نشر بتاريخ: 03/06/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:09 )
بيت لحم- معا - بنظرة واحدة إلى الأرض يعود هؤلاء الجنود إلى الماضي ليعرفوا بالضبط من مر من هنا ومن اجتاز خط الحدود، وماذا يحمل على ظهره، وهل هو أعرج أم سليم، والى أي اتجاه ذهب، ويمكن التمييز بين متسلل عادي وبين "مخرب" كما يصفون المقاتلين الفلسطينيين، كما يمكنهم تمييز حقل عبوات ناسفة بمجرد النظر إلى صخرة توجد في غير مكانها الطبيعي، ويعمل جنودها على الحدود مع لبنان ومصر والأردن وسوريا وداخل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وغزة.
أنها وحدة "قصاصي" الأثر التابعة للجيش الإسرائيلي أو "وحدة غششايم" كما تعرف باللغة العبرية وتتشكل في غالبيتها من جنود بدو تطوعوا لخدمة الجيش الإسرائيلي علما أن أبناء البدو غير مشمولين بالتجنيد الإجباري كما هو حال الدروز لذلك يتطوعون للخدمة العسكرية بإرادتهم الحرة.
أقيمت هذه الوحدة عام 1970 ويمكن القول إن شخصيين أساسيين كانا وراء إقامتها الأول الذي يعتبر وتصفه الوثائق العسكرية الإسرائيلية بصاحب فكرة قص الأثر في الجيش الإسرائيلي "عاموس يركوني" وهو ليس يهوديا بل بدوي اسمه الأصلي "عبد المجيد خضر المزاريب" والذي اختار لنفسه الاسم اليهودي سابق الذكر لدرجة أن فيلما حمل اسم "الغشاش البدو" عرض 2011 أي بعد 20 عاما من موته يروي حكاية "يركوني" أو "المزاريب" هذا البدوي الذي أسس وحدة قصاصي الأثر وحضر عرض الفيلم جنرالات إسرائيليين سابقين وحاليين ورئيس جهاز الشاباك ورئيس الموساد وعدد كبير من أعضاء الكنيست والوزراء في إشارة لأهمية الفيلم وأهمية ما قام به هذا الشخص بالنسبة للجيش الإسرائيلي ولا يدور الحديث هنا عن أهمية الشخص بل أهمية العمل.
أما الشخص الثاني الذي تعتبره أوساط الجيش من أباء ومؤسسي هذه الوحدة فهو البدو "حسين الهيب" الذي شغل منصب "ضابط قصاصي الاثر" في الجيش الإسرائيلي وحصل على رتبة "عقيد".
تطوع في صفوف الجيش الإسرائيلي في ستينيات القرن الماضي وخدم حينها ضمن وحدة "شاكيد" وبعد عدة سنوات انتقل إلى المنطقة الشمالية ليعمل بوظيفة "قصاص اثر المنطقة الشمالية" والمقصود بالمنطقة الشمالية هنا الحدود اللبنانية والسورية وشارك في حرب أكتوبر وعملية "الليطاني" وهي عملية غزة جنوب لبنان التي وقعت عام 1978 وشارك أيضا في غزة لبنان عام 1982 وبقي في لبنان حتى قبيل الاندحار الإسرائيلي عام 2000 حيث تسرح من الجيش بعد خدمة استمرت حوال 37 عاما.
تتكون وحدة "قصاصي الاثر" من مئات الجنود غالبيتهم العظمى من البدو ويتسلحون ببنادق (M-16) لكن سلاحهم الرئيسي هو نظرهم الحاد وسمعهم القوي ويقومون بالدوريات على مختلف الحدود والجبهات ويواصلون مطاردة المقاتلين الفلسطينيين الذين يحاولون التسلل لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية إضافة لمطاردهم للمتسللين الباحثين عن عمل في إسرائيل ولم تجد إسرائيل حتى ألان بديلا عن عين قصاص الأثر رغم ما تمتلكه من تكنولوجيا وأقمار صناعية حسب وصف احد كبار الضباط الإسرائيليين.
وقال ضابط قصاصي الأثر في اللواء الجنوبي المسؤول عن احتلال وتدمير غزة البدوي" منذر سويدان عرامشة" واصفا طبيعة قصاص الأثر في تصريح نقله موقع "ابزم" العبري المختص بشؤون الجنود والجيش يوم 24/4/2014 قص الأثر مهنة يكتسبها الإنسان منذ الطفولة ويتقنها رعاة الغنم الذين ساروا على اثر ماعزهم وعرفوا المنطقة جيدا.
"ورغم انتقالنا للعيش في المدن والقرى ما زالت تقاليدنا وأغنامنا موجودة ويصل ألينا الجندي "قصاص الأثر" حاملا لهذه الحاسة ونقوم نحن بتطويرها أكثر فأكثر بما في ذلك تدريبه على العمل مع كافة الفرق والوحدات العسكرية".
وأضاف هذا الضابط البدوي "تعمل وحدة قصاصي الأثر على تراكم الخبرات فالجندي الذي ينهي التدريبات الأولية نتقل إلى دورة تدريبية من أربعة اشهر يحصل خلالها على خبرات عملية متخصصة في هذا المجال".
وأوضح الضابط قصاص الأثر أن ما يراه قصاص الأثر ويتميز فيه عن الآخرين هو "الأثر" حيث يرى أثار الأشخاص التي لا يمكن للإنسان العادي رؤيتها وبناء على هذه الآثار يمكنه معرفة الكثير من المعلومات مثل عمر هذه الآثار بمعنى متى اجتاز صاحبها المنطقة؟ ويمكن أن يعرف إذا كان الشخص أعرج أم سليم وذلك حسب ميل ظل الشمس وطبيعة "الأثر" حيث يضغط الشخص الأعرج على القدم السليمة أكثر من العرجاء وبالتالي تغوص فالأرض أعمق من القدم الأخرى ويمكن لقصاص الأثر وفقا لأقوال الضابط البدوي أن يعرف فيما إذا كان صاحب "الأثر" يحمل شيئا على ظهره أم لا والى أي اتجاه سار واتجه.
والغريب أن قصاص "الأثر" يمكن أن يميز بين أهداف "التسلل" والإجابة على السؤال هل يتعلق الأمر بباحث عن عمل أم مسلح ينوي تنفيذ عملية؟ حيث قال الضابط البدوي في هذا السياق "يمكننا استخلاص الكثير من المعلومات إذا فهما وحللنا الأثر جيدا فالشخص الذي يجتاز الحدود ويتوقف قليلا وينظر حوله ومن ثم يغير اتجاهه يثير الشبهات أكثر من الشخص الذي يتسلل ويواصل طريقه بشكل عادي؛ لان الأول يظهر وكأنه يبحث عن هدف ما لذلك يتوقف ويفكر ويراقب أما الشخص الذي يواصل طريقه بشكل عادي فنحن نفهم بأنه لا يعرف إلى أين يتجه لذلك نعتقد بأنه باحث عن عمل.
ويدعي غسان عرامشة متفاخرا بان قصاصي الأثر في منطقة غزة أنقذوا كتائب كاملة من الجنود قائلا ردا على سؤال حول عدد المرات التي أنقذ فيها حياة جنود لقد توقف عن العد منذ زمن طويل لقد كشف قصاصو الأثر في غزة كميات كبيرة من العبوات وأنقذوا حياة كتائب كاملة".
وأخير اظهر الجيش الإسرائيلي في أكثر من مرة عدم ثقته "المطلقة" بالجنود البدو الذين يفضل أن يكونوا في مقدمة صفوف الجنود والكتائب المتقدمة في ساحات القتال لحمايتها أو للعمل ضمن دوريات الحراسة اليومية على الحدود لكن حين يتعلق الأمر بالحاجة إلى قصاصي "اثر" لحراسة مفاعل ديمونا يلجأ الجيش الإسرائيلي إلى يهود إثيوبيا وجند العشرات منهم وأخضعهم لدورات تدريبية في مهنة "قص الأثر" وعينهم ضمن حراسة مفاعل ديمونا النووي لسبب بسيط هوان الجنود البدو لم يحصلوا على التصاريح الأمنية المناسبة والمطلوبة للاقتراب من المفاعل والعمل على حراسته حتى كقصاصي اثر.
وذكر موقع "هأرتس" الالكتروني الناطق بالعبرية يوم 1/11/2009 أن عشرات الجنود اليهود من أصول إثيوبية تسجلوا لدورة تدريبية ضمن "مدرسة قصاصي الأثر" التابعة للجيش لتأهيلهم للعمل ضمن حراسات مفاعل ديمونا وبهذا يكون هؤلاء الجنود أول قصاصي اثر في الجيش من غير اليهود وتم تدريبهم فقط لان قصاصي الأثر البدو لم يحصلوا على الموافقات الأمنية التي تسمح لهم بحراسة المفاعل النووي.
اعداد ومتابعة: فؤاد اللحام