الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا يحتجز بشار الفلسطيني منذ 30 عاماً في سجون بشار سوريا؟

نشر بتاريخ: 05/06/2015 ( آخر تحديث: 10/07/2019 الساعة: 20:18 )
لماذا يحتجز بشار الفلسطيني منذ 30 عاماً في سجون بشار سوريا؟
بيت لحم- خاص معا - حينما قرأنا رواية "القوقعة" التي وصف فيها الكاتب مصطفى خليفة حجم الذل والظلم في السجون السورية، وقفنا لوقت طويل نحلق في خيالنا ونتساءل عن مدى واقعية هذه الرواية، ولكن عندما سردت لنا عائلة فلسطينية قصة إبنها الذي وقع بقبضة المخابرات السورية لمدة 30 عاماً دون أن يعرف تهمته أو مدة محكوميته، حينها فقط سقط الشك أمام نهر جار من أسئلة لم يعثر لها على إجابات.

عملية البحث عن إبن قرية العرقة غرب جنين، انطلقت وجابت العائلة خلالها بلاد الشام بحثاً عن أي معلومة توصلها إلى نجلها بشار شريف علي يحيى، ابن الثانية والعشرين حينها والذي بلغ الثانية والخمسين من عمره اليوم، لم تعرف الأم والأب خلالها إلا السهر والقلق على مصير بشار الذي وطئت قدماه أرض سوريا في العام 1985 ولم تعرفا طريق العودة.

مات الأب بقلبه غصة.. والأم سلاحها الأمل

الحاجة عائشة محمود "أم فتحي" نال منها غياب فلذة كبدها بشار ومل منها السهر وهي لم تمل أو تكل بانتظار عودته إلى دياره، على عكس والده الذي لم يتحمل فراق نجله فوقع قسراً أمام المرض الذي قطع أي أمل بلقاء يجمعه ببشار، رحل تاركاً خلفه صورة معلقة على جدار، وحلماً لم يكتمل برؤية الأحباب.
ثلاثون عاماً مرت وأم فتحي تصلي ليل نهار كي تنكسر اصفاد الاعتقال وتتحطم اقفال السجن ليتمكن بشار من العودة إلى احضانها ومسقط رأسه قرية عرقة.

مشهد الانتظار قاتل، وهو محنة لا يرغبها أحد، لكن عائلة بشار تحاول التعايش معها أملا بلحظة تحين مع عودة إبنها من سجون سورية كبيرة لا يخرج منها إلا من كان ذو حظ عظيم.

بعد 20 سنة من البحث.. بوادر أمل وانفراج

في بداية العقد المنصرم وبعد مرور 20 عاماً على عملية البحث بوادر الانفراج لاحت من أفق بعيد تحمل معها نسيماً يلطف حرارة قلق العائلة حين علمت أن بشار حي يرزق ويقبع في سجن "عدرا" السوري.

تقول أم فتحي لـ معا: " بعد 20 عاماً من البحث عثرنا على بشار حمدنا الله أنه بصحة جيدة، فكانت الاقدار حاضرة حين أخبرتنا عائلة مقدسية كانت تزور ابنها المعتقل في سجن (صيدنايا) لتعلم صدفة أن بشار معتقل بذات السجن، وتنقل لنا البشائر، لتعيد فينا التصميم على استئناف البحث عن طريق توصلنا إليه".

"إبني بشار سافر إلى الأردن باحثاً عن العمل لم نكن نعلم أنه سيتجه لسوريا، وبعدة مرور عدة أشهر علمنا بنبأ اختفائه من خلال أحد أقاربنا في الأردن، ولم يتسنى لنا معرفة ذلك مسبقاً لعدم وجود هواتف نقالة بحوزتنا تلك الفترة، وبعد التقصي عرفنا أنه سافر إلى سوريا لكن لم ندرك السبب ورأء ذلك"، توضح أم فتحي.

وتابعت سرد القصة قائلة: واصلنا مع أكثر من جهة رسمية ومعارف وأقارب حتى نتمكن من دخول الأراضي السورية ونقابل ابننا بشار، الأمر لم يكن سهلاً، عانينا الكثير حتى حصلنا على تصريح من المخابرات السورية لمقابلته".

الأم تلتقي فلذة كبدها وتناشد الرئيس بالتدخل

وصلت أم فتحي للسجن الذي يحتجز فيه بشار وهو الأبن الرابع لها ترتيباً بين أشقاءه الثمانية وشقيقاته الأربع، وكُتب لها أن تلتقي به دون أن تعانقه ويداها تتعلقان بقضبان السجن التي صدأت على ابنها دون أن ترحمه ولو للحظة، عاشت خلالها الوالدة شعور الأصم الفاقد للقدرة على التعبير والكلام تاركة للعيون ودمعها حرية التعبير عن لوعة غارت في أعماق القلب الجريح.

وبحسب نظام الزيارات في السجن، كان لا يسمح للزائر بأكثر من ربع ساعة للقاء السجين، فلم تكن هذه المدة كافية لأم فتحي وبشار حتى يلخصا أحداث أكثر من 30 سنة أو لتتعرف الأم سبب اعتقال ابنها كل هذه السنوات.

وقبل أن تنهي أم فتحي حديثها لـغرفة تـحريـر معا، أبرقت بعبارات ترويها الحسرة وألم الفراق بمناشدة للرئيس محمود عباس للتدخل وكشف مصير بشار والمساعدة بالإفراج عنه، "أريد أن احضن بشار وأزوجه حتى افرح به قبل أن يقبض الله روحي".

لماذا اعتقل بشار؟ وما تهمته؟

حتى الآن لم نعلم، لماذا اعتقل بشار؟ وما تهمته؟ وكم مدة محكوميته؟، معا توجهت بهذه التساؤلات إلى فهد يحيى شقيق المعتقل بشار، والذي التقى به لمرة واحدة منذ ثلاثين عاماً في العام 2010 بعد أن حصل على تصريح من الاستخبارات السورية.

خمسة وعشرون عاماً مضت كفيلة أن تمسح معالم الشباب عن وجه بشار الذي لم يتسنى له أن يلتحق بالتعليم الجامعي، كفيلة بتعاقب ظلمة السجن وغياب النور أن تغير النفوس، فحين التقى الشقيقان لم يعرفا بعضهما البعض فالصور التي طبعت بالذاكرة لم تتطابق مع ملامح الوجوه التي لعبت بتفاصيلها السنين، كما روى فهد.
وتابع: سمح لي بلقاء أخي 10 دقائق فقط، تبادلنا خلالها الحديث وحاولت أن احصل على إجابات عن سبب وجوده في السجن لكنه رد بأنه احتجز في سجن تدمر في البداية ونقل إلى سجون أخرى وحتى اليوم لم توجه له أي تهمة ولم يعرض على أي قاض ولم تحدد مدة اعتقاله.

"والدي الذي ذهب لسوريا اكثر من مرة وحاول أن يصل بشار أو يفهم قضيته لكن دون جدوى، أعياه المرض وانتقل إلى الرفيق الأعلى، ولم يكن يعلم شقيقي بشار بهذا الأمر فحين أخبرته أنه انتظره كثيراً قبل أن يفارق الحياة، صدم ولم يستطع أن يتحامل على وجعه فانهار باكيا في سجنه"، قال فهد.

منعطف حاد في القصة.. انقطاع الزيارات

ومع ولوج سوريا في معمعة الاحداث والصراع الداخلي قبل 4 سنوات تحولت قضية السجين بشار إلى منعطف حاد انعكس على عائلته بمزيد من الشؤوم والخوف على مصيره.

ويضيف فهد: إن آخر مرة زارت العائلة خلالها بشار كانت قبل نحو أربع سنوات، ومنذ تلك الفترة لم يعد ممكنا ترتيب أي زيارة له، وبقيت رسائل قليلية ينقلها الصليب الاحمر خيط التواصل الوحيد الذي يؤكد بقاء بشار حيا ويعطي بارقة أمل لأمه بأن يوم الحرية قد يأتي من بين رماد الأيام السوداء.

العائلة قالت لـ معا إنها توجهت إلى العديد من الجهات الرسمية في محاولة منها التدخل لايجاد حل يخرج بشار من سجون سوريا، لكن وعوداً تلقتها دارت في دائرة مفرغة لم تترك أي أثر خلفها على مدار سنين الاعتقال، ولم تؤتِ أكلها حتى اليوم

وقبل نحو أسبوعين أرسل بشار رسالتين إلى العائلة عن طريق الصليب الأحمر ولا نعلم إن كانت هي الأخيرة وهذا ما جاء فيها: