رصاص الاحتلال غيّر مجرى حياتهما للأبد
نشر بتاريخ: 12/05/2015 ( آخر تحديث: 12/05/2015 الساعة: 18:18 )
رام الله- معا - "أنا ما رح أقدر أتزوج أو أنجب أطفالا في المستقبل، هم قضوا على مستقبلي وأخذوا كل شيء مني، هذه الإصابة غيرت حياتي كلها، وكله بسبب الجندي الإسرائيلي اللي أطلق النار عليّ وهو شايفني ولد صغير".
بهذه الكلمات يلخص الطفل فضل أبو عدوان (12 عاما) حالته الصحية بعد مرور أكثر من عام على إصابته بعيارين ناريين أطلقهما صوبه جندي إسرائيلي أثناء تواجده جنوب معبر صوفا بقرية الشوكة الشمالية جنوب قطاع غزة بمدينة رفح، في طريقه لمساعدة شقيقه نضال (29 عاما) بإعادة الأغنام التي كان يرعاها في تلك المنطقة إلى المنزل.
ويعود أبو عدوان في ذاكرته إلى يوم إصابته، الحادي والعشرين من شهر شباط 2014، قائلا إنه كان يبعد حينها عن السياج الحدودي حوالي 150 مترا تقريبا، عندما أطلق جنود الاحتلال النار عليه فأصيب بعيارين، أحدهما في فخذه الأيسر مدخل ومخرج، والآخر "فتت" له خصيتيه واستقر في فخذه الأيسر.
ويضيف أنه مكث ينزف حوالي ثلاث ساعات على مرأى من جنود الاحتلال الذين لم يحركوا ساكنا لإنقاذه، واكتفوا بإبعاد كلاب برية اقتربت منه بإطلاق الرصاص صوبها، إلى حين ما عثر عليه شقيقه علاء (22 عاما) ونقله إلى المستشفى، مستعينا بمجموعة من المواطنين.
ويوضح الطفل للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، أبو عدوان إنه أصبح يعاني من مشاكل كثيرة في حياته، منها الصحية وعلى رأسها عدم قدرته مستقبلا على الإنجاب، إضافة إلى التبول اللاإرادي وضيق بالتنفس خاصة خلال نومه أو عند اللعب، وهذا ما يجعله يحجم عن اللعب مع أصدقائه في المدرسة أو في الحارة، عدا عن آلام تمتد من ركبته وحتى الحوض، وعدم استطاعته الوقوف على قدميه لأكثر من دقيقتين.
ومن الناحية النفسية، يقول الطفل أبو عدوان إنه أصبح يعاني من مشكلة في النوم بسبب كابوس يراوده، وهو أن كلبا يلحقه ويريد أن يلتهمه، كما أنه يخشى الخروج ليلا لأنه يهيأ له أن هناك كلابا تختبئ خلف الأشجار، فضلا عن كونه عصبيا جدا في المنزل وفي الشارع والمدرسة مع أهله وأصدقائه، كما أن مستواه الدراسي تدنى رغم أن الجميع يهيئ له كافة أنواع سبل الراحة، مؤكدا أنه لم يكن كذلك قبل إصابته.
ويضيف: "ما بدي دايما أشعر إني مراقب وإنو الكلاب راح تاكلني، بدي أحس إنو رح يكون إلي مستقبل، لأن مستقبلي راح على إيد الجيش الإسرائيلي".
وفي مخيم دير عمار شمال غرب رام الله، لم يختلف حال باسل صافي كثيرا عن فضل أبو عدوان، فباسل لم يحتفل بعيد ميلاده الثامن عشر الذي أتمه مؤخرا، بسبب معاناته من أثار إصابة بعيار ناري أطلقه عليه جنود الاحتلال الإسرائيلي، أقعده جزئيا عن الحركة.
باسل الذي يقضي يومه مستلقيا على فرشة طبية جلبها والده له خصيصا بسبب معاناته من كسور في عموده الفقري جراء الإصابة أو بالتنقل على كرسي متحرك داخل المنزل بمساعدة أشقائه، أصيب برصاصة حية في الرابع عشر من شهر كانون الأول 2014 خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في قرية بيتللو المجاورة، وكان يبلغ من العمر وقتها 17 عاما.
ويضيف باسل أن الرصاصة اخترقت أسفل بطنه من الجانب الأيسر لتتفتت إلى شظايا صغيرة وتستقر عند أسفل عموده الفقري ملحقة ضررا كبيرا في الأعصاب.
وبدت شظايا الرصاصة ظاهرة بشكل جلي في صور الأشعة التي عرضها باسل على طاقم الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أثناء مقابلته.
وجاء في التقرير الطبي الأولي الخاص بباسل، الصادر عن مجمع فلسطين الطبي بمدينة رام الله يوم إصابته، إن الرصاصة دخلت من البطن أسفل الجهة اليسرى باتجاه أسفل الظهر، مسببة إصابة في القولون مع نزيف في تجويف البطن وكسرا في عظام الحوض وعظام أسفل العمود الفقري، وأنه تم عمل فتحة خارجية للقولون واستكشاف كامل تجويف البطن.
ويقول باسل إنه أصبح مؤخرا ينزل إلى الحارة لرؤية أصدقائه بسبب الملل الشديد الذي يشعر به، ولكنه يضطر إلى نزول 20 درجة متعرجات حبوا حتى يصل الزقاق المفضي للحارة، بينما يقوم أحد أشقائه أو أصدقائه بحمل الكرسي المتحرك وإنزاله له، والشيء نفسه عند صعوده الدرجات للوصول إلى منزله الكائن في الطابق الثاني.
والد باسل، قال إن إصابة ابنه أثرت كثيرا على العائلة من النواحي النفسية والاقتصادية، مبينا أن باسل ترك المدرسة لمساعدته في إعالة الأسرة المكونة من 10 أفراد، إلا أن إصابته جعلته طريح الفراش في المنزل.
وقال الوالد إن باسل لا يستطيع تحريك قدمه اليسرى وإنه يشعر بألم شديد فيها ولا يسمح لأحد بلمسها حتى أخصائي العلاج الطبيعي، وأنه في بعض الأحيان كان يصرخ من الألم لدرجة أن سكان الحارة كانوا يستيقظون ليلا على صراخه.
وأوضح أن الطبيب قال لهم إنه لا يحتاج لعملية جراحية في رجله لكنه بحاجة إلى جلسات علاج طبيعي لها، كما لا يمكن إزالة الشظايا من جسده لأن في ذلك خطورة كبيرة عليه.
ويضيف الوالد أنه كان يعمل داخل "إسرائيل" ولكن بعد إصابة باسل رُفض تصريحه من قبل المخابرات الإسرائيلية، كما رُفض تصريح باسل من قبل المخابرات أيضا، للدخول للقدس لتلقي العلاج في مستشفى المقاصد، ثلاث مرات.
ويشير والد باسل إلى كومة من الأدوية والأكياس الخاصة التي تستخدم لإخراج الفضلات في زاوية الغرفة، قائلا إن تكاليف علاج ابنه أرهقته، فمعظم الأدوية باهظة الثمن يبتاعها على حسابه الخاص لعدم وجودها في المستشفيات الحكومية، إضافة إلى تكاليف المراجعات الدورية للمستشفى.
باسل خضع لعملية جراحية مؤخرا لإغلاق القولون، وهو وأهله يدركون جيدا أن العصب تأثر بشكل كبير جراء الإصابة، لكن ليس أمامهم سوى الأمل يتمسكون به.