاغط للكشف عن ممارسات الاحتلال بحق العمال على المعابر وحصرها بهدف ملاحقة حكومة الاحتلال عبر المحاكم الدولية لتحصيل حقوق العمال، وخاصة عمال قطاع غزة التي تتنصل حكومة الاحتلال والمشغلين الاسرائيليين منها، وتجاهلتها بقرارات سياسية وحجج أمنية تعسفية عنصرية.
ودعا المؤسسات الحقوقية والإنسانية والاتحادات العمالية الدولية الصديقة وخاصة منظمة العمل الدولية للضغط على حكومة الاحتلال لإيفاء بحقوق عمالنا التي يسلبها المشغلين الاسرائيليين برعاية حكومة الاحتلال، وبصمت دولي.
كما دعا الاتحادات النقابية والعمالية العربية والدولية الصديقة لمزيد من المساندة والدعم العمال القضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال بسياسته التدميرية لمقدرات الشعب الفلسطيني ومحاولاته تهويد ومصادرة الاراضي الفلسطينية وانهاء امكانية حل الدولتين.
ودعا الهندي الرئيس محمود عباس إلى المصادقة على اتفاقيات العمل الدولية التي تصون حرية العمل النقابي والعمل علي إنهاء حالة التشرذم والتفرقة وتعزيز الوحدة النقابية بآليات وخطط جامعة ومقربة لمواجهة كل التحديات والمتغيرات البيئية المحيطة لنستطيع تحقيق مطالب وتطلعات العمال.
وتشير وزارة العمل في غزة إلى أن نسبة البطالة في قطاع غزة تتراوح صعودا وهبوطا بين 45 إلى 50% وهذا التذبذب مرتبط بعوامل كدخول مواد البناء وعدد ساعات التزويد بالتيار الكهربائي وهي عوامل مؤثرة جداً في سوق العمل.
ويشار إلى أن نسبة البطالة الخام هي أكبر من ذلك بكثير، حيث أن الإحصاءات عادةً ما تكون للبطالة المعدلة، أي بين من هم في سن العمل ويواصلون البحث عن فرصة عمل، وأما من توقفوا عن البحث عن عمل فلا تطالهم الإحصاءات.
واشار مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية وحكوماتها المتعاقبة لم تتخذ تدابير فعالة للقضاء على ظاهرة البطالة، وعجزت عن اتباع سياسات تحمي العمال من غول البطالة الذي تسبب في إهدار حقوقهم، خاصة الحق في العيش بكرامة ودفعهم للبحث عن المساعدات الغذائية، وكذلك فإن غياب الرقابة الجدية على الأجور أو على ظروف وشروط العمل أسهما في مزيد من انتهاك الحقوق العمالية.
واكد المركز على أن أوضاع العمال الفلسطينيين هي نتاج وانعكاس طبيعي للسياسات العنصرية التي انتهجتها دولة الاحتلال والتي اتخذت شكلين رئيسين الأول هو منع العمال الفلسطينيين ولاسيما سكان قطاع غزة من الوصول إلى أماكن عملهم في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر أواخر عام 2005 والتدمير المنظم للاقتصاد الفلسطيني وتقويض بنيته التحتية من خلال الحصار والإغلاق الذي أفضى إلى القضاء على قطاعات إنتاجية بالكامل كقطاع الخياطة والنسيج والبناء والإنشاءات والسياحة ودفع بالقطاع التجاري للعمل بالحدود الدنيا حيث أغلق كثير من التجار شركاتهم في ظل عجزهم عن الاستيراد والتصدير ووقف تصدير المنتجات الزراعية وخاصة الخضار إلا في حالات استثنائية.
ولفت مركز الميزان إلى مسؤولية المجتمع الدولي والدول المانحة عن الأوضاع الصعبة التي آلت إليها أوضاع الطبقة الفلسطينية العاملة، حيث حولت قطاع غزة إلى مشكلة إنسانية وتعاملت مع قضيته السياسية على أنها كذلك، فأهملت تمويل مشاريع تنموية وعجزت عن لعب دور ضاغط يوقف استهداف دولة الاحتلال للمنشآت والأعيان المدنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو يجابه الحصار المفروض للعام الرابع على التوالي على قطاع غزة، وهو حصار شكل ولم يزل عقاباً جماعياً للسكان ينتهك أبسط قواعد القانون الدولي الإنساني.
وطالب المركز المجتمع الدولي بتحرك فعال لوقف الحصار المفروض على قطاع غزة واتخاذ مواقف إيجابية لتفعيل المحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني لأنها السبيل الناجع لوقف الحصار الإسرائيلي ومنع استهداف المدنيين والأعيان المدنية في أي عدوان قادم.
ويطالب السلطة الوطنية الفلسطينية والأحزاب السياسية كافة إلى المضي قدما في عملية المصالحة الكاملة وإعادة توحيد النظام السياسي الفلسطيني، داعيا الحكومة إلى إتباع سياسات فعالة لحماية الحق في العمل والحماية من البطالة والحد من مشكلة البطالة وحماية العاطلين من غولها لأن من شأن ذلك أن يحد من عشرات المشكلات الاجتماعية المتفاقمة في القطاع وفي مقدمتها مشكلات الفقر وسوء التغذية وعمالة الأطفال وارتفاع معدلات الطلاق وتدهور أوضاع الحق في السكن المناسب وغيرها من المشكلات الاجتماعية الناشئة عن مشكلة البطالة.
ودعا المركز الطبقة العاملة إلى توحيد صفوفها وتصعيد نضالها المطلبي من أجل انتزاع حقوقها لتتمتع بحقها في العيش بكرامة واحترام جملة حقوق الإنسان بالنسبة لها.
وبمناسبة عيد العمال عقد المجلس التشريعي الفلسطيني الاربعاء بمقره بمدينة غزة جلسة مشيدا بدور العمال في البناء والتحرير، ومحذرا من تعطل سوق العمل بفعل الحصار واغلاق المعابر ومنع دخول المواد الخام ومستلزمات العمل والبناء لقطاع غزة على مدار تسع سنوات مضت، مطالبا حكومة التوافق بتحمل المسؤولية الكاملة تجاه غزة وإنصاف العمال.
وأوضح د. أحمد بحر رئيس المجلس بالإنابة أن نسبة البطالة تتجاوز الـ 48%، ومعدل الفقر يتجاوز الـ 65%، الأمر الذي ينذر بزيادة وتيرة الكارثة الإنسانية التي تخيم على أهلنا وأبناء شعبنا بشرائحه المختلفة في قطاع غزة، وفي مقدمته الطبقة العمالية الصامدة.
وحذر بحر كافة الأطراف وخاصة الاحتلال الإسرائيلي من انتفاضة عمالية هادرة تصب حممها ونيران غضبها الجامح تجاه المعابر المغلقة أمام إدخال المواد الأساسية ومواد البناء التي يشكل عدم دخولها إحدى أهم مظاهر وأدوات الحصار وخنق العمال.
كما أوصي المجلس التشريعي الحكومة باقتطاع 5% من رواتب الموظفين لصالح العمال والخريجين والأسر الفقيرة وتم تنفيذ ذلك على مدار السنوات المذكورة أعلاه.
تقرير: أيمن أبو شنب