الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حركة الفهود السود انطلقت من حي المصرارة

نشر بتاريخ: 18/05/2015 ( آخر تحديث: 20/05/2015 الساعة: 15:05 )
حركة الفهود السود انطلقت من حي المصرارة

بيت لحم - معا - سمعت أجيال فلسطينية وإسرائيلية عديدة بكلمة "الفهد الأسود" كتفاعل من تفاعلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعبر تشكيل خلايا مسلحة تابعة لحركة فتح حملت خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى هذا الاسم، وانتشرت تحديدا في مناطق شمال الضفة الغربية عموما ومنطقة "نابلس" خصوصا.

وسجل أعضاء هذه الخلايا مآثرا نضالية جليلة حُفرت عميقا في الوعي والذاكرة الجماعية والجمعية الفلسطينية ودخلوا سِفر التاريخ النضالي الفلسطيني من بوابة الكفاح المسلح مختارين لأنفسهم الاسم الذي بات صفة ملازمة لهم وللفترة التاريخية التي عاشوها ومثلوها.

لكن هل هناك مع يتذكر "الفهود السود" -"اليهودية" التي شكلها مهاجرون من دول عربية في معظمهم قدموا فلسطين التاريخية عبر موجات الهجرة التي جاءت بيهود المغرب احتجاجا على التمييز العنصري ضدهم وتفضيل يهود أوروبا عليهم؟.

مقدمة كان لا بد منها بهدف توضيح التشابه بالأسماء وليس من باب المقارنة أو المقاربة بين الحركتين أو الاسمين، لان مثل هذه المقارنة غير واردة على الإطلاق...فالفهد الأسود الفتحاوي يقاتل ضمن معركة وطنية شاملة لتحرير الارض والإنسان من الاحتلال فيما مثلت حركة "الفهود السود" اليهودية صرخة احتجاج اجتماعية كادت أن تتحول إلى حركة عصيان مسلح ضد منظومة الحكم الإسرائيلية احتجاجا على عنصرية ميزت هذه المنظومة ولا زالت تنخر عظامها حتى يومنا هذا أعادت احتجاجات يهود اثيوبيا -التي شهدتها مؤخرا القدس وتل ابيب وحيفا وشوارع عديدة في إسرائيل وسال فيها الدم واعتقل العشرات- ذكريات تتحدث عن بدايات مماثلة هزت في حينه المجتمع الإسرائيلي وكادت ان تتحول إلى حرب مسلحة بين اليهود من أصول "عربية" واليهود من أصول غربية انها حركة "الفهود السود".


تعرّف الأدبيات السياسية الإسرائيلية حركة "الفهود السود" كحركة احتجاج إسرائيلية تمثل الجيل الثاني من شباب اليهود المنحدرين من أصول عربية "الذين هاجروا من الدول العربية" ساهمت كثيرا في رفع الوعي الجماهيري للمواضيع الكبيرة التي طرحتها هذه الحركة وتحولت هذه المواضيع إلى قضايا عامة تتصدر الأجندة الاجتماعية والسياسية الإسرائيلية.

أقيمت حركة "الفهود السود" عام 1971 وانطلقت تحديدا من حي "المصرارة" بالقدس الشرقية المحتلة احتجاجا على الظلم والتمييز والتفرقة التي يتعرض لها يهود الدول العربية منذ إقامة إسرائيل عام 1948 وذلك بمساعدة عمال "وحدة الشارع" التابعة لدائرة العمل الجماهيري التابعة لبلدية القدس "الإسرائيلية" الذين احتجوا على ما أسموه في حينه بتجاهل النظام الرسمي للمشاكل الاجتماعية الحادة والقتال من اجل تغير مستقبلهم نحو الأفضل.

وأخذت حركة الاحتجاج اليهودية الشرقية اسمها من حركة الاحتجاج الأمريكية التي شكلها الأمريكان من أصول افريقية.

وكان من ابرز وجوه "الفهود السود" والذين عايشوا وواكبوا انطلاقتها "رؤفين افرجيل، سعدية ميرتسيانو، تشارلي بيتون، رافي مريتسيانو، الي افيخزر، روني هيروفيتش، مائير ليفي، كوخافي شيمش، دافيد ليفي" وهو من سكان المصرارة وليس دافيد ليفي السياسي المعروف، يعقوب افيرجيل، اليعازر افيرجيل، كوكو درعي، كاكي ديان.


ونجح هؤلاء الأشخاص بطرح "جائحة" الفقر والفجوة بين الفقراء والأثرياء والعلاقات الطائفية في اسرائيل ونجحوا بتجنيد جمهور واسع يؤمن بحركتهم ومقتنع بقدرتها على تحسين الوضع ونجحوا ايضا بتجنيد أوساط إعلامية مثل الصحفيين باروخ ندل، حايم غوري، عاموس كينون الذي عملوا على رفع وزيادة الوعي حول هذا النضال والصراع الذي تخضه الحركة.

ومنح "رؤفين افرجيل" لحركة اسمها تيمنا بالحركة الاحتجاجية الأمريكية السوداء التي تحمل نفس الاسم وذلك بعد موافقة رئيس الحركة الأمريكية "انجيلا ديفيس" التي التقت مع "افرجيل".

وانضم فيما بعد لقيادة الحركة، ادي ملكا، يعقوب البز، الذي اتضح فيما بعد بأنه كان عميلا زرعته الشرطة الإسرائيلية داخل حركة "الفهود السود"، فيكتور الوش، متتيتياهو اوليئيل، داني سعيل.


أعلن بداية عام 1971 عن ولادة الحركة وانتشر النبأ وادعت السلطات الإسرائيلية مثل أي نظام حكم "شرق أوسطي" في حينه ان مؤسسي هذه الحركة من أصحاب السوابق الجنائية لكن المخاوف الشديدة انتابت أقطاب الحكم الإسرائيلي الذين أعربوا عن خوفهم من عودة أحداث "وادي الصيلب" وهي إحدى ضواحي حيفا التي شهدت احتجاجات عنيفة عام 1959 والتي بدأت على خلفية شكوى قدمها أصحاب مقهى "روزلين" ضد شخص يقوم بأعمال عربدة ووصلت الشرطة وتعاملت مع هذا الشخص لكن إشاعات سرت عن موته فجرت مظاهرات واحتجاجات عنيفة امتدت إلى منطقة الكرمل وتحولت إلى احتجاجات تعبر عن رفض اليهود الشرقيين للتمييز والتفرقة التي يعانونها على أساس طائفي وانتهت احتجاجات التي اندلعت يوم 9/6/1959 بعشرات الإصابات بين المحتجين والشرطة .

لذلك حين طلب "الفهود السود" الحق في تنظيم مظاهرة رفضت الشرطة الإسرائيلية طلبهم بحجة ماضيهم الجنائي ونفذت حملة اعتقالات احترازية لمنع خروج المظاهرة مع وعد حكومي بإقرار الميزانيات الخاصة بتطوير حي "المصرارة" مكان مولد الاحتجاجات.

ورغم ذلك وحملة الاعتقالات جرت المظاهرة مطلع آذار 1971 وحظيت بتغطية واسعة وأثارت ردود فعل كثيرة لدرجة أن بعض معارضي الحركة قالوا بان قرار منع المظاهرة كان خطا ومتسرع وهو من منحها هذا الزخم الجماهيري وهذه التغطية الواسعة.

اجتمعت رئيس الوزراء الإسرائيلية في ذلك الوقت "غولدا مائير" يوم 13/4/1971 مع خمسة من كبار قادة الحركة وذلك في مكتبها بالقدس الغربية وكان اللقاء وفقا للمصادر التاريخية الإسرائيلية عاصفا وانجرت "غولدا" إلى حالة من تبادل الكلمات القاسية مع قادة "الفهود السود" الذي غادروا الاجتماع اليتيم الذي جمعهم برئيسة وزراء إسرائيل وقرروا تصعيد نضالهم فيما وصفتهم "غولدا" بالأشخاص غير اللطيفين وهذا القول تحول سريعا إلى اسم لأحد أزقة حي المصرارة حيث وضعت يافطة كتب عليها "زقاق غير اللطيفين".

ووصل الصراع يوم 18/5/1971 إلى ذروته حيث اجتمع ألاف المحتجين في ميدان "صهيون" بالقدس ورددوا شعارات ضد التمييز العنصري وطلبوا بتغير اسم الميدان ليتحول إلى "ميدان يهود الشرق" وكانت هذه المظاهرة أيضا دون تصريح وواجهت الشرطة التي هرعت لتفريقها جمهورا غفيرا وغاضبا رشقها بالحجارة وزجاجات المولوتوف وكانت النتائج قاسية من حيث عدد المصابين في صفوف الشرطة والمتظاهرين حيث أصيب 20 متظاهرا جرى نقلهم للمتشفيات واعتقل حوالي 74 اخرين دوون وجود رقم محدد للإصابات في صفوف الشرطة.


وأجبرت هذه المظاهرة العنيفة حكومة إسرائيل على إبداء الجدية التامة خلال نقاشها لمطالب "الفهود السود" وأقامت لجنة عامة للبحث عن حلول لمشاكلهم والأزمات الاجتماعية التي يعيشها يهود الدول العربية والإسلامية الذين هاجروا لإسرائيل ليواجهوا بعنصرية رسمية وشعبية "غربية".

ومع الأيام تحولت الحركة الاحتجاجية إلى حركة سياسية وخاضت الحركة انتخابات الكنيست الثامنة التي جرت عام 1973 كحركة سياسية ووصلت إلى حدود نسبة الحسم 1% حيث حصلت الحركة على 13332 صوتا تمثل 0:9% من مجموع الأصوات .

وشهدت حركة "الفهود السود" بعد هذه الانتخابات الكثير من الصراعات الداخلية التي تسبب بانشقاقها وتشرذمها حيث التحق زعماء الحركة إلى جزء يساري متطرف من الحزب الشيوعي والى نشطاء فلسطينيين أيضا الأمر الذي أدى إلى انسحاب "يعقوب البز" الذي كان في ماضيه مقاتلا في حركة "الليحي" وبهذا الانسحاب انتهى عمليا فصل النضال الجماهيري لحركة "الفهود السود" التي اندمج بعض قادتها في النشاطات السياسية المحلية محاولين عبر هذه النشاطات تحقيق مطالبهم الاجتماعية.

وشهدت الحركة وفقا للمصادر التاريخية الإسرائيلي نقاشات حادة بين معسكرين أو اتجاهين الأول يدعو لمواصلة النضال الجماهيري فيما استعد الثاني الى "تبني الكفاح المسلح" لتحقيق المطالب الاجتماعية تغيير قواعد اللعبة لكن هذا النقاش انتهى سريعا دون ان تظهر نتائجه على ميدان الفعل اليومي على الأقل.

وعلى أبواب انتخابات عام 1977 انضمت "سعدية مريتسيانو" إلى معسكر "شلي" وهو الاختصار للحركة التي حملت اسم "معسكر السلام لإسرائيل" وهي حركة يسارية وفعلا انتخابات للكنيست عبر ترشيحها على قوائم هذه الحركة فيما فضل الزعيم الأشهر للحركة "تشارلي بيتون" إقامة فرع لحركة الفهود السود بالتعاون مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي "ركاح" ونتج عن هذا " التحالف "حزب" حداش" وانتخبا "بيتون" للكنيست ممثلا عن حزب "حداش" وبقي ضمن قوام أعضاء الكنيست حتى عام 1992.

وبعد مرور أربعين عاما على حرجة الاحتجاج اليهودية الشرقية "الفهود السود" وتحديدا عام 2011 تقرر تسمية زقاقين في حي المصراررة بأسماء تخلد هذه الحركة الأول "طريق الفهود السود" والثاني حمل اسم "زقاق غير اللطيفين".

اعداد: فؤاد اللحام