طولكرم- معا- تقع قرية كور الأثرية إلى الجنوب الشرقي من مدينة طولكرم على بعد 19 كم منها، وتعد كور قرية مملوكية - عثمانية لاحتوائها على آثار شامخة حتى اللحظة تدلل على عصر المماليك والعثمانيين.
بيوت كور بقبابها الشاهقة وصلابة وزخارف بنيانها تضع الزائر لها أمام تساؤلات حول ماهية القرية ودورها التاريخي والجغرافي وطبيعة سكانها وواقعها.
يقول جلال جيوسي، رئيس مجلس قروي كور سابقا؛ لمعا: "كور قرية صغيرة تحوي في جهتها الشمالية على آثار تعود للدولة العثمانية وفي جهتها الجنوبية على آثار تعود للعصر المملوكي".
واضاف: "قصور كور سكنت من مئات السنوات وما زالت آهلة بالسكان، الذين ينتمون لعائلة "الجيوسي"، فأكثر من 350 مواطنا في القرية هم أبناء ستة عشرة أخ جدهم واحد".
ويفسر الجيوسي حفاظ قرية كور على بنيانها بشكل غريب دون وجود تغييرات ملحوظة، حيث يقول: "قصور القرية صممت بشكل متين من الناحية العمرانية، فالدور التاريخي والجغرافي ساعد على بقاءها، فالقرية كانت مركزا للحكم والسيادة وهي نقطة وصل على طريق التجارة إلى مصر، وعدم تعرضها لزلازل كبيرة ساهم في بقاء مبانيها بالشكل الذي هو عليه".
ويشير الجيوسي إلى أن قلعة "الجيايسة" هي أهم معلم أثري في كوري التي تحوي أيضا مقامات وآثار من عصور البيزنط والرومان.
تركوها وعادوا إليها..
قرية كور حالها حال القرى الفلسطينية التي عانت الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي.
ويتحدث عزام جيوسي، مختص بتاريخ قرية كور؛ عن واقع القرية قبل العام 48 قائلا: "قبل النكبة كانت كور تعج بالسكان والمواشي، فالقرية كانت بمثابة سلة غذائية وملتقى للقرى المحيطة، خاصة أنها كانت تعد مركزا لشيوخ "الجيايسة"شيوخ قطاع الصعبيات".
حال كور لم يبق كما كان إبان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتحديدا بعد العام 1967، فالقرية تعرضت للتهميش والعزل، يقول المختص بتاريخ كور عزام الجيوسي: "بعد النكسة عانت قرية كور من التهميش وقلة الخدمات، مما دفع جزء من سكانها لمغادرتها وترك قصورها؛ بحثا عن العمل في ظل تراجع واقعها الزراعي ومكانتها بين القرى".
منذ سنوات ومع مجيء السلطة الوطنية بدأت كور ترى النور؛ لتبدأ الخدمات وتحديدا الكهرباء والماء والمدارس تدخل إلى القرية، يقول الجيوسي: "سابقا كانت الخدمات سيئة، ومع وصول الخدمات وارتفاع مستوى التعليم في القرية؛ بدأ سكانها الذين غادروها بالعودة مجددا والسكن ببيوت آباءهم، لتعود الحياة من جديد للقرية".
ويروي حسام الجيوسي، مواطن من قرية كور؛ علاقته بقريته الأثرية، قائلا: "القرية هي مرتع الطفولة هي ذكرياتنا بين الحجارة التي شيدها أجدادنا قصورا، غادرتها إلى طولكرم للدراسة والعمل، واليوم عدت إليها لترميم منزل والدي والسكن به".
ويشير المواطن الجيوسي إلى أنه يملك بيتا في طولكرم، إلا أن إرث الآباء وأجداده وتاريخ عائلته يبقيه متصلا بكور، فالحنين للسكن في القرية حلم لازمه منذ رحيله عنها.
واعتبر الجيوسي أن عودته للقرية هي دعوة لكل أبناءها؛ للعودة للمحافظة على تراثها وقصورها لتوطيد علاقتهم بها.
ترميم مبانيها ضرورة..
يرى مؤرخون أن أول قصور قرية كور التي تم تشييده عام 1771 م، ومنذ ذلك العام فإن تغيرات بسيطة حدثت على قصورها بفعل التغيرات المناخية والزلازل، هذه التغيرات لم تقف عائقا أمام حقيقة مفادها أن بيوت كور صممت بطريقة عمرانية مميزة.
مواطنون من القرية وجهوا دعوات للجهات المعنية للعمل على ترميم بعضا من مباني كور، يقول المواطن حاتم جيوسي: "كور تعبر عن أصالة التاريخ والحضارة الفلسطينية، ومن الضروري أن تلتفت إليها الجهات المعنية للعمل على ترميم بعضا من مبانيها".
ويرى المواطن الجيوسي أن القرية واحة خصبة يمكن الاستفادة من مبانيها في حال ترميمها في مجالات السياحة والترفيه.
ووجه الجيوسي دعوات للمؤسسات التي تهتم بتاريخ فلسطين وآثارها لإعطاء القرية اهتماما كافيا للرقي بواقعها.
وتبقى كور التي ترتفع عن سطح البحر370 م، وتبلغ مساحة أراضيها الكلية 8514 دونماً، وتطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ قرية أثرية متكاملة ونموذج للحضارات المتعاقبة بدء من الرومانية وانتهاء بالعثمانية، فقصور كور جذورها بأعماق الأرض وقبابها تداعب السماء وهي سياق بصري مهم للمهتمين بتاريخ فلسطين.