الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"عين فارس" فقدتْ بريقها

نشر بتاريخ: 10/05/2015 ( آخر تحديث: 11/05/2015 الساعة: 15:33 )
"عين فارس" فقدتْ بريقها

بيت لحم - خاص معا - ... تختلف جغرافيا الاماكن في فلسطين عن باقي دول العالم.. فعندما تتعرف على قرية او بلدة او مدينة على الخارطة او تقرأ عنها دراسات تاريخية عليك التعرّف عليها مرة اخرى على الارض.. فيد الاحتلال طالت كل بقعة على الارض الفلسطينية.. فالبيئة والارض والشجر والتراب مستهدفة بشكل مباشر بالتوازي مع الانسان.

اشتهرت القرى والبلدات الفلسطينية بوفرة المياه تاريخيا فيها بسبب انتشار عيون المياه الغزيرة الا ان السنوات الماضية غيّرت هذه الحقيقة وباتت ذكرى فقط، وتحولت هذه العيون الى مصادر تلوث وامراض.


تجولت معا في قرية نحالين الى الغرب من مدينة بيت لحم، وتوجهنا بعدستنا لرصد والتقاط صورة الى جانب عيون المياه او ما تبقى منها بعد التدمير لتحتار عيونك بين عين المياه ومياه مجاري المستوطنات التي اختلطت ليس بفعل الطبيعة انما بفعل الاحتلال والاستيطان.


وفي هذا السياق، اوضح ابراهيم شكارنة رئيس مجلس قروي نحالين لـ معا ان القرية اشتهرت بعدة عيون مياه وهي "عين قسيس، عين الفقهاء، عين ابو زيد" التي تخضع للسيطرة الاسرائيلية الكاملة حيث انها مصدر مياه للمستوطنين ومكان ترفيه لهم ويمنع على الفلسطيني الوصول اليها، وبالتالي لم نحصل على فرصة رؤيتها.

اما "عين البلد" تتواجد في منطقة تخضع للسيطرة الفلسطينية الا انها تقع على مسافة قصيرة هوائيا من المستوطنات وجيش الاحتلال المتواجد على ابراج المستوطنات، فتعرض الزوار عديد المرات لاطلاق نار واعتداء حتى باتت منطقة خطر فكأن الاحتلال يقول "هي لكم وليست لكم..".



والى الغرب من نحالين، توجهنا الى اشهر عين في القرية "عين فارس" التي باتت "ركام ذكرى"... الى ان انتهت الطريق من القرية صوبها والتي لا يمكننا الاستمرار فيها بقيادة السيارة وتوقفنا بعد عشرات الحفر والمطبّات بفعل التجريف.. ومضينا سيرا على الاقدام لما يقارب 20 دقيقة يرافقنا سكرتير المجلس القروي لتعريفنا بالمنطقة التي ما عادت تشبهها واحتاجت دليلا سياحيا مختصا.

وفي الطريق الى العين، رصدت كاميرا معا اكوام النفايات على جانبي الطريق ليوضح لنا سكرتير المجلس ان حافلات النفايات الصلبة التابعة للمستوطنات تلقي النفايات في هذه المنطقة، فرصدت عدسة معا الطريق.. بقايا اجهزة كهربائية محترقة وابواب وركام حجارة بناء واكوام بلاستيك محترق واكوام غريبة الشكل واللون من النفايات ومعادن ونفايات "جبص" للبناء انتشرت بينها القوارض والحشرات والكلاب الضالة، ما ادى لتدمير واتلاف التربة وبالتالي تدمير الاشجار، وتستمر الطريق بالنفايات الصلبة وصولا الى "عين فارس" التي غمرتها مياه المجاري ومخلفات المصانع في المستوطنات.

واوضح ابراهيم شكارنة رئيس مجلس قروي نحالين لـ معا ان مستوطني مستوطنة "بيتار عيليت" يقومون بفتح مصرف مياه الصرف الصحي المخلوطة بالمواد الكيماوية من مخلفات المصانع على اراضي المواطنين في منطقة "عين فارس" منذ سنوات طويلة، ما ادى لتدمير العين والبركة التابعة لها بشكل كامل، فخسرت القرية عين المياه الاشهر والاغزر وباتت العين مكب نفايات ومصدر تلوث للمواطنين.

واكد شكارنة ان المجلس وبالتعاون مع الجهات المختصة قام بفحص عينة مياه من "عين فارس" في مختبر جامعة النجاح الوطنية بنابلس حيث اظهرت النتائج المخبرية ان المياه التي تتدفق من المستوطنات صوب الارض والاشجار وعين المياه ملوثة بمواد كيماوية وليس فقط مياه الصرف الصحي.

وبالتالي، تدفق مياه مجاري المستوطنات المختلطة بالمواد الكيماوية بشكل مستمر منذ اكثر من 10 سنوات على عين فارس وبركة المياه الخاصة بها والاراضي الزراعية التي تبلغ مساحتها ما يقارب 3500 دونم ادت لتدمير العين "مصدر المياه للمزارعين" وتدمير التربة واتلاف الاف الاشجار من كافة انواع المزروعات، حيث كانت هذه الارض المحيطة بالعين تُمثّل "سلة محافظة بيت لحم" الغذائية في الماضي، وباتت للاسف "مكرهة صحية".

واوضح عدد من المزارعين كبار السن الذين التقتهم معا في المنطقة انهم خسروا عشرات ومنهم مئات الدونمات لصالح بناء المستوطنات، وما تبقى تم الاعتداء عليه بالاتلاف بمياه الصرف الصحي والمواد الكمياوية وما تبقى ايضا يتعرض بشكل مستمر من قبل المستوطنين لتقطيع وتدمير الاشجار واشعال النيران فيها، موضحين ان هذه العين كانت مقسمة في الماضي على العائلات لتسقي اراضيها الزراعية، وكانت مأهولة بالمزارعين وعائلاتهم الذين كانوا يمضون النهار حول العين وفي الارض، الا ان المكان بات خطرا على الاطفال لانتشار القوارض وتدفق المواد الكيماوية والصرف الصحي والنفايات الصلبة.

وكان مركز أبحاث الأرضي اكد ان اعتداءات الاحتلال على البيئة سارت بمحاور عدة أبرزها: مياه المستوطنات العادمة والتي تلوث المياه الجوفية وتعتبر مكرهة صحية لقربها من أماكن السكن، إضافة إلى حرق الأشجار، ومصادرة الأراضي وتجريفها ودفن النفايات الصلبة في الأراضي الفلسطينية.

كما كشف تقرير "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" النقاب عن أن البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تعاني من انتهاكات الإحتلال الجسيمة التي تهدف إلى جعل الحياة مستحيلة على ما تبقى من أراض بعد مصادرة مساحات واسعة بغرض بناء المستوطنات والمعسكرات والمصانع، وأشار إلى أن الإحتلال يضخ ملايين الأمتار المكعبة من المياه العادمة الخارجة من المستوطنات التي تلف الضفة الغربية المحتلة الأمر الذي يؤدي إلى دمار بيئي هائل يتمثل في إتلاف المحاصيل الزراعية وتلوث المياه الجوفية وإحداث أضرار بالثروة الحيوانية.

وذكر تقرير لـ "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" أن المصانع الإسرائيلية تقوم بتلويث البيئة من خلال ما يصدر منها من غازات سامة وتعمد رمي المخلفات الصناعية في أراضي المدن والقرى الفلسطينية القريبة من هذه المصانع مما أدى إلى تغيير لون الأرض إلى الأسود لتصبح غير صالحة للزراعة بفعل تركز عناصر كيميائية ضارة تؤدي لانسداد مسامات التربة.

وأكدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أن هذا التلوث يهدد صحة الإنسان الفلسطيني، حيث أن الأمراض الجلدية والسرطان والأمراض المعوية تنتشر في هذا المناطق، وهو ما يؤدي كذلك الى انتشار الحشرات والقوارض الناقلة للأمراض وعلى وجه الخصوص في فصل الصيف الأمر الذي يؤدي إلى زيادة معاناة الفلسطينيين في الأماكن القريبة وتجعل حياتهم مستحيلة.

تقرير: عبلة درويش