الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الضفة الغربية : في سجون السلطة معتقلون سياسيون مغيبون !!/ بقلم : أ. عماد صلاح الدين

نشر بتاريخ: 12/09/2007 ( آخر تحديث: 12/09/2007 الساعة: 18:06 )
أشرت فيما سبق ،ومن خلال المؤسسة التي اعمل فيها "مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان "Solidarity International For Human Rights إلى ضرورة إتباع الإجراءات القانونية بشأن المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية؛ من حيث التقيد بما هو منصوص عليه في القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 بشكل عام ،وبما جاءت به النصوص القانونية على وجه الخصوص في القانون الجزائي الفلسطيني وأصوله الجزائية الإجرائية المنظمة لحالات الاعتقال والتحقيق والمثول أمام المحكمة، وغيرها من الأمور الأخرى التي تندرج في هذا الباب .

كانت دعوتنا إلى الالتزام والتقيد بالقانون في حينها ؛ لأننا رأينا أن كثيرين من المعتقلين لدى الأجهزة الأمنية على خلفية أحداث غزة يتم أولا اعتقالهم بطريقة غير قانونية وثانيا لا تتوافر فيها الإجراءات الشرطية المتبعة بتبليغ المراد اعتقاله من خلال ورقة الحضور إلى الجهات المختصة ، بل إن الاعتقال يتم بصورة فجائية ومباغتة ، ومن خلال ملثمين أو مقنعين ليسوا ذوي اختصاص ؛ بمعنى أن هؤلاء ليسوا من عناصر الضابطة العدلية الشرطية ومندوبيهم. (راجع المواد من قانون الإجراءات الجزائية رقم ( 3 ) لسنة 2001 الفصل الثالث والرابع المتعلقة في القبض على المتهم وفي التفتيش) .

هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن هؤلاء المعتقلين السياسيين في سجون الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية لم يتم في معظم الحالات عرضهم على النيابة العامة من اجل الإحالة إلى المحاكمة؛ من خلال الاختصاص المدني للقضاء ، ولا هم أيضا جرى الإفراج عنهم لعدم ثبوت التهمة أو كفاية الأدلة بحقهم ، بل إن أوضاعهم القانونية والحال هذه غير معروفة وغير مستقرة ، وبالتالي هذا يتطلب تحديد الموقف تجاهم؛ إما بتقرير براءتهم لعدم وجود أدلة الإدانة أو عدم كفايتها أو تثبيت الاتهام أو الظن بحقهم ،ومن ثم إحالتهم إلى المحاكمة حسب الأصول القانونية المتبعة .(راجع المواد من أصول الجزائية في الباب الثالث الفصل الأول المتعلقة بمباشرة التحقيق وكذلك الفصل السادس المتعلق بمذكرات الحضور والإحضار و الفصل السابع المتعلق بالتوقيف والحبس الاحتياطي) .

ومن أسف ، ومن خلال متابعتي ومراجعة ذوي المعتقلين السياسيين لي ولطاقم المؤسسة ، اخبرنا بعض ذويهم بأنهم لا يعلمون شيئا عن وضع وحال أبنائهم منذ أن جرى اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية ؛ فحينما يذهبون مستفسرين عن أبنائهم وذويهم إلى جهة أمنية معينة كالمخابرات يتم أخبارهم في البداية بان ابنكم متواجد في المخابرات، ثم بعد لحظات ما يلبث الموظفون الرسميون في الجهاز بمناقضة الخبر الأول ليقولوا لهم بان ابنكم غير موجود لدينا وإنما هو موجود في سجن الجنيد ؛ ليذهب بعد ذلك أهله وذويه إلى ذلك السجن ليتم إخبارهم بأنكم بحاجة إلى تصريح أو إذن كتابي بالزيارة من جهة معينة لدى الأمن الوطني ، ثم ليذهب الأهل إلى تلك الجهة ، فتخبرهم الأخيرة بان المسئول لديها لديه اجتماع ، فتطلب منهم العودة في مرة قادمة. ويتم التذرع حين يحين ذلك الموعد بان المسؤول في سفر إلى رام الله لمناسبة عرس أو غيرها ، وحتى الملابس والحاجيات التي طلبها المعتقل بواسطة إحدى المؤسسات الحقوقية التي لم يتأكد ذووه من هويتها ، لان الاتصال تم بين المؤسسة وأهل المعتقل بواسطة الهاتف ومن قبل والده الكبير في السن ، لم تصل بعد إلى المعتقل ؛ لان الجهة التي قالت أنها ستقوم بإيصالها له تبين أنها لم تقم بذلك ، بناء على ما اخبرني إياه أهل المعتقل في محاولتهم الأخيرة للتعرف على وضع ومصير ابنهم الموجود لدى إحدى الجهات الأمنية في نابلس .

هذا، ولا يزال المعتقل الذي تحدثنا عن حاله ووضعه غير معروف مكان احتجازه واعتقاله، علما انه تم نقله إلى المستشفى مرتين بناء على معلومات تم تسريبها إلى الأهل من خلال اتصال هاتفي من شخص أو أكثر قالوا أنهم كانوا محتجزين معه في نفس السجن ، هذا ويعاني المعتقل من الم الظهر " الديسك " ، الذي تزداد وطأته في الأماكن التي تنتشر فيها الرطوبة الشديدة ، حيث إن مكان الاعتقال في تلك الأجهزة،وبناء على ما خبره أصحاب التجارب من معتقلين سياسيين فيما مضى من سنوات يكون في طوابق تحت الأرض تنقصه المعايير والشروط الصحية اللازمة .

المعتقل الذي تحدثنا عنه بالإشارة دون ذكر اسمه هو بالفعل حالة حقيقية ، أنا شخصيا اعرفها ، وقد تجنبت عدم ذكرها بالاسم بناء على رغبة أهله الذين قالوا لي: "إننا لا نرغب بالمواجهة الإعلامية مع الجهات الرسمية ، وكل ما نريده هو أن نتعرف على مصير وحال ابننا بزيارته والاطمئنان عنه ليس إلا "، هذا وقد اضطررت إلى الكتابة وبالإشارة بعدما حاولنا جاهدين ومن خلال إرسال محامينا إلى الجهات الأمنية للاستفسار عن ذلك المعتقل ، لكن وللأسف وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم نحصل على إجابة شافية بشأن وضع وخبر المعتقل الذي توكلنا في قضيته كمؤسسة حقوقية ، حيث اخبروا المحامي الموكل من طرفنا في المرة الأولى بأن اليوم لا توجد زيارات ، وعليه أن يأتي في المرة القادمة لتقديم طلب بإذن الزيارة ، وحينما جاء في المرة الثانية قالوا له بأننا سنتصل عليك لاحقا لتأتي لتقديم الطلب بإذن الزيارة ، وهكذا دواليك يعيش أهل هذا المعتقل في دوامة لا تنتهي من الأخبار المتناقضة حول ما آل إليه وضع ابنهم ، علما أن المعتقل قد تم اعتقاله من منزله بتاريخ 21 - 8 - 2007 ، وهو متزوج وله ثلاثة أطفال وهو المعيل الرئيس لهم ولزوجته وكذلك والديه .

إننا كمؤسسة حقوقية ننظر بخطورة إلى الطريق التي يتم التعامل فيها مع المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية ؛سواء تلك التي تتعلق بطريقة الاعتقال أو بما تتخذه الجهات الأمنية من إجراءات مخالفة للقانون بحق المعتقلين بعد اعتقالهم ؛ فحسب أصول المحاكمات الجزائية الفلسطينية لسنة 2001 ، فان المعتقل يتم توقيفه لمدة أربع وعشرين ساعة ، وإذا ما أريد له تمديد التوقيف لمدة ثمانية وأربعين ساعة أخرى فان الذي يتولى ذلك هو النيابة العامة بعد عرض المعتقل عليها ، وبعد ذلك لابد من عرضه على قاضي الصلح لتجري الموافقة أو عدمها بشأن تمديد التوقيف، وهي لكل فترة واحدة تكون في أقصاها لمدة خمسة عشر يوما قابلة للتمديد من قبل القاضي نفسه ،إذا كان هنالك غرض وضرورة تتعلق بمقتضيات ومتطلبات التحقيق، على أن لا تزيد في مجموعها مجتمعة على خمسة وأربعين يوما ، وإلا فيصبح لزاما وبموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية إطلاق سراح المعتقل المحتجز لدى الجهات المختصة ( المواد 107 ، 108 ،119 ، 120 من قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001 م ) .

كاتب وباحث في مؤسسة التضامن الدولي لحقوق- الإنسان