الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كماشة في الزنزانة

نشر بتاريخ: 24/05/2015 ( آخر تحديث: 24/05/2015 الساعة: 13:13 )
كماشة في الزنزانة
بقلم: خالد معالي
يثير القشعريرة؛ ما كشفه عيسى قراقع، عن استخدام المحققين الصهاينة، أساليب قمعية ووحشية ولا أخلاقية في تعذيب الأسرى خلال استجوابهم؛ وذلك لإجبارهم على الاعتراف بتهم باطلة منسوبة إليهم؛ والتي كان آخرها استخدام كماشة في تعذيب الطفل الأسير نور حمامره (15) من قرية حوسان .

في كل محفل يخرج "نتنياهو" ويتشدق بملء فيه بكذب بواح؛ بان جيشه هو الأكثر أخلاقية من بين جيوش العالم اجمع؛ والحقيقة هي عكس ذلك تماما؛ والشواهد لا تعد ولا تحصى لكثرتها وتكرارها مرارا.

في شهادة الطفل حمامره؛ يقول بان أحد المحققين ويدعى "يوسي" قام باستخدام "كماشة" في تعذيبه؛ عندما أجبره على فتح فمه بالقوة وخلع حبة من جسر التقويم لأسنانه، مهددًا إياه بالاعتراف وإلا سوف يخلع كافة أسنانه؛ حيث نزفت الدماء من فم الأسير وشعر بآلام شديدة في فمه ورأسه؛ مما أجبره على الاعتراف بإلقاء الحجارة أمام هذا النوع الوحشي من التعذيب الذي لا يوصف".

ليس بإنسان؛ من يرى أخيه الإنسان مهما كان لونه او دينه، يهان؛ ولا يحرك ساكنا. ليس بإنسان من يرى أخيه في الإنسانية يتألم؛ ولا ينصره أو يحاول رفع الظلم عنه. كل إنسان لا يتألم لألم أخيه الإنسان بغض النظر عن لونه أو دينه أو انتمائه، فهو بذلك يتجرد من معاني الإنسانية، وينزل للحضيض بأقل مرتبة من الحيوانات؛ ولاحقا يخسر دنياه وآخرته

أحيانا يصعب على المرء الكتابة عن معاناة الأسرى ما لم بتجربة الأسر المريرة، ويعايشها بنفسه، ويعاين الدقائق والثواني التي هي ليست سريعة كما هو في الخارج؛ بل متوقفة، أو بطيئة، وثقيلة، وحملها على النفس أثقل من حمل الأحجار الثقيلة.

خلال التحقيق في الزنازين؛ الزمن يكاد يتوقف، ولا ليل ولا نهار، ولا ساعة، ولا صوت آذان، ولا صباح ولا مساء؛ بل ضوء خافت في سقف الزنزانة، وأصوات السلاسل وطرق أبواب الزنازين، وصراخ التعذيب؛ وهذا كله (كوم)، والبرد القارص أو الحر الشديد؛ (كوم) كما يقولون في المثل العامي.

الطفل نور وهو في الزنزانة وألم الكماشة، ليس له إلا الله، والتضرع إليه، فكل دواء وعلاج يقدم له هو فقط حبة الاكمول، وأحيانا لا يقدمها السجان بل يقول للمريض أن يكثر من شرب الماء.

قد يستغرب المرء أن يعترف طفل او حتى شاب بتهم لم يفعلها؛ ولكن من أشد فترات الأسر والاعتقال هي فترة التحقيق؛ فخلالها يظن المرء انه لا يوجد على هذا الكون، بشر وأناس من لحم ودم؛ بل حيوانات كاسرة على صورة بشر، فلا رحمة ولا إنسانية، ولا عقل، ولا منطق يحكمهم.

كل ما في الأمر ببساطة اعتراف وخلاص؛ وحتى ولو كان كاذبا؛ وهو ما يحصل مع الطفل نور وغيره من الأسر خاصة ذوي التجربة الأولى؛ للخلاص من التعذيب الذي لا يقدرون على احتماله، وهذا يتبع قدرة كل أسير على التحمل والذي يختلف من شخص إلى آخر؛ إلا انه وبالإجمال توجد قدرة وطاقة معينة لكل إنسان.

كماشة وتعذيب في الزنزانة هو أمر غير مسبوق وهو ما يشير إلى أن محققي الاحتلال يحوزون على حصانة من المسائلة من قبل مؤسسات حقوق الإنسان ومن قبل المؤسسات الدولية؛ وإلا ما تجرؤا على انتهاك كل ما تعارفت عليه البشرية من قوانين وأنظمة تحرم وتجرم تعذيب الأطفال.

صور التعذيب كثيرة جدا لدى محققي الاحتلال؛ وكل وسيلة لا تقل همجية ووحشية عن الأخرى فهناك أيضا تقييد الأيدي للخلف، ووضع الكيس النتن في الرأس، والضرب والشبح، وسب الذات الإلهية، والأم والأخت والبنت، ومنع النوم والأكل والشراب…

في المحصلة؛ ثمن الانقسام أضعاف أضعاف ثمن الوحدة؛ ولن يبقى الاحتلال وسيزول كما زال من كان قبله؛ ولكن حتى تلك اللحظة يجب أن نشمر عن سواعدنا؛ ونتفق فيما اتفقنا عليه؛ ونعذر بعضنا فيما اختلفنا عليه؛ ولا ندع التناقضات الفرعية تطغى على التناقض الرئيس؛ فالزمن لا يرجع للخلف؛ والكيس هو من عمل بجد واجتهاد في حاضره لمستقبله؛ ولم يترك مصيره "إذا مالت الريح مال حيث تميل".