بيت لحم- معا- نشر بداية سبعينيات القرن الماضي الصحفي الإسرائيلي "رن كيسلو" على صفحات صحيفة "هأرتس" سلسلة من الحلقات المكتوبة تناول فيها بدايات تمركز وتموضع الجريمة المنظمة في إسرائيل.
وأورد الصحفي الذي دخل التاريخ للجريمة المنظمة في إسرائيل عبر سلسلة حلقاته إلى المجالات التي تهتم بها الجريمة المنظمة مثل السيطرة على عمليات القمار غير القانونية وجمع "الخوات" مقابل "حماية" الأشخاص وأصحاب الأعمال ونشاطات "جباية الديون المتعثرة".
ورغم التفاصيل التي وردت في السلسلة الصحفية ردت لجنة "فحص رسمية" برئاسة القاضي "مائير شيمغار" هذه الادعاءات وقطعت حينه بان إسرائيل خالية من نشاطات الجريمة المنظمة.
وعادت "هأرتس" عام 1977 الى نشر سلسلة مكتوبة هذه المرة كانت بقلم الصحفي "افي فيلنتين" خلص فيها الى نتيجة مؤكدة بان منظمات وعائلات الجريمة المنظمة ليس فقط موجودة وقائمة في إسرائيل بل لها علاقات قوية مع شخصيات عامة وذات تأثير منها ضباط كبار في الجيش.
وتناول الصحفي بالاسم شخصية معروفة في ذلك الوقت تدعى "بتسلال مزراحي" مؤكدا بأنه احد وجوه الجريمة المنظمة في إسرائيل وانه احد الأسماء التي وردت في قائمة الـ "11" التي أعدتها الشرطة الإسرائيلية عام 1977 كوثيقة سرية تناولت فيها اهم احد عشرة شخصية في عالم الجريمة المنظمة الإسرائيلية.
وردا على نشر اسمه رفع "بتسلال مزراحي" قضية قذف وتشهير ضد صحيفة "هأرتس" فاز بها وحكمت له المحكمة بتعويض مالي بقيمة 300 الف ليرة " العملة الإسرائيلية التي كانت متداولة في تلك الحقبة" وذلك بعد أن فشلت الصحيفة في إثبات ما ذهبت إليه من اتهامات.
وعينت الحكومة الإسرائيلية عام 1978 وفي أعقاب نشر الصحف الإسرائيلية أنباء الجريمة المنظمة لجنة تحقيق حكومية عرفت فيما بعد باسم "لجنة شيمرون " وخلصت هذه اللجنة إلى الاعتراف بالحقيقة المرة عبر جملة قصيرة "هناك جريمة منظمة في إسرائيل".
واعترف المختص بعلم الجريمة "مناحم امير" والذي عمل أيضا مستشارا للجنة "شيمرون" وأدلى بشهادته أيضا في قضية القذف والتشهير سابقة الذكر بان تقرير الصحفي "فلينتين" الذي اعتزل العمل الصحفي بعد نشر سلسلة حلقاته المكتوبة اثر كثيرا على قرار الاعتراف الشعبي والرسمي الإسرائيلي بوجود جريمة منظمة تنشط في إسرائيل.
وبقي الامر ما بين الاعتراف الرسمي الخجول بواقع الجريمة المنظمة وبين النكران الى نهايات تسعينيات القرن الماضي وبداية الالفية الثانية حيث تبلورت عدة عائلات اجرامية بدا الجمهور الإسرائيلي يشعر بوجودها الثقيل ونشاطها القوي في ساحات الجريمة المنظمة خاصة مع انفجار ما بات يعرف بحرب الشوارع وحرب التصفيات التي شهدتها ولا زالت الشوارع الإسرائيلية بين عائلات الإجرام المنظم التي باتت أكثر جرأة وتمرسا واشد تحديا للشرطة التي وقفت شبه عاجزة عن مواجهة موجات التفجيرات والاغتيالات التي أصابت في أحيان كثيرة مدنيين أبرياء إلى جانب عناصر العصابات كما وقع على سبيل المثال عام 2003 حيث قتل ثلاثة مدنيين إسرائيليين خلال محاولة لاغتيال رجل العصابات "زئيف رونزشتاين" وكذلك الأمر في عملية اغتيال": يعقوب الفرون عام 2008 وهو من اشهر قادة عائلات الإجرام المنظم في إسرائيل حتى ذلك التاريخ.
اشهر عائلات الإجرام الإسرائيلية:فتحت وحدة التحقيق مع رجال الشرطة المعروفة اختصارا باسم " ماحش" يوم الخميس الموافق 13/6/2006 تحقيقا خاصا لمعرفة هوية ضابط الشرطة الذي سرب لوسائل الإعلام تقرير المخابرات السري الذي يفصل عائلات الإجرام المنظم في إسرائيل.
وقالت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي في تقرير بثته يوم 12/9/2006 بان قائد الوحدة المركزية في لواء المركز التابع للشرطة الإسرائيلي " منشه ارفيف" قدم إلى قسم الاستخبارات في الشرطة تقريرا سريا وضع فيه خارطة حدد أهم واكبر ست عائلات إجرام تعمل في إسرائيل وتسيطر على مجالات القمار، الدعارة، الابتزاز، التهديد والحماية" المقصود هنا تهديد رجال الأعمال والأشخاص ومن ثم فرض حماية العصابة عليهم مقابل مبالغ مالية".
وكتب التقرير استنادا إلى معلومات استخبارية وشهادات موثوقة ومؤكدة حسب تعبير القناة الأولى ويهدف الى تحديد هوية قادة و رؤساء هذه العائلات ورسم خارطة للصراعات والخلافات السائدة بين هذه العائلات وتحديد مكان ومنطقة نشاط كل عائلة ومع ذلك قال مصدر رفيع في الشرطة بان التقرير لم ياتي بجديد في هذا السياق.
ووضع التقرير عائلة "زئيف رزنشتاين وعائلة " ابرغيل" في المرتبة الأولى بين عائلات الإجرام القوية والمؤثرة وتدور صراعات حادة بين العائلتين أسفرت عن محاولة اغتيال زعيم العائلة الأولى وتعمل العائلتين في مجال القمار بشكل أساسي.
وجاءت عائلة "الحريري" من مدينة الطيبة في المرتبة الثانية حيث فرضت سيطرتها على قطاع القمار في المنطقة الشمالية وتلتها عائلة الجواريش من مدينة اللد والتي تضم الأخوين زياد وحاتم والمتهمين بجباية " الخوات" بدل الحماية واعمال الابتزاز حسب تعبير تقرير الشرطة المذكور .
وفي القدس تعمل وفقا للتقرير عصابة "ايتسيك بار موحا "و "يوسي مالكا" وهو شقيق "ايتسيك " واصيب بجراح خطيرة اثناء محاولته زرع عبوة ناسفة في سيارة رجل عصابات بمدينة حيفا.
وتعمل في المنطقة الجنوبية حسب تقرير الشرطة السري عصابات بدوية تعمل في مجال الابتزاز وتجارة الوسائل القتالية وتهريب المخدرات من سيناء المصرية وفي الفترة الأخيرة ظهر مجال أخر للعمل يتمثل بفرض الحماية على رجال الأعمال وأصحاب المصالح التجارية بمدينة بئر السبع .
وكان عام 2014 قاسيا بالنسبة للعصابات الاسرائيلي فقد نجحت الشرطة بتوجيه ضربات قوية لبعض هذه العصابات وفي المقابل صعد الى الصفوف القيادة الاولى في هذه العصابات جيلا جديدا وذكيا ورث المواقع القيادة التي شغرت نتيجة الاغتيالات والاعتقالات حسب تعبير التقرير المنشور يوم 21/3/2015 على موقع "والله" الالكتروني الناطق بالعبرية والذي وضع ما اسماه بالخارطة التي تحدد أسماء 15 عائلة إجرام منظم وقيادات إجرامية وضعتها الشرطة تحت عدستها المكبرة.
وللإجابة على السؤال الهام من يحكم كل عصابة رغم الاعتقالات والاغتيالات وعمليات الهروب الى الخارج؟ وضعت الشرطة الإسرائيلية عام 2014 خارطة جديدة حددت فيها مراكز القوى في عالم الإجرام كما يبدو عليه الحال ألان.
ووفقا للقائمة التي نشرها موقع " والله" هناك ألان 15 عائلة إجرام منظم تعمل في إسرائيل وهي على هذا النحو : عائلة يتسحاق ابرغيل الذي تصفه الشرطة بمؤسس العالم السفلي الإسرائيلي، عائلة افي رحان وهي منظمة صغيرة لكن ذكية حسب وصف الشرطة وهي منظمة تابعة او داعمة لمنظمة " ابرغيل " ، منظمة عمير مولنر، بني شلومو الذي تصفه الشرطة بأخطر المجرمين الاقتصاديين وحولت ملفه لوحدة مكافحة الجريمة الاقتصادية، أقدم منظمة إجرام على قوائم الشرطة وهي منظمة شلوم دومروني، منظمة الأخوين موصلي وهي أكثر منظمة انضباطا ومقاومة لمحاولات اختراق الشرطة وتوصف بانها " ملك القمار" ، منظمة ميخال حزن العاملة بمنطقة القدس، " الأخوين لبفا" من مدينة رحوفوت تم تصنيفهم العام الماضي فقط كمنظمة إجرام منظم، حغاي ونيف زغوري المنظمة التي سيطرت بالمطلق على السوق السوداء والقمار والابتزاز في بئر السبع ، ريكو شيرازي من اقوى رجال العصابات في نتانيا ، منظمة ابو لطيف الذي يترأس العصابة في قرية الرامة ، منظمة الجاروشي التي يقودها ميلاد جاروشي بمدينة الرملة ، عائلة الحريري في منطقة المثلث برئاسة مالك الحريري ، منظمة عبد القادر من مدينة الطبية ، عائلة ابو توبول ، وذلك وفقا لتقرير موقع " والله " الالكتروني.
أهم عشر وظائف في عالم الإجرام:هناك عشرة وظائف او "مهن" تعتبر الأهم في تركيبة وتشكيلة كل عصابة او عائلة اجرام تنشط في الإجرام الإسرائيلي خصوصا وهي كالتالي وفقا لأهميتها وموقعها في الهيكلية:
1- رئيس العصابة وهو أهم منصب في العصابة ويتحمل مسؤولية قيادتها.
2- ضابط العمليات: وهو أكثر منصب حساسية واهم منصب يحافظ على استمرارية وفعالية العصابة.
3- المحاسب أو أمين الصندوق: وهو مسؤول عن وصول الأموال عبر الانترنت إلى حسابات وأيدي العصابة وهي أموال غير قانونية من نشطات إجرامية لذلك هو مسؤول عن "تنظيفها " وإعادة ضخها في الدورة الاقتصادية الرسمية وتحديد مجالات استثمارها.
4- المهندس: وهو الشخص المسؤول عن تصنيع العبوات الناسفة والأسلحة والتخطيط فنيا لعمليات الاغتيال وهو المسؤول أيضا عن تجنيد القتلة المأجورين أو مشغلي العبوات الناسفة وتدريبهم وهو من يحدد طبيعة العبوة الناسفة التي تحتاجها عملية الاغتيال او الطريقة المناسبة والسلاح المناسب لتنفيذ العملية.
5- القرود: وهو وصف تطلقه العصابات الإسرائيلية على الأشخاص المستعدين دائما لتحمل مسؤولية العمليات ودخول السجن بدلا من منفذيها الحقيقيين ولولا هؤلاء لقبع الكثير من قادة العصابات لسنوات طويلة داخل السجون ومهمة القرد مهمة وضرورية لبقاء العصابة ويحصل هؤلاء على رواتب مجزية جدا من العصابة لإغرائهم بالمخاطرة بدخول السجن وتحمل المسؤولية بدلا عن قيادات العصابات عبر اعترافهم "الكاذب" بالجرائم المثبتة والمنسوبة لهؤلاء القادة.
6- مدير"تشيكنغ" تبيض الأموال: وتحول هؤلاء خلال السنوات الماضية إلى اوكسير الحياة بالنسبة للعصابات الساعية إلى تبييض أموالها عبر استبدالها بأموال نظيفة "شرعية" وهي الطريقة المعروفة في عالم الإجرام الإسرائيلي باسم "تشيكنغ" ويدحرج هؤلاء مليارات لشواقل سنويا.
7- محصل الديون بدل الحماية: لكل منظمة اجرام "تحترم نفسها" طاقم خاص لجباية الديون ومهمة ضمان تسديد رجال الاعمال والمواطنين الذين حصلوا على قروض من السوق السوداء لقروضهم مع الفائدة المرتفعة كما تم الاتفاق معهم وفي الوقت المحدد تماما وكل يوم تأخير قد يكلف "المقترض" مئات أو ألاف الشواقل الإضافية.
8- المنفذون والسعاة: ويدور الحديث عن طاقم من أربعة أو خمسة مجرمين ينفذون المهام التي تناط بهم من قبل العصابة من إلقاء القنابل اليدوية باتجاه بيوت رجال الأعمال والمجرمين المنافسين الذين يدينون لعصابتهم بالأموال إلى إطلاق رصاصة الرحمة على رأس من يقرر زعيم العصابة قتله وفعليا هم من يقوم بالعمل الأسود فيما يختص الساعي بنقل وتامين الأسلحة من والى مكان الجريمة إضافة لنقل وتوزيع المخدرات .
9- الجندي : وهو احد أكثر الوظائف ثانوية في العصابات ويقوم الجندي بكل شيء تقريبا من قيادة سيارة الزعيم إلى قيادة سيارة الهرب بعد تنفيذ جريمة ما ويقوم بتلبية كافة الاحتياجات من نقل وتسليم الطعام ونقل الرسائل المباشرة من زعيم عصابة أو مسئول فيها إلى زعيم و مسؤول أخر وذلك لمواجهة عمليات تنصت الشرطة على الهواتف ووسائل الاتصال الأخرى.
10- قاتل مأجور وزراع العبوات: وهي أصعب واخطر وظيفة في العالم السفلي فكل منظمة تملك قتلة مأجورين تتعامل معهم أو زارع عبوات ناسفة مدرب ومتخصص.
وتتبادل العصابات فيما بينها القتلة المأجورين حتى لا يعملوا في مناطق إقامتهم وبالتالي وضع العراقيل أمام الشرطة لإدانتهم وتدفع العصابة مقابل كل عبوة ناسفة ما بين 12-25 ألف شيكل حسب نوعها و 150 ألف شيكل لزارع العبوة ومشغلها " مفجرها".
وأخيرا تدور في إسرائيل ووسائل إعلامها أحاديث كثيرة عن تورط ساسة إسرائيليين من الصف الأول مثل ليبرمان في جرائم فساد وأخرى مرتبطة بشكل غير مباشر بالعالم السفلي مثل وثيقة التحقيق الشهيرة التي سربها ليبرمان لقادة عصابات روس كانت الشرطة تتعقبهم وتجري تحقيقات حولهم وغيرها من الفضائح والقصص التي تربط بين عالم السياسة والإجرام في إسرائيل وان كان هذه الأصوات خافتة حتى الان بانتظار انفجار فضيحة كبرى لربما تكشف المستور كما يقول موقع "بيت الهيك بيت المسيح" المحسوب على التيار الديني المتزمت والذي اتهم في يوم 6/12/2012 ، اهود اولمرت وليبرمان واهود باراك وارية درعي وارئيل شارون ووزير السياحة السابق الذي اغتالته الجبهة الشعبية ردا على اغتيال ابو علي مصطفي "رحبعام زئيفي" وغيرهم من الساسة بالارتباط المباشر بعالم الجريمة المنظمة موردا العديد من القصص التي قال بأنها تؤيد وتؤكد ما ذهب إليه الموقع صاحب الموثوقية غير المؤكدة وغير المثبتة.
اعداد ومتابعة: فؤاد اللحام