الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

سبعينية تعيد الحياة لمهنة تواجه الاندثار

نشر بتاريخ: 01/06/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:01 )
سبعينية تعيد الحياة لمهنة تواجه الاندثار

طولكرم- معا- تبث الحاجة السبعينية زهية عمر "أم محمد" الحياة لمهنة صناعة القش التراثية، فمنذ نعومة أظفارها ورثت المهنة عن والدتها وجاراتها في قريتها علار شمالي طولكرم، ومع تقدم السنون وفقدانها لزواجها قبل 15 عاما؛ باتت مهنة نسج القش بالنسبة للحاجة زهية في غرفتها المتواضعة ببلدة بلعا شرقي طولكرم تعبيرا عن الحفاظ على التراث وتحقيقا للاكتفاء الذاتي.

أمي وجاراتي..
تتحدث الحاجة "أم محمد" (74 عاما)، من بلدة بلعا شرق طولكرم؛ لـ معا حول بداية تعلمها لمهنة نسج القش، قائلة: "حينما كنت في سن (14 عاما)، تعلمت مهنة نسج القش بواسطة أمي وجاراتي وأخواتي، وقتها كنا نحصد القمح والشعير والفريكة، ونضع بعد الحصاد عيدان القش جانبا؛ لنقوم بعد مغادرة الأرض بتجميعها، وحملها للبيت".

وتشير الحاجة أم محمد إلى أنه في ذلك الوقت، كان معظم نساء قريتها ينسجن القش، ويصنعن منه صوان وأطباق وأشكال مختلفة، تستخدم في الطهي وكمناظر، حيث ساد هذا النمط معظم بيوت القرية.


وتؤكد الحاجة عمر على أنها أتقنت نسج القش منذ نعومة أظافرها، مضيفة: "تعلمت كل ما يتعلق بنسج القش ومارستها في بيت والدي، ولم تقتصر درايتي بالصناعات التراثية عند هذا الحد، فتعلمت حياكة الصوف وصناعة الفخار، إضافة لخبرتي في تربية الدواجن".

وتلمح الحاجة زهية إلى أنها منذ زواجها في سبعينيات القرن الماضي، وبسبب ظروف الزواج ومسؤولية الأبناء تركت نسج القش جانبا، قبل العودة إليه مجددا منذ 15 عاما.

نسج القش تراث يكاد ينسى
عودة الحاجة أم محمد لنسج القش، كان بمثابة قفزة شكلها حبها للتراث وسعيها للحفاظ عليه، فالحاجة السبعينية؛ وجدت أن مهنة نسيج القش باتت تعاني الضياع، فقررت أن تحمل هم تراثها، الذي اتقنته في بيت والدها مرة أخرى.

تقول الحاجة زهية: "بعد وفاة زوجي، قررت العودة إلى نسج القش؛ شعرت وقتها أن هذه المهنة التراثية، بدأت تأول للضياع، فقمت بشراء كل ما يلزم وزرعت القمح في الحقول القريبة من بيتي، للحصول على القش الذي قلما نجده في هذا الوقت من الزمان".

وتصر الحاجة أم محمد على أن هذه المهنة لم تعد النساء تتقنها بالشكل المطلوب، بل أنها أصبحت تقتصر عليها في بلدتها بلعا والمنطقة، مما يعني أن تراث آباءها وأجدادها آخذ في طريقه للاندثار.

وتنوه الحاجة السبعينية إلى أنها تجمع القش من كل مكان تستطيع الوصول إليه، وتقوم بصناعة صواني وأواني القش بشكل يومي، مستغلة وقت الفراغ وكبرها بالسن، مضيفة: "أنتج حاليا صنية قش كل خمسة أيام، في حال توفر القش بالكمية المطلوبة، أشعر أن هذا واجب للحفاظ على مهنة تعلمتها منذ صغري، فتراثنا يجب أن لا ينسى".

اكتفاء اقتصادي..
ولم تقتصر رحلة الحاجة زهية عمر عند هذا الحد، فهي استطاعت أن تزاوج بين مهنة تراثية تعلمتها في صغرها واكتفاءها الاقتصادي من مردود تلك المهنة المالي، حيث أنها تصنع من القش أشكال متنوعة، وضع النساء وأصحاب المحال التجارية أمام حقيقة شراء منتجاتها.


تتحدث الحاجة أم محمد، عن قدرتها في وضع مهنة نسج القش كإطار اقتصادي، سمح لها بأن لا تكون عالة على أبناءها السبعة، لتصبح منتجة وتجد مصدرا للدخل من مصنوعات القشية، حيث تقول: "بالفعل قررت أن اكتفي اقتصاديا، وأن أضع خبرتي في صناعة القش أمام قدرتي على إيجاد مصدر للمال، فمنذ عودتي لنسج القش، وصناعتي لإشكال مختلفة منه، طلبت جاراتي وبعض التجار ومن سمع عني أن أصنع له صواني وأطباق من القش مقابل مردود مالي، وهو ما شجعني على الاستمرار بالحفاظ على هذه المهنة التراثية".

وتشير الحاجة زهية إلى أن معرفتها الكبيرة بنسج القش، وضعها أمام ضغوطات العمل المستمر، لتلبية حاجة السوق من الأطباق والصواني القشية، مضيفة: "أبيع الصينية الصغيرة 50 شيقلا والصينية الكبيرة 70 شيقلا، قد يرى البعض أن هذا السعر مبالغ فيه، إلا أنني أجده سعرا معقولا، خاصة في ظل ندرة الأشخاص القادرون على نسج القش، وللحفاظ على التراث".

وتنوه الحاجة السبعينية إلى أنها ورغم تقدمها بالسن ونقص المواد اللازمة لنسج القش، إلى أنها تعمل بشكل متواصل لتلبية احتياجات الزبائن، فآخرهم كان تاجر من قلقيلية اشترى منها أشكال متنوعة من المصنوعات القشية بمبلغ 300 شيكل.

أمثال أم محمد قلائل..
ويعبر تاجر المقتنيات التراثية منتصر اشتيوي، من طولكرم؛ عن أهمية ما تقدمه الحاجة أم محمد للتراث الفلسطيني وإبداعها في نسج القش، مضيفا: "حقيقة ما تقدمه الحاجة أم محمد من صواني وأطباق وأواني قشية، حالة فريدة من نوعها، فالصناعة هنا يدوية، مما يعني أنها ذات جودة عالية، والأهم أنها صناعة تراثية، تشهد إقبالا من الزبائن".

ويثمن التاجر منتصر ما تقدمه الحاجة السبعينية من أشكال منسوجة بالقش؛ ذات جودة عالية وبتقنية متينة.

ويرى التاجر اشتيوي أن هناك حالة من الركود في المصنوعات التراثية، في ظل عزوف الشباب والنساء عن تعلم هذه المصنوعات، حيث لم يتناقلوها من الآباء والأجداد.

ويشدد تاجر المقتنيات التراثية على أن أمثال الحاجة أم محمد قلائل، خاصة وأنه كتاجر يتفقد لمن يستطيع تزويده بالكميات المطلوبة من الصواني والأطباق المنسوجة من القش.

ويطالب التاجر اشتيوي بالحفاظ على التراث، وتحديدا الخزف والقش والصناعات التي صارت تعاني خطر الانقراض، بفعل توجهات الشباب إلى قضايا أخرى، وبقاءها بيد الأجداد.

يذكر أن، نسج القش مهنة تراثية ارتبطت فلسطينيا بالأرض ومواسم حصاد القمح، حيث تعد من المهن التراثية ذات الشهرة الكبيرة، وتحديدا في أواسط النساء، اللواتي شكل نسجهن للقش إشارة إلى دورهن في الحفاظ على الأرض.
تقرير: إيهاب ضميري